المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأمر بالاجتماع والائتلاف والنهي عن التفرق والاختلاف



قوافل العائدات
10 Oct 2006, 03:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي ألف بين قلوب عباده المؤمنين وجعلهم أنصارا وأعواناً وأخوة في الدين أحمده أستغفره وأتوب إليه وبه أستعين وأصلي على رسوله محمد سيد الأولين والآخرين وأفضل السابقين واللاحقين وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .


من صالح ابن أحمد الخريصي إلى من يراه ويسمعه من إخواننا المسلمين وفقني الله وإياهم للقيام بواجبات الدين .، وعصمني وإياهم من ارتكاب ما يسخط ويغضب رب العالمين ، ويحول بينهم وبين أسباب المغفرة عند حصولها للمستغفرين . أما بعد فهذه كلمات يسيرة تحث على الأمر بإصلاح ذات البين والنهي عن التهاجر والتقاطع والبغضاء والحقد والحسد ( والأمر بالاجتماع والائتلاف والنهي عن التفرق والاختلاف )


والاعتصام بحبل الله جميعا قال الله عز وجل وهو أصدق القائلين { فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } (1) وقال تعالى { إنما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } (2) وقال تعالى لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراَ عظيماً }(3) وقال تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها }(4) وقال تعالى { أطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم }(5)


فرتب الله تبارك وتعالى هذه الآيات الكريمات الثواب الجزيل على الإصلاح والتآلف بين المؤمنين وجعل ذلك من أفضل الخصال المنجية يوم الدين ونبه سبحانه على أن الاعتصام بحبله والاجتماع على طاعته فيه العز والشرف في الدنيا والآخرة وأن الاختلاف يورث الفشل والجبن وذهاب القوة والوحدة وما كانوا فيه من الإقبال والتقدم .


وأما الأحاديث الواردة في فضل الإصلاح بين الناس والنهى عن التهاجر فكثيرة جدا ولنذكر منها ما تيسر فمنها ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة وتعين الرجل في دابته صدقة (6) الخ الحديث فقوله تعالى تعدل بين اثنين أي توفق بينهما وتزيل الوحشية الواقعة بينهما . ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي الدرداء (( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة قالوا بلي يا رسول الله قال إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة )) (7)


وفي حديث أنس رضي الله عنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه يضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر رضي الله عنه ما أ ضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي فقال (( رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة تبارك وتعالى فقال أحدهما يا رب خذ لي مظلمتي من أخي فقال له عز وجل أعط أخاك مظلمته فقال يا رب لم يبق من حسناتي شيء فقال فليحمل من أوزاري قال ففاضت عين رسول الله صلى عليه وسلم بالبكاء ثم قال


إن ذلك ليوم عظيم يحتاج الناس إلى من يتحمل عنهم من أوزارهم فقال الله عز وجل للطالب أرفع بصرك وأنظر في الجنان فرفع رأسه فقال يا رب أرى مدائن فضة وقصور من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا لأي صديق هذا لأي شهيد هذا قال هذا لمن أعطى ثمنه قال يا رب ومن يملك ثمنه قال أنت تملكه قال ماذا يا رب قال تعف عن أخيك قال يا رب فإني قد عفوت عنه قال الله عز وجل خذ بيد أخيك فادخلا الجنة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة ))(8)


ومعنى قوله اتقوا الله أي بطاعته فراقبوه واصلحوا الحال بترك المنازعة والمخالفة . وأما الأحاديث الواردة في النهي عن التهاجر والتقاطع فمنها حديث أبي أيوب رضي الله عنه المتفق عليه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا يحل للرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )) (9) وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه (( ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا )) (10) فنهى المسلمون عن التباغض بينهم في غير ذات الله عز وجل بل على هو النفوس فإن المسلمين جعلهم الله اخوة والاخوة يتحابون بينهم ولا يتباغضون ،


وأما البغض في الله فهو من أوثق عرى الإيمان وليس داخلاً في النهي كما في الحديث : أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله )) (11) وفي الحديث أيضاً الذي أخرجه مسلم قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ‎(( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلاّ رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول انظروا هذين حتى يصطلحا )) (12) وفي الحديث أيضاً الذي أخرجه مسلم بلفظ (( تعرض أعمال أناس في كل جمعة مرتين يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلاّ عبداً بينه وبين أخيه شحناء فيقال اتركوا هاذين حتى يفيئا )) (13) وفي الحديث أيضاً الذي خرجه أحمد وأبو داود أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال (( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار ))(14)



وفي حديث أبي خراش السلمي الذي أخرجه أبو داود أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:((دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ))(15) وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال (( إياكم وسوء ذات البين فإنها الحالقة )) (16) وروي من حديث أبي إمامة مرفوعا ((ترفع الأعمال يوم الاثنين والخميس فيغفر للمستغفرين ويترك أهل الحقد كما هم ))(17)



وخرج أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:(( إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال العشب ) (18) وخرج الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلي الله عليه وسلم قال ((سيصيب أمتي داء الأمم قالوا يا نبي الله وما داء الأمم قال الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج )) (19) واعلموا رحمكم الله أن أكثر ما يقع التشاجر والتشاحن وسوء ذات البين بسبب النميمة وسوء الظن بالمسلمين .


