Albayaan
24 Apr 2004, 10:12 PM
لسنا نرجم بالغيب، ولكنا موقنون بأن ما يفعله الانسان في هذه الحياة ليس هو نهاية المطاف، ولا آخر القصة.. ومن (العبث): ومن سوء الظن بحكمة الله وعدله: ان يعتقد الانسان غير ذلك: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم .. ونفيا للعبث، وتحقيقا للعدل الكامل: قضى الله بأن يتحمل الانسان مسؤولية ما يقول ويفعل بعد ان يغادر هذه الحياة مباشرة. وقد كان النبي يقول ـ بعد دفن الميت ـ: فـإنه الآن يسأل .. ومن هنا، فإن المسلم الحق، أو المتدين الحقيقي: يستحضر دوما هذه الحقيقة فينضبط فعله وقوله بميزانها.. والعجيب الغريب المريب: ان الغلاة المفسدين في الأرض: الهادمين لبنيان الله وهو (الانسان)، ولبنيان الانسان وهو (العمران). هؤلاء الذين يتكلمون بلغة الدين، يرفعون شعاره: لا يبالون بتلك المسؤولية العظيمة الرهيبة: مسؤولية وزن الفعل والقول بميزان شريعة الاسلام في هذه الحياة ومسؤولية (الضلال) عن هذه الشريعة بعد الممات ـ لا يبالون بذلك وهم الحريصون على الجنة كما يزعمون ـ!!.
فهذا الذي فجر نفسه وقتلها في مبنى أمني في الرياض يوم الاربعاء الماضي، وقتل من قتل، وجرح من جرح، وهدم العمران، وأكثر الفساد.. هذا وأمثاله: ماذا يقولون أو بماذا يجيبون عن الاسئلة التالية ـ بعد هلاكهم مباشرة ـ أي وهم في القبر أو غيره؟:
1 ـ ألم تعلموا: ان الله حرم في كتابه: قتل النفس، مطلق نفس ـ فقال: انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ؟.
2 ـ ألم تعلموا ان الله قد حرم ـ في كتابه ـ قتل المسلم، وتوعد من فعل ذلك متعمدا: بالخلود في جهنم، وبالغضب، وباللعن، وبالعذاب العظيم فقال: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ؟.
3 ـ ألم تعلموا: ان الله قرن ـ في كتابه ـ: جريمة قتل النفس بجريمة الشرك الاكبر بالله، وان عباد الله المؤمنين يبرأون من جريمة قتل الانسان، كما يبرأون من الشرك الأكبر بالله.. ألم تعلموا ان الله قرن بين الجريمتين فقال: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ؟.
4 ـ ألم تعلموا ان الله حرم ـ في كتابه ـ التواطؤ والتعاون على الاثم والعدوان فقال: ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ؟.
5 ـ ألم تعلموا: ان الله حرم الظلم ـ في كتابه ـ وبين سواد عاقبته وسوئها فقال: وقد خاب من حمل ظلما . وقال: يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار . وقال: فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم .. وقال ـ في الحديث القدسي ـ: يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ؟.
6 ـ ألم تعلموا: ان الله حرم الافساد في الارض ـ في كتابه ـ فقال: ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها . وقال: ولا تعثوا في الارض مفسدين ، وانه بيّن ـ في كتابه ـ: انه يبغض المفسدين ولا يحبهم، فقال: والله لا يحب المفسدين .
7 ـ ألم تعلموا: ان الله قد حرم ـ في كتابه ـ: الاتباع الاعمى لأهل الضلال، والتبعية الغبية لانحرافهم، وانه بين في قرآنه: انه لا يغني عن التابع الضال: الاحتجاج بأن شخصا أو اشخاصا قد اضلوه وزينوا له سوء القول والفعل.. ألم تعلموا ان الله قد قال ـ في كتابه ـ: إذ تبرأ الذين اتُّبِعوا من الذين اتَّبَعُوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب. وقال الذين اتَّبعُوا للذين اتُّبِعوا لو ان لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار .
8 ـ ألم تعلموا: ان نبي الاسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد قال:
أ ـ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر .
ب ـ لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم .
جـ ـ من حمل علينا السلاح فليس منا .
