rajaab
19 Jan 2009, 09:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق السياسي
لم تنقطع حمم النار التي ما تزال تقذفها آلة الحرب اليهودية على غزة ممزقة أجساد أطفال ونساء وشيوخ وشباب المسلمين ومدمرة منازلهم ومساجدهم ومدارسهم وما يلزم لحياتهم، في الوقت الذي يقف فيه مئات الآلاف من جنود وضباط وقادة ما يسمى بدول المواجهة عاجزين خلف مدافعهم الصامتة تمنعهم إرادة حكامهم المرتهنة للغرب الكافر بقيادة أميركا من نجدة أخوتهم من انفراد اليهود الجبناء بهم، ولم يهز أولئك القادة والضباط إلى الآن نداء الله لهم عن فوق سبع سماوات {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان}
والواضح أن أحداث غزة تجري حسب سيناريو معد بعناية تنفذه إدارة بوش في فترتها الانتقالية تمهيداً لنقل ملف قضية الشرق الأوسط لإدارة أوباما التي تبدأ يوم 20/1/2009؛ ولذلك فإن حكومة أولمرت لم تتصرف إلا من خلال ضوء أخضر أمريكي، قصفت على إثره غزة بكل تلك الوحشية وحدثت كل تلك المجازر والدمار أمام صمت دول العالم والتواطؤ الإقليمي الواضح.
بل إنه يلاحظ أن إدارة بوش تدفع "إسرائيل" لمواصلة العمليات الحربية التي تظهر مدى القسوة والبشاعة المتناهية في التعامل مع عدو غير مكافئ ومدنيين عزل وفي منطقة ذات كثافة سكانية عالية جداً. ويركز بوش والظل الأميركي في أوروبا ساركوزي على إعطاء المبررات أمام الإبقاء على تمادي "إسرائيل" في حربها المفتوحة بتصريحاتهم المتتابعة عن حق "إسرائيل" في الدفاع عن أمنها أمام إطلاق حماس الصواريخ، بعد انتهاء التهدئة التي لم تلتزم بها "إسرائيل" وإنهاء حصارها للقطاع لذات الذريعة الظاهرة. إن حكومة أولمرت في الحقيقة تريد إرضاء اليمين واحتوائه بعد النمو الواضح من جديد للأصوات المؤيدة له والذي يتوقع إمكانية فوزه في الانتخابات القادمة. فليفني بمزايدتها على اليمين يمكن لها أن تكسب أصواتا في الانتخابات القادمة وتستطيع القيام بما تلزمها أميركا من خطوات في السير فيما يسمى بالعملية السلمية، والتي سيتمخض عنها إنهاء قضية فلسطين.
والظاهر أن أوباما الذي التزم الصمت باعتبار أن "لأميركا رئيس واحد" سيتسلم الملف وقد ظهر لليمين "الإسرائيلي" أن القوة العسكرية لم تحسم وضع أعداء "إسرائيل" وإن كانت قادرة على التأثير فيهم، وأن حماس لم يتم القضاء عليها بل ازدادت شعبيتها في الداخل والخارج، وأن العالم قد شاهد جرائم "إسرائيل" البشعة وغير المبررة عبر البث الحي والمباشر حيث المشاهد المروعة لجثث الأطفال والنساء والشيوخ العزل، والعائلات التي أبيدت بأكملها دون رحمة. ولذلك سيتركز الضغط الدولي لإلزام "إسرائيل" بوقف إطلاق النار وفتح المعابر كما سيتركز الضغط الإقليمي على ذات المطالب مع التلميح بإمكانية انفجار الشارع الذي أخذ يعيب بشدة على صمت العروش مما يلوح بإمكانية الوصول إلى حالة اللاحرب واللاسلم التي سبقت المعاهدات السلمية الحالية مع بعض الدول، والتي قد ينتج عنها إمكانية اندلاع حرب جديدة أكثر قسوة على "إسرائيل" من حرب تموز/يوليو 2006 التي كان من نتائجها هز هيبة الجيش "الإسرائيلي" الذي يعتبره اليمين وبقية اليهود الحارس على مكتسبات دولة "إسرائيل".
