نور الدين زنكي
18 Aug 2006, 01:06 AM
http://www.almoslim.net/figh_wagi/show_news_comment_main.cfm?id=534
أمير سعيد
23/7/1427
حين تسمع كلاماً ترغب في أن تسمعه، فإنك تحمل نفسك على تصديقه، وتحاول أن تجافي أي انطباع مسبق يخالفه أو موقف سابق يعارضه، ومن ذا الذي لا يود أن يسمع حديثاً عن الوحدة الإسلامية في خضم لحظة تتداعى فيها الأمم إلى قصعتنا، وأنى لنا التناوش والعدو على الثغور بل في قلب الأمة يحكم قبضته على مسجدنا الثالث ؟!
من العسير أن تلقي بجزء كبير من ثقافتك عن الآخر بعد قراءة بيان واحد أو مقالة منمقة ، إلا أن استغشاء الثياب - رجاء ألا يصغي المرء إلى خصمه - هو أيضا دليل عجز منطقي منه عن محاججته، كحال قوم نوح معه : "وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً".
ومبادرة الآخر بطرح وجهة نظره محمودة إذا ما تحلت بالمصداقية والصراحة والوضوح، ومتى فارقت ذلك كانت مذمومة، وصارت محاولة عبثية للولوج من باب العاطفة إلى تكوين التصورات المغلوطة .
ولكم تود أن تكون مخطئا كي تمضي بطريق المودة ووحدة الصف، غير أن غلبة الحق تمسك بحجزك عن الاسترسال في القراءة العاطفية لما يطرح بين يديك ..!
بالأمس، نشر موقع العربية.نت تصريحات لعلماء شيعة أربعة منهم سعوديون وخامسهم لبناني، وهم عادل بوخمسين وحسن النمر وجعفر النمر وحسن الصفار, والمفكر اللبناني هاني فحص، تحدثوا من خلالها عن نقاط محددة، هي من أبرز ما يدور فيه الجدل العقدي بين السنة والشيعة، لاسيما والحرب اللبنانية كانت على وشك أن تضع أوزارها، وكانت سجالات دينية قد اشتعلت حول مساندة "حزب الله" الشيعي في تلك الحرب، وانقسم فيها علماء السنة ما بين مؤيد ومعارض.
وإذا كان علماء الشيعة قد تحدثوا حول هذه القضايا وأدلوا فيها برأيهم، فلن أغتصب حقاً لعلماء السنة أن يقولوا أيضاً رأيهم حولها، ولكنني فقط سألحظ في قراءتها عدة أمور ربما تكون شكلية أكثر منها جوهرية بانتظار أن يقول العلماء قولتهم:
أولاً: خرجت هذه التصريحات على نحو غامض تعذر معه توصيفها من الناحية الصحفية، إذ يصعب اعتبارها حواراً لأن الموقع أكد أنه قد تلقى ردوداً فقال: " تلقت (العربية.نت) ردودا من بعض علماء الشيعة على التقرير الذي نشرته الثلاثاء 8/8/2006(...) وننشر تلك الردود كما هي دون تدخل منّا إيمانا بحرية الرأي وحق كل طرف في ابداء وجهة نظره التي تعبر عنه. " ولكن في المقابل يستحيل تجاهل أسلوبها وعدم تسميتها حواراً أو تحقيقاً في ذات الوقت لأن الموقع قد قال:" وردا على سؤال حول مأخذ بعض علماء السنة بأن بعض الفرق الشيعية.." وقال "وسألته هل يوجد في الشيعة تكفير لأهل السنة فأجاب.."، وعليه فلا يمكننا تأكيد تعمد الظهور الجماعي لهؤلاء العلماء الشيعة وتحدثهم كفريق واحد، ومن ثم البحث في احتمالية أن يكون إرسالهم تلك الردود إرهاصاً ببلورة موقف علمي شيعي موحد في السعودية، وإن كنا نستشرف مرحلة ما بعد هذه التصريحات أو البيان المقنّع.
ثانياً: أعتقد أن سبباً رئيساً من الحساسية التي يتعامل بها علماء السنة مع علماء الشيعة هو عائد إلى عقيدة التقية التي يؤمن بها هؤلاء العلماء من الشيعة ويولونها أولوية كبيرة في تعاملهم مع خصومهم في الرأي لاسيما مع أهل السنة، وقد كان جديراً ألا تخلو تلك التصريحات من الحديث عن الخطاب الداخلي للشيعة، لأنه من المنطقي في ظل ثورة المعلومات الهائلة أن يستمع علماء السنة إلى الخطاب الذي يتوجه به هؤلاء العلماء للأتباع من الشيعة لا إلى الخطاب الموجه إلى أهل السنة على نحو دبلوماسي كما حصل، والواقع أن الخطاب الأول ليس مشجعاً على الاطمئنان إلى دقة الخطاب الثاني.
ثالثاً: أن الجميع يدرك أن المنظومة العلمية الشيعية تغاير نظيرتها السنية، حيث لا يتوافر أهل السنة على "مرجعيات" بالمعنى الشيعي لها، أو ينطلقون من آراء "حوزات" علمية ـ أيضاً بالمعنى الشيعي للمصطلح ـ وعليه، فنجد غضاضة في تقبل هذه الآراء ممن هم ليسوا قمة الهرم الشيعي العلمي، بمعنى أن هذه الشخصيات صاحبة التصريحات لم تضم أياً من "آيات الله العظمى" المعروفين، فيما لم تبد الحاجة ملحة إلى استحضار الحالة السعودية الشيعية للتعبير عن الموقف الشيعي الديني الرسمي "العالمي"، لأن هذا الأمر يخالف المهنية العلمية التي سأضرب لها مثلاً في النقطة التالية، وأنا هنا أسأل هل أعتبر هذا الكلام الصادر عن هؤلاء العلماء ناسخاً لما قاله "آية الله العظمى علي الخوميني" في مصنفاته أو غيره من المراجع الشيعية المعروفة سواء من هي حية ترزق أم تلك التي واراها التراب؟ ..في أي خانة يريد هؤلاء العلماء وضع تصريحاتهم: أهي خانة المخالفة لكبار علماء الشيعة الأقدمين والمتأخرين أم في خانة المفسرة لها بشكل يتلاءم والظرف الحالي وفقاً لقاعدة التقية؟ وهل لي أن أسأل عن كون علماء الشيعة المذكورين هم الأكثر قدرة على التعبير عن الموقف الشيعي من مراجع قم والنجف المعتمدين والأكثر حضوراً علمياً وشعبية وتأثيراً؟
رابعاً: حاول هؤلاء العلماء جهدهم إزالة الموروث السلبي عن الشيعة في الثقافة السنية، وطرحوا آراءً تبدو تقدمية، لكن بعض ما يثير الحفيظة قد تسرب من عباراتها لا أدري أعن قصد أم عن سهو، فقد قال الشيخ عادل أبو خمسين: "فيما يتعلق بتحريف القرآن أو النقص والزيادة فيه فهذا غير صحيح، وهو افتراء على الشيعة، فغالبية علمائهم وفي كتبهم يؤكدون دائما على أن القرآن الموجود هو القرآن الصحيح والكامل والمتفق عليه." وحسن أن يوضح الشيخ أبو خمسين ذلك، لأن نص عبارته لا يزيل ما ظنه قد أزيل من اللبس، إذ قد كنا نظن أن مسألة رفض القول بـ"تحريف القرآن" ليست محل خلاف بين العلماء بل ليست محلاً لخلاف بين المسلمين أساساً حتى صعقنا الشيخ بقوله "غالبية علمائهم.."، ليكشف لنا أن من بين علماء الشيعة من يرى خلاف الجمهور منهم وأنها ليست محل إجماع بهذا النص!! وبالتالي فإن ما قيل عن توهمات لدى الطرف السني لها أصل لم تنفه حتى هذه العبارة الدبلوماسية، وعلينا أن نتوقف ومن حقنا كذلك أمام أي دعوة تقريبية حتى نعرف من أولئك الخارجين عن إجماع المسلمين والقائلين بتحريف القرآن الذي بين أيدينا من أقلية علماء الشيعة تلك.
خامساً: التصريحات جميعها هدفت إلى إزالة فكرة يرسمها السنة للشيعة في أذهانهم، وأرادت أن تمحو كل ما علق من المسائل العقدية في أذهان أهل السنة، علمائهم وعوامهم، لكنها وهي تسعى لذلك، داست على عقول أهل السنة ومفكريها بتجهيلهم، إذ كيف يتصور هؤلاء العلماء أن هذا البحر المتلاطم من المثقفين السنة ـ فضلاً عن العلماء ـ قد سقطوا ضحايا "شخص أو شخصين" أو "فرد أو فردين" من الشيعة ليؤسسوا ثقافتهم عن الآخر الشيعي عليه أو عليهما، فمثل هذا الكلام الذي على شاكلة قول الشيخ بوخمسين: "على افتراض انه وجد شخص أو شخصان أو قلة أو أفراد، كانت عندهم هذه الصفة، فنحن نرى في التاريخ الإسلامي أن الصحابة مع بعضهم البعض كانت بينهم خلافات وحروب وكان بينهم أيضا سباب."، وأرى أن العقائد لا ينبغي أن يستتر منها على هذا النحو أو يخجل المرء من طرحها وتبيينها للناس، بدلاً من اختزالها في شخص أو شخصين معزولين يقولون بهذا الرأي أو ذاك، وإلا فما بال الحروب الأهلية الطاحنة في العراق تسيل منها الدماء أنهاراً وكيف يستتر كل "عمر" باسمه حفظاً لحياته إذا كان الأمر لا يعدو شخصاً أو شخصين!! وما بال العلماء كانوا في القديم والحديث يتحدثون عن هذه القضية.
سادساً: وضعتنا التصريحات العلمية الشيعية بين خيارين أحلاهما مر فيما يخص قضية سب الصحابة، إذ دانت تلك التصريحات تكفير من يسب الصحابة من جهة وحاولت التهوين بالمسألة ناظرة لها من "الناحية الأخلاقية" على حد قول الشيخ بوخمسين، الذي يتصور أن الصحابة كانوا يسبون بعضهم بعضاً!!، وبغض النظر عن اقتصار معالجة سب كبار الصحابة كعمر بن الخطاب وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما على الزاوية الأخلاقية دون العقدية، فإن الحديث عن أن القائلين بذلك من الشيعة هم من القلة بحيث يكادوا يكونون "شخصاً أو شخصين أو قلة أو أفراداً" هو إفراط في تجهيل الآخر واستخفاف عقله، وما قد لا يدركه من يهونون من هذه القضية أننا قد نتهاون في حقوق أنفسنا حينما ينهال علينا البعض بسبابه رداً على مقالة لا تعجبه أو ما نحو ذلك لاعتبار أن هذه المسألة تعالج "من ناحية أخلاقية" لكننا لا نتفهم أن تتضمن الكثير من تلك الرسائل التي تصلنا متضمنة سباباً لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن هذه مسألة لدينا جوهرية لأن من لا يعتز بأصوله ولا يقدر جدوده لا يستحق الاحترام فضلاً عن تحمل وزر كبيرة.
سابعاً: استمراراً لمسلسل التجهيل هذا، أيحق أن يروج في هذه التصريحات لمعلومات تعوزها الدقة في أمر له صلة كبيرة بالتركيبة الديموجرافية لبلدان العالم الإسلامي؟ حيث يقول الشيخ حسن النمر في رده: "فنحن إذن أمام قراءة للإسلام في منتهى الإقصائية لمئات الملايين من المسلمين"!! فإذا كانت إيران ذاتها لا يجاوز تعداد الشيعة فيها 50 مليوناً، فكيف انسابت الأرقام فياضة على هذا النحو من فم الشيخ في لحظة سينقدح في ذهن متلقي حديثه أنها لحظة مكاشفة ومصارحة؟
ثامناً: إذا كان مما ينبغي ـ وهو حق ـ ألا تقصى الجماهير كلها دفعة واحدة وتؤخذ بجريرة غيرها أن نضع جميع علماء بلاد الحرمين في بوتقة واحدة تقول وفقاً للشيخ النمر :"بغير ذلك سيظل فكر أوساط واسعة وشرائح كبيرة من المسلين يعشعش فيها (الحقد والكراهية) ضد المسلم قبل الكافر ، لأن علماء بلاد الحرمين الشريفين كابن جبرين ، وهم الذين يفترض بتفسيرهم للإسلام أن يكون (الأفضل والأكثر أصالة!!) من علماء الأزهر والنجف وقم ..."، فعلماء بلاد الحرمين كلهم نسخة واحدة هي الشيخ ابن جبرين الذي سبق أن قال الشيخ النمر قبل سطور عنه :" لذلك فإن (ابن جبرين) شريك بالمعنى العام في الدماء السائلة في جنوب لبنان ، لأنه بفتواه هذه حال بين كثير من المسلمين ، ممن يرون فيها مفتياً ، وبين النصرة لحزب الله (الشيعي) ، بل صارت هذه الفتوى ذريعة لـ(الصهاينة) يرددونها في إعلامهم"، وعليه، فإن الشيخ ابن جبرين شريك في الدماء السائلة، وهو يمثل كذلك كل علماء بلاد الحرمين الذين هم شركاء بالتبعية في هذه الدماء السائلة فأي إقصاء لهؤلاء العلماء وأتباعهم في شتى أنحاء العالم!!
تاسعاً: في مسألة تكفير السنة التي نفاها غير عالم شيعي، حاولوا جميعاً أن يتبرأوا من تلك التهمة، فقال الشيخ حسن النمر :"المراد بـ(النواصب) عند الشيعة ، أعني الفقهاء ، من يتدين لله تعالى ببغض أهل البيت (عليهم السلام) ، وحكمه عند الشيعة الكفر ، بل عند السنة أيضاً باعتبار أن مودة أهل البيت) بندٌ عقدي متفق عليه بنص القرآن الكريم {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى{ . والنصب – بهذا المعنى – لا مصداق له ، لأنه السنة ليس فيه نواصب ، لأنهم مجمعون على وجوب محبة أهل البيت"، وهذا جيد، غير أنه وللأسف لا يفسر تكرار هذه الكلمة على ألسنة علماء الشيعة على نحو مبالغ فيه، فهل يتحدث العلماء عن شيء ليس موجوداً على ظهر الأرض؟! وكيف نضمن نجاتنا من هذا المسمى ما دام عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يسلم من هذه الفرية عند بعض العلماء الشيعة الذين يدعونه دوماً بالناصبي؟!
في الأخير، ربما كان علماء السنة بحاجة لمطالعة هذه التصريحات للإدلاء برأيهم فيها، وربما كان الآخرون مطالبين بلحظة مكاشفة أكثر وضوحاً وصراحة من هذه التصريحات الدبلوماسية، لأننا نريد أن نعالج قضايا لا أن نسترها، فالعقائد لا تستر ولو خالفتنا، وددت أن أكون مخطئاً لأتلقى ما قيل بقبول حسن، وأتجاوز ما قاله مرجعيات الشيعة على مر العصور، وودت لو كانت كل ما قيل في مجال العقائد مجرد أوهام "سنية"، وتكون خلافاتنا محصورة جميعها في الفروع، فلست معنيا ـ كثيراً ـ بأن يسجد هذا على حجر ما لم يرمني به فيشج به رأسي!!
منقوووووول
المصدر/ موقع المسلم
http://www.almoslim.net/figh_wagi/show_news_comment_main.cfm?id=534
أمير سعيد
23/7/1427
حين تسمع كلاماً ترغب في أن تسمعه، فإنك تحمل نفسك على تصديقه، وتحاول أن تجافي أي انطباع مسبق يخالفه أو موقف سابق يعارضه، ومن ذا الذي لا يود أن يسمع حديثاً عن الوحدة الإسلامية في خضم لحظة تتداعى فيها الأمم إلى قصعتنا، وأنى لنا التناوش والعدو على الثغور بل في قلب الأمة يحكم قبضته على مسجدنا الثالث ؟!
من العسير أن تلقي بجزء كبير من ثقافتك عن الآخر بعد قراءة بيان واحد أو مقالة منمقة ، إلا أن استغشاء الثياب - رجاء ألا يصغي المرء إلى خصمه - هو أيضا دليل عجز منطقي منه عن محاججته، كحال قوم نوح معه : "وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً".
ومبادرة الآخر بطرح وجهة نظره محمودة إذا ما تحلت بالمصداقية والصراحة والوضوح، ومتى فارقت ذلك كانت مذمومة، وصارت محاولة عبثية للولوج من باب العاطفة إلى تكوين التصورات المغلوطة .
ولكم تود أن تكون مخطئا كي تمضي بطريق المودة ووحدة الصف، غير أن غلبة الحق تمسك بحجزك عن الاسترسال في القراءة العاطفية لما يطرح بين يديك ..!
بالأمس، نشر موقع العربية.نت تصريحات لعلماء شيعة أربعة منهم سعوديون وخامسهم لبناني، وهم عادل بوخمسين وحسن النمر وجعفر النمر وحسن الصفار, والمفكر اللبناني هاني فحص، تحدثوا من خلالها عن نقاط محددة، هي من أبرز ما يدور فيه الجدل العقدي بين السنة والشيعة، لاسيما والحرب اللبنانية كانت على وشك أن تضع أوزارها، وكانت سجالات دينية قد اشتعلت حول مساندة "حزب الله" الشيعي في تلك الحرب، وانقسم فيها علماء السنة ما بين مؤيد ومعارض.
وإذا كان علماء الشيعة قد تحدثوا حول هذه القضايا وأدلوا فيها برأيهم، فلن أغتصب حقاً لعلماء السنة أن يقولوا أيضاً رأيهم حولها، ولكنني فقط سألحظ في قراءتها عدة أمور ربما تكون شكلية أكثر منها جوهرية بانتظار أن يقول العلماء قولتهم:
أولاً: خرجت هذه التصريحات على نحو غامض تعذر معه توصيفها من الناحية الصحفية، إذ يصعب اعتبارها حواراً لأن الموقع أكد أنه قد تلقى ردوداً فقال: " تلقت (العربية.نت) ردودا من بعض علماء الشيعة على التقرير الذي نشرته الثلاثاء 8/8/2006(...) وننشر تلك الردود كما هي دون تدخل منّا إيمانا بحرية الرأي وحق كل طرف في ابداء وجهة نظره التي تعبر عنه. " ولكن في المقابل يستحيل تجاهل أسلوبها وعدم تسميتها حواراً أو تحقيقاً في ذات الوقت لأن الموقع قد قال:" وردا على سؤال حول مأخذ بعض علماء السنة بأن بعض الفرق الشيعية.." وقال "وسألته هل يوجد في الشيعة تكفير لأهل السنة فأجاب.."، وعليه فلا يمكننا تأكيد تعمد الظهور الجماعي لهؤلاء العلماء الشيعة وتحدثهم كفريق واحد، ومن ثم البحث في احتمالية أن يكون إرسالهم تلك الردود إرهاصاً ببلورة موقف علمي شيعي موحد في السعودية، وإن كنا نستشرف مرحلة ما بعد هذه التصريحات أو البيان المقنّع.
ثانياً: أعتقد أن سبباً رئيساً من الحساسية التي يتعامل بها علماء السنة مع علماء الشيعة هو عائد إلى عقيدة التقية التي يؤمن بها هؤلاء العلماء من الشيعة ويولونها أولوية كبيرة في تعاملهم مع خصومهم في الرأي لاسيما مع أهل السنة، وقد كان جديراً ألا تخلو تلك التصريحات من الحديث عن الخطاب الداخلي للشيعة، لأنه من المنطقي في ظل ثورة المعلومات الهائلة أن يستمع علماء السنة إلى الخطاب الذي يتوجه به هؤلاء العلماء للأتباع من الشيعة لا إلى الخطاب الموجه إلى أهل السنة على نحو دبلوماسي كما حصل، والواقع أن الخطاب الأول ليس مشجعاً على الاطمئنان إلى دقة الخطاب الثاني.
ثالثاً: أن الجميع يدرك أن المنظومة العلمية الشيعية تغاير نظيرتها السنية، حيث لا يتوافر أهل السنة على "مرجعيات" بالمعنى الشيعي لها، أو ينطلقون من آراء "حوزات" علمية ـ أيضاً بالمعنى الشيعي للمصطلح ـ وعليه، فنجد غضاضة في تقبل هذه الآراء ممن هم ليسوا قمة الهرم الشيعي العلمي، بمعنى أن هذه الشخصيات صاحبة التصريحات لم تضم أياً من "آيات الله العظمى" المعروفين، فيما لم تبد الحاجة ملحة إلى استحضار الحالة السعودية الشيعية للتعبير عن الموقف الشيعي الديني الرسمي "العالمي"، لأن هذا الأمر يخالف المهنية العلمية التي سأضرب لها مثلاً في النقطة التالية، وأنا هنا أسأل هل أعتبر هذا الكلام الصادر عن هؤلاء العلماء ناسخاً لما قاله "آية الله العظمى علي الخوميني" في مصنفاته أو غيره من المراجع الشيعية المعروفة سواء من هي حية ترزق أم تلك التي واراها التراب؟ ..في أي خانة يريد هؤلاء العلماء وضع تصريحاتهم: أهي خانة المخالفة لكبار علماء الشيعة الأقدمين والمتأخرين أم في خانة المفسرة لها بشكل يتلاءم والظرف الحالي وفقاً لقاعدة التقية؟ وهل لي أن أسأل عن كون علماء الشيعة المذكورين هم الأكثر قدرة على التعبير عن الموقف الشيعي من مراجع قم والنجف المعتمدين والأكثر حضوراً علمياً وشعبية وتأثيراً؟
رابعاً: حاول هؤلاء العلماء جهدهم إزالة الموروث السلبي عن الشيعة في الثقافة السنية، وطرحوا آراءً تبدو تقدمية، لكن بعض ما يثير الحفيظة قد تسرب من عباراتها لا أدري أعن قصد أم عن سهو، فقد قال الشيخ عادل أبو خمسين: "فيما يتعلق بتحريف القرآن أو النقص والزيادة فيه فهذا غير صحيح، وهو افتراء على الشيعة، فغالبية علمائهم وفي كتبهم يؤكدون دائما على أن القرآن الموجود هو القرآن الصحيح والكامل والمتفق عليه." وحسن أن يوضح الشيخ أبو خمسين ذلك، لأن نص عبارته لا يزيل ما ظنه قد أزيل من اللبس، إذ قد كنا نظن أن مسألة رفض القول بـ"تحريف القرآن" ليست محل خلاف بين العلماء بل ليست محلاً لخلاف بين المسلمين أساساً حتى صعقنا الشيخ بقوله "غالبية علمائهم.."، ليكشف لنا أن من بين علماء الشيعة من يرى خلاف الجمهور منهم وأنها ليست محل إجماع بهذا النص!! وبالتالي فإن ما قيل عن توهمات لدى الطرف السني لها أصل لم تنفه حتى هذه العبارة الدبلوماسية، وعلينا أن نتوقف ومن حقنا كذلك أمام أي دعوة تقريبية حتى نعرف من أولئك الخارجين عن إجماع المسلمين والقائلين بتحريف القرآن الذي بين أيدينا من أقلية علماء الشيعة تلك.
