المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ( وَ تِلكَ الأَمثَـــــالُ نَضرِبُهَا للنَّـاسِ وَ مَا يَعقِلُهَا إِلَّا العَلِمُونَ



RawanD
28 Jun 2008, 02:28 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين

و الصلاة و السلام على أشرف الأنبيــاء و خير المرسليــن

حبيبنا محمد و على آله و صحبه أجمعيـــن

أما بعد ..

انطلاقاً من قول اللهِ تعالى :

(كِتَابٌ أَنزَلنَـاهُ إِلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَــدَّبَّـــرُوا آيَاتِه وَ لِيَذَّكَّرَ أُولُوا الأَلبَـابِ ) سورة ص

كـان لِزاماً علينا آيـــات القرآن الكريم

و نفهمها ، و نتفكر فيها ، و نعقل محتواها

لـ نطبق أمر ربنا ، و نقف عند حدود مولانا ، و نبتعد عن ما نهانا

و لا يحصل ذلك إلا بقراءة كتب التفسيــر و دراستها

و عند تمعننا في آيات كتــاب الله

نجد فيه من البلاغة و البيـــان ما فيه معجــزة عظيــمة

فقد وردت فيه طرق بلاغية بيانية شتى تهدف إلى إيصال المعنى و تقريبه في أشمل و أوضح و أجمل صورة

http://www.rofof.com/img/6ary6om.gif (http://www.rofof.com/)

و من جملة الأساليب البيانية التي اعتمدها القرآن في إبلاغ رسالته للناس :

...[ ضرب الأمثـــال ]...

قال تعالى : ( وَ يَضرِبُ اللهُ الأَمثَـالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ ) سورة إبراهيم

إذ أن القرآن يُصيغ الحقائق السامية في معانيها و أهدافها في قالب حسي ، ليقربها إلى الأفهام بقياسها على ما هو معلوم ومحسوس

فالتمثيل : هو القالب الذي يبرز تلك المعاني في صورة حية تستقر في الأذهان

بتشبيه الغائب بـالحاضر ، والمعقول بـالمحسوس ، و قياس النظير على النظير .

و كم من معنى جميل زاده التمثيل روعة وجمالاً

فكان ذلك أدعى لقبول النفس له ، واقتناع العقل به .

http://www.rofof.com/img/6ary6om.gif (http://www.rofof.com/)

RawanD
28 Jun 2008, 02:29 AM
قال الماوردي عليه رحمة الله :

[ من أعظم علم القرآن علم أمثـاله و الناس في غفلة عنه ]

هذا ما زادني حرصاً على كتــابة هذا الموضوع

لـ نتدارس أمثـال القرآن الكريم

و نكون بإذن الله من الذين يعقلونها

و من العالِميـــن بها

( وَ تِلكَ الأَمثَـــالُ نَضرِبُهَا للنَّاسِ وَ مَا يَعقِلُهَا إِلَّا العَـالِمُونَ )

http://www.rofof.com/img/6ary6om.gif (http://www.rofof.com/)

إن شاء الله سأضع بين حين و آخر آية من الآيات التي تناولت مثلاً

و سآتي بشرح المثل بصورة يسيرة بإذنه تعالى

و هكــذا .. حتى يتسنى لنا الإجمال بأغلب الأمثال القرآنية

علماً بأن المرجع سيكون :

كتاب ( الأمثـال في القرآن الكريم )

تأليف : الإمام شمس الدين محمد أبي بكر

RawanD
28 Jun 2008, 02:30 AM
http://www.rofof.com/img/6ary6om.gif (http://www.rofof.com/)


قبل أن أتطرق للأمثال سأوجز فوائد ضرب الأمثال :

فـوائـد الأمثــال :

1 – الأمثال تبرز المعقول في صورة المحسوس الذي يلمسه الناس
فيقبله العقل لأن المعاني المعقولة لا تستقر في الذهن إلا إذا صيغت في صورة حسية قريبة الفهم،