إن الحرب على غزة وما نتج عنها من تحركات شعبية ونقمة عارمة وإظهار لتمادي "إسرائيل" في جرائمها غير المسبوقة أمام العالم كله وبداية لبدء عزل "إسرائيل" دولياً إضافة إلى التهديدات المبطنة من قبل تركيا وغيرها، كل ذلك وغيره من شأنه الضغط على الشارع "الإسرائيلي" الذي يلاحظ عودته إلى حالة رفض مشروع السلام الأمريكي بمجرد زوال الضغوطات عليه. ولذلك فمن المتوقع أن تؤدي الحرب على غزة غذاً للسير نحو حل قضية الشرق الأوسط برعاية أميركية بناء على نصائح يبدو أن صناع القرار الأميركي قد أخذوا بها حيث ستقوم إدارة أوباما الجديدة بتنفيذها وأهم تلك النصائح إعطاء حل قضية فلسطين "أولوية خاصة" حيث اعتبرها بعضهم البوابة الأهم التي يجب على الرئيس الجديد الدخول عبرها لتسوية قضايا المنطقة. وقد علق دان ستور وهو مسؤول سابق في إدارة بوش ويعمل حالياً مع مجلس العلاقات الخارجية إثر إندلاع أحداث غزة الأخيرة قائلاً "إن آثار تلك التطورات ستبقى إلى ما بعد العشرين من يناير/كانون ثاني القادم وبالتالي فإن الشرق الأوسط يفرض نفسه على قمة أولويات أجندة الرئيس القادمة". والراجح أن أوباما سينطلق بإدارته لقيادة العالم عبر السير في حل قضايا مستعصية أبرزها قضية الشرق الأوسط واضعاً نصب عينيه مصلحة أميركا في تغيير نظرة العالم لها من حالة السيطرة وغطرسة القوة إلى حالة القيادة التي تقتضي في مثل حالة ملف القضية الفلسطينية عدم استمرار الدوس على مصالح وتطلعات أهل المنطقة وزيادة ظلمهم من أجل الحفاظ على أمن "إسرائيل" كما يظهر ذلك لأهل المنطقة من تصرفات أميركا منذ عشرات السنين. إضافة إلى أن إدارة أوباما ستباشر في حل قضايا مستعصية أخرى في العالم مثل قضية كشمير وقضية أفغانستان، وهذا من شأنه أن يثبت قدرات أميركا وإدارتها الجديدة على حل مشاكل العالم وتغيير صورتها البشعة أمام الرأي العام الدولي، وقد سبق لأوباما أن صرّح في 1/12/2008 حول عزمه على إجراء تغييرات في السياسة الخارجية بقوله "سنجدد تحالفاتنا القديمة ونكون شراكات جديدة دائمة" وينسجم ذلك مع قوله مؤخراً في تعليقه على أحداث غزة أنه قلق وبجعبته الكثير حول مسألة الشرق الأوسط بعد توليه الإدارة.
وهنا تجدر الإشارة إلى بروز الدور التركي الراعي للمفاوضات السورية "الإسرائيلية"، وتأكد هذا الدور في اللهجة القوية التي تحدث بها أردوغان تجاه من "يشيعون الأكاذيب" ويقصد "إسرائيل" بخاصة، عندما اتهمها بعدم إلتزامها بالتهدئة وكذب مقولتها في خطورة صواريخ حماس وإنعدام المبرر لوحشيتها المفرطة. لقد جاء في حديث أردوغان تهديد مبطن لـ"إسرائيل" يدعمه المظاهرات التي لم يخرج مثلها في العالم والتي وصلت إلى حدود المليون متظاهر في تركيا. ويبدو أن أمريكا قد خولت تركيا أن تلعب دورا ضاغطا على "إسرائيل" بجانب قيادتها لوساطة إما تنطلق نحو مفاوضات برعاية من إدارة أوباما المقبلة، أو تؤدي إلى طريق مسدود تكون نتائجه عكسية على ما يسمى بـ"دولة إسرائيل". وقد ساهم في إبراز الدور التركي عدم انعقاد الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وانحياز الموقف الأوروبي بقيادة ساركوزي وغياب القرار الدولي.
أيها المسلمون...