د ـ لعن الله من فعل هذا (من يناول أخاه السيف وهو غير مغمود)، إذا سل احدكم سيفه فأراد ان يناوله أخاه فليغمده ثم يناوله إياه .
هـ ـ : ليس من أمتي من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشا من مؤمنها، ولا يوفى لذي عهدها، فليس مني ولست منه .
و ـ أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء .
ز ـ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده .
9 ـ ثم ألم تعلموا: ان نبي الاسلام ـ الذي ارسل اليكم، وكلفتم اتباع منهجه وسنته ـ قد حذر من اتباع طريقة الخوارج الضالة الدموية الفاسدة المفسدة، وانه انبأ الأمة بالفتن التي سيوقدها الخوارج في مختلف العصور فقال:
أ ـ سيكون في أمتي اختلاف وفرقة: قوم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل، هم شر الخلق، يدعون الى كتاب الله وليسوا منه في شيء .
ب ـ سيخرج قوم في آخر الزمان: حدثاء الاسنان (صغار السن)، سفهاء الأحلام (ضعاف العقول)، يقولون من قول خير البرية، يقرأون القرآن، لا يجاوز ايمانهم حناجرهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية .
جـ ـ يقتلون أهل الاسلام .
كيف يجيب من فجر نفسه في المبنى الأمني في الرياض يوم الاربعاء الماضي.. كيف يجيب هو وأمثاله عن تلك الاسئلة بعد موتهم مباشرة?.. المعروف أو المعلوم: ان الانسان يجيب الجواب الصحيح المنجي إذا كان على المنهج الصحيح القويم في الحياة الدنيا.. وهذا العلم مستنبط من آيات قرآنية مثل: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة . ومثل: الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة .. أما الذين ينحرفون عن منهج الاسلام، ويشاقون الله ورسوله، ويتبعون غير سبيل المؤمنين، فأنى لهم الجواب الصحيح المنجى؟
هذا هو المحور الاول في المقال.
أما المحور الثاني فيتركز على (الذين يضلون الناس بغير علم)، فيوردونهم ـ بالفتاوى الضالة ـ موارد الهلاك، وفي كل شر، يبوء باثمه وجرمه: لا يغني مولى عن مولى شيئا.
وهذه قضية يجب ان تطرق ويفتح ملفها بشجاعة تامة، وعقل كبير وضمير نزيه، وصراحة لا يعتريها غموض ولا ابهام.
إن الفعل الاجرامي القبيح الذي وقع ـ ونظائره معه ـ هو فعل متلبس بالدين.. ولكن أي دين؟.. بالقطع، ليس هو الدين الذي تنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والذي طالعنا قبسا من هداه آنفا، وانما هو دين آخر: دين الجهالة، والهوى، وقسوة القلب، وغلظة الطبع، وتحجر المشاعر، وانعدام الآدمية، والسعار الدموي.. وهذا النوع من التدين الزائغ الضال الفاسد، انما يُغَذِّي به فكر الناس: أناس ضالون غير مهتدين: ادعوا العلم والفتيا وهم ليسوا لهما بأهل.. وانما تبدأ المواجهة الفكرية والعلمية مع هؤلاء لانهم من الخطر والضرر بحيث يشوهون الدين الحق، ويفسدون عقول الناس وقلوبهم ومسالكهم باسمه.. ولما كان هؤلاء في هذا الدرك من السوء والشر، فإن الاسلام ـ كتاب وسنة ـ قد بصّر الأمة بضلالهم وفسادهم ومخاطرهم تبصيرا يوجب النضال المستمر، والجهاد الدائم من أجل كشفهم، وتحرير الناس من اغلالهم، وحمايتهم من شرورهم.
1 ـ لقد نقض القرآن طريقة هؤلاء الذين يفتون في الدين بغير علم فيوقعون الناس في الضلال.. ومن براهين النقض والتجريم:
أ ـ «وأن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم».
ب ـ «ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق».
ج ـ «ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون».
د ـ «بل اتبع الذين ظلموا اهواءهم بغير علم».
هـ ـ «وما لهم به من علم ان يتبعون إلا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا».