أما النميمة فقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم (( لا يدخل الجنة نمام )) (20) وهو نقل كلام إنسان إلى آخر على جهة الإفساد ، وفي الأثر يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة ، وفي حديث أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم )) رواه أبو داود (21) وفي حديث المستورد بن شداد أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم يوم القيامة ومن كسا ثوبا برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم ومن قام برجل مسلم مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم له يوم القيامة مقام سمعة ورياء )) رواه أبو داود (22) فاحذروا رحمكم الله من الوقوع في أعراض الناس المسلمين وطهروا أفواهكم من لحومهم لا سيما أهل الخير وحملة الشرع فإن الوقوع في لحومهم أعظم .


ومما ينبغي للمسلم أن يقبل عذر أخيه إذا اعتذر إليه فمن رد أخاه بعد عذر وتوبة كان عليه من الإثم مثل خطيئة صاحب مكس كما ورد ذلك في حديث جابر الذي رواه البيهقي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال من اعتذر إلى أخيه فلم يعذره ولم يقبل عذره كان عليه إثم خطيئة صاحب مكس (23) .


وقد وصف الله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم ، ووصف عباده المؤمنين المحبين المحبوبين بأنهم ( أذلة على المؤمنين ) أي أهل رقة وشفقة وعطف ولين ورحمة لإخوانهم المؤمنين كالولد مع والده والعبد مع سيده ( أعزة على الكافرين ) أي أهل غلظة وشدة يلقونهم بوجوه مكفهرة عابسة كالأسد على فريسته ووصفهم نبيهم صلى الله عليه وسلم في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم بالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالحمى والسهر (24) فهكذا كونوا يا عباد الله إخوانا ولا تتفرق بكم السبل عن الطرق المثلى عن الطريق المنجية عن الطريق الموصلة إلى الله والدار الآخرة فإن الشيطان له غرض في بني آدم لكن لما أيس أن يعيده المصلون في جزيرة العرب رضي بالتحريش بين المسلمين فشن الغارة عليهم وأتاهم من كل طريق فمن اعتصم بحبل الله وجاهد العدو كان على سبيل نجاة ،


ومن اتبع هواه ولم يلتفت إلى ما أمره به مولاه كان الهلاك إليه أقرب من حبل الوريد . فيا عباد الله اتقوا الله وراقبوه واعتصموا بحبله جميعا ولا تفرقوا ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم . الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ) الأنفال 26 .


وأزيلوا ما في قلوبكم من الحسد والبغضاء والحقد والتهاجر ولا تشمتوا أعداءكم بالتفرق والاختلاف وأغيظوهم بالاجتماع والإتلاف واشكروه على ما أسداه عليكم ومن به من النعم الدينية والدنيوية والبدنية التي لا تحصي ولا تستقصي ولا تغيروا فيغير الله عليكم فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ولا تغتروا بحلمه وستره فإن أخذه أليم شديد ، واتقوا الله { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } واصلحوا قلوبكم يصلح الله أعمالكم وأخلصوا أعمالكم يصلح الله أحوالكم وارحموا ضعفائكم يرفع الله درجاتكم وواسوا فقراء يوسع الله في أرزاقكم وخذوا على أيدي سفهاءكم يبارك لكم في أعمالكم .


هذا وأسال الله الكريم رب العرش العظيم أن يمن على الجميع بالهداية والتوفيق وأن يسلك بنا وبكم أحسن منهج وأقوم طريق وأن ينصر دينه ويعلى كلمته ويجعلنا وإياكم من أنصار دينه وشرعه وأن يحفظ إمامنا إمام المسلمين وولي عهده إنه جواد كريم رؤوف رحيم وصلى الله على محمد الأمين وآله وصحبه أجمعين ،،،
20 /5 / 1402


صالح بن أحمد الخريصي


______________________
(1) سورة الأنفال آية 1
(2) سورة الحجرات آية 10
(3) سورة النساء آية 114
(4) سورة آل عمران آية 102 - 103
(5) سورة الأنفال آية 46
(6) البخاري 3 /170 / 171 كتاب الصلح مسلم 3 /83 كتاب الزكاة
(7) رواه أبو داود 5/ 218 كتاب الأدب والترمذي 5/663 كتاب صفة القيامة وقال : هذا حديث صحيح .
(8) ذكره ابن كثير في التفسير 2/305 وقال إن الحديث رواه أبو يعلى وذكر إسناده فقال وإسناد الحديث ضعيف .
(9) البخاري 8/45 كتاب الاستئذان مسلم 4/1984 كتاب البر والصلة والأدب .
(10) البخاري 7/91 كتاب الأدب مسلم 8/8 كتاب البر والصلة .
(11) أحمد 4/682والطبراني في الكبير وغيرهما وهو حسن بمجموع تركه .
(12) مسلم 8/11 كتاب البر والصلة .
(13) مسلم 8/12 كتاب البر والصلة .
(14) أحمد وأبو داود 5/215 وإسناده صحيح .
(15) رواه الترمذي 4/664 وأحمد وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وعزاه إلى البزار وقال إسناده جيد .
(16) الترمذي 4/663 - 664 وقال هذا حديث صحيح .
(17) ورد في مسلم بلفظين عن أبي هريرة ( ترفع وتفتح أبواب الجنة .. )
(18) أبو داود 5/208 - 209 عن إبراهيم بن أبي أسيد عن جده . وقال البخاري في التاريخ الكبير 1/272 عن هذا الحديث لا يصحّ انتهى .
(19) المستدرك .
(20) رواه البخاري ومسلم .
(21) أبو داود / 194 وغيره وهو حديث صحيح .
(22) أبو داود 5/195 .وإسناده ضعيف .
(23) رواه ابن ماجة وله ترق لعله يرتقي بها إلى درجة الحسن والمكس الجباية ظلماً .
(24) في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم .