المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اختصاصات الرّسول صلى الله عليه وسلم



amiracom
13 Jun 2004, 11:31 AM
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

الحكم التّكليفيّ في بحث اختصاصات الرّسول :
اختلف الفقهاء في جواز البحث في خصائص الرّسول صلى الله عليه وسلم ، فأجازه الجمهور ورجّحه النّوويّ ، وقال : الصّواب الجزم بجواز ذلك ، بل باستحبابه ، بل لو قيل بوجوبه لم يكن بعيداً ؛ لأنّ في البحث في الخصائص زيادة العلم ؛ ولأنّه ربّما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتةً في الحديث الصّحيح ، فعمل به أخذاً بأصل التّأسّي بالرّسول عليه الصلاة والسلام ، فوجب بيانها لتعرف فلا يعمل بها. وأمّا ما يقع في ضمن الخصائص ممّا لا فائدة فيه اليوم فقليل ، لا تخلو أبواب الفقه عن مثله للتّدرّب ، ومعرفة الأدلّة وتحقيق الشّيء على ما هو عليه. ومنعه بعضهم كإمام الحرمين الجوينيّ. وحجّة هؤلاء أنّه لا يتعلّق بهذه الخصائص حكم ناجز تمسّ الحاجة إليه .
أنواع اختصاصات الرّسول صلى الله عليه وسلم :
*** أ - الأحكام التّكليفيّة الّتي لا تتعدّاه إلى أمّته ككونه لا يورث ، وغير ذلك .
ب - المزايا الأخرويّة ، كإعطائه الشّفاعة ، وكونه أوّل من يدخل الجنّة وغير ذلك .
ج - الفضائل الدّنيويّة ، ككونه أصدق النّاس حديثاً .
د - المعجزات كانشقاق القمر ، وغيره .
هـ - الأمور الخلقيّة ، ككونه يرى من خلفه ونحو ذلك. وسيقتصر البحث على النّوع الأوّل من هذه الاختصاصات - اختصاصه صلى الله عليه وسلم ببعض الأحكام التّكليفيّة. أمّا موطن الاطّلاع على الخصائص الأخرى فهو كتب العقائد ، وكتب السّيرة النّبويّة ، والكتب المؤلّفة في خصائصه صلى الله عليه وسلم وفضائله. ما اختصّ به صلى الله عليه وسلم من الأحكام التّكليفيّة :
*** هذه الاختصاصات لا تخرج عن كونها واجبةً أو محرّمةً أو مباحةً. الاختصاصات الواجبة :
*** فرض اللّه على رسوله صلى الله عليه وسلم بعض ما هو مباح أو مندوب على أمّته ، إعلاءً لمقامه عنده وإجزالاً لثوابه ؛ لأنّ ثواب الفرض أكبر من ثواب النّفل ، وفي الحديث : " ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه "
ومن ذلك :
أ - قيام اللّيل :
*** اختلف العلماء في قيام اللّيل ، هل كان فرضاً عليه صلوات اللّه وسلامه عليه أو لم يكن فرضاً ، مع اتّفاقهم على عدم فرضيّته على الأمّة.
فذهب عبد اللّه بن عبّاس إلى أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قد اختصّ بافتراض قيام اللّيل عليه ، وتابع ابن عبّاس على ذلك كثير من أهل العلم ، منهم الشّافعيّ في أحد قوليه ، وكثير من المالكيّة ، ورجّحه الطّبريّ في تفسيره.
واستدلّ على ذلك بقوله تعالى في سورة الإسراء : " ومن اللّيل فتهجّد به نافلةً لك " أي نفلاً لك ، أي فضلاً : ( زيادةً ) عن فرائضك الّتي فرضتها عليك ، كما يدلّ على ذلك قوله تعالى : " قم اللّيل إلاّ قليلاً ، نصفه أو انقص منه قليلاً ، أو زد عليه " .
قال الطّبريّ : " خيّره اللّه تعالى حين فرض عليه قيام اللّيل بين هذه المنازل " .
ويعضّد هذا ويؤيّده ما رواه الطّبرانيّ في معجمه الأوسط والبيهقيّ في سننه عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث هنّ عليّ فرائض ولكم سنّة ، الوتر والسّواك وقيام اللّيل " .
وذهب مجاهد بن جبر إلى أنّ قيام اللّيل ليس بفرض على ، رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بل هو نافلة ، وإنّما قال اللّه تعالى : " نافلةً لك " من أجل أنّه صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فما عمل من عمل سوى المكتوبة فهو نافلة ؛ لأنّه لا يعمل ذلك في كفّارة الذّنوب ، فهي نافلة وزيادة ، والنّاس يعملون ما سوى المكتوبة لتكفير ذنوبهم فليس للنّاس - في الحقيقة - نوافل.
وتبع مجاهداً جماعة من العلماء ، منهم الشّافعيّ في قوله الآخر ، فقد نصّ على أنّ وجوب قيام اللّيل قد نسخ في حقّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كما نسخ في حقّ غيره.
واستدلّوا على ذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " خمس صلوات فرضهنّ اللّه على العباد "
، خاصّةً أنّ الآية محتملة ، والحديث الّذي استدلّ به من قال بفرضيّة قيام اللّيل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف .
ب - صلاة الوتر :
*** اختلف الفقهاء في اختصاص رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بافتراض صلاة الوتر عليه ، مع اتّفاقهم على أنّ الوتر ليس بفرض على أمّته.
فذهب الشّافعيّة إلى أنّ الوتر كان واجباً على رسول اللّه وقال الحليميّ والعزّ بن عبد السّلام والغزاليّ من الشّافعيّة وكذلك المالكيّة : إنّ هذا الوجوب خاصّ بالحضر دون السّفر ، لما روى البخاريّ ومسلم عن ابن عمر " أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يصلّي الوتر على راحلته ولا يصلّي عليها المكتوبة " .
وقال النّوويّ : المذهب أنّ صلاة الوتر واجبة على رسول اللّه ، ولكن جواز صلاتها على الرّاحلة خاصّ به عليه الصلاة والسلام.
ويرى العينيّ الحنفيّ في عمدة القاريّ والحنفيّة يقولون بوجوب الوتر - إنّ صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الوتر على الرّاحلة كان قبل أن يفترض عليه الوتر .
ج - صلاة الضّحى :
*** اختلف العلماء في وجوب صلاة الضّحى على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، مع اتّفاقهم على عدم وجوبها على المسلمين.
فذهب جماعة ، منهم الشّافعيّة وبعض المالكيّة إلى أنّ صلاة الضّحى مفروضة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.
واستدلّوا على ذلك بحديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " ثلاث هنّ عليّ فرائض ، ولكم تطوّع : النّحر والوتر وركعتا الضّحى " .
وأقلّ الواجب منها عليه ركعتان لحديث : " أمرت بركعتي الضّحى ولم تؤمروا بها " .
وذهب الجمهور إلى أنّ صلاة الضّحى ليست مفروضةً على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم : " أمرت بالوتر والأضحى ولم يعزم عليّ "
د - سنّة الفجر :
*** اختلف العلماء في فرضيّة سنّة الفجر على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مع اتّفاقهم على عدم وجوبها على غيره.
فنصّ الحنابلة وبعض السّلف على فرضيّتها عليه صلى الله عليه وسلم واستدلّوا على ذلك بحديث ابن عبّاس : " ثلاث كتبت عليّ وهنّ لكم تطوّع : الوتر والنّحر وركعتا الفجر "
هـ - السّواك :
*** الجمهور على أنّ السّواك لكلّ صلاة مفترض على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لحديث عبد اللّه بن حنظلة " أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكلّ صلاة ، طاهراً وغير طاهر ، فلمّا شقّ عليه ذلك أمر بالسّواك لكلّ صلاة "
وفي لفظ : " وضع عنه الوضوء إلاّ من حدث "
و - الأضحيّة :
*** الأضحيّة فرض على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون أمّته لحديث ابن عبّاس المتقدّم : " ثلاث هنّ عليّ فرائض ولكم تطوّع : النّحر والوتر وركعتا الضّحى "
ز - المشاورة :
*** اختلف العلماء في فرضيّة المشاورة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، مع اتّفاقهم على سنّيّتها على غيره.
