أبو سهل
22 Sep 2006, 09:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
يهل علينا شهر رمضان المبارك فيستقبله الناس بأعمال كثيرة منها:
أعمال فاضلة كالصيام والقيام وقراءة القرآن وبر الوالدين وصلة الأرحام ومدارسة العلم ومجاهدة النفس والشيطان والصبر على الطاعات وإحسانها، والصبر على اجتناب المنكرات، والبعد عن المحرمات، وغير ذلك من الأعمال التي تقرب إلى الله تعالى؛ فيصل الصائم من قطعه ويعطي من حرمه ويحسن إلى من أساء إليه ويعفو عمن ظلمه.
ومنها: الأعمال المباحة كالتجارة التي تروج في رمضان، خاصة وأن الناس يستعدون لاستقبال عيد الفطر بالتوسعة على الأهل وعلى الفقراء والإحسان إليهم، وذلك بصنوف الأطعمة والملابس والهدايا وما يحتاجه الناس، فتروج التجارة في هذا الشهر الكريم.
ومنها: الأعمال المحرمة بدءًا من الإسراف في المباحات والإعراض عن أماكن الطاعات. ثم المشاركة والانشغال والمشاهدة للمحرمات من تلك البرامج التي أعدت لتشغل المسلم عن دينه وتدخله في الشهوات وتصرفه عن المساجد فلا يسهر في طاعة وقيام إنما يسهر في ما يهيج الغرائز ويفقد أثر الصيام، والحديث عن ذلك معروف لا يحتاج إلى بيان أو تفصيل.
والله- سبحانه وتعالى- يقول: ((والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما(27) يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا)) {النساء: 27، 28}.
والميل العظيم- كما قال الطبري-: "أن تواقعوا الفواحش فتستحلوها كما يستحلونها".
والذين يتبعون الشهوات هم الزناة- كما قال الكلبي- أو المجوس أو اليهود والنصارى- كما قال الطبري- لكن الذين يتبعون الشهوات يريدون من أهل الإيمان أن يوافقوهم على ذلك، والله يريد أن يتوب على المؤمنين ويريد أن يخفف عنهم وهو أعلم بضعف الإنسان.
فالآية الكريمة تحكي صراعًا واقعًا بين أهل الشهوات من جانب، والشرع الشريف من جانب آخر، والإنسان ضعيف، وقد امتن الله- سبحانه وتعالى- عليه بالشرع تقوية لضعفه وسموًّا لنفسه؛ لذلك فربُّ العزة يقول: ((يا أيها الذين ءامنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم )) {النور:21} فمن فضل الله ورحمته أنزل ذلك الشرع، ومنه الصوم الذي يزكي الله به المؤمنين، ويضيق مداخل الشياطين، ويقوي ضعف المؤمنين، ويخيب كيد الذين يتبعون الشهوات.
إن الاستغراق في شهوات الدنيا ورغائب النفوس ودوافع الميول الفطرية هو الذي يشغل القلب عن التبصر والاعتبار، ويدفع الناس للغرق في لجة اللذة القريبة المحسوسة، ويحجب عنهم ما هو أرفع وأعلى، ويغلظ الحس فيحرمه متعة التطلع إلى ما وراء اللذة القريبة ومتعة الاهتمامات الكبيرة اللائقة بدور الإنسان العظيم في هذه الأرض واللائقة كذلك بمخلوق يستخلفه الله في هذا الملك العريض.
ولما كانت هذه الرغائب وتلك الدوافع مع هذا طبيعيةً وفطريةً مكلَّفة من قبل الباري- جل وعلا- أن تؤدي للبشرية دورًا أساسيًا في حفظ الحياة وامتدادها، فإن الإسلام لا يُعْنَى بكبتها وقتلها، ولكن بضبطها وتنظيمها وتخفيف حدتها واندفاعها، وإلى أن يكون الإنسان مالكًا لها متصرفًا فيها، لا أن تكون مالكة له متحكمة فيه، وإلى تقوية روح التسامي فيه والتطلع إلى ما هو أعلى.
فهذه الدعوات السافرة للفواحش والمنكرات تتبناها دول الغرب فتبلغ في الفحش مداه وفي الفسوق منتهاه، فكيف يتخلص المسلم من ذلك خاصة وأن دول الإسلام قد مالت إلى التقليد ميلاً عظيمًا، فصارت تقلد تقليد العميان، وتسير وراءهم سير الهائم الولهان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. عندئذ يتوجه المسلم إلى ربه فهو الذي ينقذه، يريد أن يتوب عليه- يريد أن يخفف عنه- يزكيه بالشرع القائل: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
وهو القائل: ((يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)) {البقرة:183}. فالشرع يذكرنا ويبصرنا.