إن الحقيقة التي لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان هي الدور المتمادي في العبودية والنذالة لحكام بلاد المسلمين وبخاصة حكام الدول المحيطة بكيان يهود، ورغم أن خيانات الحكام ليست جديدة العهد على الأمة إلا أن ما أبدوه من استسلام لإرادة الكفار فاق التصورات.
إننا ندرك أن العقبة الكؤود هم أولئك العبيد الذين يستأسدون على شعوبهم فقط، ولكن أليست أكبر المصائب أن يستجمع أبناء المسلمين شجاعتهم أمام كل حدث إلا ما يخص العلاقة مع عصابات الحكم في بلادنا؟؟ ألا فليكف أولئك الذين يرضعون أبناءهم الرعب من الحكام وزبانيتهم مع حليب الأمهات، ويشربوهم بدل ذلك مدلول قوله تعالى {أليس الله بكاف عبد ويخوفونك بالذين من دونه أليس الله بعزيز ذي انتقام} .
أيها المسلمون...
إن أميركا عدوة الإسلام والمسلمين التي تعيث في الأرض فساداً وتعمل على إذلال أمتنا ونهب ثروات ومقدرات بلادها تحيك المؤامرات ليل نهار لتكيد لكم، سواء بقى بوش أم رحل وسواء جاء أوباما أم لم يأت، فلا تغرنكم الدبلوماسية التى ستتخذها الإدارة الجديدة أسلوباً في سياستها الخارجية، فالحذر الحذر من أساليب أميركا الخبيثة في بلاد المسلمين، وعلينا أن نعمل بكل جد على إحباط كيدها والوقوف في وجه مخططاتها والتمسك بالرؤى الصحيحة لقضايا أمتنا والحلول الشرعية لها.
أيها المسلمون...
أما ما ينبغي أن تسلط الأضواء عليه فهو وقوع الأمة في أحابيل التضليل السياسي والخداع المستمر عن رؤية الحلول الصحيحة لقضاياها. وإن من أخطر ما يلجأ إليه الأعداء وأدواتهم من عملاء الفكر والسياسة هو التضليل عن الحقائق، حيث يلجأون إلى اختراق وعي الأمة ليضللوها عن فهم قضاياها والحلول الصحيحة لتلك القضايا.
وأمتنا الإسلامية من أكثر الأمم التي تعرضت لشتى أنواع التضليل وبخاصة بعد الغزو الاستعماري قبل وبعد هدم دولة الخلافة الإسلامية في الربع الأول من القرن الماضي.
ومن ذلك أن قضية فلسطين كانت قضية كل المسلمين، ثم غدت سنة 1948 قضية عربية ثم تحولت إلى قضية فلسطينيين سنة 1974 ثم قضية منظمة التحرير إلى أن وصلت إلى الحال التي نحن عليها.
ومن ذلك تزيين الانقسام ووصفه وكأنه فضيلة تسمى الاستقلال وفوزاً بالهوية الوطنية وتقرير المصير؛ ولذلك فقد سقط الكثيرون ممن عميت بصائرهم من أبناء المسلمين في هذا الفخ ومنهم الذين يطالبون بدولة فلسطينية لتضاف مزقة جديدة إلى قائمة الدول المسخ في بلادنا رغم أن الشرع يوجب وحدة بلاد المسلمين لا تمزيقها.
ومن ذلك أن الحل الشرعي والجذري لما يجري في غزة الآن هو إزالة ما يسمى بدولة "إسرائيل" بتحريك الجيوش لقتالها، وأنه وإن كان بقاء سفراء "إسرائيل" وأميركا وغيرها من دول الكفر المحاربة للمسلمين حرام شرعاً فإن المطالبة بطردهم وبفتح المعابر وقطع الغاز ومقاطعة اليهود والدول الداعمة لهم وإلغاء المعاهدات معهم كل ذلك ليس هو الحل المطلوب والمناسب لما يجري، وكذلك فإن قراءة سورة من القرآن أو قراءته كله وكل نصوص الحديث الشريف والدعاء على اليهود وأشياعهم ليس هو الحل كذلك، ورغم فضل الدعاء وقراءة القرآن إلا أن الشرع لم يشرع الدعاء بديلاً عن الوضوء للإتيان بفرض الصلاة، ولم يجعل قراءة القرآن بديلاً عن السعي لكسب الرزق، إنما الحل هو مطالبة الأمة لجيوش بلاد المسلمين بالتحرك لإنقاذ من يذبحون في غزة، أذن لهم حكامهم أم لم يأذنوا؛ لأنه لا تجوز طاعة الحاكم في المعصية أصلاً، فضلاً عن أنه ليس لأولئك الأباعد من حكام وزعماء بلاد المسلمين طاعة في رقاب المسلمين، ويجب على أهل المنعة والقوة في بلاد المسلمين كنس عروش أولئك المتآمرين مع أعداء الله حتى لا تبقى أية عقبة في طريق السعي للعيش بعزة، وعدم ترك مصير أمتنا بيد أعدائها.