فقال بعضهم بفرضيّتها عليه ، واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى : " وشاورهم في الأمر " .
وقال هؤلاء : إنّما وجب ذلك على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تطييباً للقلوب ، وتعليماً للنّاس ليستنّوا به عليه الصلاة والسلام.
وقال بعضهم : إنّ المشاورة لم تكن فرضاً عليه صلوات اللّه وسلامه عليه لفقدان دليل يصلح لإثبات الفرضيّة.
وحملوا الأمر في الآية السّابقة على النّدب أو الإرشاد.
ثمّ اختلفوا فيما يشاور فيه : بعد اتّفاقهم على أنّه لا يشاور فيما نزل عليه فيه وحي.
فقال فريق من العلماء : يشاور في أمور الدّنيا ، كالحروب ومكايدة العدوّ ؛ لأنّ استقراء ما شاور فيه الرّسول ( ص ) أصحابه يدلّ على ذلك.
وقال فريق آخر : يشاور في أمور الدّين والدّنيا.
أمّا في أمور الدّنيا فظاهر ، وأمّا في أمور الدّين فإنّ استشارته لهم تكون تنبيهاً لهم على علل الأحكام وطريق الاجتهاد .
ح - مصابرة العدوّ الزّائد على الضّعف :
*** ممّا فرض على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون أمّته مصابرة العدوّ وإن كثر وزاد على الضّعف ، لأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم محفوظ بحفظ اللّه تعالى.
قال تعالى : " واللّه يعصمك من النّاس " .
ط - تغيير المنكر :
*** ممّا فرض على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تغيير المنكر ، ولا يسقط عنه هذا للخوف ، بخلاف أمّته الّتي يسقط عنها بالخوف.
وذلك لأنّ اللّه تعالى قد تكفّل بحفظ رسوله كما تقدّم ، كما لا يسقط عنه إذا كان المرتكب يزيده الإنكار إغراءً ، لئلاّ يتوهّم إباحته بخلاف أمّته.
وإذا كان إنكار المنكر فرض كفاية على أمّته فإنّه فرض عين عليه صلى الله عليه وسلم.
وقد استدلّ البيهقيّ على ذلك بعدّة أحاديث في سننه الكبرى .
ي - قضاء دين من مات معسراً من المسلمين :
*** اختلف العلماء في قضاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دين الميّت المعسر.
فقال بعضهم : كان فرضاً عليه صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون : لم يكن ذلك فرضاً عليه ، بل كان منه عليه الصلاة والسلام تطوّعاً.
ثمّ اختلفوا أيضاً هل القضاء من بيت مال المسلمين أم من مال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإن كان من مال نفسه فهي خصوصيّة لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمّا إن كان من بيت مال المسلمين فليست بخصوصيّة لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم بل يشاركه فيها جميع ولاة المسلمين.
والأصل في هذا ما رواه البخاريّ ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " كان يؤتى بالرّجل يتوفّى وعليه دين ، فيسأل : هل ترك لدينه فضلاً ، فإن حدّث أنّه ترك له وفاءً صلّى عليه ، وإلاّ قال للمسلمين : صلّوا على صاحبكم ، فلمّا فتح اللّه عليه الفتوح قال عليه الصلاة والسلام : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن توفّي من المسلمين فترك ديناً فعليّ قضاؤه ، ومن ترك مالاً فلورثته " .
