أبو عبدالرحمن
05 Oct 2005, 02:14 PM
أيها الأئمة احذروا الاعتداء في الدعاء
إن مما لا شك فيه أن (الدعاء هو العبادة) كما صح بذلك الخبر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه (صحيح الجامع3407). ومادام ان الدعاء عبادة فإنه يشترط لقبوله شرطان ، الأول : الاخلاص ، فلا يدعو العبد إلا وهو يبتغي وجه الله لا رياءً ولا سمعةً ، والثاني : المتابعة : أي يقتفي فيه طريقة وهدي محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا اختل واحد من هذين الشرطين فإن العمل يكون باطلا مردوداً على صاحبه كائنا من كان ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين قالت : قال عليه الصلاة والسلام : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )ولمسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) ، . وقال شيخ الاسلام في الفتاوى 15/24 :" وقوله تعالى (إنه لا يحب المعتدين) عقيب قوله (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) دليل على أن من لم يدعه تضرعا وخفية فهو من المعتدين الذين لا يحبهم .ا.هـ
ولاشك أنه مما ينبغي للعبد أن يتفطن له هو مايتقرب به الى الله من الطاعات وخاصة الدعاء الذي نحن بصدد الكلام عليه هل وافق فيها مراد الله وتابع فيها رسول الله ؟ فإن كان كذلك فليحمد الله وليسأله المزيد ، وان كان غير ذلك فليتدارك ما بقي من عمره وليصحح ما أفسد من عمله قبل ألا ينفع الندم .
ألا وإن مما ابتليت به الأمة في بعض الأمصار من محدثات في طريقة الدعاء أو في ألفاظ الأدعية حتى رأينا وسمعنا ألوانا منها صعب علينا إحصاؤها فضلا عن إنكارها ، وربما توارثها الناس جيلا بعد جيل الى أن استقر الأمر عند بعضهم أنها من السنة وهي ليست كذلك ، فإذا تُركِت قال : تُركت السنة ، قال ابن مسعود رضي الله عنه " كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ويتخذها الناس سنة فإذا غيرت قالوا : غيرت السنة قيل : متى ذلك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : " إذا كثرت قراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة [ وتفقه لغير الدين ] " . رواه الدرامي ( 1 / 64 ) والحاكم ( 4 / 514 - 515 ) بسند صحيح
فمن تلك الأمور المحدثة :
** أولا : التغني بالدعاء والتطريب والتلحين وهو أمر محدث ويدل لذلك :
1ـ أن الأصل في العبادات المنع والتوقف لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري ، فليس المنع مقتصراً على أصل العبادة فحسب بل حتى في صفتها ووقتها وعددها وزمنها ومكانها وهيئتها ، ولا دليل على صفة التغني بالقنوت فكيف نتعبد الله بما لم يشرع لنا ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه ونقل إلينا .
2ـ إن الأمر بالتغني والترتيل إنما ورد في تلاوة القرآن لما روى البخاري في صحيحة عن أبي هريرة (ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) فلم يقل : تغن بالدعاء ، وإنما بالقرآن ، وقال عليه الصلاة والسلام (زينوا القرآن بأصواتكم ) ولم يقل : زينوا الدعاء ...
3ـ ذكر شيخ الاسلام أن إدخال الألحان في الصلوات هي من طريقة النصارى حيث قال في الفتاوى 28/611 : (وكذلك ادخال الألحان في الصلوات لم يأمر بها المسيح ولا الحواريون )ا.هـ وخير شاهد على هذا في العصر الحاضر ما تبثه بعض القنوات والإذاعات من الأدعية البدعية و الابتهالات الملحنة .
4ـ أنك لو سألت الخطيب على المنبر هل تتغنى بالدعاء ؟ لقال : لا ، ولو سألت المصلي هل يتغنى بالدعاء في سجوده ؟ لقال : لا ، ولو سألت المصلي الذي في المسجد ينتظر الصلاة : هل تتغنى بالدعاء ؟ لقال : لا ، إذاً فما الذي خص دعاء القنوت بهذا التغني والتلحين والترتيل الذي نسمعه اليوم دون بقية الحالات ؟؟ فإن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات ولا تجمع بين المختلفات .(مذكرة التغني بالقنوت /ماهر القحطاني ،بتصرف)
5ـ أن التغني والتطريب بالدعاء من أسباب رده وعدم قبوله لأنه اعتداء في الدعاء ، قال الكمال بن الهمام الحنفي (ومما تعارف عليه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح و الاشتهار لتحريرات النغم إظهار للصناعة النغمية لا إقامة العبودية ؛ فإنه لايقتضي الاجابة بل هو من مقتضيات الرد ... فاستبان أن ذلك من مقتضيات الخيبة والحرمان )فيض القدير للمناوي1/229 .وقال : ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله بعض القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى السؤال والدعاء وما ذاك الا نوع لعبٍ ، فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة أدى سؤاله بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نُسب البتة إلى السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة هو التضرع لا التغني .ا.هـ
ولك أخي الكريم أن تتأمل وأنت تسمع بعضهم وهو يدعو وكأنه يقرأ القرآن بالمدود والقلقلة والإخفاء والإظهار ، حتى إنك ترى بعض المصلين عند سماعه للقنوت لا يفرق بين القرآن وبين الدعاء .
