المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البَلاءُ



حنين المصرى
16 Dec 2006, 06:43 PM
البلاء هو الاختبار, وإذا قيل: ابتلَى فلانٌ كذا وأبلاهُ، فذلك يتضمن أمرين: أحدهما تعرُّف حاله، والوقوف على ما يُجهَلُ من أمره، والثاني ظهور جودته ورداءته، وربما قُصِد به الأمران، وربما قُصد به أحدهما.
) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (الأنبياء:35.
من هنا نجد أن البلاء نوعان: بلاء بالشر والشدة، وبلاء بالخير والرخاء والسِّعَة وكلاهما ينقسم إلى:
ابتلاء قدري كأن يُقدِّر الله U على عبدٍ من عباده الفقر أو الغنى, الضيق أو السعة, المرض أو الصحة,نقص الذرية أو يرزقه من الذرية العدد الوفير.
) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (آل عمران:186.
ابتلاء شرعي تكليفي اختياري كالعبادات التي تستلزم بذل الجهد، وحمل النفس على خلاف المألوف وما اعتادته من دعة ورفاهية ورخاء. كذلك الإمساك عن المنهيات والمحظورات التي نهى الشارع عنها، وحمل النفس على مخالفة الهوى .
) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا .فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا( الشمس 7-10


وبلاء الخير في كثير من الأحيان يكون أشد فتنة ووطأً على صاحبه من بلاء الشر، فالشدة غالباً ما تحمل صاحبها على الرجوع واللجوء إلى الله تعالى، وعلى طلب العون من رب العالمين، بينما بلاء الخير والسعة غالباً ما يحمل صاحبه ـ إلا من رحم الله ـ على الطغيان وعلى النسيان وقساوة القلب، والركون إلى الدنيا، فيقع ذليلاً في أسرها، لذا نجد أن النبي r قد خاف على أمته فتنة بلاء السعة أكثر من فتنة الشدة، كما في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، أن رسول الله r بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافقت صلاة الصبح مع رسول الله r فلما انصرف تعرضوا له، فتبسم رسول الله r حين رآهم وقال:" أظنكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة، وأنه جاء بشيء ". قالوا : أجل يا رسول الله، قال:" فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم ". وفي رواية:" فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم ".

حنين المصرى
16 Dec 2006, 07:03 PM
مقاصد البلاء
والآن لنتعرف على بعض مقاصد البلاء والغاية منه، وهو الجانب الأهم من الموضوع؛ لأنه يُعين المرء على فهم البلاء الذي نزل بساحته، ولماذا نزل به أو بغيره، وما الحكمة منه.


· لتمحيص النفوس ولرفع مقامات ودرجات العبد عند ربه


قال تعالى:) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ( محمد:31.
عن سعد بن أبي وقاص، قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال:" الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى العبد على حسب دينه؛ فإن كان في دينهصلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه ..


· ليُطهِّرَ العبدَ ويُكفِّرَ عنه ذنوبه وخطاياه


قال تعالى:)وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (الشورى:30.
قال r:" ما يُصيبُ المؤمنَ من نصَبٍ ـ تعب ـ، ولا وصَبٍ ـ مرض ـ ولا همٍّ ولا حزَنٍ، ولا أذىً ولا غمٍّ، حتى الشوكَة يُشاكها؛ إلا كفَّرَ اللهُ بها من خطاياه ".


· ليُعيد العبد إلى خالقه


)وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ( الأنعام:42
عن النبي r أنه قال:" ألا تسألوني مما ضحكت؟ قلنا يا رسول الله مما ضحكت؟ قال: رأيت ناساً من أمتي يُساقون إلى الجنة في السلاسل ما أكرهها إليهم! قلنا من هم؟ قال: قوم من العجم يسبيهم المهاجرون فيدخلون في الإسلام "


· لتعرف نعمة وفضل الله عليك


قال تعالى:) فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ( النمل:40
عن النبي r أنه قال:" من رأى مبتلىً، فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، لم يصبه ذلك الأذى ".


· لدفع بلاءٍ أشد


قال تعالى:)وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ( المؤمنون:75
قال r:" إذا أراد الله بعبده الخيرَ عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسكَ عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة ".


· ومنه ما ينزل عقوبة وانتقاماً


قال تعالى:) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (الإسراء:16.
قال r:" يا معشر المهاجرين خمسٌ إذا ابتليتم بهنَّ وأعوذ بالله أن تُدركوهنَّ: لم تظهر الفاحشةُ في قومٍ قط، حتى يُعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضَوا. ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين ـ أي بالقحط ـ وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم. ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطرَ من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا. ولم ينقضوا عهدَ الله وعهدَ رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم. وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيرون مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسَهم بينهم "

حنين المصرى
16 Dec 2006, 07:07 PM
كيفية التعامل مع البلاء

يجب على المسلم أن يستقبل بلاء الشدة بالرضى والتسليم من جهة كونه قضاء وقدر من الله وبالصبروالحمد والاسترجاع؛ فيقول عند كل مصبة أو بلاء .. الحمد لله .. وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون .. وأن يلتمس كشف ما نزل به من ضر من الله تعالى.
قال تعالى:) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (البقرة:155-166.
وقال r:" يقول الله سُبحانه: ابنَ آدم! إن صبرت واحتسبتَ عندَ الصدمةِ الأولى، لم أرضَ لك ثواباً دونَ الجنةِ "

أما بلاءُ الخير والسعة فيجب أن يُقابَل بالشكر، والثناء والحمد، ورد الفضل كله لله U)وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ( إبراهيم:7
وقال r:" إن الله ليرضى عن العبد يأكلُ الأكلةَ فيحمدُه عليها، ويشرب الشربَة فيحمدُهُ عليها "
قال r:" تَعَوَذُوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء "