اثير
12 Jun 2004, 12:47 AM
الرحمن الرحيم
عمرك في يومك !
لا يشك أحد بأن الوقت هو الحياة , فعمر الإنسان عبارة عن أيام , كما قال الحسن البصري : "يا ابن آدم, إنما أنت أيام, إذا ذهب يوم ذهب بعضك". والأيام ما هي إلا ساعات ودقائق لهذا على المرء أن يتفكر أين يذهب يومه , والإسلام اهتم بإدارة الوقت الخاص إضافة إلى إدارة وقت العمل, ذلك أن الإسلام اهتم بوقت المسلم بصفة عامّة, وحثه على اغتنامه وعدم إضاعته, فهو من الأمور التي يسأل عنها الإنسان يوم القيامة فعن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال : عن عمره فيم أفناه, وعن شبابه فيم أبلاه, و عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه, وعن علمه ماذا عمل فيه " , والإسلام نظم حياة المسلم ووقته فقد نظم نومه واستيقاظه, وأداءه للشعائر, وانطلاقه إلى ميدان الحياة, ليجعل عمله كله عبادة لله عز وجل يقوم على أساس الشعائر كلها وعلى أساس من ذكر الله الملازم له..
وإذا أردنا أن نقدر أعمار هذه الأمة فقد روي عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَليْهِ وسَلَّم:" أعمارُ أمَّتي ما بينَ السِّتِّينِ إلى السّبعِينِ وأقَلُّهُم مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ " , فإذا أخذنا بفرضية أن العمر سبعون سنة , اعلم رحمك الله بأن كل خمس دقائق تقضيها يومياً تقدر من إجمالي عمرك بـ ثلاثة أشهر تقريباً , وأن كل ساعة تقضيها يومياً تقدر بــ ثلاث سنوات من إجمالي عمرك.
وبناء على هذه الفرضية فوقت الإنسان يتوزع يومياً على ما يلي ( قد تختلف المعادلة من شخص إلى آخر ولكن قد تكون هذه هي الغالبة على الناس ) :
• 7 ساعات نوم
• 8 ساعات عمل (للموظفين)
• 2 ساعة بالسيارة
• 1 ساعة بالهاتف
• 1.5 ساعة أكل
• 0.5 ساعة في الحمام
• 1 ساعة استرخاء
• 1 ساعة بين الأصحاب والأصدقاء
بهذا يكون إجمالي الوقت المستهلك يومياً 22 ساعة بما يعادل 66 سنة من إجمالي السبعين سنة !! فما تبقى من عمرك هو 4 سنوات تقريباً فما أنت فاعله ؟!
قد يتساءل المرء ما المقصود بهذه الإحصائية ؟! هل لا ننام أم لا نأكل أو لا نركب السيارة ولا نجلس مع الأصحاب؟!!
ليس هذا المقصود !! ولكن هذا هو يومك فاعرف قيمة وقتك أولاً , وعليك بتجديد النية في أعمالك كلها لكي لا تحرم الأجر ثانياً , فإن أردت أن تأكل فجدد نيتك بأن إطعامك لأطفالك لك فيها أجر " في كل كبد رطبة أجر ".
إذا علمت ذلك فعليك استثمار وقتك الاستثمار الأمثل بحيث لا تضيعه وحاول أن تقدر الأمر كما ينبغي فتسأل نفسك لم ؟ وكيف ؟ ومتى ؟ وأين ؟ ونظم وقتك لكي لا تفقد الكثير منه بدون فائدة وتأتي يوم لا ينفع مال ولا بنون وتقول ليتني فعلت وليتني قلت !!!
واعلم غفر الله لي ولك إنك مساءل عن هذا الوقت , فإن لم يكن لك فهو عليك !!! وأن المغزى من خلق الخلق هو عبادة الله ,وهذا هو الهدف الحقيقي والرئيس الذي يجب أن يكون في حياتك , وعلى جوارحك أن تتحرك وتعمل لتحقيق هذا الهدف وأن باقي الأعمال يفترض أن تصب في صالح هذا الأمر.
قال أحد العلماء: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا. أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى لا يمازجه نفسٌ ولا هوىً ولا دنيا.
والإمام ابن القيم رحمه الله يبين هذه الحقيقة بقوله : "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة, وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم, ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم, وهو يمر مرَّ السحاب, فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره, وغير ذلك ليس محسوباً من حياته... . فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة, فموت هذا خير من حياته" .
ويقول ابن الجوزي : "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته, فلا يضيع منه لحظة في غير قربة, ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل, ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل " .
وفي هذا يذكر الله تعالى موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته حيث لا ينفع الندم:-
أولهما: ساعة الاحتضار, حين يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة ويتمنى لو منح مهلة من الزمن ليصلح ما أفسد ويتدارك ما فات: ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ). ويكون الجواب على هذه الأمنية: ( ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون ).
ثانيهما: في الآخرة, حيث توفى كل نفس ما عملت وتجزى بما كسبت, ويدخل أهل الجنة الجنة, وأهل النار النار, هنالك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى على الحياة ليبدؤوا من جديد عملا صالحا. ( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ).
وإذا عرفنا ذلك يا معشر المسلمين, فلنحرص على الاستفادة الكاملة من الوقت, فإن إضاعة الوقت علامة من علامات المقت, وما أحسن ما قاله الحسن البصري: أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم, فلنحرص على الوقت ولنحافظ عليه ولنستفيد منه كله فيما ينفعنا في الدين والدنيا وفيما يعود على الأمة بالخير والسعادة والنماء الروحي والمادي.
فعندما تفكر في تمضية وقتك , فكر بما يعود عليك بالنفع في آخرتك لأن معظم وقتك ذاهب بالحسبة السابقة!!