**ثانيا : من المحدثات : رفع الصوت بالدعاء وهو فعل منكر لأمور :
1ـ أن الرسول عليه الصلاة والسلام أنكر على الصحابة عندما رفعوا أصواتهم بالدعاء فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس اِربَعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه معكم إنه سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده . قال الحافظ في الفتح 6 \ 135: قال الطبري : فيه كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر، وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين .ا.هـ.
2ـ قال شيخ الاسلام في الاستقامة 1/322 : إن رفع الأصوات في الذكر المشروع لا يجوز إلا حيث جاءت به السنة كالأذان ، والتلبية ، ونحو ذلك ، فالسنة للذاكرين والداعين ألا يرفعوا أصواتهم رفعا شديدا .... وقد قال تعالى (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين) سورة الأعراف 55 وقال عن زكريا( إذ نادى ربه نداء خفيا) سورة مريم 3 وقال تعالى ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين) سورة الأعراف 205 وفي هذه الآثار عن سلف الأمة وأئمتها ما ليس هذا موضعه كما قال الحسن البصري رفع الصوت بالدعاء بدعة وكذلك نص عليه أحمد ابن حنبل وغيره.ا.هـ.
3ـ وقال الألوسي في روح المعاني ج8/ص139:
وترى كثيرا من أهل زمانك يعتمدون الصراخ في الدعاء خصوصا في الجوامع حتى يعظم اللغط ويشتد ، وتستك المسامع وتستد ، ولا يدرون أنهم جمعوا بين بدعتين : رفع الصوت في الدعاء ، وكون ذلك في المسجد ، وروى ابن جرير عن ابن جريج : أن رفع الصوت بالدعاء من الاعتداء المشار اليه بقوله سبحانه ( إنه لا يحب المعتدين) .ا.هـ.
4ـ أخرج البخاري في صحيحة 5 / 2331: عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) أنها قالت : أنزلت في الدعاء.
**ثالثاً : من ألأمور المحدثة في الدعاء : السجع :
1ـ فقد كرهه السلف ونهوا عنه ، قال ابن عباس رضي الله عنهما لمولاه عكرمة (انظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله وأصحابه لا يفعلون الا ذلك الاجتناب .. ).رواه البخاري.
2ـ وهو أيضا من أسباب عدم الاجابة ؛ ولذلك قال القرطبي 7/226 ( ومنها ان يدعو بما ليس في الكتاب والسنة فيتخير ألفاظاً مفقرة ، وكلماتٍ مسجعة قد وجدها في كراريس لا أصل لها ولا معول عليها فيجعلها شعاره ، ويترك ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكل هذا يمنع استجابة الدعاء )ا.هـ.
**رابعاً : من الأمور المحدثة : الإطالة في الدعاء :
1ـ فقد جاءت السنة في التحذير منه والحث على الاقتصار على الجوامع و الكوامل من الدعاء وترك الأدعية المطولة ، بل فهم السلف الصالح أن التطويل في الدعاء هو نوع من الاعتداء كما جاء في سنن أبي داوود أن سعد بن أبي وقاص سمع ابنا له يدعو ويقول : اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا ، فقال : يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سيكون قوم يعتدون في الدعاء . فإياك أن تكون منهم إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر .صححه الالباني 2/77.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت (كان النبي يستحب الجوامع من الدعاء ويَدَع ما سوى ذلك ) رواه ابو داوود وصححه الالباني 2/77.
وقال عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها (عليك بجمل الدعاء وجوامعه قولي : اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم ، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم ، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل) الحديث ..رواه ابن ماجه والبيهقي وصححه الالباني 4047 .
أفلا نستحب يا أمة محمد ما كان يحبه عليه الصلاة والسلام من الجوامع ؟
أفلا نعمل بوصية رسول الله لعائشةـ وهي أحب النساء إليه ـ بِجُمَلِ الدعاء ؟
وتأمل أيها اللبيب قولها رضي الله عنها وهي تسأل الرسول عليه الصلاة والسلام فتقول : أرأيت ان وافقت ليلة القدر ماذا أقول ؟ قال : قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني . رواه الترمذي : صحيح الجامع4423 .
وإنك لتعجب عندما تسمع بعض الأئمة في قنوتهم وهم يتكلفون الوصف في الدعاء حيث يقول مثلا (اللهم ارحمنا اذا ثقل منا اللسان ، وارتخت منا اليدان ، وبردت منا القدمان ، ودنا منا الأهل والأصحاب ، وشخصت منا الأبصار ، وغسلنا المغسلون ، وكفننا المكفنون ، وصلى علينا المصلون، وحملونا على الأعناق ، وارحمنا اذا وضعونا في القبور ، وأهالوا علينا التراب ، وسمعنا منهم وقع الأقدام ، وصرنا في بطون اللحود ، ومراتع الدود ، وجاءنا الملكان ... الخ ) ويزداد عجبك عندا تسمع بكاء الناس ونشيجهم وهم يؤمنون على هذا الدعاء بل ويتسابقون على التبكير الى هذا المسجد والصلاة خلف هذا الامام ، وقد تسمع من بعض الإئمة وهو يدعو على الأعداء فيقول (اللهم لاتدع لهم طائرة الا أسقطتها ، ولا سفينة الا أغرقتها ، ولا دبابة الا نسفتها ، ولا فرقاطة الا فجرتها ، ولا مدرعة الا دمرتها ، ولا .. ولا.. الخ)وكأنه يُملِي على الله كيف يفعل بالأعداء بينما كان يكفيه ان يقول اللهم عليك بهم او اللهم انتقم منهم ونحو ذلك .
