الوفا دربي
22 Oct 2006, 07:59 PM
..فعلا، صحيح، المجد.. ما هذه القناة؟
المجد الآن قناة تطرز سماء الفضائيات وتزاحمها، ولكنها تريد أن تكون شمسا وتدور حولها الكواكب والأقمار.. هل يجوز ذلك؟ إن "المجد" لا تنتظر الجوابَ، فهي ماضية بعزم لتحقيق ذلك..
خرجت قناة المجد هذه التي تملأ الأسماعَ والأبصار الآن، منذ ثلاث سنوات فقط. والآن تمتد في الفضاء الفسيح كمن يجري من سنوات وسنوات. وهي ليست قناة مثل آلاف القنوات التي لا تملك عقلا، وكل ما تملكه قلة عقل ومساحة في القمر الصناعي الجوال وشريط بذيء على الشاشات، وأغان هي الإباحية عينها.. هذا سهل جدا، وأقول لك مؤكدا أنها مربحة جدا، وأذيع لك شيئا أهم لم يعد سرا للأسف أنها الأقل تكلفة. ولكن ألا تذكرك هذه المعادلة: الأقل تكلفة والأعلى ربحا، بشيء آخر تعرفه لغة العاملين بالأسهم بشركات الخشاش. إذن، هناك أيضا محطات الخشاش، ولو كنت مدركا أني سأصل إلى هذه النتيجة قبل كتابة العنوان .. لسميتُ المقالة "المجد وفضائيات الخشاش".. ليس مهما على أي حال.
قلت إن المحطة جاءت بعقل. صعب أن تأتي بفكرة عاقلة في سوق مزدحمة، وفي سوق أخذ العقلاءُ فيها حصتهم من زمان، ولم يعد هناك مكان إلا لقلة العقل.. فيكون العقل أول مصاعب المشروع ولا أقول معوقاته، فالعقل الطموح المجنـَّح لا يعترف بالصعوبات، بل إنه مثل المخلوقات المجهرية المتشظية كلما اعترضها عائقٌ انقسمت وتكاثرت وزادت.. لذا كانت مهمة "المجد" صعبة جدا. فالجمهور وزع وقته قليلا مع المحطات الجادة إخباريا وعلميا وترفيهيا، وكثيرا مع محطات الخشاش.
ولكن مع أهداف العقل الذي يحمل فكرة المجد كان هناك عنصر آخر وهو عنصر يزيد المهمة ثقلا، وكـأنك تريد التحليق بجبلٍ من الرصاص.. ولكن العقل سخر الهواء ليحمل أطنانَ الحديد، فكيف تعييه أعتى الأفكار. كان مؤسسو المجد يهدفون إلى محطة جادة، وإخبارية، وعلمية، وترفيهية.. ولكن على قاعدة مهمة وراسخة وغير قابلة للمساومة، وهي أنها أيضا تحمل رسالة كبرى. وترى كيف أن الأمور تعقدت.. قل لي من له جلد أن يطالع محطة جادة، وتحمل رسالة؟.. لو جاؤوني وقتها لوضعت يدي على فمي وكتمت بقوة ضحكة مدوية، حتى لا أقول إنهم يناطحون النجوم. ولكنهم كانوا يطيرون وراء حلم محلق إلى النجوم، فكان من الطبيعي أن يناطحوا النجوم.
كنت في بلد عربي، في مكان مريح، وكان البحر رخوا هانئا، والورود الربيعية تتحلق حولي وكأنها نوارة تترنح مع ندى الصباح البارد .. شربت الشاي، وكان التلفاز موجها لمحطة بعينها وهي "المجد". وطلبت من القائم على الخدمة أن ينتقل إلى محطة البث البريطانية لأن ساعة الأخبار قد أزفت، ووجدت فجأة أنه ينحني على أذني، ويقول لي: أترى تلك المرأة العجوز في آخر الردهة؟ هي أم زوجتي، وهي صاحبة المكان ولا ترضى أن تغير هذه المحطة ولو تزلزلت الأرض، وتقول لكل زبون إنها هدية من ابنها المقيم في جدة، ألم تقل لك ذلك؟ قلت بلى.. قالت لي. وصمت مترقبا، وأسرق النظرَ للعجوز المتلفعة برداء صارم على رأسها.. ورمقتني بنظرة نسيتُ حينها كل الأمة البريطانية بكل محطاتها. وعندما جاء برنامج يسأل المشاهدون فيه شيخا عن الأحكام.. جروا متحلقين حول التلفاز، وأقول جروا، لأن الجدة جاءت تنقل خطى سريعة وثقيلة، وجاء الزوج والزوجة، ونادت "أم حميد" جارتهم، والتفتت إلي وقالت: مسكينة وحيدة، وأولادها في (فرانسا)، وتحب هذا البرنامج.. لا أدري لماذا شعرت أن قناة المجد أسهمت في سعادة "أم حميد"، لأنها قد تكون رققت شعور الجيران أصحاب الخان الصغير.
و"المجد" تحتل مكانا رفيعا في بيتي، وكل بيوت الأسرة، وهي الغالبة في حيّنا، وهي متطلبة، ومتغلية فوق ذلك، فإنك لا يمكنك أن تتصيدها في الهواء.. إلا أن حشوت سهمك مالا. والناس يدفعون ولا يبالون.. وقيمة أخرى تثبتها "المجد" أن الناس لا يترددون في بذل المال متى كان هناك نفع بازغ.. وإن قلتَ إن المبلغَ بسير، فهو ليس يسيرا لقطاعات كبيرة من الناس، خصوصا وأن البدائل المجانية المبهرة والملونة تملأ الفضاء، وبالمجان..
والآن يتسابق أطفال الأسرة متحلقين حول التلفزيون في بيت الوالدة الذي لم ير التلفزيون منذ بُنيَ، إلا لما دخلت "المجد" متربعة وحيدة بلا ضرة ولا منافس.. ويعرفون البرامجَ والمقدمين عن ظهر قلب.. وعندنا أطفال صغار أول ما نطقوا بكلمات من المجد. والمجد تفرعت إلى العلوم والتسلية المفيدة للأطفال، والمعلومات الوثائقية، وأحوال الناس، والتربية، والأكاديمية، والأخبار، كانت محطة، ثم صارت ست محطات.. والحبل على الجرار. هل قلت يتسابق الأطفال، نعم أظن أني قلت، ولكن هل قلت أني أتسابق معهم؟
أما رسالة القناة
فهي أن ينشأ جيل على القيم الفاضلة، واللغة النبيلة، والإيمان بالعلم، والانفتاح الصحي على الأفكار والعلوم، والاستفادة الكاملة من معطيات التكنولوجيا.. والذكاء هو قوة الإرشاد في اختفاء آلية الوعظ المباشر.. إنها لا تعلـِّم الناس.. إنها، وهنا الفرادة، تعلم الناس.. أن يتعلموا!
وفي النهاية
نقول أولا ماشاء الله.
وثانيا، هل يخرج القائمون عن المجد قليلا عن فضائلهم، ويهبونني اشتراكا مجانيا في القناة مقابل المقالة؟!
نسيت أن أقول إني أدفع عدة اشتراكات.. وأيضا الحبل على الجرار.
صحيح .. المجد؟ يا لها من محطة!
المجد الآن قناة تطرز سماء الفضائيات وتزاحمها، ولكنها تريد أن تكون شمسا وتدور حولها الكواكب والأقمار.. هل يجوز ذلك؟ إن "المجد" لا تنتظر الجوابَ، فهي ماضية بعزم لتحقيق ذلك..
خرجت قناة المجد هذه التي تملأ الأسماعَ والأبصار الآن، منذ ثلاث سنوات فقط. والآن تمتد في الفضاء الفسيح كمن يجري من سنوات وسنوات. وهي ليست قناة مثل آلاف القنوات التي لا تملك عقلا، وكل ما تملكه قلة عقل ومساحة في القمر الصناعي الجوال وشريط بذيء على الشاشات، وأغان هي الإباحية عينها.. هذا سهل جدا، وأقول لك مؤكدا أنها مربحة جدا، وأذيع لك شيئا أهم لم يعد سرا للأسف أنها الأقل تكلفة. ولكن ألا تذكرك هذه المعادلة: الأقل تكلفة والأعلى ربحا، بشيء آخر تعرفه لغة العاملين بالأسهم بشركات الخشاش. إذن، هناك أيضا محطات الخشاش، ولو كنت مدركا أني سأصل إلى هذه النتيجة قبل كتابة العنوان .. لسميتُ المقالة "المجد وفضائيات الخشاش".. ليس مهما على أي حال.
قلت إن المحطة جاءت بعقل. صعب أن تأتي بفكرة عاقلة في سوق مزدحمة، وفي سوق أخذ العقلاءُ فيها حصتهم من زمان، ولم يعد هناك مكان إلا لقلة العقل.. فيكون العقل أول مصاعب المشروع ولا أقول معوقاته، فالعقل الطموح المجنـَّح لا يعترف بالصعوبات، بل إنه مثل المخلوقات المجهرية المتشظية كلما اعترضها عائقٌ انقسمت وتكاثرت وزادت.. لذا كانت مهمة "المجد" صعبة جدا. فالجمهور وزع وقته قليلا مع المحطات الجادة إخباريا وعلميا وترفيهيا، وكثيرا مع محطات الخشاش.