فإن أردت ركوب السيارة للتنقل فقل دعاء الركوب لكي لا تحرم الأجر عَن أبي إِسْحَاقَ عَن عليِّ بنِ ربيعةَ قَالَ: شَهِدْتُ عليَّاً أتى بدابَّةٍ ليركَبَهَا فلمَّا وضَعَ رِجْلهُ في الرِّكابِ قَالَ: بسمِ اللَّهِ, فلمَّا استوى عَلَى ظهرِهَا قَالَ الحمدُ للَّهِ. ثُمَّ قَالَ: {سُبحانَ الَّذِي سخَّرَ لنَا هَذَا وما كُنَا لهُ مُقْرِنين. وإنَّا إلى ربِّنَا لمُنْقَلِبونَ} ثُمَّ قَالَ: الحمدُ للهِ ثلاثاً اللَّهُ أكبرُ ثلاثاً سُبحانكَ إنِّي قَدْ ظَلمتُ نفسي فاغفرْ لي فإنَّهُ لا يَغفرُ الذُّنوبَ إلا أنتَ ثُمَّ ضَحِكَ. فقُلتُ مِنْ أيِّ شيءٍ ضَحِكْتَ يا أميرَ المؤمنين؟ قَالَ رأيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليْهِ وسَلَّم صنَعَ كمَا صَنَعْتُ ثُمَّ ضحكَ فقلتُ منْ أيِّ شيءٍ ضَحِكْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ إنَّ ربَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عبدِهِ إذا قَالَ ربِّ اغفِر لي ذُنُوبي إنَّهُ لا يغفِرُ الذُّنوبَ غَيْرُكَ"
وجدد نيتك وحرك شفتيك بذكر الله وتذكر(( عَن جُويريَّةَ بنتِ الحارثِ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مرَّ عليها وهي في مسجدها, ثُمَّ مرَّ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بها قريباً من نصفِ النَّهارِ فقَالَ لهَا ما زِلتِ على حالكِ؟ قَالَتْ نعمْ, فقَالَ ألا أُعلِّمكِ كلماتٍ تقولينها: سُبْحَانَ اللَّهِ عددَ خلقهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ عدد خلقهِ, سُبْحَان اللَّهِ عدد خلقهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ رضى نفسهِ, سُبْحَان اللَّهِ رضى نفسهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ رضى نفسهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عرشهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عرشهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عرشهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ مدادَ كلماتهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ مدادَ كلماتهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ مدادَ كلماتهِ,")) أو شغل المسجل بالقرآن أو المحاضرة لكي لا تحرم الأجر ولا يضيع الوقت , وبهذا تكون أضفت لصحيفة حسناتك ساعتين يومياً أي بما يعادل 6 سنوات من إجمالي عمرك.
إذا أردت النوم فاذكر دعاء النوم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره, فإنه لا يدري ما خلفه عليه, ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه, إن أمسكت نفسي فارحمها, وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)
واحتسب نومتك لقيام الليل وللتقوي على الطاعة لكي لا تحرم الأجر ولا تضيع الوقت فعن أبي بردة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن, قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف, قال: واليمن مخلافان, ثم قال: (يسرا ولا تعسرا, وبشرا ولا تنفرا). فانطلق كل واحد منهما إلى عمله, وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه وكان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلم عليه, فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى, فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه, وإذا هو جالس, وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه, فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟ قال: هذا الرجل كفر بعد إسلامه, قال: لا أنزل حتى يقتل, قال: إنما جيء به لذلك فانزل, قال: ما أنزل حتى يقتل, فأمر به فقتل, ثم نزل فقال: يا عبد الله, كيف تقرأ القرآن؟ قال أتفوقه تفوقا, قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل, فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم, فأقرأ ما كتب الله لي, فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.
وعن أبي الدرداء يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه عز .
وتذكر أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم " وفي بضع أحدكم صدقة". قالوا: يا رسول الله ! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا" وبهذا تكون أضفت لصحيفة حسناتك 7 ساعات يومياً أي بما يعادل 21 سنة من إجمالي عمرك !!
إن أردت الذهاب للمسجد فتذكر بأن " وما من عبد مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يمشي إلى صلاة إلا كتب الله عز وجل له بكل خطوة يخطوها حسنة أو يرفع له بها درجة أو يكفر عنه بها خطيئة" فجدد نيتك واكسب الأجر.
إذا جلست مع الأصحاب فتذكر... عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم; "أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى. فأرصد الله له, على مدرجته, ملكا. فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا, غير أني أحببته في الله عز وجل, قال: فإني رسول الله إليك, بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه" فاعقد النية وأخلصها فالأجر عظيم والجزاء جزيل , والمنة لله وحده.
وأيضاً لا تنس "ما جلسَ قومٌ مجلساً لم يذكرُوا اللَّهَ فيهِ ولمْ يُصلُّوا عَلَى نبيِّهِم إلاّ كَانَ عليهم تِرَةً فإنْ شاءَ عذَّبهمْ وإنْ شاءَ غقرَ لهمْ".
ولا تنس أخي كفارة المجلس " سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك". وتذكر " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر, فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلمُّوا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا, قال: فيسألهم ربهم, وهو أعلم منهم, ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك, قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك, قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة, وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً, قال: يقول: فما يسألونني؟ قال: يسألونك الجنة, قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها, قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً, وأشد لها طلباً, وأعظم فيها رغبة, قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار, قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها, قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً, وأشد لها مخافة, قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم, إنما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم).
إذا أردت الذهاب للحمام فتذكر ألا تسرف في استعمال الماء امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم , وعند الوضوء فجدد النية باتباعك لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وامتثال لأمر الله , وتذكر عن أبي هريرة; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا توضأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه, خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) حتى يخرج نقيا من الذنوب" واستشعر ذلك الفضل. وتذكر أيضاً لكي لا يفوتك الأجر قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ (أو فيسبغ) الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله, إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية, يدخل من أيها شاء". الله أكبر عمل خفيف وأجر كبير ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
إن أمر تجديد النية وإخلاصها عظيم , فعلى المرء أن يضع ذلك نصب عينيه فقد لا يستغرق ذلك منك إلا ثواني معدودة تأتي بحسنات كالجبال !!
وتجديد النية وإخلاصها يضيف إلى صحيفة أعمالك من الحسنات ما لا يعلمها إلا الله , وهي ليست بالأمر السهل , وتحتاج العزيمة والإرادة القوية بعد توفيق الله , ومن السلف من كان يعالج نيته , قال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله يعني الإمام أحمد بن حنبل عن النية في العمل, قلت كيف النية: قال يعالج نفسه, إذا أراد عملاً لا يريد به الناس.
قال ابن القيم رحمه الله: فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها, وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب, فتكون صورة العملين واحدة, وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض.
وكان سفيان الثوري يقول: ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي لأنها تتقلب علي.
وقال بعض السلف: من سره أن يكمُل له عمله, فليحسن نيته, فإن الله عز وجل يأجر العبد إذا أحسنت نيته حتى باللقمة.
قال سهل بن عبد الله التستري : ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص, لأنه ليس لها فيه نصيب.
وقال ابن عيينة: كان من دعاء مطرف بن عبد الله: اللهم إني استغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمت.
وهذا خالد بن معدان كان رحمه الله: إذا عظمت حلقته من الطلاب قام خوف الشهرة.
وهذا محمد بن المنكدر يقول: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت.
ولأهمية أمر النية اقرأ حديث أبي كبشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم أن لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل, وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً, فهو صادق النية فيقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان, فهو بنيته, فأجرهما سواء, وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يتخبط في ماله بغير علم, لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم فيه لله حقاً, فهذا بأخبث المنازل, وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً وهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان, فهو بنيته, فوزرهما سواء)). وكذلك الحديث: ((من سأل الله الشهادة بصدق نية بلّغَه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه)). أرأيت ما الذي عملته النية!!
قال الغزالي رحمه الله : " فمهما كان قصده بطلب المال مثلاً التعفف عن السؤال ورعاية ستر المروءة على الأهل والعيال والتصدق بما يفضل عن مبلغ الحاجة صار هذا المباح بهذه النية من أعمال الآخرة."
وأخيراً , إن الموضوع طويل , والهمة قد قصرت والله المستعان هذا وأسأل الله أن يعيننا على الإخلاص في القول والعمل , وأن يعيننا على تجديد النية في أعمالنا وألا يحرمنا وإياكم من الأجر العظيم.
المصدر : ابوفهد11 .. الساحات
--------------------------------------------------------------------------------
تعليق من الأشوس
جزاك الله خيرا ... الحقيقة من أجمل ما قرأت عيناي في الساحة ... أضيف كلمات بسيطة مستقاه من موضوعك
استغلال الوقت
قال عليه الصلاة والسلام( ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة ( اي نقص وحسرة ) وما من رجل مشى طريقا فلم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة وما من رجل أوى إلى فراشة فلم يذكر الله إلا كان عليه ترة ) رواه احمد
النوع الأول : التسبيح المضاعف :
عن جويريه أم المؤمنين ( رضي الله عنها ) أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال : " مازلت على الحال التي فارقتك عليها " قالت نعم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده ، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته " .
فانظر إلى العبارة النبوية القصيرة كم اختصرت من الوقت . قال البنا في شرح هذا الحديث : " انها لو قالت هذه الكلمات الأربع كل كلمة ثلاث مرات لكان ثوابها أكثر من ثواب ما ما أجهدت نفسها فيه من التسبيح في هذه المدة الطويلة ، ويستفاد منه كذلك أن من قال سبحان الله عدد كذا وزنه كذا كتب له ذلك القدر وفضل الله واسع ، ولا يتجه هاهنا أن يقال أن مشقة من قال هكذا أخف من مشقة من كرر لفظ الذكر حتى يبلغ الى مثل ذلك العدد ، فان هذا باب منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباد الله وأرشدهم ودلهم عليه تخفيفا عليهم وتكثيرا لأجورهم من دون تعب ولا نصب فلله الحمد ".
أخي القاريء لو أجهدت نفسك في التسبيح المتواصل طوال اليوم فلن تبلغ مئات آلاف من المرات فضلا على ملايين المرات مع ما سيفوتك من المصالح الأخرى ، ولكن جاء فضل الله على هذه الأمة ليدلنا على كلمات قصيرة جامعة يكتب الله بها ثوابا لا يحصيه العدد . تخيل عدد خلق الله في هذا الكون وتخيل ضخامة هذا الرقم الفلكي الذي يحوي بلايين من كل من الأنس والجن والملائكة والنجوم والبهائم والطيور والأسماك والحشرات والميكروبات والنباتات والرمال وغيرهم كثير . فهؤلاء لا يمكن أن يحصيهم بشر ولكن الله يعطيك بعددهم حسنات اذا قلت ثلاث مرات سبحان الله وبحمده عدد خلقه .
وتخيل ما مقدار حجم عرش الرحمن الذي ستحظى بوزنه حسنات ان شاء الله . قال ابن زيد : حدثني أبي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما السماوات السبع في الكرسي الا كدراهم سبعة القيت في ترس " . فاذا كانت المسافة بين بعض النجوم تقدر بالسنوات الضوئية وكل ذلك في السماء الدنيا . والمسافة بين السماء الأولى والسماء الثانية مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء وسماء مثل ذلك حتى السماء السابعة ، ثم يأتي بعد ذلك الكرسي والمسافة بينه وبين السماء السابعة مسيرة خمسمائة عام ، ونسبة السماوات السبع له كنسبة سبع دراهم ألقيت في ترس ، وقد وصف الله تبارك وتعالى سعة كرسيه فقال جل وعلا { وسع كرسيه السماوات والأرض } ، ثم يأتي بعد ذلك الماء ثم عرش الرحمن جل وعلا وهو أعظم مخلوقات الله ، ونسبته الى الكرسي كنسبة قطعة حديد ألقيت في صحراء . فعن أبي ذر ( رضي الله عنه ) قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما الكرسي في العرش الا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض " . والله سبحانه وتعالى بعظمته وجلاله أكبر من كل شيء . فبعد هذا التصور لعظمة مخلوقات الله وبالأخص عرش الرحمن فان لك أخي المسلم بوزن هذا العرش العظيم حسنات متى قلت ثلاث مرات سبحان الله وبحمده زنة عرشه .
هل ستفارق مثل هذا التسبيح الجامع ؟ وهل ستفارق هذه الحسنات الهائلة ؟ أليس تسبيحك بمثل هذه العبارات وتكرارك لها خير لك من أن تردد كلمات أغنية أو لهو أو فجور ولا تكسب من ورائها شيئا من الحسنات ؟ بل تكسب اثما ، لقد أعطانا الرسول صلى الله عليه وسلم أصنافا من التسبيحات فلماذا لا نرطب ألسنتنا بها ؟
اضافة لذلك الأجر فان من فوائد هذا الحديث العظيم أنه يعينك على التفكر في عظم مخلوقات الله ومن ثم التفكر في عظمة الله الذي خلق هذا الخلق المتناسق . فلا غرابة أن الله تبارك وتعالى أمرنا أن نكبره في الأذان وفي داخل الصلاة ودبرها أكثر من مائتين وثمانين مرة في اليوم والليلة حتى لا يعظم في نفوسنا غيره ولئلا نطلب النصرة الا منه جل وعلا .
اننا نجد طائفة من الناس يتفكرون في قدرة البشر وما وصل اليه من تقنية أكثر من تفكرهم في عظمة الله جل جلاله . فبعض الناس اذا رأوا جهاز حاسب آلي ( كمبيوتر ) ذا سرعة فائقة ودقة متناهية وصغر حجم ، قالوا وهم يهزون رؤوسهم عجبا : هذه صناعة دولة كذا فانها لا تدخل في صناعة شيء الا أتقنته . والبعض الآخر يقول اذا نويت أن تشتري سلعة فابحث عن سلعة دولة كذا . لماذا هذه الثقة ؟ لأنهم أيقنوا من جودة صناعتها . وفي مقابل ذلك لا نجد التفكر في حكمة الله وأنه هو الحكيم الخبير وأنه لا يأتي بشيء الا هو متقنه لأنه أتقن كل شيء خلقه . كما قال تبارك وتعالى : { صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون } ، ولا يأمر بشيء إلا وهو خبير بمصلحتنا فيه سواء كان تشريعا سياسيا أم اقتصاديا أم اجتماعيا أو نحوه . فإلى متى ننزع الثقة من تشريع الله ونضع الثقة في قوانين البشر مع إنهم لا يعلمون من الحياة إلا الظاهر منها ويخفى عليهم فيها الكثير لقوله تبارك وتعالى : { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا } .
النوع الثاني : الاستغفار المضاعف
أخي القاريء هل ترغب في أن تكسب في اليوم الواحد على الأقل ألف مليون حسنة ؟ فكيف لو كسبت هذا العدد وأكثر منه في جلسة واحدة بل في جملة واحدة ؟ وما رأيك لو كررت ذلك أكثر من مرة ! فكم تتوقع أن يرتفع رصيدك من الحسنات ؟ فلنقف عند هذه المسابقة والتجارة الرابحة فإني لا أظنك ستفرط فيها ولا تمر عليك مرور الكرام دون أن تنهل منها أو تتاجر فيها مع ربك .
فعن عبادة بن الصامت ( رضي الله عنه ) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات ، كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة " .
لعل بصرك وذهنك ينصرف في باديء الأمر إلى كلمة حسنة فتستصغر الحسنات التي ستكسبها من هذا الدعاء ، ولكن لا تحجر بذهنك وانظر بعين أوسع من ذلك . فمن المعلوم أن عدد المسلمين اليوم في العالم يتجاوز الألف مليون مسلم ولو افترضنا أن عدد المؤمنين منهم ألف مليون موحد ، فإن دعاءك واستغفارك لهم كفيل أن يعطيك الله بعددهم حسنات . لو ظللت طوال حياتك تسبح الله لما استطعت أن تصل إلى هذا الرقم من الحسنات لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات لننال بهذه العبارة القصيرة الجامعة ما لم نحلم به من حسنات في أقصر وقت ممكن . فكيف لو قلت هذا الدعاء في اليوم أكثر من مرة أو جعلته مع كل دعاء لك ؟ وكم تتوقع أن تزداد حسناتك لو أشركت أموات المؤمنين في الدعاء ؟ فأتوقع أن تكون مليونيرا إن شاء الله ليس من الريالات أو الدولارات وإنما من الحسنات .
أن هذا الحديث يعطينا دروسا كثيرة وأهمها :
(1) عمق رابطة الأخوة الإيمانية بين المسلمين . فالإسلام يحث كل المسلمين أن يدعوا بعضهم لبعض في ظهر الغيب الأمر الذي قد لا نجده في دين آخر . ومتى استشعر المسلم ذلك زالت الأحقاد التي يثيرها الشيطان في النفوس بين آونة وأخرى ، إذ كيف يعقل أن يحقد المسلم على أخيه وهو يستغفر له في ظهر الغيب ؟
(2) إن الذي يحتجز الدعاء لنفسه ولا يذكر إلا ذاته ويتناسى إخوانه المسلمين إنسان أناني قد حرم نفسه من كثير من الخير والحسنات .
(3) من دعا لأخيه بظهر الغيب ضمن الإجابة من الله تعالى لما رواه صفوان ( رضي الله عنه ) قال : قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت أتريد الحج ؟ فقلت نعم . قالت فادع الله لنا بخير فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة . عند رأسه ملك موكل ، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل : آمين ولك بمثل " . فحري بك أخي المسلم أن تشرك إخوانك المسلمين في دعائك لتكسب من ثمرات ذلك الشيء الكثير .
احتساب الأعمال المباحة في حياتك :
من استغلال الوقت احتساب الأعمال المباحة في حياتك . والمباح ما لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه . فمن المباحات : الأكل والشرب والنوم والنزهة وتعلم أي فن من العلوم غير الشرعية المباحة واللهو البريء ونحو ذلك .
إن هذه الأمور المباحة والتي لا غنى للإنسان عنها تقتطع جزءا غير يسير من عمره وبالأخص فترة النوم التي تمثل ثلث عمره تقريبا – كما ذكرنا من قبل – فإن احتساب مثل هذه المباحات عند الله بأن تنوي بها التقوي على الطاعة والكف عن المعاصي قد تؤجر عليها إن شاء الله وهذا قول كثير من أهل العلم . وبهذا الأسلوب تكون قد استغللت جزءا كبيرا من عمرك الزمني في كسب مزيد من الحسنات لتضيفه إلى عمرك الإنتاجي .
يقول ابن الشاط " إذا قصد بالمباحات التقوي على الطاعات أو التوصل إليها كانت عبادة كالأكل والنوم واكتساب المال " . وقال الدكتور الأشقر " فالمسلم إذا قصد بنومه وأكله وشربه أن يتقوى بها على طاعة الله ، كي يتمكن من قيام الليل والجهاد في سبيل الله ، فهذا مثاب على هذه الأعمال بهذه النية " .
إن احتسابك للعمر الضائع من حياتك كالنوم ونحوه لهو وسيلة إضافية في إطالة العمر الإنتاجي كي تكسب فيه مزيدا من الحسنات . فإن المسلم الحريص على وقته والذي يتمنى أحيانا أن يكون اليوم أطول من أربع وعشرين ساعة ليستغله في عمل الطاعات ، فإنه إذا احتسب عند الله فترة نومه وهي محسوبة من عمره وستضيع عليه لا محالة لأنه مكره على ذلك ، فإن الله جل وعلا قد يثيبه على ذلك إنشاء الله . وكذلك فترة تناوله للطعام وقضائه للحاجة ونحو ذلك .
عمرك في يومك !