ك - وجوب تخييره نساءه وإمساك من اختارته :
*** طالبه أزواجه صلى الله عليه وسلم بالتّوسّع في النّفقة - كما في بعض الرّوايات - حتّى تأذّى من ذلك فأمر اللّه تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام أن يخيّرهنّ فقال جلّ شأنه : " يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحياة الدّنيا وزينتها فتعالين أمتّعكنّ وأسرّحكنّ سراحاً جميلاً وإن كنتنّ تردن اللّه ورسوله والدّار الآخرة فإنّ اللّه أعدّ للمحسنات منكنّ أجراً عظيماً " .
فخيّرهنّ ، فاخترنه كلّهنّ إلاّ العامريّة اختارت قومها ، فأمر صلى الله عليه وسلم بإمساك من اختارته منهنّ بقوله تعالى : " لا يحلّ لك النّساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج ولو أعجبك حسنهنّ " ، وذلك مكافأة لهنّ على إيثارهنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم .
الاختصاصات المحرّمة
*** قد حرّم اللّه تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بعض ما أحلّه لأمّته ، تنزيهاً له عليه الصلاة والسلام عن سفاسف الأمور ، وإعلاءً لشأنه ، ولأنّ أجر ترك المحرم أكبر من أجر ترك المكروه ، وبذلك يزداد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم علوّاً عند اللّه يوم القيامة.
ومن ذلك :
أ - الصّدقات :
*** اتّفق العلماء على أنّ اللّه تعالى قد حرّم على رسوله صلى الله عليه وسلم أخذ شيء من صدقات النّاس ، سواء أكانت مفروضةً أو تطوّعاً ، كالزّكاة ، والكفّارة ، والنّذر والتّطوّع ، صيانةً لمنصبه الشّريف ، ولأنّها تنبئ عن ذلّ الآخذ وعزّ المأخوذ منه ، وقد أبدل اللّه تعالى رسوله بها الفيء الّذي يؤخذ على سبيل الغلبة والقهر ، المنبئ عن عزّ الآخذ وذلّ المأخوذ منه.
روى مسلم في صحيحه من حديث عبد المطّلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " إنّ هذه الصّدقات إنّما هي أوساخ النّاس ، وإنّها لا تحلّ لمحمّد ولا لآل محمّد " .
هذا ، وإنّ تحريم الصّدقات على آل البيت إنّما هو لقرابتهم منه صلى الله عليه وسلم .
ب - الإهداء لينال أكثر ممّا أهدى :
*** حرّم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يهدي ليعطى أكثر ممّا أهدى لقوله تعالى : " ولا تمنن تستكثر " ؛ لأنّه صلوات الله وسلامه عليه مأمور بأشرف الآداب وأجلّ الأخلاق ، نقل ذلك عن عبد اللّه بن عبّاس وتبعه على ذلك عطاء ومجاهد وإبراهيم النّخعيّ وقتادة والسّدّيّ والضّحّاك وغيرهم .
ج - أكل ما له رائحة كريهة :
*** اختلف العلماء في تحريم نحو الثّوم والبصل وما له رائحة كريهة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال جماعة منهم المالكيّة : إنّ ذلك كان محرّماً عليه.
واستدلّوا على ذلك بما رواه البخاريّ ومسلم.
" أنّ رسول اللّه أتي بقدر فيه خضرات من بقول ، فوجد لها ريحاً ، فسأل فأخبر بما فيها.
من البقول ، فقال : قرّبوها أي إلى بعض أصحابه فلمّا رآه كره أكلها قال : كل فإنّي أناجي من لا تناجي " .
وقال جماعة منهم الشّافعيّة : لم يكن ذلك محرّماً عليه ، ولكن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يكره أكله لتعرّضه لنزول الوحي عليه في كلّ ساعة ، وإنّ الملائكة لتتأذّى بالرّيح الخبيثة.
وقد استدلّ هؤلاء ما رواه مسلم " أنّ أبا أيّوب الأنصاريّ صنع للنّبيّ صلى الله عليه وسلم طعاماً فيه ثوم ، وفي رواية : أرسل إليه بطعام من خضرة فيه بصل وكرّاث ، فردّه عليه الصلاة والسلام ولم يأكل منه شيئاً فقال : أحرام هو ؟ قال : لا ، ولكنّي أكرهه " .