2 – و تكشف الأمثال عن الحقائق وتعرض الغائب في معرض الحاضر

3 – و تجمع الأمثال المعنى الرائع في عبارة موجزة

4 – و يضرب المثل للترغيب في الممثل حيث يكون الممثل به مما ترغب فيه النفوس كما ضرب الله مثلاً لحال المنفق في سبيل الله حيث يعود عليه الإنفاق بخير كثير

5 – و يضرب المثل للتنفير حيث يكون الممثل به مما تكرهه النفوس

6 – و يضرب المثل لمدح الممثل

7 – و يضرب المثل حيث يكون للممثل به صفة يستقبحها الناس


8 – و الأمثال أوقع في النفس .. وأبلغ في الوعظ .. وأقوى في الزجر .. وأقوم في الإقناع ..
وقد أكثر الله تعالى الأمثال في القرآن لـ التذكرة و العظة ..

[ موقع باب المقال ]

http://www.rofof.com/img/6ary6om.gif (http://www.rofof.com/)

RawanD
28 Jun 2008, 02:30 AM
[ 1 ]
القرآن


إذا كان في هذا القرآن من كل مثل , فما مثل القرآن نفسه ؟!

بـ ( التدبر و التذكر ) نستطيع بإذن الله أن نهتدي إلى مَثل القرآن في القرآن .

وقبل أن نلج في الكتاب المجيد , نستفتح بحديث النبي صلى الله عليه و سلم في الصحيح :
( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير.. )

فالمثل عند صاحب الوحي عليه الصلاة والسلام صراحة , هو الغيث الكثير , والقرآن على رأس العلم والهدى.


ثم آية سورة النحل : { وَمَا أَنزَلنَا عَلَيكَ الكِتَابَ إلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُم الّذِي اختَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحمَة لِقَومٍ يُؤِمنُونَ } { وَاللهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحيَى بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِقَومٍ يَسمَعُونَ }

والمثلية واضحة جلية
أولاً في تتابع الآيتين وارتباطهما
ثم بدلالة الإحياء بعد الموت { يا أَيُّهَا الِذينَ آمَنُوا استَجِيبُوا لِلهِ ولِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم ِلمَا يُحيِيكُم } و القرآن على رأس الدعوة

فالماء وإنزاله وإحياء الارض : آية لقوم يبصرون
وإنما ذلك القرآن المقصود : آية لقوم يسمعون

ثم بالإنزال الطاهر الظاهر لكل منهما.



ثم آيات سورة الفرقان : {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا }
{ لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا } { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا } { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا }{ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا }


فما هو الذي ( صرفناه ) ؟ القرآن أم الماء ؟
( وجاهدهم به ) , بالقرآن أم بالماء ؟


ثم ليأتنا أمضى الناس بصرًا وبصيرة , ليرينا أين الحد الفاصل في الآيات بين الماء والقرآن
فما نقرأه في الآية للماء, نقرأه كذلك للقرآن .

فالمثل بات واضحاً : القرآن مَثله مَثل الماء

فبقي بعدها شواهد المثل ودلالات التمثيل
ومادة التشابه , من الحياة ابتداء , أو من بعد الموت والكفر
ثم حضور الماء واحتياجه في الناس , وتنزيله مرة بعد مرة, كلما يبست الارض أو كادت
غير أن القرآن ينزل مرة, ويذاكر مرة بعد مرة, ليصبح عند الذاكرين كأنه يتنزل لتوه, فتقشعر منه جلودهم, ثم تلين, كحالها في الماء والرياح .