و ـ ومن المحرمات القطعية ـ كالشرك ـ: القول على الله بلا علم «وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون».
ز ـ الرحمن فاسأل به خبيرا .. ومن مفاهيم هذه الآية: انك اذا اردت الوصول الى الله: فاسأل عن الله، وعن منهجه: علماء راسخين، وخبراء متثبتين حاذقين، ولا تسأل عنه جهالا، ولا اغبياء، ولا حمقى، ولا مغفلين.
2 ـ وفي السنة ـ كذلك ـ: نقض وتجريم لافكار واتجاهات ومذاهب الذين يقولون على الله بغير علم، ويفتون في الدين بلا هدى، ولقد قال النبي:
أ ـ من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين .. وبمقتضى مفهوم المخالفة، فإن الذي لا يفقه في الدين: لم يرد الله به خيرا.. ووقائع التاريخ والواقع تصدق دلالة هذا الحديث، بمعنى ان الذين لا يفقهون في الدين: لا خير فيهم لأنفسهم ولا لغيرهم، ذلك ان من يفتي في الدين بلا فقه يوبق نفسه بالافتراء على الله، ويضر الآخرين ويتعسهم بالفتوى الجاهلة الضالة.
ب ـ ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم: اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا . وصدق النبي وهو الصادق المصدوق. فما نراه اليوم من تفجيرات وقتل وافساد في الارض ليس سوى تطبيق لفتاوى ومفاهيم اصدرها اناس جهال، إذ سئلوا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا.
نخلص مما تقدم الى ما ينبغي الخلوص اليه وهو:
1 ـ ان الفعل الاجرامي: صورة مادية تطبيقية لفكر منحرف فاسد.. ولا نبرح نقول (كل جريمة ارادية على الارض: مسبوقة بفكرة شريرة في الدماغ).. بمعنى: ان السيارة المفخخة التي فُجرت في مبنى أمني في الرياض قبل ثلاثة أيام هي نتيجة (لدماغ مفخخ)، سبق تفخيخه ـ بالضرورة الزمنية ـ تفخيخ السيارة وتفجيرها.
2 ـ ان المعركة الحقيقية الكبرى الطويلة المنظمنة يجب ان تدار داخل العقول والادمغة، لأن الجريمة تولد وتتربى وتتغذى هناك. وما لم يطهر المنبع، فمن العسير تصور نجاح العلاجات الاخرى.
3 ـ مراجعة (المكتبة الاسلامية) بالنقد والاستدراك والنقض فليس كل ما يقال عن الاسلام، ويكتب باسمه صحيحا.. وبناء على هذا النفي (الموضوعي والعلمي): تسفر حقيقة: انه من المستحيل ان تكون كل الكتب المؤلفة، والاشرطة المسجلة ـ مثلا ـ: صحيحة ومعصومة بل ان فيها الكثير الكثير من الخطأ والعوج.. ومن أشد هذا العوج ضلالا وضررا: تلك الاخطار الغالية في التكفير والعنف.. ومن الواجب الناجز: تطهير هذه المكتبة من هذه الالغام الفكرية.
4 ـ وطالما قلنا: ان هناك تقصيرا من علماء المسلمين ـ بعامة ـ في مكافحة (جذور) العنف والارهاب، وفي ادارة المعركة ضده في الميدان الحقيقي: ديوان العقل والقلب والنفس والدماغ. وما هو بموقف عادل: نفى ان هناك بيانات مضادة للارهاب تصور مرافقة لافعاله الدامية. ولكن المعنّي بالتقصير هو (خلو) الساحة من جمهرة علماء مناضلين متفرغين أو شبه متفرغين لوأد افكار العنف باسم الاسلام.. وهذا التقصير لا يزول إلا بأن ينهض العلماء بمسؤوليتهم الكاملة في هذا المجال: نهوض أداء، لا نهوض قضاء!! بيد انه اذا كان العلماء في المقدمة فان الامة كلها مسؤولة ـ كل بحسب جهده ـ عن دفع الفتنة العامة «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة».
5 ـ ومن البدائل والحلول العاجلة (احياء) سياسة التعزيز وتطبيقها على الذين يفتون بغير علم.. ونقول (احياء)، لأن لهذه السياسة (سوابق) و(أسانيد).. يقول الماوردي ـ مثلا ـ: واذا وجد من يتصدى لعلم الشرع وليس من اهله من فقيه أو واعظ، ولم يأمن اغترار الناس به في سوء تأويل أو تحريف جواب: انكر عليه، واظهر أمره لئلا يغتر الناس به، فان تاب وإلا فالسلطان بتهذيب الدين احق .. وليس هذا مصادرة لحرية الرأي. فالدين ليس رأيا مزاجيا، ثم ان الرأي الصواب نفسه ينبغي ان يتقيد بالمقاصد العليا، والمصلحة الارجح.
زين العابدين الركابي
فهذا الذي فجر نفسه وقتلها في مبنى أمني في الرياض يوم الاربعاء الماضي، وقتل من قتل، وجرح من جرح، وهدم العمران، وأكثر الفساد.. هذا وأمثاله: ماذا يقولون أو بماذا يجيبون عن الاسئلة التالية ـ بعد هلاكهم مباشرة ـ أي وهم في القبر أو غيره؟:
1 ـ ألم تعلموا: ان الله حرم في كتابه: قتل النفس، مطلق نفس ـ فقال: انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ؟.
2 ـ ألم تعلموا ان الله قد حرم ـ في كتابه ـ قتل المسلم، وتوعد من فعل ذلك متعمدا: بالخلود في جهنم، وبالغضب، وباللعن، وبالعذاب العظيم فقال: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ؟.
3 ـ ألم تعلموا: ان الله قرن ـ في كتابه ـ: جريمة قتل النفس بجريمة الشرك الاكبر بالله، وان عباد الله المؤمنين يبرأون من جريمة قتل الانسان، كما يبرأون من الشرك الأكبر بالله.. ألم تعلموا ان الله قرن بين الجريمتين فقال: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ؟.
4 ـ ألم تعلموا ان الله حرم ـ في كتابه ـ التواطؤ والتعاون على الاثم والعدوان فقال: ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ؟.
5 ـ ألم تعلموا: ان الله حرم الظلم ـ في كتابه ـ وبين سواد عاقبته وسوئها فقال: وقد خاب من حمل ظلما . وقال: يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار . وقال: فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم .. وقال ـ في الحديث القدسي ـ: يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ؟.
6 ـ ألم تعلموا: ان الله حرم الافساد في الارض ـ في كتابه ـ فقال: ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها . وقال: ولا تعثوا في الارض مفسدين ، وانه بيّن ـ في كتابه ـ: انه يبغض المفسدين ولا يحبهم، فقال: والله لا يحب المفسدين .
7 ـ ألم تعلموا: ان الله قد حرم ـ في كتابه ـ: الاتباع الاعمى لأهل الضلال، والتبعية الغبية لانحرافهم، وانه بين في قرآنه: انه لا يغني عن التابع الضال: الاحتجاج بأن شخصا أو اشخاصا قد اضلوه وزينوا له سوء القول والفعل.. ألم تعلموا ان الله قد قال ـ في كتابه ـ: إذ تبرأ الذين اتُّبِعوا من الذين اتَّبَعُوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب. وقال الذين اتَّبعُوا للذين اتُّبِعوا لو ان لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار .
8 ـ ألم تعلموا: ان نبي الاسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد قال:
أ ـ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر .
ب ـ لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم .
جـ ـ من حمل علينا السلاح فليس منا .
د ـ لعن الله من فعل هذا (من يناول أخاه السيف وهو غير مغمود)، إذا سل احدكم سيفه فأراد ان يناوله أخاه فليغمده ثم يناوله إياه .
هـ ـ : ليس من أمتي من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشا من مؤمنها، ولا يوفى لذي عهدها، فليس مني ولست منه .
و ـ أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء .
ز ـ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده .
9 ـ ثم ألم تعلموا: ان نبي الاسلام ـ الذي ارسل اليكم، وكلفتم اتباع منهجه وسنته ـ قد حذر من اتباع طريقة الخوارج الضالة الدموية الفاسدة المفسدة، وانه انبأ الأمة بالفتن التي سيوقدها الخوارج في مختلف العصور فقال:
أ ـ سيكون في أمتي اختلاف وفرقة: قوم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل، هم شر الخلق، يدعون الى كتاب الله وليسوا منه في شيء .
ب ـ سيخرج قوم في آخر الزمان: حدثاء الاسنان (صغار السن)، سفهاء الأحلام (ضعاف العقول)، يقولون من قول خير البرية، يقرأون القرآن، لا يجاوز ايمانهم حناجرهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية .
جـ ـ يقتلون أهل الاسلام .
كيف يجيب من فجر نفسه في المبنى الأمني في الرياض يوم الاربعاء الماضي.. كيف يجيب هو وأمثاله عن تلك الاسئلة بعد موتهم مباشرة?.. المعروف أو المعلوم: ان الانسان يجيب الجواب الصحيح المنجي إذا كان على المنهج الصحيح القويم في الحياة الدنيا.. وهذا العلم مستنبط من آيات قرآنية مثل: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة . ومثل: الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة .. أما الذين ينحرفون عن منهج الاسلام، ويشاقون الله ورسوله، ويتبعون غير سبيل المؤمنين، فأنى لهم الجواب الصحيح المنجى؟
هذا هو المحور الاول في المقال.
أما المحور الثاني فيتركز على (الذين يضلون الناس بغير علم)، فيوردونهم ـ بالفتاوى الضالة ـ موارد الهلاك، وفي كل شر، يبوء باثمه وجرمه: لا يغني مولى عن مولى شيئا.
وهذه قضية يجب ان تطرق ويفتح ملفها بشجاعة تامة، وعقل كبير وضمير نزيه، وصراحة لا يعتريها غموض ولا ابهام.
إن الفعل الاجرامي القبيح الذي وقع ـ ونظائره معه ـ هو فعل متلبس بالدين.. ولكن أي دين؟.. بالقطع، ليس هو الدين الذي تنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والذي طالعنا قبسا من هداه آنفا، وانما هو دين آخر: دين الجهالة، والهوى، وقسوة القلب، وغلظة الطبع، وتحجر المشاعر، وانعدام الآدمية، والسعار الدموي.. وهذا النوع من التدين الزائغ الضال الفاسد، انما يُغَذِّي به فكر الناس: أناس ضالون غير مهتدين: ادعوا العلم والفتيا وهم ليسوا لهما بأهل.. وانما تبدأ المواجهة الفكرية والعلمية مع هؤلاء لانهم من الخطر والضرر بحيث يشوهون الدين الحق، ويفسدون عقول الناس وقلوبهم ومسالكهم باسمه.. ولما كان هؤلاء في هذا الدرك من السوء والشر، فإن الاسلام ـ كتاب وسنة ـ قد بصّر الأمة بضلالهم وفسادهم ومخاطرهم تبصيرا يوجب النضال المستمر، والجهاد الدائم من أجل كشفهم، وتحرير الناس من اغلالهم، وحمايتهم من شرورهم.
1 ـ لقد نقض القرآن طريقة هؤلاء الذين يفتون في الدين بغير علم فيوقعون الناس في الضلال.. ومن براهين النقض والتجريم:
أ ـ «وأن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم».
ب ـ «ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق».
ج ـ «ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون».
د ـ «بل اتبع الذين ظلموا اهواءهم بغير علم».
هـ ـ «وما لهم به من علم ان يتبعون إلا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا».
و ـ ومن المحرمات القطعية ـ كالشرك ـ: القول على الله بلا علم «وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون».
ز ـ الرحمن فاسأل به خبيرا .. ومن مفاهيم هذه الآية: انك اذا اردت الوصول الى الله: فاسأل عن الله، وعن منهجه: علماء راسخين، وخبراء متثبتين حاذقين، ولا تسأل عنه جهالا، ولا اغبياء، ولا حمقى، ولا مغفلين.
