همي الدعوه
27 Mar 2009, 02:21 PM
الربا والدولار..وجهان لأزمة واحدة
| 30/3/1430
المظاهرات الحاشدة تجتاح عواصم كثير من الدول في القارات الخمس، وهي تضم ملايين الساخطين الذين أصبحوا ضحايا لما قيل: إنها أزمة مالية تمسّ أمريكا بالدرجة الأولى والاتحاد الأوربي بالدرجة الثانية!! لكنها مثل كرة ثلج تهبط من قمة جبل شاهق سرعان ما يتضاعف حجمها وتتزايد سرعتها، فقد تبين خلال شهور معدودات أن المشكلة المالية باتت معضلة اقتصادية لتتحول أخيراً إلى مأزق اجتماعي يهدد الاستقرار بصورة تجعل من محاولات توقع مساراتها نوعاً من الشعوذة، باستثناء ازدياد المخاوف وكآبة المستقبل المنظور!!
فالأقوياء المهيمنون يحرصون كل الحرص على طمس معالم الحالة المرعبة، وادعاء قدرتهم على إدارة الأزمة، بالتهوين من حدتها تارة، وبالتمويه على جوهرها. وهذه هو سر الامتعاض الأمريكي الشديد والصريح من دعوات الصين الشيوعية إلى الاتفاق بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي ، على إحلال عملة عالمية جديدة محل الدولار الأمريكي، الذي أصبح أبرز مظاهر الاضطراب المتنامي في اقتصاد العالم كله.
فبالرغم من أن نصيب الدعوة الصينية من التطبيق يبدو ضئيلاً أو شبه منعدم-في المدى المنظر على الأقل-، فإن العم سام استشاط غضباً، لأنه لا يرغب في مجرد الإشارة إلى عملته باعتبارها مشتبهاً به، فكيف والصين تعلق الجرس وتؤكد ضمنياً أن الدولار الأمريكي هو المتهم الرئيسي في المأزق الذي تضيق المخارج منه، ما دامت المعالجات القائمة سطحية تتركز على الأعراض والآثار الجانبية دون التصدي لأسباب المشكلة في العمق.
إن واشنطن ينتابها الذعر من الدعوة الصينية التي يمكن أن تستقطب مزيداً من الدول التي تتجرأ على تسمية الأشياء بأسمائها، ولو أنها لا تتعامل إلا مع نصف الحقيقة المتعلق باستبداد الأمريكيين وتحكمهم شبه المطلق باقتصاديات الإنسانية كافة من خلال الدولار العاري من أي قيمة فعلية باستثناء القيمة الافتراضية التي تحددها مصالح كبريات الشركات الأمريكية صعوداً أو هبوطاً.أما نصف الحقيقة الآخر الذي لا تتبناه الصين ولا سواها، ليس غفلة عنه، بل رفضاً عقدياً له، فهو البنية الربوية التي تعد الأساس الأكبر للاقتصاد الرأسمالي.ومن المفارقات المثيرة للاهتمام أن الشيوعية لا تقرّ الربا من الوجهة النظرية لكنها تسير عليه في الممارسة الواقعية استناداً إلى حذلقات لفظية ومماحكات تمويهية.
إن سكوت العالم على تحول الدولار إلى عملة عالمية شبه متفردة عقب الحرب العالمية الثانية(1939-1946م)، هو المسؤول الثاني –بعد الربا-عما آلت إليه أحوال البشر كافة من النواحي الاقتصادية وما يترتب عليها من تبعات وآثار اجتماعية. بل هو شريك الربا وقرينه!!
وازدادت الأمور سوءاً منذ عام 1971م، عندما قرر الأمريكان استغفال العالم، بفك الصلة القديمة بين كمية الدولارات المطبوعة وما يغطيها من الذهب.فقد أصبح في وسعهم تحديد الأسعار الفعلية لمختلف السلع والمنتجات والخدمات في شتى أنحاء الأرض، وبخاصة السلع الرئيسية التي تنعكس عملياً على سائر المنتجات والمواد الخام وغيرها.ولعل أشهرها وأكثرها حيوية النفط، باعتباره العصب الأساسي في حركة الاقتصاد العالمي.
وما من شك في أنه يتعذر اليوم اتخاذ قرارات مرتجلة بالتخلي عن الدولار في المعاملات الدولية، بالنظر إلى الإرث المرهِق والركام الهائل والتعقيدات الضخمة في ظل تفكك سياسي ورهبة من القوة الأمريكية التي تقر رسمياً في خططها الإستراتيجية للحروب الوقائية استعدادها الفوري لشنّ حرب ضروس على كل ما-ومن-يهدد تفوقها الاقتصادي (أي سيطرتها الراهنة على ثروات الآخرين).
لكن تعليق الصين لجرس الإنذار-بصرف النظر عن الدوافع ومدى الجدية في مواصلة الحملة الحالية-يظل خطوة مهمة، قد يتاح لها أن تبدأ في تغيير مسار العلاج بعيداً عن المسكّنات التي يصر الأمريكان على أنها العلاج اليتيم والشافي!! فالمهم أن تتضافر الجهود لتشخيص المشكلة بشيء من الصدق والشفافية الجريئة، حتى لو تأخر الاعتراف بفداحة أضرار الربا على حاضر الإنسانية ومستقبلها معاً.