خامساً: التصريحات جميعها هدفت إلى إزالة فكرة يرسمها السنة للشيعة في أذهانهم، وأرادت أن تمحو كل ما علق من المسائل العقدية في أذهان أهل السنة، علمائهم وعوامهم، لكنها وهي تسعى لذلك، داست على عقول أهل السنة ومفكريها بتجهيلهم، إذ كيف يتصور هؤلاء العلماء أن هذا البحر المتلاطم من المثقفين السنة ـ فضلاً عن العلماء ـ قد سقطوا ضحايا "شخص أو شخصين" أو "فرد أو فردين" من الشيعة ليؤسسوا ثقافتهم عن الآخر الشيعي عليه أو عليهما، فمثل هذا الكلام الذي على شاكلة قول الشيخ بوخمسين: "على افتراض انه وجد شخص أو شخصان أو قلة أو أفراد، كانت عندهم هذه الصفة، فنحن نرى في التاريخ الإسلامي أن الصحابة مع بعضهم البعض كانت بينهم خلافات وحروب وكان بينهم أيضا سباب."، وأرى أن العقائد لا ينبغي أن يستتر منها على هذا النحو أو يخجل المرء من طرحها وتبيينها للناس، بدلاً من اختزالها في شخص أو شخصين معزولين يقولون بهذا الرأي أو ذاك، وإلا فما بال الحروب الأهلية الطاحنة في العراق تسيل منها الدماء أنهاراً وكيف يستتر كل "عمر" باسمه حفظاً لحياته إذا كان الأمر لا يعدو شخصاً أو شخصين!! وما بال العلماء كانوا في القديم والحديث يتحدثون عن هذه القضية.
سادساً: وضعتنا التصريحات العلمية الشيعية بين خيارين أحلاهما مر فيما يخص قضية سب الصحابة، إذ دانت تلك التصريحات تكفير من يسب الصحابة من جهة وحاولت التهوين بالمسألة ناظرة لها من "الناحية الأخلاقية" على حد قول الشيخ بوخمسين، الذي يتصور أن الصحابة كانوا يسبون بعضهم بعضاً!!، وبغض النظر عن اقتصار معالجة سب كبار الصحابة كعمر بن الخطاب وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما على الزاوية الأخلاقية دون العقدية، فإن الحديث عن أن القائلين بذلك من الشيعة هم من القلة بحيث يكادوا يكونون "شخصاً أو شخصين أو قلة أو أفراداً" هو إفراط في تجهيل الآخر واستخفاف عقله، وما قد لا يدركه من يهونون من هذه القضية أننا قد نتهاون في حقوق أنفسنا حينما ينهال علينا البعض بسبابه رداً على مقالة لا تعجبه أو ما نحو ذلك لاعتبار أن هذه المسألة تعالج "من ناحية أخلاقية" لكننا لا نتفهم أن تتضمن الكثير من تلك الرسائل التي تصلنا متضمنة سباباً لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن هذه مسألة لدينا جوهرية لأن من لا يعتز بأصوله ولا يقدر جدوده لا يستحق الاحترام فضلاً عن تحمل وزر كبيرة.