لا يشك أحد بأن الوقت هو الحياة , فعمر الإنسان عبارة عن أيام , كما قال الحسن البصري : "يا ابن آدم, إنما أنت أيام, إذا ذهب يوم ذهب بعضك". والأيام ما هي إلا ساعات ودقائق لهذا على المرء أن يتفكر أين يذهب يومه , والإسلام اهتم بإدارة الوقت الخاص إضافة إلى إدارة وقت العمل, ذلك أن الإسلام اهتم بوقت المسلم بصفة عامّة, وحثه على اغتنامه وعدم إضاعته, فهو من الأمور التي يسأل عنها الإنسان يوم القيامة فعن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال : عن عمره فيم أفناه, وعن شبابه فيم أبلاه, و عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه, وعن علمه ماذا عمل فيه " , والإسلام نظم حياة المسلم ووقته فقد نظم نومه واستيقاظه, وأداءه للشعائر, وانطلاقه إلى ميدان الحياة, ليجعل عمله كله عبادة لله عز وجل يقوم على أساس الشعائر كلها وعلى أساس من ذكر الله الملازم له..
وإذا أردنا أن نقدر أعمار هذه الأمة فقد روي عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَليْهِ وسَلَّم:" أعمارُ أمَّتي ما بينَ السِّتِّينِ إلى السّبعِينِ وأقَلُّهُم مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ " , فإذا أخذنا بفرضية أن العمر سبعون سنة , اعلم رحمك الله بأن كل خمس دقائق تقضيها يومياً تقدر من إجمالي عمرك بـ ثلاثة أشهر تقريباً , وأن كل ساعة تقضيها يومياً تقدر بــ ثلاث سنوات من إجمالي عمرك.
وبناء على هذه الفرضية فوقت الإنسان يتوزع يومياً على ما يلي ( قد تختلف المعادلة من شخص إلى آخر ولكن قد تكون هذه هي الغالبة على الناس ) :
• 7 ساعات نوم
• 8 ساعات عمل (للموظفين)
• 2 ساعة بالسيارة
• 1 ساعة بالهاتف
• 1.5 ساعة أكل
• 0.5 ساعة في الحمام
• 1 ساعة استرخاء
• 1 ساعة بين الأصحاب والأصدقاء
بهذا يكون إجمالي الوقت المستهلك يومياً 22 ساعة بما يعادل 66 سنة من إجمالي السبعين سنة !! فما تبقى من عمرك هو 4 سنوات تقريباً فما أنت فاعله ؟!
قد يتساءل المرء ما المقصود بهذه الإحصائية ؟! هل لا ننام أم لا نأكل أو لا نركب السيارة ولا نجلس مع الأصحاب؟!!
ليس هذا المقصود !! ولكن هذا هو يومك فاعرف قيمة وقتك أولاً , وعليك بتجديد النية في أعمالك كلها لكي لا تحرم الأجر ثانياً , فإن أردت أن تأكل فجدد نيتك بأن إطعامك لأطفالك لك فيها أجر " في كل كبد رطبة أجر ".
إذا علمت ذلك فعليك استثمار وقتك الاستثمار الأمثل بحيث لا تضيعه وحاول أن تقدر الأمر كما ينبغي فتسأل نفسك لم ؟ وكيف ؟ ومتى ؟ وأين ؟ ونظم وقتك لكي لا تفقد الكثير منه بدون فائدة وتأتي يوم لا ينفع مال ولا بنون وتقول ليتني فعلت وليتني قلت !!!
واعلم غفر الله لي ولك إنك مساءل عن هذا الوقت , فإن لم يكن لك فهو عليك !!! وأن المغزى من خلق الخلق هو عبادة الله ,وهذا هو الهدف الحقيقي والرئيس الذي يجب أن يكون في حياتك , وعلى جوارحك أن تتحرك وتعمل لتحقيق هذا الهدف وأن باقي الأعمال يفترض أن تصب في صالح هذا الأمر.
قال أحد العلماء: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا. أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى لا يمازجه نفسٌ ولا هوىً ولا دنيا.
والإمام ابن القيم رحمه الله يبين هذه الحقيقة بقوله : "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة, وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم, ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم, وهو يمر مرَّ السحاب, فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره, وغير ذلك ليس محسوباً من حياته... . فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة, فموت هذا خير من حياته" .
ويقول ابن الجوزي : "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته, فلا يضيع منه لحظة في غير قربة, ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل, ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل " .
وفي هذا يذكر الله تعالى موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته حيث لا ينفع الندم:-
أولهما: ساعة الاحتضار, حين يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة ويتمنى لو منح مهلة من الزمن ليصلح ما أفسد ويتدارك ما فات: ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ). ويكون الجواب على هذه الأمنية: ( ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون ).
ثانيهما: في الآخرة, حيث توفى كل نفس ما عملت وتجزى بما كسبت, ويدخل أهل الجنة الجنة, وأهل النار النار, هنالك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى على الحياة ليبدؤوا من جديد عملا صالحا. ( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ).
وإذا عرفنا ذلك يا معشر المسلمين, فلنحرص على الاستفادة الكاملة من الوقت, فإن إضاعة الوقت علامة من علامات المقت, وما أحسن ما قاله الحسن البصري: أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم, فلنحرص على الوقت ولنحافظ عليه ولنستفيد منه كله فيما ينفعنا في الدين والدنيا وفيما يعود على الأمة بالخير والسعادة والنماء الروحي والمادي.
فعندما تفكر في تمضية وقتك , فكر بما يعود عليك بالنفع في آخرتك لأن معظم وقتك ذاهب بالحسبة السابقة!!
فإن أردت ركوب السيارة للتنقل فقل دعاء الركوب لكي لا تحرم الأجر عَن أبي إِسْحَاقَ عَن عليِّ بنِ ربيعةَ قَالَ: شَهِدْتُ عليَّاً أتى بدابَّةٍ ليركَبَهَا فلمَّا وضَعَ رِجْلهُ في الرِّكابِ قَالَ: بسمِ اللَّهِ, فلمَّا استوى عَلَى ظهرِهَا قَالَ الحمدُ للَّهِ. ثُمَّ قَالَ: {سُبحانَ الَّذِي سخَّرَ لنَا هَذَا وما كُنَا لهُ مُقْرِنين. وإنَّا إلى ربِّنَا لمُنْقَلِبونَ} ثُمَّ قَالَ: الحمدُ للهِ ثلاثاً اللَّهُ أكبرُ ثلاثاً سُبحانكَ إنِّي قَدْ ظَلمتُ نفسي فاغفرْ لي فإنَّهُ لا يَغفرُ الذُّنوبَ إلا أنتَ ثُمَّ ضَحِكَ. فقُلتُ مِنْ أيِّ شيءٍ ضَحِكْتَ يا أميرَ المؤمنين؟ قَالَ رأيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليْهِ وسَلَّم صنَعَ كمَا صَنَعْتُ ثُمَّ ضحكَ فقلتُ منْ أيِّ شيءٍ ضَحِكْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ إنَّ ربَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عبدِهِ إذا قَالَ ربِّ اغفِر لي ذُنُوبي إنَّهُ لا يغفِرُ الذُّنوبَ غَيْرُكَ"
وجدد نيتك وحرك شفتيك بذكر الله وتذكر(( عَن جُويريَّةَ بنتِ الحارثِ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مرَّ عليها وهي في مسجدها, ثُمَّ مرَّ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بها قريباً من نصفِ النَّهارِ فقَالَ لهَا ما زِلتِ على حالكِ؟ قَالَتْ نعمْ, فقَالَ ألا أُعلِّمكِ كلماتٍ تقولينها: سُبْحَانَ اللَّهِ عددَ خلقهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ عدد خلقهِ, سُبْحَان اللَّهِ عدد خلقهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ رضى نفسهِ, سُبْحَان اللَّهِ رضى نفسهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ رضى نفسهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عرشهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عرشهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عرشهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ مدادَ كلماتهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ مدادَ كلماتهِ, سُبْحَانَ اللَّهِ مدادَ كلماتهِ,")) أو شغل المسجل بالقرآن أو المحاضرة لكي لا تحرم الأجر ولا يضيع الوقت , وبهذا تكون أضفت لصحيفة حسناتك ساعتين يومياً أي بما يعادل 6 سنوات من إجمالي عمرك.
إذا أردت النوم فاذكر دعاء النوم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره, فإنه لا يدري ما خلفه عليه, ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه, إن أمسكت نفسي فارحمها, وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)
واحتسب نومتك لقيام الليل وللتقوي على الطاعة لكي لا تحرم الأجر ولا تضيع الوقت فعن أبي بردة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن, قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف, قال: واليمن مخلافان, ثم قال: (يسرا ولا تعسرا, وبشرا ولا تنفرا). فانطلق كل واحد منهما إلى عمله, وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه وكان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلم عليه, فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى, فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه, وإذا هو جالس, وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه, فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟ قال: هذا الرجل كفر بعد إسلامه, قال: لا أنزل حتى يقتل, قال: إنما جيء به لذلك فانزل, قال: ما أنزل حتى يقتل, فأمر به فقتل, ثم نزل فقال: يا عبد الله, كيف تقرأ القرآن؟ قال أتفوقه تفوقا, قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل, فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم, فأقرأ ما كتب الله لي, فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.
وعن أبي الدرداء يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه عز .
وتذكر أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم " وفي بضع أحدكم صدقة". قالوا: يا رسول الله ! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا" وبهذا تكون أضفت لصحيفة حسناتك 7 ساعات يومياً أي بما يعادل 21 سنة من إجمالي عمرك !!
إن أردت الذهاب للمسجد فتذكر بأن " وما من عبد مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يمشي إلى صلاة إلا كتب الله عز وجل له بكل خطوة يخطوها حسنة أو يرفع له بها درجة أو يكفر عنه بها خطيئة" فجدد نيتك واكسب الأجر.
إذا جلست مع الأصحاب فتذكر... عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم; "أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى. فأرصد الله له, على مدرجته, ملكا. فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا, غير أني أحببته في الله عز وجل, قال: فإني رسول الله إليك, بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه" فاعقد النية وأخلصها فالأجر عظيم والجزاء جزيل , والمنة لله وحده.
وأيضاً لا تنس "ما جلسَ قومٌ مجلساً لم يذكرُوا اللَّهَ فيهِ ولمْ يُصلُّوا عَلَى نبيِّهِم إلاّ كَانَ عليهم تِرَةً فإنْ شاءَ عذَّبهمْ وإنْ شاءَ غقرَ لهمْ".
ولا تنس أخي كفارة المجلس " سبحانك اللهم وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك". وتذكر " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر, فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلمُّوا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا, قال: فيسألهم ربهم, وهو أعلم منهم, ما يقول عبادي؟ قال: تقول: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك, قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك, قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة, وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً, قال: يقول: فما يسألونني؟ قال: يسألونك الجنة, قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها, قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً, وأشد لها طلباً, وأعظم فيها رغبة, قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار, قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها, قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً, وأشد لها مخافة, قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم, إنما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم).
إذا أردت الذهاب للحمام فتذكر ألا تسرف في استعمال الماء امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم , وعند الوضوء فجدد النية باتباعك لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وامتثال لأمر الله , وتذكر عن أبي هريرة; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا توضأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه, خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) حتى يخرج نقيا من الذنوب" واستشعر ذلك الفضل. وتذكر أيضاً لكي لا يفوتك الأجر قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ (أو فيسبغ) الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله, إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية, يدخل من أيها شاء". الله أكبر عمل خفيف وأجر كبير ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
إن أمر تجديد النية وإخلاصها عظيم , فعلى المرء أن يضع ذلك نصب عينيه فقد لا يستغرق ذلك منك إلا ثواني معدودة تأتي بحسنات كالجبال !!
وتجديد النية وإخلاصها يضيف إلى صحيفة أعمالك من الحسنات ما لا يعلمها إلا الله , وهي ليست بالأمر السهل , وتحتاج العزيمة والإرادة القوية بعد توفيق الله , ومن السلف من كان يعالج نيته , قال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله يعني الإمام أحمد بن حنبل عن النية في العمل, قلت كيف النية: قال يعالج نفسه, إذا أراد عملاً لا يريد به الناس.
قال ابن القيم رحمه الله: فالأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها, وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب, فتكون صورة العملين واحدة, وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض.
وكان سفيان الثوري يقول: ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي لأنها تتقلب علي.
وقال بعض السلف: من سره أن يكمُل له عمله, فليحسن نيته, فإن الله عز وجل يأجر العبد إذا أحسنت نيته حتى باللقمة.
قال سهل بن عبد الله التستري : ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص, لأنه ليس لها فيه نصيب.
وقال ابن عيينة: كان من دعاء مطرف بن عبد الله: اللهم إني استغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمت.
وهذا خالد بن معدان كان رحمه الله: إذا عظمت حلقته من الطلاب قام خوف الشهرة.
وهذا محمد بن المنكدر يقول: كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت.
ولأهمية أمر النية اقرأ حديث أبي كبشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم أن لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل, وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً, فهو صادق النية فيقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان, فهو بنيته, فأجرهما سواء, وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يتخبط في ماله بغير علم, لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم فيه لله حقاً, فهذا بأخبث المنازل, وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً وهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان, فهو بنيته, فوزرهما سواء)). وكذلك الحديث: ((من سأل الله الشهادة بصدق نية بلّغَه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه)). أرأيت ما الذي عملته النية!!
قال الغزالي رحمه الله : " فمهما كان قصده بطلب المال مثلاً التعفف عن السؤال ورعاية ستر المروءة على الأهل والعيال والتصدق بما يفضل عن مبلغ الحاجة صار هذا المباح بهذه النية من أعمال الآخرة."
وأخيراً , إن الموضوع طويل , والهمة قد قصرت والله المستعان هذا وأسأل الله أن يعيننا على الإخلاص في القول والعمل , وأن يعيننا على تجديد النية في أعمالنا وألا يحرمنا وإياكم من الأجر العظيم.
المصدر : ابوفهد11 .. الساحات
--------------------------------------------------------------------------------
تعليق من الأشوس
جزاك الله خيرا ... الحقيقة من أجمل ما قرأت عيناي في الساحة ... أضيف كلمات بسيطة مستقاه من موضوعك
استغلال الوقت
قال عليه الصلاة والسلام( ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة ( اي نقص وحسرة ) وما من رجل مشى طريقا فلم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة وما من رجل أوى إلى فراشة فلم يذكر الله إلا كان عليه ترة ) رواه احمد
النوع الأول : التسبيح المضاعف :
عن جويريه أم المؤمنين ( رضي الله عنها ) أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال : " مازلت على الحال التي فارقتك عليها " قالت نعم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده ، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته " .
فانظر إلى العبارة النبوية القصيرة كم اختصرت من الوقت . قال البنا في شرح هذا الحديث : " انها لو قالت هذه الكلمات الأربع كل كلمة ثلاث مرات لكان ثوابها أكثر من ثواب ما ما أجهدت نفسها فيه من التسبيح في هذه المدة الطويلة ، ويستفاد منه كذلك أن من قال سبحان الله عدد كذا وزنه كذا كتب له ذلك القدر وفضل الله واسع ، ولا يتجه هاهنا أن يقال أن مشقة من قال هكذا أخف من مشقة من كرر لفظ الذكر حتى يبلغ الى مثل ذلك العدد ، فان هذا باب منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباد الله وأرشدهم ودلهم عليه تخفيفا عليهم وتكثيرا لأجورهم من دون تعب ولا نصب فلله الحمد ".
أخي القاريء لو أجهدت نفسك في التسبيح المتواصل طوال اليوم فلن تبلغ مئات آلاف من المرات فضلا على ملايين المرات مع ما سيفوتك من المصالح الأخرى ، ولكن جاء فضل الله على هذه الأمة ليدلنا على كلمات قصيرة جامعة يكتب الله بها ثوابا لا يحصيه العدد . تخيل عدد خلق الله في هذا الكون وتخيل ضخامة هذا الرقم الفلكي الذي يحوي بلايين من كل من الأنس والجن والملائكة والنجوم والبهائم والطيور والأسماك والحشرات والميكروبات والنباتات والرمال وغيرهم كثير . فهؤلاء لا يمكن أن يحصيهم بشر ولكن الله يعطيك بعددهم حسنات اذا قلت ثلاث مرات سبحان الله وبحمده عدد خلقه .
وتخيل ما مقدار حجم عرش الرحمن الذي ستحظى بوزنه حسنات ان شاء الله . قال ابن زيد : حدثني أبي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما السماوات السبع في الكرسي الا كدراهم سبعة القيت في ترس " . فاذا كانت المسافة بين بعض النجوم تقدر بالسنوات الضوئية وكل ذلك في السماء الدنيا . والمسافة بين السماء الأولى والسماء الثانية مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء وسماء مثل ذلك حتى السماء السابعة ، ثم يأتي بعد ذلك الكرسي والمسافة بينه وبين السماء السابعة مسيرة خمسمائة عام ، ونسبة السماوات السبع له كنسبة سبع دراهم ألقيت في ترس ، وقد وصف الله تبارك وتعالى سعة كرسيه فقال جل وعلا { وسع كرسيه السماوات والأرض } ، ثم يأتي بعد ذلك الماء ثم عرش الرحمن جل وعلا وهو أعظم مخلوقات الله ، ونسبته الى الكرسي كنسبة قطعة حديد ألقيت في صحراء . فعن أبي ذر ( رضي الله عنه ) قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما الكرسي في العرش الا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض " . والله سبحانه وتعالى بعظمته وجلاله أكبر من كل شيء . فبعد هذا التصور لعظمة مخلوقات الله وبالأخص عرش الرحمن فان لك أخي المسلم بوزن هذا العرش العظيم حسنات متى قلت ثلاث مرات سبحان الله وبحمده زنة عرشه .
هل ستفارق مثل هذا التسبيح الجامع ؟ وهل ستفارق هذه الحسنات الهائلة ؟ أليس تسبيحك بمثل هذه العبارات وتكرارك لها خير لك من أن تردد كلمات أغنية أو لهو أو فجور ولا تكسب من ورائها شيئا من الحسنات ؟ بل تكسب اثما ، لقد أعطانا الرسول صلى الله عليه وسلم أصنافا من التسبيحات فلماذا لا نرطب ألسنتنا بها ؟
اضافة لذلك الأجر فان من فوائد هذا الحديث العظيم أنه يعينك على التفكر في عظم مخلوقات الله ومن ثم التفكر في عظمة الله الذي خلق هذا الخلق المتناسق . فلا غرابة أن الله تبارك وتعالى أمرنا أن نكبره في الأذان وفي داخل الصلاة ودبرها أكثر من مائتين وثمانين مرة في اليوم والليلة حتى لا يعظم في نفوسنا غيره ولئلا نطلب النصرة الا منه جل وعلا .
اننا نجد طائفة من الناس يتفكرون في قدرة البشر وما وصل اليه من تقنية أكثر من تفكرهم في عظمة الله جل جلاله . فبعض الناس اذا رأوا جهاز حاسب آلي ( كمبيوتر ) ذا سرعة فائقة ودقة متناهية وصغر حجم ، قالوا وهم يهزون رؤوسهم عجبا : هذه صناعة دولة كذا فانها لا تدخل في صناعة شيء الا أتقنته . والبعض الآخر يقول اذا نويت أن تشتري سلعة فابحث عن سلعة دولة كذا . لماذا هذه الثقة ؟ لأنهم أيقنوا من جودة صناعتها . وفي مقابل ذلك لا نجد التفكر في حكمة الله وأنه هو الحكيم الخبير وأنه لا يأتي بشيء الا هو متقنه لأنه أتقن كل شيء خلقه . كما قال تبارك وتعالى : { صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون } ، ولا يأمر بشيء إلا وهو خبير بمصلحتنا فيه سواء كان تشريعا سياسيا أم اقتصاديا أم اجتماعيا أو نحوه . فإلى متى ننزع الثقة من تشريع الله ونضع الثقة في قوانين البشر مع إنهم لا يعلمون من الحياة إلا الظاهر منها ويخفى عليهم فيها الكثير لقوله تبارك وتعالى : { يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا } .
النوع الثاني : الاستغفار المضاعف
أخي القاريء هل ترغب في أن تكسب في اليوم الواحد على الأقل ألف مليون حسنة ؟ فكيف لو كسبت هذا العدد وأكثر منه في جلسة واحدة بل في جملة واحدة ؟ وما رأيك لو كررت ذلك أكثر من مرة ! فكم تتوقع أن يرتفع رصيدك من الحسنات ؟ فلنقف عند هذه المسابقة والتجارة الرابحة فإني لا أظنك ستفرط فيها ولا تمر عليك مرور الكرام دون أن تنهل منها أو تتاجر فيها مع ربك .
فعن عبادة بن الصامت ( رضي الله عنه ) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات ، كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة " .
لعل بصرك وذهنك ينصرف في باديء الأمر إلى كلمة حسنة فتستصغر الحسنات التي ستكسبها من هذا الدعاء ، ولكن لا تحجر بذهنك وانظر بعين أوسع من ذلك . فمن المعلوم أن عدد المسلمين اليوم في العالم يتجاوز الألف مليون مسلم ولو افترضنا أن عدد المؤمنين منهم ألف مليون موحد ، فإن دعاءك واستغفارك لهم كفيل أن يعطيك الله بعددهم حسنات . لو ظللت طوال حياتك تسبح الله لما استطعت أن تصل إلى هذا الرقم من الحسنات لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات لننال بهذه العبارة القصيرة الجامعة ما لم نحلم به من حسنات في أقصر وقت ممكن . فكيف لو قلت هذا الدعاء في اليوم أكثر من مرة أو جعلته مع كل دعاء لك ؟ وكم تتوقع أن تزداد حسناتك لو أشركت أموات المؤمنين في الدعاء ؟ فأتوقع أن تكون مليونيرا إن شاء الله ليس من الريالات أو الدولارات وإنما من الحسنات .
أن هذا الحديث يعطينا دروسا كثيرة وأهمها :
(1) عمق رابطة الأخوة الإيمانية بين المسلمين . فالإسلام يحث كل المسلمين أن يدعوا بعضهم لبعض في ظهر الغيب الأمر الذي قد لا نجده في دين آخر . ومتى استشعر المسلم ذلك زالت الأحقاد التي يثيرها الشيطان في النفوس بين آونة وأخرى ، إذ كيف يعقل أن يحقد المسلم على أخيه وهو يستغفر له في ظهر الغيب ؟
(2) إن الذي يحتجز الدعاء لنفسه ولا يذكر إلا ذاته ويتناسى إخوانه المسلمين إنسان أناني قد حرم نفسه من كثير من الخير والحسنات .
(3) من دعا لأخيه بظهر الغيب ضمن الإجابة من الله تعالى لما رواه صفوان ( رضي الله عنه ) قال : قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء فقالت أتريد الحج ؟ فقلت نعم . قالت فادع الله لنا بخير فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة . عند رأسه ملك موكل ، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل : آمين ولك بمثل " . فحري بك أخي المسلم أن تشرك إخوانك المسلمين في دعائك لتكسب من ثمرات ذلك الشيء الكثير .
احتساب الأعمال المباحة في حياتك :
من استغلال الوقت احتساب الأعمال المباحة في حياتك . والمباح ما لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه . فمن المباحات : الأكل والشرب والنوم والنزهة وتعلم أي فن من العلوم غير الشرعية المباحة واللهو البريء ونحو ذلك .
إن هذه الأمور المباحة والتي لا غنى للإنسان عنها تقتطع جزءا غير يسير من عمره وبالأخص فترة النوم التي تمثل ثلث عمره تقريبا – كما ذكرنا من قبل – فإن احتساب مثل هذه المباحات عند الله بأن تنوي بها التقوي على الطاعة والكف عن المعاصي قد تؤجر عليها إن شاء الله وهذا قول كثير من أهل العلم . وبهذا الأسلوب تكون قد استغللت جزءا كبيرا من عمرك الزمني في كسب مزيد من الحسنات لتضيفه إلى عمرك الإنتاجي .
يقول ابن الشاط " إذا قصد بالمباحات التقوي على الطاعات أو التوصل إليها كانت عبادة كالأكل والنوم واكتساب المال " . وقال الدكتور الأشقر " فالمسلم إذا قصد بنومه وأكله وشربه أن يتقوى بها على طاعة الله ، كي يتمكن من قيام الليل والجهاد في سبيل الله ، فهذا مثاب على هذه الأعمال بهذه النية " .
إن احتسابك للعمر الضائع من حياتك كالنوم ونحوه لهو وسيلة إضافية في إطالة العمر الإنتاجي كي تكسب فيه مزيدا من الحسنات . فإن المسلم الحريص على وقته والذي يتمنى أحيانا أن يكون اليوم أطول من أربع وعشرين ساعة ليستغله في عمل الطاعات ، فإنه إذا احتسب عند الله فترة نومه وهي محسوبة من عمره وستضيع عليه لا محالة لأنه مكره على ذلك ، فإن الله جل وعلا قد يثيبه على ذلك إنشاء الله . وكذلك فترة تناوله للطعام وقضائه للحاجة ونحو ذلك .