فضيلة الشيخ " صلاح الدين " إبراهيم أبو عرفة

RawanD
28 Jun 2008, 02:31 AM
[ 2 ]
المنافقون

قوله تعالى في حق المنافقين :
{ مَثَلُهُم كَمَثَلِ الذِي استَوقَدَ نَارًا
فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ {17}
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ {18}
أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ
يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ
واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ {19}
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ
كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ
وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ
وَ لَو شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمعِهِم وَ أَبصَارِهِم إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ }

فضرب للمنافقين بحسب حالهم مثلين :
مثلاً نارياً و مثلاً مائياً

لما في الماء والنار من الإضاءة والإشراق والحياة
فإن النار مادة النور و الماء مادة الحياة

وقد جعل الله سبحانه الوحي الذي أنزل من السماء متضمناً لحياة القلوب واستنارتها
ولهذا سماه روحاً و نوراً
و جعل قابليه أحياء في النور ومن لم يرفع به رأساً أمواتاً في الظلمات

المثل الناري :

وأخبر عن حال المنافقين بالنسبة إلى حظهم من الوحي :
أنهم بمنزلة من استوقد نارًا لتضيء له وينتفع بها
و هذا لأنهم دخلوا في الإسلام فاستضاؤوا به و انتفعوا به

ولكن لما لم يكن لصحبتهم مادة من قلوبهم من نور الإسلام طغى عنهم و ذهب الله بنورهم

ولم يقل نارهم فإن النار فيها الإضاءة والإحراق فذهب الله بما فيها من الإضاءة وأبقى عليهم ما فيها من الإحراق
وتركهم في ظلمات لا يبصرون

فهذا حال من أبصر ثم عمي وعرف ثم أنكر ودخل في الإسلام ثم فارقه بقلبه لا يرجع إليه ولهذا قال فهم لا يرجعون .

[][][]

المثل المائي :

ثم ذكر حالهم بالنسبة إلى المثل المائي فشبههم بأصحاب صيب
وهو المطر الذي يصوب أي ينزل من السماء
فيه ظلمات و رعد و برق
فلـ ضعف بصائرهم و عقولهم
اشتدت عليهم زواجر القرآن و وعيده و تهديده و أوامره و نواهيه
وخطابه الذي يشبه الصواعق
فحالهم كحال من أصابه مطر فيه ظلمة ورعد وبرق
فلـ ضعفه وخوفه جعل أصبعيه في أذنيه خشية من صاعقة تصيبه !

وقد شاهدنا نحن وغيرنا كثيرًا من مخانيث تلاميذ الجهمية و المبتدعة
إذا سمعوا شيئا من آيات الصفات و أحاديث الصفات المنافية لبدعتهم
رأيتهم عنها معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة
و يقول مخنثهم سدوا عنا هذا الباب و اقرأوا شيئا غير هذا
و ترى قلوبهم مولية و هم يجمحون لثقل معرفة الرب سبحانه تعالى وأسمائه وصفاته على عقولهم وقلوبهم
و كذلك المشركون على اختلاف شركهم إذا جرد لهم التوحيد و تليت عليهم النصوص المبطلة

لشركهم اشمأزت قلوبهم و ثقل عليهم
لو وجدوا السبيل إلى سد آذانهم لفعلوا
وكذلك نجد أعداء أصحاب رسول الله ثقل ذلك عليهم جداً فأنكرته قلوبهم
وهذا كله شبه ظاهر ومثل محقق من إخوانهم من المنافقين في المثل الذي ضربه الله لهم بالماء
فإنهم لما تشابهت قلوبهم تشابهت أعمالهم

RawanD
28 Jun 2008, 02:32 AM
حتى يتضح لكم مثل المنافقين الناري تخيلوا معي الوصف التالي لـ لقمان الحكيم :

1- المثل الناري :

نفترض أنّ أحداً ، ضلّ في البيداء وسط ظلام دامس
و أراد أن يقطع طريقه دون أن يتخبّط فيه
ولا يمكن أن يهتدي ـ والحال هذه ـ إلاّ بإيقاد النار ليمشي على ضوئها ونورها
و يتجنب المزالق الخطيرة
و ما أن أوقد النار حتى باغتته ريح عاصفة أطفأت ما أوقده ، فعاد إلى حيرته الأولى .

فحال المنافقين كحال هذا الرجل
حيث إنّهم آمنوا بادي الاَمر و استناروا بنور الاِيمان و مشوا في ضوئه
لكنّهم استبدلوا الاِيمان بالكفر فعمَّهم ظلام الكفر لا يهتدون سبيلاً .

هذا على القول بأنّ المنافقين كانوا موَمنين ثمّ عدلوا إلى الكفر
و أمّا على القول بعدم إيمانهم منذ البداية

فالنار التي استوقدوها ترجع إلى نور الفطرة الذي كان يهديهم إلى طريق الحق
ولكنّهم أخمدوا نورها بكفرهم بآيات الله تبارك و تعالى .

و الحاصل :

أنّ حال هوَلاء المنافقين لمّا أظهروا الاِيمان و أبطنوا الكفر
كحال من ضلَّ في طريقه وسط الظلام في مكان حافل بالاَخطار
فأوقد ناراً لاِنارة طريقه
فـ إذا بريح عاصفة أطفأت النار وتركته في ظلمات لا يهتدي إلى سبيل.

[]
[]
[]

حتى يتضح لكم مثل المنافقين المائي تخيلوا معي الوصف التالي لـ لقمان الحكيم:

2- المثل المائي :

المهمّ هو ترسيم ذلك المشهد الرهيب :

فلنفترض أنّ قوماً كانوا يسيرون في الفلوات
وسط أجواء سادها الظلام الدامس
فإذا بصيّب ( مطر) من السماء يتساقط عليهم بغزارة
فيه رعود قاصفة و بروق لامعة تكاد تخطف الاَبصار من شدتها
و صواعق مخيفة
فتولاّهم الرعب و الفزع و الهلع
ممّا حدا بهم إلى أن يجعلوا أصابعهم في آذانهم خشية الموت
للحيلولة دون سماع ذلك الصوت المخيف
فعندئذٍ وقفوا حيارى لا يدرون أين يولّون وجوهم
فإذا ببصيص من البرق أضاء لهم الطريق فمشوا فيه هنيئة
فلما استتر ضوء البرق أحاطت بهم الظلمة مرة أُخرى وسكنوا عن المشي .


و نستنتج من هذا المثل الأمور الثلاث التالية :

الاَوّل : إحاطة الرعب و الهلع بالمنافقين إثر انتشار الاِسلام في الجزيرة العربية
ودخول القبائل فيه وتنامي شوكته
مما أوجد رعباً في قلوبهم و فزعاً في نفوسهم المضطربة
ويجدون ذلك بلاءً أحاط بهم
كالقوم الذين يصيبهم الصيّب من السماء فيه ظلمات و رعد وبرق وإليه أشار قوله سبحانه: ( أو كصيّب من السماء فيه رعد وبرق ).


الثاني : أنّ النبي ( صلى الله عليه و آله وسلم )
لمّا كان يخبرهم عن المستقبل المظلم للكافرين والمدبرين عن الاِسلام والاِيمان خصوصاً بعد الموت
صار ذلك كالصاعقة النازلة على روَوسهم
فكانوا يهربون من سماع آيات الله ويحذرون من صواعق براهينه الساطعة
مع أنّ هذا هو منتهى الحماقة ، لاَنّ صمّ الآذان ليس من أسباب الوقاية من أخذ الصاعقة ونزول الموت
وإلى ذلك يشير قوله سبحانه : ( يَجْعَلُون أَصابعهُمْ في آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَر المَوت وَالله مُحيطٌ بِالكافِرين ).


الثالث : كان النبي ( صلى الله عليه و آله وسلم )
يدعوهم إلى أصل الدين و يتلوا عليهم الآيات البيّنة و يقيم لهم الحجج القيّمة
فعنئذٍ يظهر لهم الحق ، فربّما كانوا يعزمون على اتّباعه والسير وراء أفكاره
ولكن هذه الحالة لم تدم طويلاً ، إذ سرعان ما يعودون إلى تقليد الآباء ، وظلمة الشهوات والشبهات
وإلى ذلك يشير قوله سبحانه: ( يَكادُ الْبَرقُ يَخْطَفُ أَبْصارهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشوا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا ) .

RawanD
28 Jun 2008, 02:33 AM
لي عودة لأكمل

RawanD
28 Jun 2008, 07:41 AM
[ 3 ]
قسوة القلـوب

{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً
وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ
وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء
وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ
وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }
جاءت الآية بعد قصة البقرة التي ذبحها بنو إسرائيل، وقد كانوا يجادلون موسى (عليه السلام) بغية التملّص من ذبحها، ولكن قاموا بذبحها و ما كادوا يفعلون.
وكان ذبح البقرة لاَجل تحديد هوية القاتل الذي قام بقتل ابن عمه غيلة واتهم بقتله شخصاً آخر من بني إسرائيل، فصاروا يتدارأون ويدفعون عن أنفسهم هذه التهمة،
فرجعوا في أمرهم إلى موسى (عليه السلام) ، وشاء الله أن يظهر حقيقة الاَمر بنحو معجز، فقال لهم موسى (عليه السلام): ( انّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة )، فلمّـا ذبحوها ـ بعد مجادلات طويلة ـ أمر سبحانه أن يضربوا المقتول ببعض البقرة حتى يحيى المقتول ويعين هوية القاتل.
قال سبحانه: ( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يحيي اللهُ المَوتى وَيُريكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ).
ومع روَية هذه المعجزة الكبرى التي كان من المفروض أن تزيد في إيمانهم وانصياعهم لنبيهم موسى (عليه السلام)، لكن ـ و للاَسف ـ قست قلوبهم بنحو يحكي سبحانه شدة تلك القساوة




ثمّ إنّه سبحانه وصف قلوبهم بأنّها أشدّ قسوة من الحجارة، وعلّل ذلك بأُمور ثلاثة :


الاَوّل : ( وَانّ مِنَ الحِجارة لَما يَتَفَجَّرُ مِنْه الاَنْهار )

الثاني : ( وَانَّ مِنْها لما يَشَّقّق فيَخرج مِنْهُ الماء )

الثالث : ( وَإنّ مِنْها لما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله )

أمّا الأوّل : أي تفجّر الأنهار من الحجارة ، كالعيون الجارية من الجبال الصخرية .

و أمّا الثاني : كالعيون الحادثة عند الزلازل المستتبعة للانشقاق والانفجار المستعقب لجريان الاَنهار .

و أمّا الثالث : كهبوط الحجارة من الجبال العالية إلى الاَودية المنخفضة من خشية الله .

وعلى ضوء ذلك فالحجارة على الرغم من صلابتها تتأثر طبقاً للعوامل السالفة الذكر
وأمّا قلوب بني إسرائيل فهي صلبة لا تنفعل أمام وحيه سبحانه و بيان رسوله
فـ لا تفزع نفوسهم ولا تخشع لاَمره ونهيه .

و من عجيب الاَمر أنّ بني إسرائيل رأوا بأُمّ أعينهم ليونة الحجارة
حيث استسقى موسى لقومه، فأمر بأن يضرب بعصاه الحجر
فلمّا ضربه انفجرت منه اثنتا عشرة عيناً بعدد الاَسباط .

ثمّ إنّ ظاهر الآية نسبة الشعور إلى الحجارة حيث إنّها تهبط من خشية الله
وهذه حقيقة علمية كشف عنها الوحي وإن لم يصل إليها الاِنسان بأدواته الحسية .

يقول صدر المتألهين :
إنّ الكون بجميع أجزائه يسّبح لله ويحمده و يثني عليه تعالى عن شعور
فلكلّ موجود من هذه الموجودات نصيب من الشعور والاِدراك بقدر ما يملك من الوجود من نصيب .

RawanD
28 Jun 2008, 07:43 AM
[ 4 ]

الإنفاق في سبيل الله

( مَثَلُ الّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ

فِي كُلّ سُنْبُلَةٍ مائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيم )

( الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ في سَبِيلِ اللهِ ثُمّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا منّاً وَلا أَذى

لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون )

( قَولٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِىّ حَليم )


وعد سبحانه في غير واحد من الآيات بالجزاء المضاعف
قال سبحانه: ( مَنْ ذَا الّذِى يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثيِرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وإليهِ تُرْجَعُون )

ولاَجل تقريب هذا الاَمر أتى بالتمثيل الآتي وهو:
أنّ مثل الاِنفاق في سبيل الله كمثل حبة أنبتت ساقاً انشعب سبعة شعب
خرج من كلّ شعبة سنبلة فيها مائة حبة فصارت الحبة سبعمائة حبة ، بمضاعفة الله لها
ولا يخفى أنّ هذا التمثيل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعة
فإنّ في هذه إشارة إلى أنّ الاَعمال الصالحة يمليها الله عزّ وجلّ لأصحابها كما يملي لمن بذر في الاَرض الطيبة .

و ظاهر الآية أنّ المشبه : هو المنفق
والمشبه به : هو الحبة المتبدلة إلى سبعمائة حبة
ولكن التنزيل في الواقع بين أحد الاَمرين :
أ : تشبيه المنفق بزارع الحبة .
ب : تشبيه الاِنفـاق بالحبة المزروعة .
ففي الآية أحد التقديرين .

ثمّ إنّ ما ذكره القرآن من التمثيل ليس أمراً وهمياً وفرضاً خيالياً بل هو أمر ممكن واقع
بل ربما يتجاوز هذا العدد

فقد حكى لي بعض الزُّرّاع أنّه جنى من ساق واحد ذات سنابل متعددة تسعمائة حبة !
ولا غرو في ذلك فانّه سبحانه هو القابض والباسط .

ثمّ إنّه سبحانه فرض على المنفق في سبيل الله الطالب رضاه ومغفرته أن لا يتبع ما أنفقه بالمنّ والاَذى .

أمّا المنُّ : فهو أن يتطاول المعطي على من أعطاه
بأن يقول: "ألم أعطك" "ألم أحسن إليك" كلّ ذلك استطالة عليه
وأمّا الاَذى فهو واضح .

فهوَلاء ـ أي المنفقون ـ غير المتبعين إنفاقهم بالمنّ والاَذى :
( لهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يَحْزنون ).

ثمّ إنّه سبحانه يرشد المعوزين بأن يردّوا الفقراء إذا سألوهم بأحد نحوين :
أ: ( قول معروف ) كأن يتلطف بالكلام في ردّ السائلين والاعتذار منهم والدعاء لهم .

ب: ( ومغفرة ) لما يصدر منهم من إلحاف أو إزعاج في المسألة .
فالمواجهة بهاتين الصورتين ( خير من صدقة يتبعها أذى ).
وعلى كلّ حال فالمغني هو الله سبحانه

كما يقول : ( وَالله غني ) : أي يغني السائل من سعته
ولكنّه لاَجل مصالحكم في الدنيا والآخرة استقرضكم في الصدقة وإعطاء السائل.
( حليم ) فعليكم يا عباد الله بالحلم و الغفران لما يبدر من السائل .

أمثـال لقمان الحكيم القرآنية

نسايم2008
28 Jun 2008, 07:45 AM
السلام عليكم ورحمة الله
مشكووووووووووووورة غاليتي عطر
ربي يعطيك العافية على مواضيعك القيمة
في ميزان حسناتك تقبل الله منا ومنك صالح الاعمال
في امااااااااااااان الله

RawanD
28 Jun 2008, 07:45 AM
[ 5 ]


الحق و الباطل


ذكر سبحانه المثلين المائي و الناري في سورة الرعد في حق المؤمنين كما ذكره سابقاً في حق المنافقين في سورة البقرة
فقال تعالى :
( أنزل من السماءِ ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها فاحتملَ السيلُ زبدًا رابيًا
ومما يوقدونَ عليهِ في النارِ ابتغاءَ حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثلُهُ
كذلكَ يضربُ اللهُ الحقَّ والباطلَ
فأما الزبدُ فيذهبُ جفاءً و أما مَا ينفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرضِ
كذلكَ يضربُ اللهُ الأمثالَ )