سابعاً: استمراراً لمسلسل التجهيل هذا، أيحق أن يروج في هذه التصريحات لمعلومات تعوزها الدقة في أمر له صلة كبيرة بالتركيبة الديموجرافية لبلدان العالم الإسلامي؟ حيث يقول الشيخ حسن النمر في رده: "فنحن إذن أمام قراءة للإسلام في منتهى الإقصائية لمئات الملايين من المسلمين"!! فإذا كانت إيران ذاتها لا يجاوز تعداد الشيعة فيها 50 مليوناً، فكيف انسابت الأرقام فياضة على هذا النحو من فم الشيخ في لحظة سينقدح في ذهن متلقي حديثه أنها لحظة مكاشفة ومصارحة؟
ثامناً: إذا كان مما ينبغي ـ وهو حق ـ ألا تقصى الجماهير كلها دفعة واحدة وتؤخذ بجريرة غيرها أن نضع جميع علماء بلاد الحرمين في بوتقة واحدة تقول وفقاً للشيخ النمر :"بغير ذلك سيظل فكر أوساط واسعة وشرائح كبيرة من المسلين يعشعش فيها (الحقد والكراهية) ضد المسلم قبل الكافر ، لأن علماء بلاد الحرمين الشريفين كابن جبرين ، وهم الذين يفترض بتفسيرهم للإسلام أن يكون (الأفضل والأكثر أصالة!!) من علماء الأزهر والنجف وقم ..."، فعلماء بلاد الحرمين كلهم نسخة واحدة هي الشيخ ابن جبرين الذي سبق أن قال الشيخ النمر قبل سطور عنه :" لذلك فإن (ابن جبرين) شريك بالمعنى العام في الدماء السائلة في جنوب لبنان ، لأنه بفتواه هذه حال بين كثير من المسلمين ، ممن يرون فيها مفتياً ، وبين النصرة لحزب الله (الشيعي) ، بل صارت هذه الفتوى ذريعة لـ(الصهاينة) يرددونها في إعلامهم"، وعليه، فإن الشيخ ابن جبرين شريك في الدماء السائلة، وهو يمثل كذلك كل علماء بلاد الحرمين الذين هم شركاء بالتبعية في هذه الدماء السائلة فأي إقصاء لهؤلاء العلماء وأتباعهم في شتى أنحاء العالم!!
تاسعاً: في مسألة تكفير السنة التي نفاها غير عالم شيعي، حاولوا جميعاً أن يتبرأوا من تلك التهمة، فقال الشيخ حسن النمر :"المراد بـ(النواصب) عند الشيعة ، أعني الفقهاء ، من يتدين لله تعالى ببغض أهل البيت (عليهم السلام) ، وحكمه عند الشيعة الكفر ، بل عند السنة أيضاً باعتبار أن مودة أهل البيت) بندٌ عقدي متفق عليه بنص القرآن الكريم {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى{ . والنصب – بهذا المعنى – لا مصداق له ، لأنه السنة ليس فيه نواصب ، لأنهم مجمعون على وجوب محبة أهل البيت"، وهذا جيد، غير أنه وللأسف لا يفسر تكرار هذه الكلمة على ألسنة علماء الشيعة على نحو مبالغ فيه، فهل يتحدث العلماء عن شيء ليس موجوداً على ظهر الأرض؟! وكيف نضمن نجاتنا من هذا المسمى ما دام عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يسلم من هذه الفرية عند بعض العلماء الشيعة الذين يدعونه دوماً بالناصبي؟!
في الأخير، ربما كان علماء السنة بحاجة لمطالعة هذه التصريحات للإدلاء برأيهم فيها، وربما كان الآخرون مطالبين بلحظة مكاشفة أكثر وضوحاً وصراحة من هذه التصريحات الدبلوماسية، لأننا نريد أن نعالج قضايا لا أن نسترها، فالعقائد لا تستر ولو خالفتنا، وددت أن أكون مخطئاً لأتلقى ما قيل بقبول حسن، وأتجاوز ما قاله مرجعيات الشيعة على مر العصور، وودت لو كانت كل ما قيل في مجال العقائد مجرد أوهام "سنية"، وتكون خلافاتنا محصورة جميعها في الفروع، فلست معنيا ـ كثيراً ـ بأن يسجد هذا على حجر ما لم يرمني به فيشج به رأسي!!
منقوووووول
المصدر/ موقع المسلم
http://www.almoslim.net/figh_wagi/show_news_comment_main.cfm?id=534