يذكرنا بسلف الأمة الأبرار الذين دخلوا الإسلام عن يقين واقتدار، والأمة غارقة في الشهوات فحماهم الله بشرعه، وقواهم بعبادته، وسدد خطواتهم بفضله، فتغلبوا على الشيطان وجنده وردّ الله عنهم كيده وتدبير أعوانه وحزبه.
ويبصرنا بأننا جئنا من بعدهم فإن نحن خلفناهم بإضاعة الصلاة واتباع الشهوات فعقوبة رب العالمين قريبة حيث يسلمنا لضعفنا فنهلك في الشرِّ بسبب عملنا، قال تعالى: ((فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا)) {مريم:59} أي فسوف يلقون شرّا لا خير فيه، وقيل: الغي واد في جهنم. وإن خلفناهم باتباع سبيلهم والسير على نهجهم فإن باب الرحمة مفتوح، يقول سبحانه: ((إلا من تاب وءامن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا (60) جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا(61) لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا(62) تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا)) {مريم: 60: 63}.
فالصيام ورمضان من أعظم رحمة الله على المؤمنين في هذه الفتن المتلاطمة والأمواج العارمة. يقول ابن القيم: وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحمايتها من التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى، كما قال تعالى: ((ياأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)) {البقرة: 183} وقال النبي صلي الله عليه وسلم: ( الصوم جُنّة ) وأمر بالصيام من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه جعله وجاءً لهذه الشهوة.
والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانًا إليهم وحمية لهم وجُنة (انتهى).
إخوة الإسلام هيَّا نستقبلُ رمضان استقبال الفاتحين الخاشعين فَنُحِلَّه بيوتنا وقلوبنا وأبناءنا امتثالاً لأمر ربنا فتتهذب النفوسُ وتحيا القلوب وتنتشر الأخوة والمحبة وتندثر الفواحش والمنكرات.
هيا إخوة الإسلام نفرح برمضان اليوم لنفرح به عند لقاء ربنا.
واحذر أخا الإسلام من تهديد النبي صلي الله عليه وسلم لمّا أمَّن على دعاء جبريل عندما قال: "بَعُد مَن أدرك رمضان ولم يُغْفَرْ له" قلت آمين.
فاللهم أعِنا ولا تُعِنْ علينا، واهدنا ويَسِّرِ الهدى لنا، وقوِّ ضعفَنا، واجبُر عجزَنا وسدَّد خطانا يا أرحم الراحمين.
،،، التوقيع أبو سهل،،،
http://www.c5c6.com/File/1157399676.gif
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
يهل علينا شهر رمضان المبارك فيستقبله الناس بأعمال كثيرة منها:
أعمال فاضلة كالصيام والقيام وقراءة القرآن وبر الوالدين وصلة الأرحام ومدارسة العلم ومجاهدة النفس والشيطان والصبر على الطاعات وإحسانها، والصبر على اجتناب المنكرات، والبعد عن المحرمات، وغير ذلك من الأعمال التي تقرب إلى الله تعالى؛ فيصل الصائم من قطعه ويعطي من حرمه ويحسن إلى من أساء إليه ويعفو عمن ظلمه.
ومنها: الأعمال المباحة كالتجارة التي تروج في رمضان، خاصة وأن الناس يستعدون لاستقبال عيد الفطر بالتوسعة على الأهل وعلى الفقراء والإحسان إليهم، وذلك بصنوف الأطعمة والملابس والهدايا وما يحتاجه الناس، فتروج التجارة في هذا الشهر الكريم.
ومنها: الأعمال المحرمة بدءًا من الإسراف في المباحات والإعراض عن أماكن الطاعات. ثم المشاركة والانشغال والمشاهدة للمحرمات من تلك البرامج التي أعدت لتشغل المسلم عن دينه وتدخله في الشهوات وتصرفه عن المساجد فلا يسهر في طاعة وقيام إنما يسهر في ما يهيج الغرائز ويفقد أثر الصيام، والحديث عن ذلك معروف لا يحتاج إلى بيان أو تفصيل.
والله- سبحانه وتعالى- يقول: ((والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما(27) يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا)) {النساء: 27، 28}.
والميل العظيم- كما قال الطبري-: "أن تواقعوا الفواحش فتستحلوها كما يستحلونها".
والذين يتبعون الشهوات هم الزناة- كما قال الكلبي- أو المجوس أو اليهود والنصارى- كما قال الطبري- لكن الذين يتبعون الشهوات يريدون من أهل الإيمان أن يوافقوهم على ذلك، والله يريد أن يتوب على المؤمنين ويريد أن يخفف عنهم وهو أعلم بضعف الإنسان.