موقع المسلم
| 30/3/1430
المظاهرات الحاشدة تجتاح عواصم كثير من الدول في القارات الخمس، وهي تضم ملايين الساخطين الذين أصبحوا ضحايا لما قيل: إنها أزمة مالية تمسّ أمريكا بالدرجة الأولى والاتحاد الأوربي بالدرجة الثانية!! لكنها مثل كرة ثلج تهبط من قمة جبل شاهق سرعان ما يتضاعف حجمها وتتزايد سرعتها، فقد تبين خلال شهور معدودات أن المشكلة المالية باتت معضلة اقتصادية لتتحول أخيراً إلى مأزق اجتماعي يهدد الاستقرار بصورة تجعل من محاولات توقع مساراتها نوعاً من الشعوذة، باستثناء ازدياد المخاوف وكآبة المستقبل المنظور!!
فالأقوياء المهيمنون يحرصون كل الحرص على طمس معالم الحالة المرعبة، وادعاء قدرتهم على إدارة الأزمة، بالتهوين من حدتها تارة، وبالتمويه على جوهرها. وهذه هو سر الامتعاض الأمريكي الشديد والصريح من دعوات الصين الشيوعية إلى الاتفاق بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي ، على إحلال عملة عالمية جديدة محل الدولار الأمريكي، الذي أصبح أبرز مظاهر الاضطراب المتنامي في اقتصاد العالم كله.
فبالرغم من أن نصيب الدعوة الصينية من التطبيق يبدو ضئيلاً أو شبه منعدم-في المدى المنظر على الأقل-، فإن العم سام استشاط غضباً، لأنه لا يرغب في مجرد الإشارة إلى عملته باعتبارها مشتبهاً به، فكيف والصين تعلق الجرس وتؤكد ضمنياً أن الدولار الأمريكي هو المتهم الرئيسي في المأزق الذي تضيق المخارج منه، ما دامت المعالجات القائمة سطحية تتركز على الأعراض والآثار الجانبية دون التصدي لأسباب المشكلة في العمق.
إن واشنطن ينتابها الذعر من الدعوة الصينية التي يمكن أن تستقطب مزيداً من الدول التي تتجرأ على تسمية الأشياء بأسمائها، ولو أنها لا تتعامل إلا مع نصف الحقيقة المتعلق باستبداد الأمريكيين وتحكمهم شبه المطلق باقتصاديات الإنسانية كافة من خلال الدولار العاري من أي قيمة فعلية باستثناء القيمة الافتراضية التي تحددها مصالح كبريات الشركات الأمريكية صعوداً أو هبوطاً.أما نصف الحقيقة الآخر الذي لا تتبناه الصين ولا سواها، ليس غفلة عنه، بل رفضاً عقدياً له، فهو البنية الربوية التي تعد الأساس الأكبر للاقتصاد الرأسمالي.ومن المفارقات المثيرة للاهتمام أن الشيوعية لا تقرّ الربا من الوجهة النظرية لكنها تسير عليه في الممارسة الواقعية استناداً إلى حذلقات لفظية ومماحكات تمويهية.
إن سكوت العالم على تحول الدولار إلى عملة عالمية شبه متفردة عقب الحرب العالمية الثانية(1939-1946م)، هو المسؤول الثاني –بعد الربا-عما آلت إليه أحوال البشر كافة من النواحي الاقتصادية وما يترتب عليها من تبعات وآثار اجتماعية. بل هو شريك الربا وقرينه!!
وازدادت الأمور سوءاً منذ عام 1971م، عندما قرر الأمريكان استغفال العالم، بفك الصلة القديمة بين كمية الدولارات المطبوعة وما يغطيها من الذهب.فقد أصبح في وسعهم تحديد الأسعار الفعلية لمختلف السلع والمنتجات والخدمات في شتى أنحاء الأرض، وبخاصة السلع الرئيسية التي تنعكس عملياً على سائر المنتجات والمواد الخام وغيرها.ولعل أشهرها وأكثرها حيوية النفط، باعتباره العصب الأساسي في حركة الاقتصاد العالمي.
وما من شك في أنه يتعذر اليوم اتخاذ قرارات مرتجلة بالتخلي عن الدولار في المعاملات الدولية، بالنظر إلى الإرث المرهِق والركام الهائل والتعقيدات الضخمة في ظل تفكك سياسي ورهبة من القوة الأمريكية التي تقر رسمياً في خططها الإستراتيجية للحروب الوقائية استعدادها الفوري لشنّ حرب ضروس على كل ما-ومن-يهدد تفوقها الاقتصادي (أي سيطرتها الراهنة على ثروات الآخرين).
لكن تعليق الصين لجرس الإنذار-بصرف النظر عن الدوافع ومدى الجدية في مواصلة الحملة الحالية-يظل خطوة مهمة، قد يتاح لها أن تبدأ في تغيير مسار العلاج بعيداً عن المسكّنات التي يصر الأمريكان على أنها العلاج اليتيم والشافي!! فالمهم أن تتضافر الجهود لتشخيص المشكلة بشيء من الصدق والشفافية الجريئة، حتى لو تأخر الاعتراف بفداحة أضرار الربا على حاضر الإنسانية ومستقبلها معاً.
موقع المسلم