لذلك فإن المطالبة الوحيدة ينبغي أن تقتصر عند الأمة بتفعيل دور الجيوش المعطلة والمحيطة بكيان اليهود الذي يذبح أهلهم أمام أعينهم وهم ملتزمون بأوامر عصابات الحكم من أدوات أميركا في بلاد المسلمين. فالجيوش هي جيوش الأمة وينفق عليها من مال الأمة لغاية قتال أعدائها وحماية بلاد المسلمين وليس لحماية العروش التي لم يهتز لها طرف أمام كل تلك المجازر البشعة.
أيها العسكريون قادة وضباطاً...
إذا كان السياسيون يتآمرون فأين البقية الباقية من عزة المسلمين عند عشرات الآلاف من حملة الرتب والنياشين العسكرية منكم؟! لقد ذكر عن نابليون بونابرت قولاً يكتب بماء الذهب حيث قال "لأن يكون عندي قائد أسد خلفه ثلاثون ألف أرنب خير من أن يكون عندي قائد أرنب خلفه ثلاثون ألف أسد" فمتى نرى القائد الأسد يقود أسود المسلمين وقد تحرروا من قيود أوامر حكام فجرة لا هم لهم سوى بقاء عروشهم ولو دفعت الأمة ثمن ذلك من أجساد أطفالها ونسائها وشيوخها وشبابها.
{يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}
9/محرم/1430هـ حزب التحرير
6/1/2009م
[/b]
التعليق السياسي
لم تنقطع حمم النار التي ما تزال تقذفها آلة الحرب اليهودية على غزة ممزقة أجساد أطفال ونساء وشيوخ وشباب المسلمين ومدمرة منازلهم ومساجدهم ومدارسهم وما يلزم لحياتهم، في الوقت الذي يقف فيه مئات الآلاف من جنود وضباط وقادة ما يسمى بدول المواجهة عاجزين خلف مدافعهم الصامتة تمنعهم إرادة حكامهم المرتهنة للغرب الكافر بقيادة أميركا من نجدة أخوتهم من انفراد اليهود الجبناء بهم، ولم يهز أولئك القادة والضباط إلى الآن نداء الله لهم عن فوق سبع سماوات {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان}
والواضح أن أحداث غزة تجري حسب سيناريو معد بعناية تنفذه إدارة بوش في فترتها الانتقالية تمهيداً لنقل ملف قضية الشرق الأوسط لإدارة أوباما التي تبدأ يوم 20/1/2009؛ ولذلك فإن حكومة أولمرت لم تتصرف إلا من خلال ضوء أخضر أمريكي، قصفت على إثره غزة بكل تلك الوحشية وحدثت كل تلك المجازر والدمار أمام صمت دول العالم والتواطؤ الإقليمي الواضح.
بل إنه يلاحظ أن إدارة بوش تدفع "إسرائيل" لمواصلة العمليات الحربية التي تظهر مدى القسوة والبشاعة المتناهية في التعامل مع عدو غير مكافئ ومدنيين عزل وفي منطقة ذات كثافة سكانية عالية جداً. ويركز بوش والظل الأميركي في أوروبا ساركوزي على إعطاء المبررات أمام الإبقاء على تمادي "إسرائيل" في حربها المفتوحة بتصريحاتهم المتتابعة عن حق "إسرائيل" في الدفاع عن أمنها أمام إطلاق حماس الصواريخ، بعد انتهاء التهدئة التي لم تلتزم بها "إسرائيل" وإنهاء حصارها للقطاع لذات الذريعة الظاهرة. إن حكومة أولمرت في الحقيقة تريد إرضاء اليمين واحتوائه بعد النمو الواضح من جديد للأصوات المؤيدة له والذي يتوقع إمكانية فوزه في الانتخابات القادمة. فليفني بمزايدتها على اليمين يمكن لها أن تكسب أصواتا في الانتخابات القادمة وتستطيع القيام بما تلزمها أميركا من خطوات في السير فيما يسمى بالعملية السلمية، والتي سيتمخض عنها إنهاء قضية فلسطين.
والظاهر أن أوباما الذي التزم الصمت باعتبار أن "لأميركا رئيس واحد" سيتسلم الملف وقد ظهر لليمين "الإسرائيلي" أن القوة العسكرية لم تحسم وضع أعداء "إسرائيل" وإن كانت قادرة على التأثير فيهم، وأن حماس لم يتم القضاء عليها بل ازدادت شعبيتها في الداخل والخارج، وأن العالم قد شاهد جرائم "إسرائيل" البشعة وغير المبررة عبر البث الحي والمباشر حيث المشاهد المروعة لجثث الأطفال والنساء والشيوخ العزل، والعائلات التي أبيدت بأكملها دون رحمة. ولذلك سيتركز الضغط الدولي لإلزام "إسرائيل" بوقف إطلاق النار وفتح المعابر كما سيتركز الضغط الإقليمي على ذات المطالب مع التلميح بإمكانية انفجار الشارع الذي أخذ يعيب بشدة على صمت العروش مما يلوح بإمكانية الوصول إلى حالة اللاحرب واللاسلم التي سبقت المعاهدات السلمية الحالية مع بعض الدول، والتي قد ينتج عنها إمكانية اندلاع حرب جديدة أكثر قسوة على "إسرائيل" من حرب تموز/يوليو 2006 التي كان من نتائجها هز هيبة الجيش "الإسرائيلي" الذي يعتبره اليمين وبقية اليهود الحارس على مكتسبات دولة "إسرائيل".
إن الحرب على غزة وما نتج عنها من تحركات شعبية ونقمة عارمة وإظهار لتمادي "إسرائيل" في جرائمها غير المسبوقة أمام العالم كله وبداية لبدء عزل "إسرائيل" دولياً إضافة إلى التهديدات المبطنة من قبل تركيا وغيرها، كل ذلك وغيره من شأنه الضغط على الشارع "الإسرائيلي" الذي يلاحظ عودته إلى حالة رفض مشروع السلام الأمريكي بمجرد زوال الضغوطات عليه. ولذلك فمن المتوقع أن تؤدي الحرب على غزة غذاً للسير نحو حل قضية الشرق الأوسط برعاية أميركية بناء على نصائح يبدو أن صناع القرار الأميركي قد أخذوا بها حيث ستقوم إدارة أوباما الجديدة بتنفيذها وأهم تلك النصائح إعطاء حل قضية فلسطين "أولوية خاصة" حيث اعتبرها بعضهم البوابة الأهم التي يجب على الرئيس الجديد الدخول عبرها لتسوية قضايا المنطقة. وقد علق دان ستور وهو مسؤول سابق في إدارة بوش ويعمل حالياً مع مجلس العلاقات الخارجية إثر إندلاع أحداث غزة الأخيرة قائلاً "إن آثار تلك التطورات ستبقى إلى ما بعد العشرين من يناير/كانون ثاني القادم وبالتالي فإن الشرق الأوسط يفرض نفسه على قمة أولويات أجندة الرئيس القادمة". والراجح أن أوباما سينطلق بإدارته لقيادة العالم عبر السير في حل قضايا مستعصية أبرزها قضية الشرق الأوسط واضعاً نصب عينيه مصلحة أميركا في تغيير نظرة العالم لها من حالة السيطرة وغطرسة القوة إلى حالة القيادة التي تقتضي في مثل حالة ملف القضية الفلسطينية عدم استمرار الدوس على مصالح وتطلعات أهل المنطقة وزيادة ظلمهم من أجل الحفاظ على أمن "إسرائيل" كما يظهر ذلك لأهل المنطقة من تصرفات أميركا منذ عشرات السنين. إضافة إلى أن إدارة أوباما ستباشر في حل قضايا مستعصية أخرى في العالم مثل قضية كشمير وقضية أفغانستان، وهذا من شأنه أن يثبت قدرات أميركا وإدارتها الجديدة على حل مشاكل العالم وتغيير صورتها البشعة أمام الرأي العام الدولي، وقد سبق لأوباما أن صرّح في 1/12/2008 حول عزمه على إجراء تغييرات في السياسة الخارجية بقوله "سنجدد تحالفاتنا القديمة ونكون شراكات جديدة دائمة" وينسجم ذلك مع قوله مؤخراً في تعليقه على أحداث غزة أنه قلق وبجعبته الكثير حول مسألة الشرق الأوسط بعد توليه الإدارة.
وهنا تجدر الإشارة إلى بروز الدور التركي الراعي للمفاوضات السورية "الإسرائيلية"، وتأكد هذا الدور في اللهجة القوية التي تحدث بها أردوغان تجاه من "يشيعون الأكاذيب" ويقصد "إسرائيل" بخاصة، عندما اتهمها بعدم إلتزامها بالتهدئة وكذب مقولتها في خطورة صواريخ حماس وإنعدام المبرر لوحشيتها المفرطة. لقد جاء في حديث أردوغان تهديد مبطن لـ"إسرائيل" يدعمه المظاهرات التي لم يخرج مثلها في العالم والتي وصلت إلى حدود المليون متظاهر في تركيا. ويبدو أن أمريكا قد خولت تركيا أن تلعب دورا ضاغطا على "إسرائيل" بجانب قيادتها لوساطة إما تنطلق نحو مفاوضات برعاية من إدارة أوباما المقبلة، أو تؤدي إلى طريق مسدود تكون نتائجه عكسية على ما يسمى بـ"دولة إسرائيل". وقد ساهم في إبراز الدور التركي عدم انعقاد الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وانحياز الموقف الأوروبي بقيادة ساركوزي وغياب القرار الدولي.
أيها المسلمون...
إن الحقيقة التي لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان هي الدور المتمادي في العبودية والنذالة لحكام بلاد المسلمين وبخاصة حكام الدول المحيطة بكيان يهود، ورغم أن خيانات الحكام ليست جديدة العهد على الأمة إلا أن ما أبدوه من استسلام لإرادة الكفار فاق التصورات.
إننا ندرك أن العقبة الكؤود هم أولئك العبيد الذين يستأسدون على شعوبهم فقط، ولكن أليست أكبر المصائب أن يستجمع أبناء المسلمين شجاعتهم أمام كل حدث إلا ما يخص العلاقة مع عصابات الحكم في بلادنا؟؟ ألا فليكف أولئك الذين يرضعون أبناءهم الرعب من الحكام وزبانيتهم مع حليب الأمهات، ويشربوهم بدل ذلك مدلول قوله تعالى {أليس الله بكاف عبد ويخوفونك بالذين من دونه أليس الله بعزيز ذي انتقام} .
أيها المسلمون...
إن أميركا عدوة الإسلام والمسلمين التي تعيث في الأرض فساداً وتعمل على إذلال أمتنا ونهب ثروات ومقدرات بلادها تحيك المؤامرات ليل نهار لتكيد لكم، سواء بقى بوش أم رحل وسواء جاء أوباما أم لم يأت، فلا تغرنكم الدبلوماسية التى ستتخذها الإدارة الجديدة أسلوباً في سياستها الخارجية، فالحذر الحذر من أساليب أميركا الخبيثة في بلاد المسلمين، وعلينا أن نعمل بكل جد على إحباط كيدها والوقوف في وجه مخططاتها والتمسك بالرؤى الصحيحة لقضايا أمتنا والحلول الشرعية لها.
أيها المسلمون...
أما ما ينبغي أن تسلط الأضواء عليه فهو وقوع الأمة في أحابيل التضليل السياسي والخداع المستمر عن رؤية الحلول الصحيحة لقضاياها. وإن من أخطر ما يلجأ إليه الأعداء وأدواتهم من عملاء الفكر والسياسة هو التضليل عن الحقائق، حيث يلجأون إلى اختراق وعي الأمة ليضللوها عن فهم قضاياها والحلول الصحيحة لتلك القضايا.