د - نظم الشّعر :
*** هو ممّا حرّم عليه صلى الله عليه وسلم بالاتّفاق ، لكن فرّق البيهقيّ وغيره بين الرّجز وغيره من البحور ، فقال : الرّجز جائز عليه ؛ لأنّه ليس بشعر ، وغيره لا يجوز.
واستشهد على ذلك بما أنشده عليه الصلاة والسلام من الرّجز وهو يشارك في حفر الخندق ، ومن قال إنّ الرّجز من الشّعر قال : إنّ هذا خاصّة ليس بشعر ؛ لأنّ الشّعر لا يكون شعراً إلاّ إن صدر عن قائله بقصد الإشعار ، وما كان ذلك في ذكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم لهذا الرّجز الّذي قاله .
هـ - نزع لامته إذا لبسها للقتال حتّى يقاتل :
*** ممّا حرّم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون أمّته أنّه إذا لبس لأمة الحرب يحرم عليه أن ينزعها حتّى يلقى العدوّ ؛ لقوله صلوات الله وسلامه عليه : " لا ينبغي لنبيّ إذا أخذ لأمة الحرب وأذّن في النّاس بالخروج إلى العدوّ أن يرجع حتّى يقاتل " .
وواضح أنّه يشترك معه في هذه الخصوصيّة الأنبياء عليهم صلوات اللّه وسلامه .
!!- وخائنة الأعين :
*** المراد بها الإيماء بما يظهر خلافه ، وهو ممّا حرّم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون أمّته إلاّ في محظور ، والأصل في هذا التّحريم عليه هو تنزّه مقام النّبوّة عنه ، فقد أخرج أبو داود والنّسائيّ والحاكم وصحّحه والبيهقيّ عن سعد بن أبي وقّاص " أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أمّن النّاس إلاّ أربعة نفر منهم عبد اللّه بن أبي سرح ، فاختبأ عند عثمان ، فلمّا دعا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى البيعة ، جاء به فقال : يا رسول اللّه بايع عبد اللّه ، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً ، كلّ ذلك يأبى ، فبايعه بعد ثلاث ، ثمّ أقبل على أصحابه فقال : أما فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يديّ عن بيعته ليقتله ؟ قالوا : ما يدرينا يا رسول اللّه ما في نفسك ، هلاّ أومأت بعينك.
قال : إنّه لا ينبغي أن تكون لنبيّ خائنة الأعين " .
وهذا يدلّ على أنّه ممّا اختصّ به هو والأنبياء دون الأمم .
ز - نكاح الكافرة والأمة ، والممتنعة عن الهجرة :
*** ممّا حرّم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نكاح الكتابيّة ، لخبر : " سألت ربّي ألاّ أزوّج إلاّ من كان معي في الجنّة فأعطاني "
، - أخرجه الحاكم وصحّح إسناده - ولأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة ؛ ولأنّ الكافرة تكره صحبة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.
كما حرّم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نكاح الأمة ، ولو كانت مسلمةً ؛ لأنّ نكاحها معتبر لخوف العنت ( أي الزّنا ) وهو معصوم عنه ، أو لفقدان مهر الحرّة ، ونكاح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم غنيّ عن المهر ابتداءً ، إذ يجوز له أن ينكح بغير مهر ؛ ولأنّ نكاحها يؤدّي إلى رقّ الولد ومقام النّبوّة منزّه عن هذا.