ولكن مع أهداف العقل الذي يحمل فكرة المجد كان هناك عنصر آخر وهو عنصر يزيد المهمة ثقلا، وكـأنك تريد التحليق بجبلٍ من الرصاص.. ولكن العقل سخر الهواء ليحمل أطنانَ الحديد، فكيف تعييه أعتى الأفكار. كان مؤسسو المجد يهدفون إلى محطة جادة، وإخبارية، وعلمية، وترفيهية.. ولكن على قاعدة مهمة وراسخة وغير قابلة للمساومة، وهي أنها أيضا تحمل رسالة كبرى. وترى كيف أن الأمور تعقدت.. قل لي من له جلد أن يطالع محطة جادة، وتحمل رسالة؟.. لو جاؤوني وقتها لوضعت يدي على فمي وكتمت بقوة ضحكة مدوية، حتى لا أقول إنهم يناطحون النجوم. ولكنهم كانوا يطيرون وراء حلم محلق إلى النجوم، فكان من الطبيعي أن يناطحوا النجوم.
كنت في بلد عربي، في مكان مريح، وكان البحر رخوا هانئا، والورود الربيعية تتحلق حولي وكأنها نوارة تترنح مع ندى الصباح البارد .. شربت الشاي، وكان التلفاز موجها لمحطة بعينها وهي "المجد". وطلبت من القائم على الخدمة أن ينتقل إلى محطة البث البريطانية لأن ساعة الأخبار قد أزفت، ووجدت فجأة أنه ينحني على أذني، ويقول لي: أترى تلك المرأة العجوز في آخر الردهة؟ هي أم زوجتي، وهي صاحبة المكان ولا ترضى أن تغير هذه المحطة ولو تزلزلت الأرض، وتقول لكل زبون إنها هدية من ابنها المقيم في جدة، ألم تقل لك ذلك؟ قلت بلى.. قالت لي. وصمت مترقبا، وأسرق النظرَ للعجوز المتلفعة برداء صارم على رأسها.. ورمقتني بنظرة نسيتُ حينها كل الأمة البريطانية بكل محطاتها. وعندما جاء برنامج يسأل المشاهدون فيه شيخا عن الأحكام.. جروا متحلقين حول التلفاز، وأقول جروا، لأن الجدة جاءت تنقل خطى سريعة وثقيلة، وجاء الزوج والزوجة، ونادت "أم حميد" جارتهم، والتفتت إلي وقالت: مسكينة وحيدة، وأولادها في (فرانسا)، وتحب هذا البرنامج.. لا أدري لماذا شعرت أن قناة المجد أسهمت في سعادة "أم حميد"، لأنها قد تكون رققت شعور الجيران أصحاب الخان الصغير.
و"المجد" تحتل مكانا رفيعا في بيتي، وكل بيوت الأسرة، وهي الغالبة في حيّنا، وهي متطلبة، ومتغلية فوق ذلك، فإنك لا يمكنك أن تتصيدها في الهواء.. إلا أن حشوت سهمك مالا. والناس يدفعون ولا يبالون.. وقيمة أخرى تثبتها "المجد" أن الناس لا يترددون في بذل المال متى كان هناك نفع بازغ.. وإن قلتَ إن المبلغَ بسير، فهو ليس يسيرا لقطاعات كبيرة من الناس، خصوصا وأن البدائل المجانية المبهرة والملونة تملأ الفضاء، وبالمجان..
والآن يتسابق أطفال الأسرة متحلقين حول التلفزيون في بيت الوالدة الذي لم ير التلفزيون منذ بُنيَ، إلا لما دخلت "المجد" متربعة وحيدة بلا ضرة ولا منافس.. ويعرفون البرامجَ والمقدمين عن ظهر قلب.. وعندنا أطفال صغار أول ما نطقوا بكلمات من المجد. والمجد تفرعت إلى العلوم والتسلية المفيدة للأطفال، والمعلومات الوثائقية، وأحوال الناس، والتربية، والأكاديمية، والأخبار، كانت محطة، ثم صارت ست محطات.. والحبل على الجرار. هل قلت يتسابق الأطفال، نعم أظن أني قلت، ولكن هل قلت أني أتسابق معهم؟
أما رسالة القناة
فهي أن ينشأ جيل على القيم الفاضلة، واللغة النبيلة، والإيمان بالعلم، والانفتاح الصحي على الأفكار والعلوم، والاستفادة الكاملة من معطيات التكنولوجيا.. والذكاء هو قوة الإرشاد في اختفاء آلية الوعظ المباشر.. إنها لا تعلـِّم الناس.. إنها، وهنا الفرادة، تعلم الناس.. أن يتعلموا!
وفي النهاية
نقول أولا ماشاء الله.
وثانيا، هل يخرج القائمون عن المجد قليلا عن فضائلهم، ويهبونني اشتراكا مجانيا في القناة مقابل المقالة؟!
نسيت أن أقول إني أدفع عدة اشتراكات.. وأيضا الحبل على الجرار.
صحيح .. المجد؟ يا لها من محطة!