وأمتنا الإسلامية من أكثر الأمم التي تعرضت لشتى أنواع التضليل وبخاصة بعد الغزو الاستعماري قبل وبعد هدم دولة الخلافة الإسلامية في الربع الأول من القرن الماضي.
ومن ذلك أن قضية فلسطين كانت قضية كل المسلمين، ثم غدت سنة 1948 قضية عربية ثم تحولت إلى قضية فلسطينيين سنة 1974 ثم قضية منظمة التحرير إلى أن وصلت إلى الحال التي نحن عليها.
ومن ذلك تزيين الانقسام ووصفه وكأنه فضيلة تسمى الاستقلال وفوزاً بالهوية الوطنية وتقرير المصير؛ ولذلك فقد سقط الكثيرون ممن عميت بصائرهم من أبناء المسلمين في هذا الفخ ومنهم الذين يطالبون بدولة فلسطينية لتضاف مزقة جديدة إلى قائمة الدول المسخ في بلادنا رغم أن الشرع يوجب وحدة بلاد المسلمين لا تمزيقها.
ومن ذلك أن الحل الشرعي والجذري لما يجري في غزة الآن هو إزالة ما يسمى بدولة "إسرائيل" بتحريك الجيوش لقتالها، وأنه وإن كان بقاء سفراء "إسرائيل" وأميركا وغيرها من دول الكفر المحاربة للمسلمين حرام شرعاً فإن المطالبة بطردهم وبفتح المعابر وقطع الغاز ومقاطعة اليهود والدول الداعمة لهم وإلغاء المعاهدات معهم كل ذلك ليس هو الحل المطلوب والمناسب لما يجري، وكذلك فإن قراءة سورة من القرآن أو قراءته كله وكل نصوص الحديث الشريف والدعاء على اليهود وأشياعهم ليس هو الحل كذلك، ورغم فضل الدعاء وقراءة القرآن إلا أن الشرع لم يشرع الدعاء بديلاً عن الوضوء للإتيان بفرض الصلاة، ولم يجعل قراءة القرآن بديلاً عن السعي لكسب الرزق، إنما الحل هو مطالبة الأمة لجيوش بلاد المسلمين بالتحرك لإنقاذ من يذبحون في غزة، أذن لهم حكامهم أم لم يأذنوا؛ لأنه لا تجوز طاعة الحاكم في المعصية أصلاً، فضلاً عن أنه ليس لأولئك الأباعد من حكام وزعماء بلاد المسلمين طاعة في رقاب المسلمين، ويجب على أهل المنعة والقوة في بلاد المسلمين كنس عروش أولئك المتآمرين مع أعداء الله حتى لا تبقى أية عقبة في طريق السعي للعيش بعزة، وعدم ترك مصير أمتنا بيد أعدائها.
لذلك فإن المطالبة الوحيدة ينبغي أن تقتصر عند الأمة بتفعيل دور الجيوش المعطلة والمحيطة بكيان اليهود الذي يذبح أهلهم أمام أعينهم وهم ملتزمون بأوامر عصابات الحكم من أدوات أميركا في بلاد المسلمين. فالجيوش هي جيوش الأمة وينفق عليها من مال الأمة لغاية قتال أعدائها وحماية بلاد المسلمين وليس لحماية العروش التي لم يهتز لها طرف أمام كل تلك المجازر البشعة.
أيها العسكريون قادة وضباطاً...
إذا كان السياسيون يتآمرون فأين البقية الباقية من عزة المسلمين عند عشرات الآلاف من حملة الرتب والنياشين العسكرية منكم؟! لقد ذكر عن نابليون بونابرت قولاً يكتب بماء الذهب حيث قال "لأن يكون عندي قائد أسد خلفه ثلاثون ألف أرنب خير من أن يكون عندي قائد أرنب خلفه ثلاثون ألف أسد" فمتى نرى القائد الأسد يقود أسود المسلمين وقد تحرروا من قيود أوامر حكام فجرة لا هم لهم سوى بقاء عروشهم ولو دفعت الأمة ثمن ذلك من أجساد أطفالها ونسائها وشيوخها وشبابها.
{يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}
9/محرم/1430هـ حزب التحرير
6/1/2009م
[/b]