المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حلم عملة ورقية.. قصة



أم عمر
04 Feb 2006, 08:08 AM
حلم عملة ورقية
هناك.. في احد مصارف المدينة.. جلس الرجلان يأكلان بعض رقاقات البطاطا مع المشروب الغازي المفضل.. كان الصمت يسود في المصرف في تلك الليلة بعد أن ذهب جميع الموظفين إلى منازلهم وغطت المدينة في سباتها وخلى المصرف إلا من رجال الأمن هنا وهناك.. أما هنا في قسم الخزائن ساد الصمت إلا من أصوات خشخشة (الشيبس) وبعض الكلمات يلقيها احد الرجلين بين الحين والآخر.. خلفهما استقر باب حديدي متين جدا مؤمن ضد الرصاص وضد السرقة يصل سمكه عرض الرجلين معا.. باب مغلق لا يفتحه إلا المصرح لهم وخصص له هذين الرجلين لحراسته.. خلف هذا الباب اصطفت عملات ورقية ومعدنية حديثتا الولادة.. اقصد السك.. رتبت معا حسب الفئة هنا الكبيرة وهناك الصغيرة وهناك المعدنية.. بطلتنا الصغيرة من فئة الخمس ريالات اصطفت مع أخواتها في انتظار الخروج ورؤية العالم الخارجي .. كان هذا أقصى أحلام الجميع إلا هي فكان حلمها اكبر من ذلك.. انتظرت طويلا للخروج من تلك الخزينة المظلمة حتى جاء يومها.. في هذا ليوم من كل عام تخرج الفئات الصغيرة للدنيا حين يأتي الآباء والأمهات لصرف الفئات الكبيرة لفئات صغيرة يوزعونها على أبنائهم عيدية .. خرجت ومعها حلمها الكبير أخذها رجل مسن أراد إسعاد أحفاده في العيد.. امسكها بيدين مجعدتين باردتين ووضعها مع أخواتها في جيبه .. شعرت بأن حلمها سيتحقق سريعاً فالمسنين يحبون الخير.. لكنه مر أولا على صيدلية ليأخذ دواء مسكنا فأخرجها من جيبه وأعطاها للصيدلي الذي امسكها بيديه المعقمتين المغطاتين بقفاز من المطاط.. أخذها ووضعها في درج مخصص للنقود..سرعان ما تحطمت أحلامها لكنها عادت واستعادت الأمل من جديد فهي لم يمض على خروجها سوى دقائق.. نظرت حولها فإذا بها بين عملات كثيرة قديمة وبعضها قديمة جدا ملفوفة بلاصق.. شعرت بالخوف والارتباك حيث لم تلتق قبلا بعملات قديمة.. اقتربت منها مائة ريال وسألتها من أين جئت؟ أظنك جئت من المصرف مباشرة فرائحتك طيبة لم تلوثك أيدي الناس.. أشارت بالإيماء دون أن تفتح فمها بكلمة.. قالت: لا تخافي عزيزتي مررنا جميعا بهذا الموقف لكن سرعان ما تعتادين الوضع.. اطمأنت الصغيرة وقالت: هل تمضون وقتا طويلا هنا؟ فأجابتها أخرى من فئة العشرة: هي تبقى أما نحن فنغادر سريعا هههههههههههههه. سألت باستغراب ولماذا؟ قالت لها المائة مبتسمة بحسرة: نحن الفئات الكبيرة نبقى لان لا احد يحتاجنا نبقى حتى يأتي صاحبنا ويأخذنا معه إلى المنزل أو المصرف أما انتم الصغار فيستخدمونكم لصرف الفئات الأكبر قد يحالفك الحظ وتخرجين بعد قليل.
بالفعل تحقق ما توقعت المائة وجاءت سيدة تشتري دواء أعطت الصيدلي خمسون فأعاد لها خمس وعشرون من بينها صغيرتنا..أخذت إلى داخل حقيبة السيدة التي سارت بخفة وهدوء على الرصيف المزدحم في طريقها إلى المنزل عندما فاجأها صبي يسير بسرعة على زلاجتين فيخطف من يدها حقيبتها ويولي هاربا وسط صرخات السيدة للناس بإيقاف اللص.. لكنه كان الأسرع حيث وصل إلى بر الأمان.. منزله الشعبي في أحقر شوارع البلدة.. ناول الحقيبة لوالده الذي قام بقلبها وتفتيش محتوياتها التي لم يصل ثمن ما فيها عن السبعين ريالا وضعها كلها في صندوق خشبي مغلق بإحكام ونهر ولده الذي انزعج كثيرا من والده الذي لم يعطه ريالا واحدا جزاءً لمجهوده.. وضع الرجل مفتاحا صغيرا أغلق به قفل ذلك الصندوق في جيب ثوب قديم داخل دولابه.. في حين كان الولد يراقب من فتحة الباب وانتظر خروج والده.. في تلك الأثناء, وجدت الصغيرة نفسها داخل صندوق قديم مع عملات كثيرة قديمة وجديدة حالتهم لا تسر.. قالت خمسون ريالا كانت بجوارها: يا لسوء حظك يا صغيرتي.. ما الذي جاء بك إلى هنا؟ حكت لها الصغيرة قصتها منذ خرجت من المصرف حتى وصلت إلى هنا وأخبرتها عن حلمها الكبير.. أطلقت الخمسون ضحكة مجلجلة اهتزت لها أرجاء الصندوق.. نظرت الخمسة باستغراب وسألت لم تضحكين هكذا؟ قالت وقعت بين يدي لص بخيل بغيض إني ارثي لحالك.. قالت: وهل هذا سيء لهذه الدرجة؟ أجابت: بل أسوأ يا صغيرة..وهمست لها: انظري هناك إلى يسارك.. نظرت الصغيرة فإذا بعملة مهترئة ممزقة من احد الأركان وتبدو بحالة سيئة جدا.. سألت وما بها؟ قالت: المسكينة قضت هنا ثلاث سنوات دون أن تخرج للنور حتى جنت وأصبحت تحدث نفسها.. كان لها حلم مثلك تماما لكنها الآن لا تحلم إلا بالخروج.. ربما أن كانت تشعر بشيء أصلا.. حزنت الصغيرة كثيرا وأخذت تنظر حولها علها تجد منفذا لها حين التقت عيناها بعملة غريبة.. أشارت برأسها سائلة صديقتها الجديدة.. أجنبية؟ قالت نعم إنها جنيه مصري.. سألت وكيف وصلت إلى هنا؟ قالت: كانت مع صاحبها السيد المصري الذي وصل للتو من بلاده ولم يصرف نقوده للريالات بعد حين ولسوء حظه المسكينة التقى البغيض الذي نصب عليه أخذها مقابل أن يدله على فندق يبيت فيه. مضى لها سنة هنا ولم تخرج حتى الآن ولا حتى لتحويلها إلى ريال.. سالت: وأنت هنا منذ زمن بعيد؟ أجابت لا أنا الأحدث هنا طبعا بعدك.. أنا هنا منذ شهرين فقط لذا فأنا الوحيدة التي لا زالت تحتفظ بسلامة عقلها ههههههههههه. أطرقت الصغيرة رأسها بحزن وهي تفكر في حلمها وما آل إليه مصيرها.. تنهدت بقوة حين وقعت على رأسها عملة معدنية.. اعتذرت الأخيرة وأخذت مكانها في الصندوق همست الخمسون إلى الصغيرة : المسكينة لا تعرف ما ينتظرها.. ذهبت إليها الصغيرة وسألتها: كيف وصلت؟ قالت كنت في الشارع ملقاة على الأرض تدوسني الأقدام وعجلات السيارات حين أنقذني هذا الرجل الطيب.. قالت الصغيرة في نفسها طيب؟؟ انك لا تعرفين شيئا.. سألتها: ولم كنت ملقاة على الأرض؟ أجابت: نحن العملات المعدنية لا احد يهتم بنا سوى لوضعنا في كشك هاتف العملة وحتى هذا لم يعد احد يستخدمه.. لذا تجديننا ملقين في كل مكان أما أنتم فيحترمونكم ويحبونكم وإذا تمزقتم ألصقوكم.. قالت ساخرة: لكنكم لا تتمزقون أصلا.. أجابت العملة: ليتنا نتمزق على أن نقع على الأرض نداس بكل شيء يمر علينا دون أن ينتبه لنا احد.. من حسن حظي أن هذا الرجل رآني وحملني ونظفني من التراب والأقذار.. اعذريني فانا متعبة كثيرا وأريد أن ارتاح قليلا فقد تعبت من حرارة الشمس ودهس الأقدام.. نظرت الصغيرة إليها بحزن وقالت سترتاحين أكثر من اللازم وسأنسى حلمي الكبير.. ذرفت دمعة حزينة حين فتح الصندوق فجأة ودخل النور إليه واطل وجه الولد وهو ينظر إلى النقود تارة والى الباب تارة خشية من عودة والده فجأة.. كل واحدة من العملات تدعو أن يأخذها الولد ويخرجها حين مد يده وتناول الخمسة التي أمسكت بالخمسين لتأخذها معها.. نظر الولد إلى ما سحبت يداه وكأنه متردد اخذ الخمسة وفكر في إعادة الخمسين التي صرخت لصديقتها ستخرجين يا صغيرة وسأخرج يوما لا تنسيني صرخت الخمسة لها الوداع يا صديقتي.. عندها غير الولد رأيه واخذ الخمسين ووضعها في جيبه مع الخمسة التي هتفت بسعادة سنخرج معا سأحقق حلمي.. أغلق الولد الصندوق وأعاد المفتاح وقال بخبث سآخذ كل يوم ما يحرمني والدي منه دون أن ينتبه لذلك... شق طرقه للخارج وقصد البقالة واشترى حلوى وعصير وبسكويت وأعطى البائع الخمسة التي ودعت صديقتها بحرارة متمنية اللقاء مجددا في ظروف أحسن.. تناولها البائع ووضعها في درج حديدي نظيف ومنظم.. وجدت هناك إحدى أخواتها فرحتا وتعانقتا وسألت كل منهما الأخرى بما جرى معها.. قالت الأخت: بعدما خرجت من المصرف أخذني رجل إلى منزله وهناك اجتمعت العائلة محتفلة بالعيد وناولني إلى احد أبنائه الذي امسك بس بسعادة بالغة ووضعني في محفظته الصغيرة ثم جاء إلى هنا واشترى بي بعض الحلوى.. قصت لها الصغيرة معاناتها وما لاقته في رحلتها حتى وصلت إلى هنا.. كان المكان هنا أفضل من أي مكان ذهبت إليه قبلا فعلى الأقل تجلس هنا مع أختها لكن فرحتها لم تتم حيث بعد أيام قلائل تناولها البائع وأعطاها لرجل آخر وضعها في جيبه الخلفي.. كانت هناك وحدها والمكان ضيق جدا وحين جلس الرجل في مقعد سيارته اختنقت وحاولت الخروج لكنها لم تستطع فوزن الرجل يفوق وزنها بملايين المرات.. وأخيرا وصل إلى منزله وخلع ملابسه وجلس مع أسرته حين جاء إليه ابنه الأصغر وطلب منه نقودا ليشتري اللعبة الجديدة التي رآها في إعلان على قناة الرسوم المتحركة لكن الوالد رفض وقال له.. لو حافظت على صلاتك في المسجد طوال هذا الأسبوع, سأعطيك ما تريد كمكافأة لك على عملك الطيب.. فرح الولد بهذا الخبر وانتظر آخر الأسبوع بشوق أما الخمسة فلاقت مصيرا مختلفا حين أخذت الأم ملابس زوجها ووضعتها في الغسالة بعد أن فتشت جميع الجيوب وأخرجت ما بها إلا الجيب الخلفي فوضعت المسكينة في غسالة الملابس التي أخذت تمتلئ بالماء والصابون ثم بدأت تدور وتدور والصغيرة خرجت من الجيب وبدأت تتصارع مع ذلك الجهاز المرعب حتى توقف فتنفست الصعداء لكنها كانت منهكة تماما ومبللة جدا فتحت إلام باب الغسالة ورأت الخمسة فحملتها بيدها الناعمة وفردتها وقالت ضاحكة : يا مسكينة أخذت جولة صغيرة في الملاهي.. خير النظافة من الإيمان ستشعرين بانتعاش.. سأضعك هنا حتى تجفين.. كانت المرأة تتكلم معها وكأنها تشعر بها أما الصغيرة فكانت تحس بحنان لم تشعر به قبلا وحمدت الله أنها وصلت إلى أيدي خيرة..فردتها الأم على طاولة الطعام وذهبت.. أخذت الخمسة قسطا من الراحة بعد جولة الغسالة تلك وقد غمرتها السعادة لوجودها في منزل طيب.. بعد دقائق جاءت طفلة صغيرة ذات عامين تحمل بيدها قلما وورقة تخربش عليها بيديها الصغيرتين وصعدت الكرسي بصعوبة.. وضعت الورقة على الطاولة كما طلبت منها والدتها حين وقع نظرها على الخمسة الندية فأخذتها وراحت تلعب بها وتكتب عليها بقلمها والخمسة تصرخ من الألم..ثم جاءت المصيبة الكبرى لأي عملة ورقية.. مزقتها إلى نصفين.. جاءت الأم ورأت ما فعلته صغيرتها فسحبت الخمسة من يدها وضربتها ضربة صغيرة على يديها وقالت لها: أهذا ما تفعله البنت الطيبة؟؟ هذه نعمة من الله وعلينا المحافظة عليها.. والفتاة تبكي دون أن تفهم شيئا أما الخمسة فشعرت برد لاعتبارها وهنا جاء الأب على صوت ابنته الحبيبة وروت له الزوجة ما فعلته الطفلة لتستحق العقاب.. قال لها: يا زوجتي الغالية الخطأ خطأك فكيف تتركين نقودا أمامها ثم تعاقبينها على تمزيقها؟ قالت له الزوجة بصوت خافت: أريدها أن تتعلم ألا تعبث بأي شيء تجده أمامها.. عليها أن تشعر بالمسؤولية.. ضحك الرجل وقال هات النقود سألصقها.. أين اللاصق؟؟ أخذت الخمس إلى غرفة العمليات.. اقصد على الطاولة وقام الرجل بوضع اللاصق عليها وأصلح ما أفسدته ابنته.. وضع النقود في محفظته بعد أن جفت وذهب إلى المسجد مع ابنه لأداء الصلاة.. وبعد أن خرج من المسجد وكان الصبي قد أتم أسبوعه محافظا على جميع الفروض في المسجد وهنا جاء دور المكافأة اخرج الوالد من جيبه خمسة عشر ريالا ملفوفة بلاصق وأعطاها لابنه وأخذه إلى محل الألعاب ليشتري بها لعبة أحلامه.. احتفظ بنقوده بين بيديه الصغيرتين الدافئتين حيث سألت الخمس رفيقتها العشرة عن قصتها.. قالت: كنت عند رجل طيب كهذا الرجل عندما رأى سيدة فقيرة مع طفلها الرضيع تجلس أمام المسجد فتناولني وأعطاني لها صدقة.. أخذتني السيدة فرحة وذهبت بي إلى مطعم واشترت طعاما يسد جوعها وأبنائها.. بقيت في المطعم حتى أخذني شاب واشترى بي منكرا.. شريط غنائي ثم ذهبت إلى شاب آخر وخفت أن يشترى بي منكرا لكنه أعطاني لصديق له أخذني إلى شقيقه الأصغر الذي اشترى بي أدوات مدرسية من المكتبة وهناك أخذني هذا الرجل الطيب والآن سأذهب إلى محل الألعاب.. لا أدري من سيأخذني بعد.. مساكين نحن النقود نتنقل كثيرا من يد طيبة إلى أخرى شريرة ومن يد دافئة إلى الباردة وغيرها الناعمة وتلك الخشنة ومن يد صغيرة إلى يد كبيرة ومن سيدة لرجل ومن بخيل لكريم ومن مقتر لمسرف لو يشعر بنا الإنسان لما فعل بنا هذا.. لكن هذا ما وجدنا لأجله.. لأجل الإنفاق.. هل تعرفين أيتها الصغيرة أي شيء أحبه أكثر؟؟ أحب إن أعطى لطفل فأرى السعادة في عينيه أو فقير يشتري بي ما يشبع جوعه أو يستر به جسده.. أو لمريض يشتري بي دواء يخفف ألمه وأكثر ما اكرهه إن أقع بين يدي مستهتر يشتري بي منكرا أو مسرف ينفقني فيما لا يحتاج أو بخيل يضن بي على من يحتاجني.. أعجبت الصغيرة بحكمة العشرة التي خبرت أنواعا كثيرة من البشر وأخبرتها بحلمها الكبير.. وصل الوالد وولده إلى المحل ونزلا من السيارة وهما بالدخول حين لمح الصغير صندوقا خارج المحل يقف عنده رجل خير.. تردد في الدخول فسأله والده ألن تدخل وتشتري اللعبة؟ حينها اتخذ الولد قراره واتجه نحو الصندوق الكبير والحلم الكبير لتلك الخمسة.. نظرت أمامها والفرحة لا تسعها وقد فصلت بينها وبين تحقيق حلمها الكبير بضع خطوات فقط وصل الولد ونظر لوالده وقال: تمنيت شراء اللعبة وبذلت جهدي لأحصل على النقود لشرائها لكني أظن إن هناك من هو أولى مني بها ناس لا يجدون ما يأكلون ويشربون ويلبسون.. لن أموت بدون اللعبة لكنهم قد يموتون من الجوع والعطش والبرد لذا سأنقذهم من الموت وهذا أجمل من ألف لعبة.. ابتسم الوالد وقبل رأس ابنه وقال: بوركت يا ولدي.. بوركت. وضعت الخمس عشرة ريالا في صندوق هيئة الإغاثة...
وتحقق حلم الصغيرة.

aldunya
04 Feb 2006, 12:29 PM
السلام عليكم
الله الله عليك يا أختي أم عمر على هذه القصة الرائعة والمفيدة التي أستمتعت بها كثيراً :rose:
بارك الله فيك وجعلها في ميزان حسناتك

أم عمر
05 Feb 2006, 05:35 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا اختي الحبيبة على قراءتك للقصة ويشرفني استمتاعك بها
اشكرك على كلامك الطيب ولاحرمك ربي الاجر