فالآية الكريمة تحكي صراعًا واقعًا بين أهل الشهوات من جانب، والشرع الشريف من جانب آخر، والإنسان ضعيف، وقد امتن الله- سبحانه وتعالى- عليه بالشرع تقوية لضعفه وسموًّا لنفسه؛ لذلك فربُّ العزة يقول: ((يا أيها الذين ءامنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم )) {النور:21} فمن فضل الله ورحمته أنزل ذلك الشرع، ومنه الصوم الذي يزكي الله به المؤمنين، ويضيق مداخل الشياطين، ويقوي ضعف المؤمنين، ويخيب كيد الذين يتبعون الشهوات.
إن الاستغراق في شهوات الدنيا ورغائب النفوس ودوافع الميول الفطرية هو الذي يشغل القلب عن التبصر والاعتبار، ويدفع الناس للغرق في لجة اللذة القريبة المحسوسة، ويحجب عنهم ما هو أرفع وأعلى، ويغلظ الحس فيحرمه متعة التطلع إلى ما وراء اللذة القريبة ومتعة الاهتمامات الكبيرة اللائقة بدور الإنسان العظيم في هذه الأرض واللائقة كذلك بمخلوق يستخلفه الله في هذا الملك العريض.
ولما كانت هذه الرغائب وتلك الدوافع مع هذا طبيعيةً وفطريةً مكلَّفة من قبل الباري- جل وعلا- أن تؤدي للبشرية دورًا أساسيًا في حفظ الحياة وامتدادها، فإن الإسلام لا يُعْنَى بكبتها وقتلها، ولكن بضبطها وتنظيمها وتخفيف حدتها واندفاعها، وإلى أن يكون الإنسان مالكًا لها متصرفًا فيها، لا أن تكون مالكة له متحكمة فيه، وإلى تقوية روح التسامي فيه والتطلع إلى ما هو أعلى.
فهذه الدعوات السافرة للفواحش والمنكرات تتبناها دول الغرب فتبلغ في الفحش مداه وفي الفسوق منتهاه، فكيف يتخلص المسلم من ذلك خاصة وأن دول الإسلام قد مالت إلى التقليد ميلاً عظيمًا، فصارت تقلد تقليد العميان، وتسير وراءهم سير الهائم الولهان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. عندئذ يتوجه المسلم إلى ربه فهو الذي ينقذه، يريد أن يتوب عليه- يريد أن يخفف عنه- يزكيه بالشرع القائل: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
وهو القائل: ((يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)) {البقرة:183}. فالشرع يذكرنا ويبصرنا.
يذكرنا بسلف الأمة الأبرار الذين دخلوا الإسلام عن يقين واقتدار، والأمة غارقة في الشهوات فحماهم الله بشرعه، وقواهم بعبادته، وسدد خطواتهم بفضله، فتغلبوا على الشيطان وجنده وردّ الله عنهم كيده وتدبير أعوانه وحزبه.
ويبصرنا بأننا جئنا من بعدهم فإن نحن خلفناهم بإضاعة الصلاة واتباع الشهوات فعقوبة رب العالمين قريبة حيث يسلمنا لضعفنا فنهلك في الشرِّ بسبب عملنا، قال تعالى: ((فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا)) {مريم:59} أي فسوف يلقون شرّا لا خير فيه، وقيل: الغي واد في جهنم. وإن خلفناهم باتباع سبيلهم والسير على نهجهم فإن باب الرحمة مفتوح، يقول سبحانه: ((إلا من تاب وءامن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا (60) جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا(61) لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا(62) تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا)) {مريم: 60: 63}.
فالصيام ورمضان من أعظم رحمة الله على المؤمنين في هذه الفتن المتلاطمة والأمواج العارمة. يقول ابن القيم: وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحمايتها من التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى، كما قال تعالى: ((ياأيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)) {البقرة: 183} وقال النبي صلي الله عليه وسلم: ( الصوم جُنّة ) وأمر بالصيام من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه جعله وجاءً لهذه الشهوة.
والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانًا إليهم وحمية لهم وجُنة (انتهى).
إخوة الإسلام هيَّا نستقبلُ رمضان استقبال الفاتحين الخاشعين فَنُحِلَّه بيوتنا وقلوبنا وأبناءنا امتثالاً لأمر ربنا فتتهذب النفوسُ وتحيا القلوب وتنتشر الأخوة والمحبة وتندثر الفواحش والمنكرات.
هيا إخوة الإسلام نفرح برمضان اليوم لنفرح به عند لقاء ربنا.
واحذر أخا الإسلام من تهديد النبي صلي الله عليه وسلم لمّا أمَّن على دعاء جبريل عندما قال: "بَعُد مَن أدرك رمضان ولم يُغْفَرْ له" قلت آمين.
فاللهم أعِنا ولا تُعِنْ علينا، واهدنا ويَسِّرِ الهدى لنا، وقوِّ ضعفَنا، واجبُر عجزَنا وسدَّد خطانا يا أرحم الراحمين.
،،، التوقيع أبو سهل،،،
http://www.c5c6.com/File/1157399676.gif