ويحرم عليه نكاح من وجبت عليها الهجرة ولم تهاجر ، لقوله تعالى في سورة الأحزاب : " يا أيّها النّبيّ إنّا أحللنا لك أزواجك اللاّتي آتيت أجورهنّ وما ملكت يمينك ممّا أفاء اللّه عليك وبنات عمّك وبنات عمّاتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاّتي هاجرن معك "
، وفي قراءة عبد اللّه بن مسعود : "وبنات خالاتك واللاّتي هاجرن معك " ، ولما رواه التّرمذيّ وحسّنه وابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن عبّاس قال : " نهي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن أصناف النّساء إلاّ ما كان من المؤمنات المهاجرات "
، ولحديث أمّ هانئ قالت : خطبني رسول اللّه فاعتذرت إليه ، فعذرني ، فأنزل اللّه تعالى : " إنّا أحللنا لك أزواجك"
الآية إلى قوله تعالى : " اللاّتي هاجرن معك " قالت : فلم أكن أحلّ له ؛ لأنّي لم أكن ممّن هاجر معه ، كنت من الطّلقاء
وقال الإمام أبو يوسف : لا دلالة في الآية على أنّ اللاّتي لم يهاجرن كنّ محرّمات عليه ، لأنّ تخصيص الشّيء بالذّكر لا ينفي ما عداه .
ح - إمساك من كرهته :
*** ممّا حرّم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إمساك كارهته ولم يحرم ذلك على أمّته ، حفظاً لمقام النّبوّة ، فقد روى البخاريّ وغيره عن عائشة رضي الله عنها " أنّ ابنة الجون لمّا أدخلت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت : أعوذ باللّه منك ، فقال عليه الصلاة والسلام : لقد عذت بعظيم ، الحقي بأهلك " .
ويشهد لذلك وجوب تخييره نساءه الّذي تقدّم الحديث عنه .
الاختصاصات المباحة
أ - الصّلاة بعد العصر :
*** ذهب من كره الصّلاة بعد العصر إلى أنّه أبيح لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يصلّي بعد العصر ، وكره ذلك لأمّته ، فقد روى البيهقيّ في سننه عن عائشة رضي الله عنها " أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يصلّي بعد العصر وينهى عنها " .
ب - الصّلاة على الميّت الغائب :
*** من منع الصّلاة على الميّت الغائب كالحنفيّة قال : أبيح لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يصلّي على الميّت الغائب دون أمّته لأمر خصّه اللّه تعالى به .
ج - صيام الوصال :
*** جمهور الفقهاء على اختصاص رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بإباحة صيام الوصال له دون أمّته ، لما رواه البخاريّ ومسلم " أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال ، فقيل له : إنّك تواصل ، فقال : إنّي لست كهيئتكم ، إنّي أطعم وأسقى " .
د - القتال في الحرم :
*** اتّفق الفقهاء على إباحة القتال لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم في مكّة دون أمّته ، لما رواه الشّيخان من قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " إنّ مكّة حرّمها اللّه ولم يحرّمها النّاس ، فلا يحلّ لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ، ولا يعضد بها شجرةً ، فإن أحد ترخّص بقتال رسول اللّه فقولوا : إنّ اللّه أذن لرسوله ولم يأذن لكم " .
هـ - دخول مكّة بغير إحرام :
*** من قال من الفقهاء لا يجوز لمكلّف أن يدخل مكّة بغير إحرام قال : إنّ دخول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكّة يوم فتحها بغير إحرام كان خاصّاً به صلوات الله وسلامه عليه .
و - القضاء بعلمه :
*** من منع القاضي أن يقضي بعلمه جعل ما قضى به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعلمه لهند بنت عتبة وقوله لها : " خذي من ماله ما يكفيك "
من خصوصيّاته عليه الصلاة والسلام .
ز - القضاء لنفسه :
*** خصّ عليه الصلاة والسلام بإباحة القضاء لنفسه ، لأنّ المنع من ذلك في حقّ الأمّة للرّيبة وهي منتفية عنه قطعاً ، ومثل ذلك القضاء في حالة الغضب .
ح - أخذ الهديّة :
*** من خصائصه عليه الصلاة والسلام أنّ الهديّة حلال له ، بخلاف غيره من الحكّام وولاة الأمور من رعاياهم .
ط - في الغنيمة والفيء :
*** أبيح لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم خمس الغنيمة وإن لم يحضر الوقعة ، لقوله تعالى : " واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ للّه خمسه وللرّسول " .
وأبيح له الصّفيّ من المغنم ، وهو ما يختاره قبل القسمة من الغنيمة ، كسيف ودرع ونحوهما ، ومنه صفيّة أمّ المؤمنين الّتي اصطفاها من المغنم لنفسه .
ي - في النّكاح :
*** ممّا اختصّ به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأبيح له دون أمّته أن يتزوّج أكثر من أربع نساء ، وأن يتزوّج بغير مهر ، وأن يتزوّج المرأة بغير إذن وليّها.
ويباح له ألاّ يقسم بين أزواجه عند البعض ، مع أنّه عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على القسم ، حتّى في السّفر ، حيث كان يقرع بينهنّ ، ولمّا اشتدّ عليه المرض استأذن أن يمرّض في بيت عائشة .
الخصائص من الفضائل
*** هناك أمور اختصّ بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمزيد فضل ومنها :
أ - اختصاص من شاء بما شاء من الأحكام :
*** لمّا كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مشرّعاً لا ينطق عن الهوى ، فإنّ له أن يخصّ من شاء بما شاء من الأحكام ، كجعله شهادة خزيمة بشهادة رجلين ، وإجازته الأضحيّة بالعناق ( الجذع ) لأبي بردة ولعقبة بن عامر ، وتزويجه رجلاً على سورة من القرآن ، وتزويجه أمّ سليم أبا طلحة على إسلامه .
ب - الرّسول أولى بالمؤمنين من أنفسهم :
*** خصّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون أحد من أمّته بأنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؛ لقوله تعالى : " النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم " .
ويترتّب على ذلك كثير من الأحكام : من ذلك وجوب محبّته أكثر من النّفس والمال والولد ، لما رواه البخاريّ عن " عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم : لأنت أحبّ إليّ من كلّ شيء إلاّ نفسي الّتي بين جنبيّ ، فقال له صلى الله عليه وسلم : لن يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، فقال عمر : والّذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحبّ إليّ من نفسي الّتي بين جنبيّ ، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم : الآن يا عمر " .
ومن ذلك وجوب فدائه بالنّفس والمال والولد.
ومن ذلك وجوب طاعته وإن خالفت هوى النّفس ، وغير ذلك .
ج - الجمع بين اسم الرّسول وكنيته لمولود :
*** ذهب الشّافعيّ وهو إحدى الرّوايتين عن أحمد وهو قول طاوس وابن سيرين إلى أنّه لا يحلّ التّكنّي بكنية رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في عصره ، سواء كان اسمه محمّداً ، أو لا ، لما رواه جابر قال : " ولد لرجل من الأنصار غلام فسمّاه محمّداً فغضب الأنصار وقالوا : حتّى نستأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال : قد أحسنت الأنصار ، ثمّ قال : تسمّوا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي ، فإنّي أبو القاسم أقسم بينكم "
- أخرجه البخاريّ ومسلم.
وذهب البعض - منهم الإمام أحمد في إحدى الرّوايتين عنه - إلى أنّه لا يجوز الجمع بين اسم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكنيته ، لما رواه أبو داود في سننه من قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " من تسمّى باسمي فلا يتكنّى بكنيتي ، ومن تكنّى بكنيتي فلا يتسمّى باسمي " .
وهؤلاء المانعون : منهم من جعل المنع منع تحريم ، ومنهم من جعل المنع منع كراهة.
وذهب الحنفيّة إلى أنّ الجمع بين اسم رسول اللّه وكنيته كان ممنوعاً ثمّ نسخ المنع وثبت الحلّ ، لما رواه أبو داود عن عائشة قالت : " جاءت امرأة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول اللّه إنّي قد ولدت غلاماً فسمّيته محمّداً وكنّيته أبا القاسم ، فذكر لي أنّك تكره ذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم : ما الّذي أحلّ اسمي وحرّم كنيتي ، أو ما الّذي حرّم كنيتي وأحلّ اسمي "
، ولذلك كان الصّحابة لا يرون بأساً في تسمية أولادهم باسم " محمّد " وتكنيتهم ب " أبي القاسم " حتّى قال راشد بن حفص الزّهريّ : أدركت أربعةً من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كلّهم يسمّى محمّداً ويكنّى أبا القاسم : محمّد بن طلحة بن عبيد اللّه ، ومحمّد بن أبي بكر ، ومحمّد بن عليّ بن أبي طالب ، ومحمّد بن سعد بن أبي وقّاص.
وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ النّهي كان مخصوصاً بحياة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمّا بعد وفاته فتباح التّسمية باسمه والتّكنّي بكنيته.
يدلّ على ذلك سبب المنع ، وهو أنّ اليهود تكنّوا بكنية رسول اللّه ، وكانوا ينادون يا أبا القاسم ، فإذا التفت النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالوا : لم نعنك ، إظهاراً للإيذاء ، وقد زال هذا المنع بوفاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويدلّ على ذلك أيضاً ما رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه " أنّ عليّاً قال : يا رسول اللّه : أرأيت إن ولد لي بعدك ولد أسمّيه محمّداً وأكنّيه بكنيتك ؟ قال : نعم " .
د - التّقدّم بين يديه ورفع الصّوت بحضرته :
*** خصّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون أمّته بأنّه لا يجوز التّقدّم بين يديه - أي سبقه بالاقتراح عليه - لأنّ رسول اللّه مسدّد بالوحي ، ولقوله تعالى : " يا أيّها الّذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي اللّه ورسوله " كما لا يجوز رفع الصّوت بحضرته عليه الصلاة والسلام حتّى يعلو صوت المتكلّم على صوت رسول اللّه ، لقوله تعالى في سورة الحجرات : " يا أيّها الّذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النّبيّ ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون " .
هـ - قتل من سبّه :
*** ممّا اختصّ به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّ من سبّه أو قذفه فعقوبته القتل .
و - إجابة من دعاه :
*** من خصائصه عليه الصلاة والسلام أنّه إذا دعا أحداً فعليه أن يجيبه ولو كان في الصّلاة ، فإن أجابه في الصّلاة فإنّه لا تفسد صلاته ، لما روى البخاريّ عن أبي سعيد بن المعلّى الأنصاريّ "أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دعاه وهو يصلّي ، فصلّى ثمّ أتاه ، فقال : ما منعك أن تجيبني ؟ قال : إنّي كنت أصلّي ، فقال : ألم يقل اللّه عزّ وجلّ : " يا أيّها الّذين آمنوا استجيبوا للّه وللرّسول إذا دعاكم "
ز - نسب أولاد بناته إليه :
*** ممّا اختصّ به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دون النّاس جميعاً أنّ أولاد بناته ينتسبون إليه في الكفاءة وغيرها.
لقوله صلى الله عليه وسلم : " إنّ ابني هذا سيّد "
، ولما ذكره السّيوطيّ في الخصائص الصّغرى من حديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " إنّ اللّه لم يبعث نبيّاً قطّ إلاّ جعل ذرّيّته في صلبه غيري ، فإنّ اللّه جعل ذرّيّتي من صلب عليّ " .
ح - لا يورث :
*** ممّا اختصّ به صلوات الله وسلامه عليه دون أمّته أنّه لا يورث ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة " .
وما تركه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينفق منه على عياله ، وما فضل فهو صدقة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي فهو صدقة " .
وليس ذلك لأمّته ، وفي الواضح مشاركة الأنبياء له في ذلك .
ط - أزواجه أمّهات المؤمنين :
*** ممّا اختصّ به رسول اللّه أنّ أزواجه أمّهات المؤمنين ، لا ينكحن بعده ، ولا ترى أشخاصهنّ لغير المحارم ، وعليهنّ الجلوس في بيوتهنّ ، لا يخرجن إلاّ لضرورة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
وتفصيله في مصطلح " أمّهات المؤمنين " .

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

أبو بدر 1
13 Jun 2004, 09:04 PM
<div align="center">نقل مبارك نسال الله ان ينفع به الجميع

وان يجزاك خير الجزاء</div>