**خامساً: من الاعتداء في الدعاء أيضا تلك الأدعية التي تحوي في ثناياها ألفاظا أو جملاً محذورة أو مُوهِمَة و مخالفة للشرع بل في بعضها ما يقدح في التوحيد ويخدش في الايمان فمن ذلك :
1ـ قول بعضهم ( اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ).ففي هذا الدعاء من المحاذير :
*أنه فيه تزكية للنفس وكأن الداعي معصوم أو أنه لم يقع في شيء من المعاصي والخطأ.
*وفيه أيضا : دعاء على النفس وعلى الناس بالذل فإن الانسان لا يخلو من الوقوع في الخطأ فقد قال عليه الصلاة والسلام (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ).
http://www.sahab.net/sahab/images/bullet2.gif أن المفترض أن يُدعى للناس بالهداية فهم أحوج ما يكون الى ذلك بدل أن يدعى عليهم ، ولا أدري متى سيحصل للأمة عزة وهداية وبعض الأئمة والخطباء ما زالوا يدعون بالذل على من يصلون خلفهم في قنوتهم وخطبهم ؟؟ قال عليه الصلاة والسلام (لا تدعوا على أنفسكم ، ولا على أولادكم ، ولا على أموالكم ، فتوافقوا ساعة فيستجيب الله لكم )رواه مسلم في الصحيح .
2ـ قول بعضهم في الدعاء (في السماء ملكك ، وفي الأرض سلطانك ، وفي البحر عظمتك .. ).
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن هذه العبارة فكان الجواب:
" أما العبارة المذكورة في السؤال فتركها أولى ؛ لأن فيها إيهاماً فقد يظن منها البعض تخصيص الملك بالسماء فقط ، أو السلطان بالأرض فقط ، وهكذا .
وعظمة الله وملكه وسلطانه وقهره عام في جميع خلقه " .ا.هـ 26/369 .
3ـ قول بعضهم (يا من لا تراه العيون ، ولا يصفه الواصفون ...الخ) .
جاءت هذه الرواية عند الطبراني وفيها عنعنة هشيم وهو مدلس ، وشيخ الطبراني يعقوب بن اسحاق ، قال الهيثمي : لم أعرفه . السلسلة الضعيفة 10/128 .
**قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله (14/143)في جوابه عن حكم مثل هذا الدعاء فقال :" هذه أسجاع غير واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما ورد عنه من الأدعية ما هو خير منها من غير تكلف.
والجملة الأولى: (يا من لا تراه العيون) إن أراد في الآخرة أو مطلقاً فخطأ مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح من أن الله تعالى يرى في الآخرة، وإن أراد في الدنيا فإن الله تعالى يُثنى عليه بالصفات الدالة على الكمال والإثبات لا بالصفات السلبية. والتفصيل في الصفات السلبية بغير ما ورد من ديدن أهل التعطيل. فعليك بالوارد، ودع عنك الجمل الشوارد. "ا.هـ.
**وقال العلامة الفوزان عن هذا الدعاء :أما ما ذُكر في السؤال؛ فلم يرد في كلام الله وكلام رسوله فيما أعلم؛ فلا ينبغي الدُّعاء به. وأيضًا في كلمة:( لا يصفه الواصفون)! نظرٌ ظاهرٌ؛ لأن الله سبحانه يوصف بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وربما يكون هذا اللفظ منقولاً عن نفاة الصِّفات. (المنتقى1/49).ا.هـ.
4ـ قول بعضهم (يا من أمره بين الكاف والنون).
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح الأربعين النووية ص76 : وبهذه المناسبة أود أن أنبه على كلمة دارجة عند العوام حيث يقولون (يامن أمره بين الكاف والنون) وهذا غلط عظيم ، والصواب : (يامن أمره بعد الكاف والنون) لأن مابين الكاف والنون ليس أمراً ، فالأمر لا يتم إلا اذا جاءت الكاف والنون ؛ لأن الكاف المضمومة ليست أمراً والنون كذلك ، لكن باجتماعهما تكون أمراً.ا.هـ.
5ـ قول بعضهم (يا فرد يا صمد).
وقد جاء في حديث (( أشهد أنك فرد أحد صمد )) قال عنه البيهقي : اسناد الحديث ليس بالقوي (انظر الأسماء والصفات للبيهقي :116 ، 117).
وقد سئل العلامة الفوزان : هل يوصف الله تعالى بالقِدَم؛ كأن يقول القائل: يا قديم! ارحمني! أو ما أشبه ذلك ؟ وهل الفرد من أسماء الله تعالى ؟ أفتوني مأجورين.
الجواب: ليس من أسماء الله تعالى القديم، وإنما من أسمائه الأول، وكذلك ليس من أسمائه الفرد، وإنما من أسمائه الواحد الأحد؛ فلا يجوز أن يقال: يا قديم! أو: يا فرد! ارحمني! وإنما يقال: يا من هو الأول والآخر والظاهر والباطن! يا واحد أحد فرد صمد! ارحمني واهدني... إلى غير ذلك؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية، لا يجوز لأحد أن يثبت شيئًا منها إلا بدليل. والله أعلم.(المنتقى1/27).
6ـ قول بعضهم (اللهم عليك باليهود ومن هاودهم).
قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط ص420 :
المهاودة : الموادعة والمصالحة والممايلة ، والهوادة :اللين ومايرجى به الصلاح والرخصة .ا,هـ.
قلت : وهذه من عظيم الرزايا أن يدعو بعضهم بمثل هذا الدعاء ولا يعلم معناه لا من جهة اللغة ولا حكمه ومايترتب عليه من جهة الشرع وهذه مصيبة البعض ان يردد أدعية لا يفقه معناها اذ قد يترتب عليها لوازم خطيرة لولا اننا حكمنا بجهله لكان للشرع فيه حكم آخر .
وقد سئل العلامة الفوزان : ما حكم قول بعض خطباء المساجد في نهاية الخطبة: (اللهم عليك باليهود ومن هاودهم). ألا يدخل في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأنه قد هاود اليهود ووادعهم، فهل هذا اعتداء في الدعاء؟
ج: نعم،(هاودهم) هذه الكلمة معناها المصالحة، هاود معناه المصالحة،
واليهود يجوز الصلح معهم، إذا كان فيه مصلحة للمسلمين، يجوز الصلح معهم كما صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وكما صالح قريشاً في الحديبية، الصلح إذا كان من مصلحة المسلمين فإن الكفار يُصالَحون لأجل مصلحة المسلمين، هذا هو الحق، أما كلمة (هادوهم) معناه أن الرسول يدخل في هذا، وسبق أني نبهت واحد على هذه اللفظة، لكنه لم يتجنّبها هداه الله.(شريط (4) وجه (ب) من شرح الحموية 4/11/1424هـ).
قلت : بل ويشمل هذا الدعاء كل حكام المسلمين الذين صالحوا اليهود قديما وحديثا ، فتأمل أيها اللبيب .
7ـ ومن صور الاعتداء في الدعاء (الدعاء على عموم الكفار بالهلاك والاستئصال).
ويدل لهذا :اولا : ان الرسول عليه الصلاة والسلام لم يثبت انه دعا على عموم الكفار وانما دعا على قبائل أو أشخاص بأعيانهم ، بل لما جاءه ملك الجبال وعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال : لا، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً.
بل انه لما دعا على بعضهم بأسمائهم نزل قوله تعالى (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم ) .
وقد روى مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال قيل يا رسول الله ادع على المشركين قال (( إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة)).
ثانياً: أن هذا يخالف مقتضى حكمة الله من بقاء الكفار الى يوم القيامة ، بل ان الساعة لا تقوم الا على شرار الخلق، وأيضا سيترتب على هذا تعيطل باب الولاء والبراء ، وباب الجهاد .
ثالثاً:أنه ليس للمسلم أن يدعو بالإستئصال على من أمره الله بأن يبرهم ويقسط إليهم كما قال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ).
بل كيف يستقيم أن يدعو المسلم على زوجته الكتابية بالهلاك مع أن الله تعالى قد أذن له في نكاحها ، وامتن عليهما بقوله تعالى (وجعل بينكم مودة ورحمة ) ؟ أم كيف يستقيم أن يدعو الولد المسلم على والديه بالهلاك ان كانوا كافرين ، والله جل وعلا يقول عنهما(وصاحبهما في الدنيا معروفاً) .فإن الدعاء على عموم الكفار يشملهما ، فهل هذه هي المصاحبة بالمعروف ؟
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح كتاب التوحيد عند : باب قوله تعالى ( أيشركون مالايخلق شيئا وهم يخلقون ).: أما الدعاء بالهلاك لعموم الكفار، فإنه محل نظر، ولهذا لم يدع النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بالهلاك، بل قال:"اللهم! عليك بهم، اللهم! اجعلها عليهم سنين كسني يوسف"،وهذا دعاء عليهم بالتضييق، والتضييق قد يكون من مصلحة الظالم بحيث يرجع إلى الله عن ظلمه. فالمهم أن الدعاء بالهلاك لجميع الكفار عندي تردد فيه .
وقال ابن تيمية: 8/336 : ودعاء نوح على أهل الأرض بالهلاك كان بعد أن أعلمه الله أنه لايؤمن من قومك إلا من قد آمن .
وقال الشيخ الفوزان : : المشروع في القنوت وغيره الدعاء على المعتدين من الكفار على المسلمين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قنت يدعو على الكفار خص المعتدين منهم ولم يدع على جميعهم فقال: اللهم العن فلاناً وفلاناً والقبيلة الفلانية ولم يعمم الكفار.( مجلة الدعوة العدد1869ـ 16 رمضان.)
وقد أفتت اللجنة الدائمة 24/275 : مانصه :
وقول الكاتب : (اللهم عليك بالكفار والمشركين واليهود ،اللهم لا تبق أحداً منهم في الوجود ، اللهم أفنهم فناءك عادا وثمود ). والدعاء بفناء كل الكفار اعتداء في الدعاء ؛ لأن الله قدر وجودهم وبقاءهم لحكمة ، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .ا.هـ .
وقال معالي الشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الاسلامية :
"هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة في دعائهم على الكفار أن يكون دعاءً خاصاً على المعتدي, على الظالم، على من حارب الإسلام وأهله، كما في دعاء عمر في القنوت: اللهم عليك بكفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن دينك ويقاتلون أولياءك، .(رواه البيهقي في السنن2/210)
أما الدعاء على اليهود والنصارى جميعاً با لاستئصال ، فإنه لا يجوز شرعاً. وهو من الاعتداء في الدعاء ؛ وذلك لأن الله جل وعلا أخبرنا أن اليهود والنصارى سيبقون إلى زمن خروج المسيح الدجال فإذا دعا أحد بأن يستأصلهم الله جل وعلا الآن قبل نزول المسيح الدجال فهو إعتراضٌ على ما أجرى الله حكمته وقدره الكوني ببقائهم إلى آخر الزمان؛ ولهذا لم يؤثر عن أحد من السلف ولا من أئمة الإسلام أنه دعا بهذا الدعاء العام على اليهود والنصارى وإنما يدعو بالدعاء الخاص لمن قاتل، لمن حارب ، لمن آذى المؤمنين ونحو ذلك"ا.هـ
فانظر أيها الأخ الكريم الى أدعية الرسول عليه الصلاة والسلام كيف كانت جامعة لخير الدنيا
والآخرة وانظر قبل ذلك الى أدعية القرآن العظيمة ثم انظر الى ماأحدثه كثير من الأئمة ـ هداهم الله
ـ من الأدعية الطويلة والوقوف الطويل يتغنى بالدعاء ، ويتكلف السجع، ويرفع الصوت ، وقد سئم
الناس طول الانتظار فقد أعياهم التعب وطول القيام حتى إن بعضهم يهِمُّ بالانصراف أكثر من مرة ،
ألا يخشى هؤلاء ان يدخلوا تحت حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (ياأيها الناس ان منكم
منفرين ) متفق عليه .
وانك لتعجب عندما ترى بعد هذا كله التسجيلات الاسلامية والمؤسسات الاعلامية والشركات الانتاجية كيف تتسابق وتتهافت على تسجيل هذه الأدعية وتتفنن في اخراجها لذلك القاريء وتخرجها في اصدارات خاصة (دعاء الختمة لفلان ..أو جزء تبارك و عم مع الدعاء....) وهكذا، فإلى الله المشتكى .
http://www.sahab.net/sahab/images/bullet2.gif محمد بن أحمد الفيفي / الرياض28/8/1426هـ
عضو الدعوة بوزارة الشؤون الاسلامية .
منقول للفائدة
إن مما لا شك فيه أن (الدعاء هو العبادة) كما صح بذلك الخبر عن المصطفى صلى الله عليه وسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه (صحيح الجامع3407). ومادام ان الدعاء عبادة فإنه يشترط لقبوله شرطان ، الأول : الاخلاص ، فلا يدعو العبد إلا وهو يبتغي وجه الله لا رياءً ولا سمعةً ، والثاني : المتابعة : أي يقتفي فيه طريقة وهدي محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا اختل واحد من هذين الشرطين فإن العمل يكون باطلا مردوداً على صاحبه كائنا من كان ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين قالت : قال عليه الصلاة والسلام : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )ولمسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) ، . وقال شيخ الاسلام في الفتاوى 15/24 :" وقوله تعالى (إنه لا يحب المعتدين) عقيب قوله (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) دليل على أن من لم يدعه تضرعا وخفية فهو من المعتدين الذين لا يحبهم .ا.هـ
ولاشك أنه مما ينبغي للعبد أن يتفطن له هو مايتقرب به الى الله من الطاعات وخاصة الدعاء الذي نحن بصدد الكلام عليه هل وافق فيها مراد الله وتابع فيها رسول الله ؟ فإن كان كذلك فليحمد الله وليسأله المزيد ، وان كان غير ذلك فليتدارك ما بقي من عمره وليصحح ما أفسد من عمله قبل ألا ينفع الندم .
ألا وإن مما ابتليت به الأمة في بعض الأمصار من محدثات في طريقة الدعاء أو في ألفاظ الأدعية حتى رأينا وسمعنا ألوانا منها صعب علينا إحصاؤها فضلا عن إنكارها ، وربما توارثها الناس جيلا بعد جيل الى أن استقر الأمر عند بعضهم أنها من السنة وهي ليست كذلك ، فإذا تُركِت قال : تُركت السنة ، قال ابن مسعود رضي الله عنه " كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ويتخذها الناس سنة فإذا غيرت قالوا : غيرت السنة قيل : متى ذلك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : " إذا كثرت قراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة [ وتفقه لغير الدين ] " . رواه الدرامي ( 1 / 64 ) والحاكم ( 4 / 514 - 515 ) بسند صحيح
فمن تلك الأمور المحدثة :
** أولا : التغني بالدعاء والتطريب والتلحين وهو أمر محدث ويدل لذلك :
1ـ أن الأصل في العبادات المنع والتوقف لقوله صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري ، فليس المنع مقتصراً على أصل العبادة فحسب بل حتى في صفتها ووقتها وعددها وزمنها ومكانها وهيئتها ، ولا دليل على صفة التغني بالقنوت فكيف نتعبد الله بما لم يشرع لنا ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه ونقل إلينا .
2ـ إن الأمر بالتغني والترتيل إنما ورد في تلاوة القرآن لما روى البخاري في صحيحة عن أبي هريرة (ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) فلم يقل : تغن بالدعاء ، وإنما بالقرآن ، وقال عليه الصلاة والسلام (زينوا القرآن بأصواتكم ) ولم يقل : زينوا الدعاء ...
3ـ ذكر شيخ الاسلام أن إدخال الألحان في الصلوات هي من طريقة النصارى حيث قال في الفتاوى 28/611 : (وكذلك ادخال الألحان في الصلوات لم يأمر بها المسيح ولا الحواريون )ا.هـ وخير شاهد على هذا في العصر الحاضر ما تبثه بعض القنوات والإذاعات من الأدعية البدعية و الابتهالات الملحنة .
4ـ أنك لو سألت الخطيب على المنبر هل تتغنى بالدعاء ؟ لقال : لا ، ولو سألت المصلي هل يتغنى بالدعاء في سجوده ؟ لقال : لا ، ولو سألت المصلي الذي في المسجد ينتظر الصلاة : هل تتغنى بالدعاء ؟ لقال : لا ، إذاً فما الذي خص دعاء القنوت بهذا التغني والتلحين والترتيل الذي نسمعه اليوم دون بقية الحالات ؟؟ فإن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات ولا تجمع بين المختلفات .(مذكرة التغني بالقنوت /ماهر القحطاني ،بتصرف)
5ـ أن التغني والتطريب بالدعاء من أسباب رده وعدم قبوله لأنه اعتداء في الدعاء ، قال الكمال بن الهمام الحنفي (ومما تعارف عليه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح و الاشتهار لتحريرات النغم إظهار للصناعة النغمية لا إقامة العبودية ؛ فإنه لايقتضي الاجابة بل هو من مقتضيات الرد ... فاستبان أن ذلك من مقتضيات الخيبة والحرمان )فيض القدير للمناوي1/229 .وقال : ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء كما يفعله بعض القراء في هذا الزمان يصدر ممن يفهم معنى السؤال والدعاء وما ذاك الا نوع لعبٍ ، فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة أدى سؤاله بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغني نُسب البتة إلى السخرية واللعب إذ مقام طلب الحاجة هو التضرع لا التغني .ا.هـ
ولك أخي الكريم أن تتأمل وأنت تسمع بعضهم وهو يدعو وكأنه يقرأ القرآن بالمدود والقلقلة والإخفاء والإظهار ، حتى إنك ترى بعض المصلين عند سماعه للقنوت لا يفرق بين القرآن وبين الدعاء .
**ثانيا : من المحدثات : رفع الصوت بالدعاء وهو فعل منكر لأمور :
1ـ أن الرسول عليه الصلاة والسلام أنكر على الصحابة عندما رفعوا أصواتهم بالدعاء فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس اِربَعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه معكم إنه سميع قريب تبارك اسمه وتعالى جده . قال الحافظ في الفتح 6 \ 135: قال الطبري : فيه كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر، وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين .ا.هـ.
2ـ قال شيخ الاسلام في الاستقامة 1/322 : إن رفع الأصوات في الذكر المشروع لا يجوز إلا حيث جاءت به السنة كالأذان ، والتلبية ، ونحو ذلك ، فالسنة للذاكرين والداعين ألا يرفعوا أصواتهم رفعا شديدا .... وقد قال تعالى (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين) سورة الأعراف 55 وقال عن زكريا( إذ نادى ربه نداء خفيا) سورة مريم 3 وقال تعالى ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين) سورة الأعراف 205 وفي هذه الآثار عن سلف الأمة وأئمتها ما ليس هذا موضعه كما قال الحسن البصري رفع الصوت بالدعاء بدعة وكذلك نص عليه أحمد ابن حنبل وغيره.ا.هـ.
3ـ وقال الألوسي في روح المعاني ج8/ص139:
وترى كثيرا من أهل زمانك يعتمدون الصراخ في الدعاء خصوصا في الجوامع حتى يعظم اللغط ويشتد ، وتستك المسامع وتستد ، ولا يدرون أنهم جمعوا بين بدعتين : رفع الصوت في الدعاء ، وكون ذلك في المسجد ، وروى ابن جرير عن ابن جريج : أن رفع الصوت بالدعاء من الاعتداء المشار اليه بقوله سبحانه ( إنه لا يحب المعتدين) .ا.هـ.
4ـ أخرج البخاري في صحيحة 5 / 2331: عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) أنها قالت : أنزلت في الدعاء.
**ثالثاً : من ألأمور المحدثة في الدعاء : السجع :
1ـ فقد كرهه السلف ونهوا عنه ، قال ابن عباس رضي الله عنهما لمولاه عكرمة (انظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله وأصحابه لا يفعلون الا ذلك الاجتناب .. ).رواه البخاري.
2ـ وهو أيضا من أسباب عدم الاجابة ؛ ولذلك قال القرطبي 7/226 ( ومنها ان يدعو بما ليس في الكتاب والسنة فيتخير ألفاظاً مفقرة ، وكلماتٍ مسجعة قد وجدها في كراريس لا أصل لها ولا معول عليها فيجعلها شعاره ، ويترك ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكل هذا يمنع استجابة الدعاء )ا.هـ.
**رابعاً : من الأمور المحدثة : الإطالة في الدعاء :
1ـ فقد جاءت السنة في التحذير منه والحث على الاقتصار على الجوامع و الكوامل من الدعاء وترك الأدعية المطولة ، بل فهم السلف الصالح أن التطويل في الدعاء هو نوع من الاعتداء كما جاء في سنن أبي داوود أن سعد بن أبي وقاص سمع ابنا له يدعو ويقول : اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا ، فقال : يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سيكون قوم يعتدون في الدعاء . فإياك أن تكون منهم إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر .صححه الالباني 2/77.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت (كان النبي يستحب الجوامع من الدعاء ويَدَع ما سوى ذلك ) رواه ابو داوود وصححه الالباني 2/77.
وقال عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها (عليك بجمل الدعاء وجوامعه قولي : اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم ، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم ، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل) الحديث ..رواه ابن ماجه والبيهقي وصححه الالباني 4047 .
أفلا نستحب يا أمة محمد ما كان يحبه عليه الصلاة والسلام من الجوامع ؟
أفلا نعمل بوصية رسول الله لعائشةـ وهي أحب النساء إليه ـ بِجُمَلِ الدعاء ؟
وتأمل أيها اللبيب قولها رضي الله عنها وهي تسأل الرسول عليه الصلاة والسلام فتقول : أرأيت ان وافقت ليلة القدر ماذا أقول ؟ قال : قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني . رواه الترمذي : صحيح الجامع4423 .
وإنك لتعجب عندما تسمع بعض الأئمة في قنوتهم وهم يتكلفون الوصف في الدعاء حيث يقول مثلا (اللهم ارحمنا اذا ثقل منا اللسان ، وارتخت منا اليدان ، وبردت منا القدمان ، ودنا منا الأهل والأصحاب ، وشخصت منا الأبصار ، وغسلنا المغسلون ، وكفننا المكفنون ، وصلى علينا المصلون، وحملونا على الأعناق ، وارحمنا اذا وضعونا في القبور ، وأهالوا علينا التراب ، وسمعنا منهم وقع الأقدام ، وصرنا في بطون اللحود ، ومراتع الدود ، وجاءنا الملكان ... الخ ) ويزداد عجبك عندا تسمع بكاء الناس ونشيجهم وهم يؤمنون على هذا الدعاء بل ويتسابقون على التبكير الى هذا المسجد والصلاة خلف هذا الامام ، وقد تسمع من بعض الإئمة وهو يدعو على الأعداء فيقول (اللهم لاتدع لهم طائرة الا أسقطتها ، ولا سفينة الا أغرقتها ، ولا دبابة الا نسفتها ، ولا فرقاطة الا فجرتها ، ولا مدرعة الا دمرتها ، ولا .. ولا.. الخ)وكأنه يُملِي على الله كيف يفعل بالأعداء بينما كان يكفيه ان يقول اللهم عليك بهم او اللهم انتقم منهم ونحو ذلك .
**خامساً: من الاعتداء في الدعاء أيضا تلك الأدعية التي تحوي في ثناياها ألفاظا أو جملاً محذورة أو مُوهِمَة و مخالفة للشرع بل في بعضها ما يقدح في التوحيد ويخدش في الايمان فمن ذلك :
1ـ قول بعضهم ( اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ).ففي هذا الدعاء من المحاذير :
*أنه فيه تزكية للنفس وكأن الداعي معصوم أو أنه لم يقع في شيء من المعاصي والخطأ.
*وفيه أيضا : دعاء على النفس وعلى الناس بالذل فإن الانسان لا يخلو من الوقوع في الخطأ فقد قال عليه الصلاة والسلام (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ).
http://www.sahab.net/sahab/images/bullet2.gif أن المفترض أن يُدعى للناس بالهداية فهم أحوج ما يكون الى ذلك بدل أن يدعى عليهم ، ولا أدري متى سيحصل للأمة عزة وهداية وبعض الأئمة والخطباء ما زالوا يدعون بالذل على من يصلون خلفهم في قنوتهم وخطبهم ؟؟ قال عليه الصلاة والسلام (لا تدعوا على أنفسكم ، ولا على أولادكم ، ولا على أموالكم ، فتوافقوا ساعة فيستجيب الله لكم )رواه مسلم في الصحيح .
2ـ قول بعضهم في الدعاء (في السماء ملكك ، وفي الأرض سلطانك ، وفي البحر عظمتك .. ).
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن هذه العبارة فكان الجواب:
" أما العبارة المذكورة في السؤال فتركها أولى ؛ لأن فيها إيهاماً فقد يظن منها البعض تخصيص الملك بالسماء فقط ، أو السلطان بالأرض فقط ، وهكذا .