المثل المائي :
شبه الوحي الذي أنزله لحياة القلوب والأسماع والأبصار بالماء الذي أنزله لحياة الأرض بالنبات

وشبه القلوب بـالأودية
فقلب كبير يسع علماً عظيماً كواد كبير يسع ماءً كثيرًا
وقلب صغير إنما يسع بحسبه كالوادي الصغير

فسالت أودية بقدرها واحتملت قلوب من الهدى والعلم بقدرها
كما أن السيل إذا خالط الأرض و مر عليها احتملت غثاءً وزبداً
فكذلك الهدى والعلم إذا خالط القلوب أثار ما فيها من الشهوات والشبهات ليقلعها ويذهبها
كما يثير الدواء وقت شربه من البدن أخلاطه فتكرب بها شاربه وهي من تمام نفع الدواء فانه أثارها ليذهب بها فإنه لا يجامعها ولا يساكنها
وهكذا يضرب الله الحق والباطل



ثم ذكر المثل الناري فقال :
( ومما يوقدونَ عليهِ في النارِ ابتغاءَ حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثلُهُ )


وهو الخبث الذي يخرج عند سبك الذهب والفضة والنحاس والحديد
فتخرجه النار وتميزه و تفصله عن الجوهر الذي ينتفع به فيرمى و يطرح و يذهب جفاء
فكذلك الشهوات والشبهات يرميها قلب المؤمن ويطرحها ويجفوها كما يطرح السيل والنار ذلك الزبد والغثاء والخبث
ويستقر في قرار الوادي الماء الصافي الذي يسقي منه الناس و يزرعون و يسقون أنعامهم
كذلك يستقر في قرار القلب و جذره الإيمان الخالص الصافي الذي ينفع صاحبه وينتفع به غيره
ومن لم يفقه هذين المثلين ولم يتدبرهما ويعرف ما يراد منهما فليس من أهلهما والله الموفق

RawanD
28 Jun 2008, 07:46 AM
[ 6 ]
ما يبطل الصدقات

( يَا أَيُّها الّذِينَ آمَنوا لا تُبطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنّ وَالاََذى
كَالّذى يُنْفِقُ مَالَهُ رئَاءَ النّاسِ وَلا يُوَْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ
فَمَثَلُهُ كَمَثلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصَابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً
لا يَقْدِرُون َعَلى شيءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي القَومَ الكَافِرِين ).

الرئى من الروَية، وسمي المرائي مرائياً، كأنّه يفعل ليرى غيره ذلك.
والصفوان هو الحجر الاَملس.
و"الوابل": المطر الشديد الوقع.
و "الصلد": الحجر الاَملس أي الصلب،و"الصلد" من الاَرض مالا ينبت فيه شيئاً لصلابته.

شبّه سبحانه أصحاب المنِّ والاَذى بالمرائي الذي لا يبتغي بعمله مرضاة الله تعالى، ولا يقصد به وجه الله
غير أنّ المانّ والموَذي يقصد بعمله مرضاة الله ثمّ يتبعهما بما يبطله
والمرائي لا يقصد بأعماله وجه الله سبحانه فيقع عمله باطلاً من رأس
ولذلك صحّ تشبيههما بالمرائي مثل تشبيه الضعيف بالقوي .

وأمّا حقيقة التمثيل فتوضيحها بالبيان التالي :

نفترض أرضاً صفواناً أملس عليها تراب ضئيل
يخيل لاَوّل وهلة أنّها أرض نافعة صالحة للنبات
فأصابها مطر غزير جرف التراب عنها فتركها صلداً صلباً أملس لا تصلح لشىء من الزرع
كما قال سبحانه: ( كمَثَل صَفْوان عَلَيْهِ تُراب فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكهُ صَلداً لا يَقْدِرُون على شيء مِمّا كسبوا ).

فعمل المرائي له ظاهر جميل وباطن ردىء
فالاِنسان غير العارف بحقيقة نيّة العامل يتخيل أنّ عمله منتج
كما يتصور الاِنسان الحجر الاَملس الذي عليه تراب قليل فيتخيل انّه صالح للنبات
فعندما أصابه مطر غزير شديد الوقع ونفض التراب عن وجه الحجر تبين أنّه حجر أملس لا يصلح للزراعة
فهكذا عمل المرائي إذا انكشفت الوقائع ورفعت الاَستار تبين أنّه عمل ردىء عقيم غير ناتج.

RawanD
28 Jun 2008, 07:47 AM
[ 7 ]
الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله

( وَمَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغاءَ مَرضَاتِ اللهِ وَتَثْبيتاً مِنْ أَنفُسِهِمْ
كَمَثَلِ جَنةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَين
فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلّ
وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )

"الربوة" : هي التلُّ المرتفع .
و"الطلّ": المطر الخفيف، يقال: أطلّت السماء فهي مطلِّة. وروضة طلّة ندية.

شبّه سبحانه في التمثيل السابق [ 6 ] عمل المانِّ والمؤذي بعد الاِنفاق والمرائى
بعمله بالأرض الصلبة التي عليها تراب يصيبها مطر غزير يكتسح التراب
فلا يظهر إلاّ سطح الحجر لخشونته وصلابته

على عكس التمثيل في هذه الآية
حيث إنّها تشبّه عمل المنفق لمرضاة الله تبارك و تعالى
بجنة خضراء يانعة تقع على أرض مرتفعة خصبة تستقبل النسيم الطلق و المطر الكثير النافع

و قيّد المشبه به ببستان مرتفع عن الاَرض ؛ لأنّ تأثير الشمس والهواء فيه أكمل فيكون أحسن منظراً وأذكى ثمراً
أمّا الاَماكن المنخفضة التي لا تصيبها الشمس في الغالب إلاّ قليلاً فلا تكون كذلك .

وعلى كلّ حال فهذا النوع من الاَرض
إن أصابها وابل : أتت أُكلها ضعفين فكان ثمرها مِثْلَي ما كانت تثمر في العادة
وإن لم يصبها وابل : بل أصابها الطلّ تعطي أُكلها حسب مايترقّب منها.

فالذين ينفقون أموالهم في سبيل الله أشبه بتلك الجنة ذات الحاصل الوافر المفيد والثمين.

ثمّ إنّ قوله سبحانه: ( ابتغاء مرضات الله و تثبيتاً من أنفسهم )
بيان لدوافع الاِنفاق وحواجزه وهو :
ابتغاء مرضاة الله أولاً
وتقوية روح الاِيمان في القلب ثانياً

ولعلّ السرّ في دخول "من" على ( من أنفسهم )مع كونه مفعولاً لقوله ( تثبيتاً) :
لبيان أنّ هذا المنفق ينفق من نفس قد روّضها وثبّتها في الجملة على الطاعة
حتى سمحت لله بالمال الغزير
فهو يجعل من مقاصده في الاِنفاق : تثبيتها على طاعة الله وابتغاء مرضاته في المستقبل.

مشتاق للجنة
28 Jun 2008, 10:04 AM
جعل الله مكانك في أعلى عليين أختنا الكريمة على الموضوع القيم لا حرمك ربي أجر ما خططت أناملك

RawanD
28 Jun 2008, 03:45 PM
نسايم 2008
مشتاق للجنة
اسئل الله ان يجزيكم خيرا على مروركم الطيب .. وبارك الله فيكم .

أنين مذنبة
28 Jun 2008, 03:48 PM
سدد الله خطاك اخية

جزاك الله خيرا

RawanD
28 Jun 2008, 03:50 PM
حياكِ الله اخيتي أنين .. وشرفني مرورك الطيب .
اسئل الله ان يجزيك خيرا .