2 ـ وفي السنة ـ كذلك ـ: نقض وتجريم لافكار واتجاهات ومذاهب الذين يقولون على الله بغير علم، ويفتون في الدين بلا هدى، ولقد قال النبي:
أ ـ من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين .. وبمقتضى مفهوم المخالفة، فإن الذي لا يفقه في الدين: لم يرد الله به خيرا.. ووقائع التاريخ والواقع تصدق دلالة هذا الحديث، بمعنى ان الذين لا يفقهون في الدين: لا خير فيهم لأنفسهم ولا لغيرهم، ذلك ان من يفتي في الدين بلا فقه يوبق نفسه بالافتراء على الله، ويضر الآخرين ويتعسهم بالفتوى الجاهلة الضالة.
ب ـ ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم: اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا . وصدق النبي وهو الصادق المصدوق. فما نراه اليوم من تفجيرات وقتل وافساد في الارض ليس سوى تطبيق لفتاوى ومفاهيم اصدرها اناس جهال، إذ سئلوا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا.
نخلص مما تقدم الى ما ينبغي الخلوص اليه وهو:
1 ـ ان الفعل الاجرامي: صورة مادية تطبيقية لفكر منحرف فاسد.. ولا نبرح نقول (كل جريمة ارادية على الارض: مسبوقة بفكرة شريرة في الدماغ).. بمعنى: ان السيارة المفخخة التي فُجرت في مبنى أمني في الرياض قبل ثلاثة أيام هي نتيجة (لدماغ مفخخ)، سبق تفخيخه ـ بالضرورة الزمنية ـ تفخيخ السيارة وتفجيرها.
2 ـ ان المعركة الحقيقية الكبرى الطويلة المنظمنة يجب ان تدار داخل العقول والادمغة، لأن الجريمة تولد وتتربى وتتغذى هناك. وما لم يطهر المنبع، فمن العسير تصور نجاح العلاجات الاخرى.
3 ـ مراجعة (المكتبة الاسلامية) بالنقد والاستدراك والنقض فليس كل ما يقال عن الاسلام، ويكتب باسمه صحيحا.. وبناء على هذا النفي (الموضوعي والعلمي): تسفر حقيقة: انه من المستحيل ان تكون كل الكتب المؤلفة، والاشرطة المسجلة ـ مثلا ـ: صحيحة ومعصومة بل ان فيها الكثير الكثير من الخطأ والعوج.. ومن أشد هذا العوج ضلالا وضررا: تلك الاخطار الغالية في التكفير والعنف.. ومن الواجب الناجز: تطهير هذه المكتبة من هذه الالغام الفكرية.
4 ـ وطالما قلنا: ان هناك تقصيرا من علماء المسلمين ـ بعامة ـ في مكافحة (جذور) العنف والارهاب، وفي ادارة المعركة ضده في الميدان الحقيقي: ديوان العقل والقلب والنفس والدماغ. وما هو بموقف عادل: نفى ان هناك بيانات مضادة للارهاب تصور مرافقة لافعاله الدامية. ولكن المعنّي بالتقصير هو (خلو) الساحة من جمهرة علماء مناضلين متفرغين أو شبه متفرغين لوأد افكار العنف باسم الاسلام.. وهذا التقصير لا يزول إلا بأن ينهض العلماء بمسؤوليتهم الكاملة في هذا المجال: نهوض أداء، لا نهوض قضاء!! بيد انه اذا كان العلماء في المقدمة فان الامة كلها مسؤولة ـ كل بحسب جهده ـ عن دفع الفتنة العامة «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة».
5 ـ ومن البدائل والحلول العاجلة (احياء) سياسة التعزيز وتطبيقها على الذين يفتون بغير علم.. ونقول (احياء)، لأن لهذه السياسة (سوابق) و(أسانيد).. يقول الماوردي ـ مثلا ـ: واذا وجد من يتصدى لعلم الشرع وليس من اهله من فقيه أو واعظ، ولم يأمن اغترار الناس به في سوء تأويل أو تحريف جواب: انكر عليه، واظهر أمره لئلا يغتر الناس به، فان تاب وإلا فالسلطان بتهذيب الدين احق .. وليس هذا مصادرة لحرية الرأي. فالدين ليس رأيا مزاجيا، ثم ان الرأي الصواب نفسه ينبغي ان يتقيد بالمقاصد العليا، والمصلحة الارجح.
زين العابدين الركابي