المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكم زوجات وأبناء أنصار الطواغيت



قائد_الكتائب
18 Mar 2009, 09:18 PM
حكم زوجات وأبناء أنصار الطواغيت

لفضيلة الشيخ ابي محمد المقدسي

بسم الله الرحمن الرحيم.
الشيخ الفاضل أبو محمد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أرجو توضيح الآتي لي؛ ماذا يترتب على كفر أنصار الطاغوت من وزراء وجيوش ومخابرات من أحكام بحق أزواجهم؟ وما هو الحكم في أزواجهم إن بقوا تحت عصمتهم ولم يفارقوهم؟ وبالطبع فإن أولئك الزوجات - على ما أعتقد - لا يخطر حتى على بالهن أمر كفر أزواجهن.
وجزاكم الله خيرا.


* * *
الجواب:

بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد...

الأخ الفاضل (... )؛

السلام عليكم.

أما عن سؤالكم؛ فقد كنت قد تعرضت له وفصلت الإجابة عليه من قبل في رسالتنا "الثلاثينية في التحذير من أخطاء التكفير" - التي يسر الله طباعتها، وستنشر قريبا بإذن الله في الموقع على الإنترنت - حيث تطرقت في الخطأ العشرين من أخطاء التكفير إلى تفصيل هذا الموضوع، فلا بأس من أن أنقله لك كاملا هنا...

ومن الأخطاء الشنيعة في التكفير أيضاً؛

إطلاق حكم التكفير أو لوازمه على أزواج وأولاد عساكر الشرك والقوانين أو نحوهم من المرتدين وعدم مراعاة حال الاستضعاف:

وهذا من الأخطاء الشنيعة التي خاض فيها بعض المتهورين والمتحمسين في زماننا، مع أن تكفير الطواغيت وأنصارهم من عساكر الشرك والقوانين أو غيرهم ممن ينتسبون للإسلام ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، لا يلزم منه في هذا الواقع المرير الملتبس، تكفير أولادهم أو زوجاتهم أو آباءهم المظهرين للإسلام، فما لم يظهر أحدهم سببا من أسباب الكفر الظاهرة؛ فبأي شيء يكفر؟ خصوصاً إن كانوا ممن لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.

فقد قال تعالى: {أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى}، وقال سبحانه: {ولا تزر وازرة وزر أخرى، وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى}.

وقال تبارك وتعالى: {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجّني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين}، فهذه امرأة صالحة، بل من خير نساء العالمين، كانت تحت أخبث أهل الأرض وأكفرهم، وأشدهم حرباً للدين في زمانه.

يقول شيخ الإسلام عند قوله تعالى {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون}، بعد أن بين بأن المراد بأزواجهم؛ نظراؤهم وأشباههم وقرناؤهم وأتباعهم، قال رحمه الله: (وليس المراد أنه يحشر معهم زوجاتهم مطلقاً؛ فإن المرأة الصالحة قد يكون زوجها فاجراً، بل كافراً، كامرأة فرعون) [1].

والسيرة النبوية المطهرة، وسيرة السلف الصالح وصدر هذه الأمة فيها من الأمثلة الكثيرة التي يؤخذ فيها الزوج الكافر أو المرتد وتترك زوجته، وتعامل معاملة المسلمين لإسلامها، ولعدم ثبوت الردة عليها.

ومن أشهر الأمثلة على ذلك؛ زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ زوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي العاص بن الربيع وهو على شركه، وهو ابن أخت خديجة بنت خويلد، وذلك قبل أن ينزل الوحي عليه، ولما نزل عليه الوحي دعاه إلى الإسلام، فأبى وثبت على شركه، وأسلمت زينب وأقامت على إسلامها وهو على شركه حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقيت ابنته تحت أبي العاص في مكة، من جملة النساء والولدان والمستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، وبقيت عنده على ذلك وهو مقيم على شركه، إلى أن كان يوم بدر وخرج أبو العاص مقاتلاً مع كفار قريش وأصيب في الأسارى، ولما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لها وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا، فأطلقوه، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وعداً بأن يخلي سبيل زينب، فلما خلى سبيل أبي العاص وخرج إلى مكة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار ليكونا قرب مكة إلى أن تمر بهما زينب فيصحبانها حتى يأتيانه بها، فخرجا إليها، وذلك بعد بدر بشهر... إلى آخر القصة وفيها أن كفار قريش اعترضوها بادئ الأمر ثم أذنوا لها، وفيها أن زوجها أبي العاص خرج تاجراً إلى الشام وأنه لما قفل اعترضته سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابوا ما معه وهرب أبو العاص، ثم أقبل إلى المدينة حتى دخل على زينب فاستجار بها فأجارته في طلب ماله، وذلك كله قبل أن يسلم.

