سنا البرق
22 Jul 2004, 10:16 AM
<span style='color:seagreen'><div align="center">
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعلم أن الصبر على ضربين:
أحدهما: بدني، كتحمل المشاق بالبدن، وكتعاطي الأعمال الشاقة من العبادات أو من
غيرها.
الضرب الآخر: هو الصبر النفساني على مشتهيات الطبع ومقتضيات الهوى، وهذا الضرب
إن كان صبراً عن شهوة البطن والفرج، سمى عفة، وإن كان الصبر في قتال، سمى
شجاعة، وإن كان في كظم غيظ سمى حلماً، وإن كان في نائبة مضجرة، سمى سعة صدر،
وإن كان في إخفاء أمر سمى كتمان سر، وإن كان في فضول عيش سمى زهداً، وإن كان
صبراً على قدر يسير من الحظوظ سمى قناعة.
وأما المصيبة، فإنه يقتصر فيها على اسم الصبر، فقد بان بما ذكرنا أن أكثر أخلاق الإيمان
داخلة في الصبر، وإن اختلفت الأسماء باختلاف المتعلقات.
ثم اعلم أن العبد لا يستغني عن الصبر في كل حال من الأحوال، وذلك أن جميع ما يلقى
العبد في الدنيا لا يخلو من نوعين:
النوع الأول: ما يوافق هواه من الصحة، والسلامة والمال، والجاه، وكثرة العشيرة،
والأتباع، وجميع ملاذ الدنيا، فالعبد محتاج إلى الصبر في جميع هذه الأمور، فلا يركن إليها،
ولا ينهمك في التلذذ بها، ويراعى حق الله تعالى في ماله بالإنفاق، وفى بدنه بالمعونة
للحق.
ومتى لم يضبط نفسه عن الانهماك في الملاذ والركون إليها، أخرجه ذلك إلى البطر
والطغيان، حتى قال بعض العارفين: المؤمن يصبر على البلاء، ولا يصبر على العافية إلا
صدِّيق.
وقال عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه: ابتلينا بالضراء فصبرانا، وابتلينا بالسراء فلم
نصبر.
ولذلك قال الله تعالى :{لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} [المنافقون: 9]
وقال تعالى :{واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة} [الأنفال: 28]
{إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم} [التغابن: 14]
فالرجل كل الرجل من يصبر على العافية، وهذا الصبر متصل بالشكر، فلا يتم إلا بالقيام
بحق الشكر، وإنما كان الصبر على السراء شديداً، لأنه مقرون بالقدرة، والجائع عند غيبة
الطعام أقدر على الصبر منه عند حضور الطعام اللذيذ.
النوع الثاني المخالف للهوى وهو ثلاثة أقسام:
أحدها: الطاعات، فيحتاج العبد إلى الصبر عليها، لأن النفس بطبعها تنفر عن العبودية.
ثم من العبادات ما يكره بسبب الكسل كالصلاة، ومنا ما يكره بسبب البخل كالزكاة، ومنها ما
يكره بسببها جميعاً كالحج والجهاد.
ويحتاج المريد إلى الصبر على طاعته في ثلاثة أحوال:
حال قبل العبادة، وهى تصحيح النية، والإخلاص والصبر على شوائب الرياء، وحال في
نفس العبادة، وهى أن لا يغفل عن الله تعالى في أثناء العبادة، ولا يتكاسل عن تحقيق الآداب
والسنن، فيلازم الصبر عن دواعي الفتور إلى الفراغ من العمل.
الحالة الثالثة بعد الفراغ من العمل: وهى الصبر عن إفشائه، والتظاهر به لأجل الرياء
والسمعة، وعن كل ما يبطل عمله، فمن لم يصبر بعد الصدقة عن المن والأذى أبطلها.
القسم الثاني: الصبر عن المعاصي، وما أحوج العبد إلى ذلك.
ثم إن كان الفعل مما تيسر فعله، كمعاصي اللسان من الغيبة، والكذب والمراء ونحوه، كان
الصبر عليه أثقل، فترى الإنسان إذا لبس حريراً استنكر ذلك، ويغتاب أكثر نهاره، فلا
يستنكر ذلك.
ومن لم يملك لسانه في المحاورات، ولم يقدر على الصبر، لم ينجه إلا العزلة.
القسم الثالث: ما لا يدخل تحت الاختبار: كالمصائب، مثل موت الأحبة، وهلاك الأموال،
وعمى العين، وزوال الصحة، وسائر أنواع البلاء، فالصبر على ذلك من أعلى المقامات،
لأن سنده اليقين.
وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم :"من يرد الله به خيراً يصب به".
وقريب من هذا القسم، الصبر على أذى الناس، كالذي يؤذى بقول أو فعل أو جناية على
نفسه أو ماله، والصبر على ذلك يكون بترك المكافآت.
والصبر على أذى الناس من أعلى المراتب، قال الله تعالى :{وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك
من عزم الأمور} [آل عمران: 186]
وقال {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون} [الحجر: 97]
وقال :{ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} [النحل: 126].
وقد روى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :{الصبر ثلاثة: صبر على المصيبة،
وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، فمن صبر عن المصيبة حتى يردها بحسن
عزائها، كتب الله له ثلاثمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الأخرى كما بين السماء والأرض،
ومن صبر على الطاعة كتبت له ستمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم
الأرض إلى منتهى العرش، ومن صبر على المعصية كتب الله له تسعمائة درجة، ما بين
الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش مرتين"
((أخرجه ابن أبى الدنيا في "فضل الصبر" وأبو الشيخ في "الثواب" من حديث على رضى
الله عنه وسنده ضعيف))
والأحاديث في فضائل الصبر كثيرة، منها: ما أخرجناه في "الصحيحين" عن عائشة رضى
الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :"ما من مصيبة تصيب المسلم إلا
كفر الله عز وجل بها عنه، حتى الشوكة يشاكها".
وفى حديث آخر : "ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غم،
حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" أخرجاه في "الصحيحين".
وفى حديث آخر : "لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة، في جسده وفى ماله وفى ولده، حتى
يلقى الله وما عليه خطيئة".
وفى حديث سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟
قال "الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه،
فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء
بالعبد حتى يمشى على الأرض وليس عليه خطيئة" قال الترمذى : حديث حسن صحيح.
وروينا عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : قال الله تعالى : "إذا وجهت إلى عبد
من عبادي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده، ثم استقبل ذلك بصبر جميل، استحييت منه يوم
القيامة أن أنصب له ميزاناً، أو أنشر له ديواناً" ((أخرجه ابن عدى في "الكامل" والديلمى
في مسند الفردوس، والحكيم الترمذى في النوادر من حديث أنس بن مالك، وسنده ضعيف
كما قال الحافظ العراقي)) .
من مفهوم الصبر عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.</div></span>
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعلم أن الصبر على ضربين:
أحدهما: بدني، كتحمل المشاق بالبدن، وكتعاطي الأعمال الشاقة من العبادات أو من
غيرها.
الضرب الآخر: هو الصبر النفساني على مشتهيات الطبع ومقتضيات الهوى، وهذا الضرب
إن كان صبراً عن شهوة البطن والفرج، سمى عفة، وإن كان الصبر في قتال، سمى
شجاعة، وإن كان في كظم غيظ سمى حلماً، وإن كان في نائبة مضجرة، سمى سعة صدر،
وإن كان في إخفاء أمر سمى كتمان سر، وإن كان في فضول عيش سمى زهداً، وإن كان
صبراً على قدر يسير من الحظوظ سمى قناعة.
وأما المصيبة، فإنه يقتصر فيها على اسم الصبر، فقد بان بما ذكرنا أن أكثر أخلاق الإيمان
داخلة في الصبر، وإن اختلفت الأسماء باختلاف المتعلقات.
ثم اعلم أن العبد لا يستغني عن الصبر في كل حال من الأحوال، وذلك أن جميع ما يلقى
العبد في الدنيا لا يخلو من نوعين:
النوع الأول: ما يوافق هواه من الصحة، والسلامة والمال، والجاه، وكثرة العشيرة،
والأتباع، وجميع ملاذ الدنيا، فالعبد محتاج إلى الصبر في جميع هذه الأمور، فلا يركن إليها،
ولا ينهمك في التلذذ بها، ويراعى حق الله تعالى في ماله بالإنفاق، وفى بدنه بالمعونة
للحق.
ومتى لم يضبط نفسه عن الانهماك في الملاذ والركون إليها، أخرجه ذلك إلى البطر
والطغيان، حتى قال بعض العارفين: المؤمن يصبر على البلاء، ولا يصبر على العافية إلا
صدِّيق.
وقال عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه: ابتلينا بالضراء فصبرانا، وابتلينا بالسراء فلم
نصبر.