والقصة مشهورة معروفة في السيرة وكتب التاريخ، وأجزاء منها رواها أصحاب السنن بأسانيد صحيحة، فهذه ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيت مستضعفة تحت رجل مشرك محارب مدة، ولم يقدر المسلمون على تخليصها منه إلى أن أعز الله الإسلام في بدر وأمكن الله من زوجها، ثم سعت في فدائه، ولم يخدش ذلك كله في إسلامها كونها كانت مستضعفة.

وكذلك كان حال غيرها من النساء المؤمنات ممن أسلمن في مكة، ولم يتمكنّ من الهجرة، وكنّ ممن قال الله تعالى فيهم: {ولولا رجالٌ مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرّة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تَزَيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً}، فسماهن الله مؤمنات رغم إقامتهن في دار الكفر، ومنهنّ من كانت تحت كافر، ولم يخدش ذلك في إسلامهن لاستضعافهنّ.

وقال تعالى أيضاً: {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا * فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً}.

ومثل ذلك "آزاد" زوجة "شهر بن باذان" عامل الرسول صلى الله عليه وسلم ووالي المسلمين في اليمن؛ الذي قتله الأسود العنسي وتغلّب على صنعاء، وتزوّج زوجته المسلمة التي ثبتت على إسلامها، ولم تصدق بنبوته المدعاة، ولكنها لم تظهر ذلك، بل بقيت مستضعفة تحته إلى أن قتله ابن عمها "فيروز الديلمي" بتنسيق معها.

يقول ابن كثير في "البداية والنهاية" [2] عن الأسود: (وتزوج بامرأة شهر بن باذام وهي ابنة عم فيروز الديلمي، واسمها أزاد، وكانت امرأة حسناء جميلة، وهي مع ذلك، مؤمنة بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ومن الصالحات) أهـ.

والمختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب أيضاً، كانت تحته امرأتان كلاهما ابنة صحابي، الأولى أم ثابت بنت سمرة بن جندب، والثانية عمرة بنت النعمان بن بشير؛ فقد تزوجهما قبل أن يدعي النبوة ويرتد، ولما تمكن مصعب بن الزبير ومن معه من المسلمين من المختار وقتلوه، لم يحكموا بكفر هاتين المرأتين مباشرة لمجرد كونهما زوجتا الكذاب المرتد، فقد كانتا بالأصل مسلمتين، ولذلك جاء مصعب بهما وسألهما عنه، فقالت الأولى: (ما عسى أن أقول فيه إلا ما تقولون أنتم فيه)، فتركها، واستدعى الثانية فقالت: (رحمه الله لقد كان عبداً من عباد الله الصالحين)، فسجنها وكتب إلى أخيه عبد الله بن الزبير يسأله ما يفعل بها؟ ويقول: (إنها تقول إنه نبي)، فكتب إليه؛ أن أخرجها فاقتلها، فقتلها.

وهذه الحوادث كانت في الصدر الأول، فكيف مع واقع الاستضعاف الذي يعيشه المسلمون اليوم، وفي ظل عدم وجود الدولة المسلمة التي ترعى بسلطانها وأحكامها شؤون المسلمين وأعراضهم ودماءهم وأنفسهم، ويكون السلطان فيها ولي من لا ولي لها، أو من كان أولياؤها من المرتدين أو من المشركين فيفرق بين المؤمنات والكفار، وبين الخبيثين والطيبات، كما أمر الله تعالى في كتابه: {فإن علمتموهنّ مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هنّ حلٌ لهم ولا هم يحلون لهنّ}.

فكم في أوضاع اليوم الجاهلية ومجتمعات العصر الخبيثة من امرأة صالحة مستضعفة أكرهها أهلها على الزواج من المرتدين أو المشركين ممن يرونهم ويحسبونهم من المسلمين.

ومعلوم أن عذر الإكراه لا يشدد في شروطه بحق المرأة المستضعفة كما هو في حق الرجال الأقوياء، {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}، {لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها}.

والقوانين الكفرية المسلطة على رقاب المسلمين، ومحاكمها التي تقضي وتفرض قراراتها بموجبها - حتى تلك التي يسمونها شرعية - لا تفرق كما نص دستورهم الذي هو أبو القوانين عندهم، بين الناس في الدين، فلا عقوبة في قوانينهم على الردة، ولا أثر لها في التفريق بين الناس في الولاية أو النكاح أو المواريث أو غيرها، بل يستوي في ذلك وفي غيره عندهم المجرمون والمؤمنون، والخبيثون والطيبون، والكافرون والمسلمون.

بل تعدى الأمر ذلك إلى حماية المرتدين ورفعهم فوق المسلمين، وإقرار ولايتهم في الحكم والزوجية والنكاح وغيره على المسلمين، معاندة لقوله تعالى وأمره: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}، فلا تصح في شرع المسلمين ولاية المرتد على المسلمة سواء كان والداً أم حاكما أم قاضياً، أما في شريعة القوانين الوضعية، فقد اختلط الحابل بالنابل وعم في ذلك البلاء.

ومما زاد الطين بلة استهتار المسلمين وتهاونهم بالأحكام الشرعية، وجهلهم في أصول دينهم وفروعه وعدم تمييزهم بين الكفر والإيمان، والتنديد والتوحيد، وذلك باغترارهم بصلاة وصيام كثير من المرتدين ممن هم حرب على الدين وأهله، سلم على الشرك والمشركين، ثم يحسبون أنهم مهتدون وأنهم مسلمون مؤمنون، فناكحوهم، وولوهم أمر كرائمهم من المؤمنات، وعم بذلك البلاء، خصوصاً فيما بين القرابات.

فالتبصر بأحكام تكفير الطواغيت وأنصارهم من حراس الشرك والتنديد اليوم أمر أهمله وقلل من شأنه وأعرض عن معرفته كثير من الخواص فضلاً عن العوام، فأثمر هذه الثمرة الخبيثة، وقد قدمنا لك شيئا من أهمية أحكام الكفر والإيمان، وما يتعلق بها من آثار، وأن هذا شيء من ذلك.

فمراعاة هذا كله والتنبه إليه، يعرّف المسلم بحقيقة وجود المسلمات المستضعفات اللاتي لا يملكن من أمرهن شيئا، ولا يجدن في هذا الواقع المرير وفي ظل قوانين الكفر من يخلصهن، أو يفرق بينهن وبين الكفار بالعدل دون هضم حقوق أو ضياع أولاد، في ظل ظلم القوانين الوضعية وجورها... وأنه لا يصح إطلاق أحكام التكفير للمظهرين للإسلام من النساء والولدان لمجرد ولاية آبائهم أو أزواجهم المرتدين من عساكر الشرك أو غيرهم ممن يحسبون أنهم مسلمون.

والحكم بالتبعية للوالدين إنما يذكره الفقهاء، لمن لا يعقل أو لا يعرب عن نفسه من مجنون أو وليد أو نحوه، أما من أظهر الإسلام، فلا يحل أن يكفر بالتبعية، بل لا يكفر إلا بسبب ظاهر من أسباب الكفر القولية أو العملية.

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن قتل نساء وصبيان الكفار الأصليين إلا أن يقاتلوا، أو يقتلوا دون قصد في البيات حتى اتفق جميع العلماء - كما نقل ابن بطال وغيره على منع القصد إلى قتل النساء والولدان، أما النساء فلضعفهن، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفر - فكيف بمن كان مظهراً للإسلام من النساء والولدان أيحل أن يؤاخذوا بجريرة آبائهم وأزواجهم مع أنهم قد يكونون ممن لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، وليس لهم من يخلّصهم وينصرهم ويتولاهم؟

أضف إلى هذا؛ أننا نعذر المخالفين لنا في عدم تكفيرهم لعساكر الشرك وأنصار الطواغيت لشبهات ظنوها موانع شرعية تمنع من تكفيرهم، ما لم يرتبوا على ذلك سبباً ظاهراً من أسباب التكفير من موالاة لهم أو مناصرة على شركهم وكفرهم أو مظاهرة لهم على الموحدين... أما مجرّد نكاح المسلمة الجاهلة لبعض جند الطواغيت ممن تظن فيه الإسلام والإيمان لعبادته وصلاته،فهذا بالنسبة لها نكاح شبهة وتأويل، لا بجوز أن يسمى سفاحا أو توصف لأجله بالزنى؛ فضلا على أن يكون سببا من أسباب التكفير الظاهرة عندنا، وإن كان من الضلال والجهل الذي عمّ بين المسلمين ويوجب على الدعاة مزيداً من الدعوة والبيان لتطهير المسلمين من رجس هذه المنكرات..

وعلى كل حال فالنكاح من كافر بحد ذاته ليس تولياً ولا سببا من أسباب التكفير، ولو كان كذلك لما جاز نكاح الكتابيات، فكيف إذا كان بتأويل؟

وهذا يعرفك، إننا بفضل الله تعالى نستبرئ لديننا ونحتاط في أبواب التكفير، وليس الأمر كما يدعي خصومنا ويفترون؛ من أننا نكفر بالعموم دون تفصيل، فكم قد أنكرنا مثل هذا الخطأ ولوازمه على كثير من الجهال… بل وأنكرنا مراراً وتكراراً طعن مخالفينا أنفسهم في أعراض ونساء وبنات الطواغيت وأنصارهم من جند القوانين مع أنهم لا يكفرون الطواغيت ولا أنصارهم…

فطالما سمعناهم يشتمون ويقذفون الطواغيت وأنصارهم، إذا ما ظلموهم أو هضموا بعض حقوقهم، ويقذفون نساءهم وأخواتهم بأفحش القول وأقذع الألفاظ، ولقد كان بعضهم يعجبون من إنكارنا عليهم ذلك وأمثاله، وتشديدنا فيه رغم تكفيرنا للطواغيت وأنصارهم، فنبين لهم بأننا نكفرهم بأدلة الشرع ولا نتعدى ذلك... أما هم فيقذفونهم ويقذفون نساءهم بمحض الهوى، وردود الفعل غير المنضبطة بضوابط الشرع، وبدافع الشهوة الغضبية دونما دليل، مع أنهم لا يكفرون الطواغيت ولا أنصارهم، بل يعدونهم من المسلمين، ويخاصموننا في تكفيرهم!

وحتى لو كان بعضهم يكفر الطواغيت، فهذا لا يبرر ذلك أو يسوغه، فالخوض في الأعراض يجب أن يترفع عنه الدعاة، وهو لا يليق بأخلاق المؤمنين، ولقد أنكر العلماء قذف الكافرة، وجعل بعضهم في قذف الذمية التعزير، وذلك حتى لا يتجرأ الناس على الأعراض، ويكون ذلك ذريعة إلى استساغة فحش القول وبذيئه، أو يصير ذريعة إلى تقحم قذف المحصنات المؤمنات، ولاحتمال وجود ابن أو أخ أو قريب مسلم للكافرة، يؤذيه قذفها والطعن في عرضها… ولذلك أفتى سعيد بن المسيب وابن أبي ليلى بالحد على من قذف ذمية لها ولد مسلم، مع أن من شروط حد القذف عند جماهير العلماء؛ الإسلام.

وذلك لأن الطعن في الأعراض يعم شرره مَن حول المرأة من الأصول والفروع؛ ولا تخلو أحوال عساكر الشرك والطواغيت اليوم من وجود المسلم في فروع أو أصول نسائهم، هذا إن لم تكن نساؤهم أنفسهن من المسلمات المستضعفات.

يقول شيخ الإسلام في "الصارم المسلول" [3]: (ولعل ما يلحق بعض الناس من العار والخزي بقذف أهله أعظم مما يلحقه لو كان هو المقذوف، ولهذا ذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين المنصوصتين عنه إلى أن من قذف امرأة غير محصنة كالأمة والذمية، ولها زوج أو ولد محصن حُدّ لقذفها، لما ألحقه من العار بولدها وزوجها المحصنين، والرواية الأخرى عنه... وهو قول الأكثرين إنه لا حد عليه؛ لأنه أذى لهما لا قذف لهما، والحد التام إنما يجب بالقذف) أهـ.

ولذلك كما قلنا رأى بعض العلماء التعزير على مثله، وبعضهم رأى الحد.

فأين أولئك المتهورون من فقه العلماء وورعهم؟

ولقد سمعت بعضهم مرة يقذف قاضياً ظلمه؛ باللواط، ويسبه بألفاظ الفاحشة، فأنكرت عليه ذلك، وقلت له: هذا قذف يحتاج إلى بينة ولا بينة عندك، وأنتم تشنعون علينا تكفير أمثال هؤلاء، مع أننا نحشد لكم عشرات البينات والبراهين... فما كان جوابه إلا أن استدل بقوله تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}، وقال: وهل السوء إلا مثل هذا!

واحترت يومها من أي شيء أعجب، أمن ورعهم البارد في تكفير الطواغيت مع كثرة الأدلة وشهرتها، أم من جرأتهم على النصوص الشرعية، وتلاعبهم في تفسيرها بمحض الرأي على ما يشتهون، إذ أن السوء الذي جوّز الله الجهر به هنا - كما ذكر العلماء - هو جواز غيبة المظلوم لظالمه في ذكر مظلمته والتحذير من الظالم وظلمه، وليس المراد قطعاً الافتراء عليه وقذفه.

هذا وكثيرا ما كنت أنبه هؤلاء إلى أن شأن الطعن في الأعراض وقذف النساء على وجه الخصوص، قد شدّد فيه الشارع من حيث طرق الإثبات الشرعية أكثر من شرع في التكفير، ففرض في الزنا أربع شهود يعاينون الزنا الصريح، وفي التكفير يكتفى بشاهدين سمعا القول المكفر، أو شاهدا الفعل المكفر الصريح الدلالة.

كما أوجب حد الفرية على من قذف غيره بالزنا دون من قذفه بالكفر، فليس في ذلك لمن صدر منه التكفير لمسلم كمسبة لا تأويلا إلا التعزير، كما روى البيهقي عن علي: (إنكم سألتموني عن الرجل يقول للرجل؛ يا كافر! يا فاسق! يا حمار! وليس فيه حد، وإنما فيه عقوبة السلطان، فلا تعودوا فتقولوا).

وقال ابن القيم: (وأما إيجاب حد الفرية على من قذف غيره بالزنا دون الكفر ففي غاية المناسبة، فإن القاذف غيره بالزنا لا سبيل للناس إلى العلم بكذبه، فجعل حد الفرية تكذيباً له، وتبرئة لعرض المقذوف، وتعظيماً لشأن هذه الفاحشة التي يجلد من رمى بها مسلماً، وأما من رمى غيره بالكفر فإن شاهد حال المسلم واطلاع المسلمين عليها كافٍ في تكذيبه، ولا يلحقه من العار بكذبه عليه في ذلك ما يلحقه بكذبه عليه في الرمي بالفاحشة، ولا سيما إن كان المقذوف امرأة، فإن العار والمعرّة التي تلحقها بقذفه بين أهلها وتشعب ظنون الناس وكونهم بين مصدق ومكذب لا يلحق مثله بالرمي بالكفر) [4] أهـ.

فهذا هو شأن التكفير الذي تعظوننا فيه ليل نهار، مع أن كفر القوم الذين تخالفوننا في تكفيرهم، أوضح من الشمس في رابعة النهار، فهو ظاهر معلوم مستفيض، أشهر من أن يحتاج إلى شاهدين، إذ هم يقرون به، ويشهدون على أنفسهم بالكفر ليل نهار، بل ويفاخرون بذلك جهاراً بإعلانهم الولاء والنصرة للقوانين الوضعية الكفرية وأربابها، وبالقسم على احترامها، والسهر على حمايتها وحراستها أو المشاركة في تشريعها، أو محاربة أعدائها من الموحدين المتبرئين منها ومظاهرة المشركين عليهم في كل مكان.

أما قذف نساءهم اللاتي لا يقطع بكفرهن فذلك شأنه.

ومع هذا فإن كثيرا من خصومنا يقتحمونه دوماً دون ورع أو تقوى، مع أنه يحتاج إلى أربعة شهود يرون الزنا عياناً كما يرى الميل في المكحلة، فإن نكص أحدهم عن الشهادة أو تلكأ ونكل؛ حدّ الثلاثة الباقون ثمانين جلدة حدّ الفرية، وأسقطت عدالتهم وكانوا من الفاسقين.

هذا؛ ولا يفوتني أن أنبه أيضا هنا، إلى ما أنكره دوما على بعض المتحمسين الذين يتندرون ببعض لوازم الكفر الأصلي، فيخلطونها في كفر الردة، ويتفاكهون بذكر سبي نساء الطواغيت أو نساء عساكرهم ونحوه... وأن ذلك دليل على جهل مفرط بأحكام الشرع، وتهور واستخفاف باقتحام المحرمات إذ قد عرفت مما مضى أن احتمال كون أولئك النساء من المسلمات الصالحات المستضعفات وارد جداً.

ثم هب أن تكفيرهن قد ثبت عند هؤلاء المتهورين ثبوتاً شرعياً! فإنّ كفرهن والحال كذلك كفر ردة لادعائهن الإسلام، وإذا كان الأمر كذلك، أفلم يعلموا أن الصحيح من أقوال العلماء هو عدم جواز سبي المرتدة؛ لأن في سبيها إقرارها على الردة، والمرتد لا يقر بين المسلمين بحال.

وأيضاً فإن التسري الذي يحلم به أولئك الكسالى البطالون؛ إنما يجوز بعد حصول ملك اليمين واستبراء الرحم، وما لم تملك الرقبة ملكا كاملا حقيقيا، فلا يحل التسري بحال، وأنه لا سبيل اليوم إلى امتلاك الرقاب من طريق السبي ما لم يكن للمسلمين شوكة وتمكين ودولة على منهاج النبوة لا تبالي بكفار الدنيا وعداوتهم، خصوصاً في ظل توقيع دول العالم اليوم على اتفاقية تحريم الرق، في الوقت الذي تواطؤوا فيه على استرقاق الشعوب المستضعفة وإذلالها ونهب خيراتها!

والخلاصة:

أننا لا نتعرض لموضوع السبي في مثل هذه الأزمان، ولم نتعرض له قبل اليوم، وما ينسبه البعض إلى دعوتنا من هذا الباب فهو محض كذب وافتراء، يدل على اندحارهم أمامها وعجزهم عن ردها بالحجج والبراهين، وإفلاسهم عن مقارعتها بالأدلة والبينات، فحادوا إلى الكذب والافتراء لتشويهها ورد الناس عنها، لعلّهم أن يظفروا من طريق الكذب والبهتان بما عجزوا عنه من طريق الحجة والبرهان.

فنساء من نكفرهم من الطواغيت وأنصارهم عندنا ما بين حالين، كلاهما لا يحل فيها السبي:

إما أن يكن مرتدات كأزواجهن؛ والمرتدة لا يحل سبيها؛ لأن في ذلك إقرار لها على ردتها.

أو يكن مسلمات جاهلات؛ لهن علينا واجب النصح والبيان، أو مسلمات صالحات مستضعفات لهن علينا واجب النصرة والموالاة.

وإذا كان هذا هو قولنا في نساء وأزواج وبنات الطواغيت وأنصارهم؛ فمن باب أولى عموم النساء في هذه المجتمعات التي كانت من عهد ليس ببعيد ديار إسلام، ولا يزال جمهور أهلها ينتسب إلى الإسلام... فهل حان لأولئك المفترين أن ينزعوا عن كذبهم علينا وبهتانهم لنا ويتوبوا؟

واضعين نصب أعينهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من قال في مسلم ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج مما قال)، وردغة الخبال: عصارة قيح وصديد أهل النار.

وهل آن الأوان لأولئك المتخبطين في هذه الأبواب أن يرعووا؟ فقد صار تخبطهم وجهلهم ذرائع ومطاعن تشبث وطنطن بها أعداء الله، ليشوّهوا وجه هذه الدعوة المباركة.


[1] مجموع الفتاوى (7/45).
[2] (6/308).
[3] ص (45-46).
[4] إعلام الموقعين (2/64).

جندي الكتائب
19 Mar 2009, 09:15 AM
جازاك الله خير اخي الكريم على الإفادة فقد كنت اخلط الأمور بين الطزاغيط و ازواجهن و ذلك لقوله تعالى {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون}...الحمد لله الذي هانا و ما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا الله
و بارك الله في شيخنا ابو محمد المقدسي
http://www.moheet.com/image/45/225-300/451027.jpg