ولذلك قال الله تعالى :{لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله} [المنافقون: 9]
وقال تعالى :{واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة} [الأنفال: 28]
{إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم} [التغابن: 14]
فالرجل كل الرجل من يصبر على العافية، وهذا الصبر متصل بالشكر، فلا يتم إلا بالقيام
بحق الشكر، وإنما كان الصبر على السراء شديداً، لأنه مقرون بالقدرة، والجائع عند غيبة
الطعام أقدر على الصبر منه عند حضور الطعام اللذيذ.
النوع الثاني المخالف للهوى وهو ثلاثة أقسام:
أحدها: الطاعات، فيحتاج العبد إلى الصبر عليها، لأن النفس بطبعها تنفر عن العبودية.
ثم من العبادات ما يكره بسبب الكسل كالصلاة، ومنا ما يكره بسبب البخل كالزكاة، ومنها ما
يكره بسببها جميعاً كالحج والجهاد.
ويحتاج المريد إلى الصبر على طاعته في ثلاثة أحوال:
حال قبل العبادة، وهى تصحيح النية، والإخلاص والصبر على شوائب الرياء، وحال في
نفس العبادة، وهى أن لا يغفل عن الله تعالى في أثناء العبادة، ولا يتكاسل عن تحقيق الآداب
والسنن، فيلازم الصبر عن دواعي الفتور إلى الفراغ من العمل.
الحالة الثالثة بعد الفراغ من العمل: وهى الصبر عن إفشائه، والتظاهر به لأجل الرياء
والسمعة، وعن كل ما يبطل عمله، فمن لم يصبر بعد الصدقة عن المن والأذى أبطلها.
القسم الثاني: الصبر عن المعاصي، وما أحوج العبد إلى ذلك.
ثم إن كان الفعل مما تيسر فعله، كمعاصي اللسان من الغيبة، والكذب والمراء ونحوه، كان
الصبر عليه أثقل، فترى الإنسان إذا لبس حريراً استنكر ذلك، ويغتاب أكثر نهاره، فلا
يستنكر ذلك.
ومن لم يملك لسانه في المحاورات، ولم يقدر على الصبر، لم ينجه إلا العزلة.
القسم الثالث: ما لا يدخل تحت الاختبار: كالمصائب، مثل موت الأحبة، وهلاك الأموال،
وعمى العين، وزوال الصحة، وسائر أنواع البلاء، فالصبر على ذلك من أعلى المقامات،
لأن سنده اليقين.
وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم :"من يرد الله به خيراً يصب به".
وقريب من هذا القسم، الصبر على أذى الناس، كالذي يؤذى بقول أو فعل أو جناية على
نفسه أو ماله، والصبر على ذلك يكون بترك المكافآت.
والصبر على أذى الناس من أعلى المراتب، قال الله تعالى :{وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك
من عزم الأمور} [آل عمران: 186]
وقال {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون} [الحجر: 97]
وقال :{ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} [النحل: 126].
وقد روى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :{الصبر ثلاثة: صبر على المصيبة،
وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، فمن صبر عن المصيبة حتى يردها بحسن
عزائها، كتب الله له ثلاثمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الأخرى كما بين السماء والأرض،
ومن صبر على الطاعة كتبت له ستمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم
الأرض إلى منتهى العرش، ومن صبر على المعصية كتب الله له تسعمائة درجة، ما بين
الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش مرتين"
((أخرجه ابن أبى الدنيا في "فضل الصبر" وأبو الشيخ في "الثواب" من حديث على رضى
الله عنه وسنده ضعيف))
والأحاديث في فضائل الصبر كثيرة، منها: ما أخرجناه في "الصحيحين" عن عائشة رضى
الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :"ما من مصيبة تصيب المسلم إلا
كفر الله عز وجل بها عنه، حتى الشوكة يشاكها".
وفى حديث آخر : "ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غم،
حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" أخرجاه في "الصحيحين".
وفى حديث آخر : "لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة، في جسده وفى ماله وفى ولده، حتى
يلقى الله وما عليه خطيئة".
وفى حديث سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟
قال "الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه،
فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء
بالعبد حتى يمشى على الأرض وليس عليه خطيئة" قال الترمذى : حديث حسن صحيح.
وروينا عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : قال الله تعالى : "إذا وجهت إلى عبد
من عبادي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده، ثم استقبل ذلك بصبر جميل، استحييت منه يوم
القيامة أن أنصب له ميزاناً، أو أنشر له ديواناً" ((أخرجه ابن عدى في "الكامل" والديلمى
في مسند الفردوس، والحكيم الترمذى في النوادر من حديث أنس بن مالك، وسنده ضعيف
كما قال الحافظ العراقي)) .
من مفهوم الصبر عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.</div></span>