وعظمة الله وملكه وسلطانه وقهره عام في جميع خلقه " .ا.هـ 26/369 .
3ـ قول بعضهم (يا من لا تراه العيون ، ولا يصفه الواصفون ...الخ) .
جاءت هذه الرواية عند الطبراني وفيها عنعنة هشيم وهو مدلس ، وشيخ الطبراني يعقوب بن اسحاق ، قال الهيثمي : لم أعرفه . السلسلة الضعيفة 10/128 .
**قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله (14/143)في جوابه عن حكم مثل هذا الدعاء فقال :" هذه أسجاع غير واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما ورد عنه من الأدعية ما هو خير منها من غير تكلف.
والجملة الأولى: (يا من لا تراه العيون) إن أراد في الآخرة أو مطلقاً فخطأ مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح من أن الله تعالى يرى في الآخرة، وإن أراد في الدنيا فإن الله تعالى يُثنى عليه بالصفات الدالة على الكمال والإثبات لا بالصفات السلبية. والتفصيل في الصفات السلبية بغير ما ورد من ديدن أهل التعطيل. فعليك بالوارد، ودع عنك الجمل الشوارد. "ا.هـ.
**وقال العلامة الفوزان عن هذا الدعاء :أما ما ذُكر في السؤال؛ فلم يرد في كلام الله وكلام رسوله فيما أعلم؛ فلا ينبغي الدُّعاء به. وأيضًا في كلمة:( لا يصفه الواصفون)! نظرٌ ظاهرٌ؛ لأن الله سبحانه يوصف بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وربما يكون هذا اللفظ منقولاً عن نفاة الصِّفات. (المنتقى1/49).ا.هـ.
4ـ قول بعضهم (يا من أمره بين الكاف والنون).
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح الأربعين النووية ص76 : وبهذه المناسبة أود أن أنبه على كلمة دارجة عند العوام حيث يقولون (يامن أمره بين الكاف والنون) وهذا غلط عظيم ، والصواب : (يامن أمره بعد الكاف والنون) لأن مابين الكاف والنون ليس أمراً ، فالأمر لا يتم إلا اذا جاءت الكاف والنون ؛ لأن الكاف المضمومة ليست أمراً والنون كذلك ، لكن باجتماعهما تكون أمراً.ا.هـ.
5ـ قول بعضهم (يا فرد يا صمد).
وقد جاء في حديث (( أشهد أنك فرد أحد صمد )) قال عنه البيهقي : اسناد الحديث ليس بالقوي (انظر الأسماء والصفات للبيهقي :116 ، 117).
وقد سئل العلامة الفوزان : هل يوصف الله تعالى بالقِدَم؛ كأن يقول القائل: يا قديم! ارحمني! أو ما أشبه ذلك ؟ وهل الفرد من أسماء الله تعالى ؟ أفتوني مأجورين.
الجواب: ليس من أسماء الله تعالى القديم، وإنما من أسمائه الأول، وكذلك ليس من أسمائه الفرد، وإنما من أسمائه الواحد الأحد؛ فلا يجوز أن يقال: يا قديم! أو: يا فرد! ارحمني! وإنما يقال: يا من هو الأول والآخر والظاهر والباطن! يا واحد أحد فرد صمد! ارحمني واهدني... إلى غير ذلك؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية، لا يجوز لأحد أن يثبت شيئًا منها إلا بدليل. والله أعلم.(المنتقى1/27).
6ـ قول بعضهم (اللهم عليك باليهود ومن هاودهم).
قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط ص420 :
المهاودة : الموادعة والمصالحة والممايلة ، والهوادة :اللين ومايرجى به الصلاح والرخصة .ا,هـ.
قلت : وهذه من عظيم الرزايا أن يدعو بعضهم بمثل هذا الدعاء ولا يعلم معناه لا من جهة اللغة ولا حكمه ومايترتب عليه من جهة الشرع وهذه مصيبة البعض ان يردد أدعية لا يفقه معناها اذ قد يترتب عليها لوازم خطيرة لولا اننا حكمنا بجهله لكان للشرع فيه حكم آخر .
وقد سئل العلامة الفوزان : ما حكم قول بعض خطباء المساجد في نهاية الخطبة: (اللهم عليك باليهود ومن هاودهم). ألا يدخل في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأنه قد هاود اليهود ووادعهم، فهل هذا اعتداء في الدعاء؟
ج: نعم،(هاودهم) هذه الكلمة معناها المصالحة، هاود معناه المصالحة،
واليهود يجوز الصلح معهم، إذا كان فيه مصلحة للمسلمين، يجوز الصلح معهم كما صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وكما صالح قريشاً في الحديبية، الصلح إذا كان من مصلحة المسلمين فإن الكفار يُصالَحون لأجل مصلحة المسلمين، هذا هو الحق، أما كلمة (هادوهم) معناه أن الرسول يدخل في هذا، وسبق أني نبهت واحد على هذه اللفظة، لكنه لم يتجنّبها هداه الله.(شريط (4) وجه (ب) من شرح الحموية 4/11/1424هـ).
قلت : بل ويشمل هذا الدعاء كل حكام المسلمين الذين صالحوا اليهود قديما وحديثا ، فتأمل أيها اللبيب .
7ـ ومن صور الاعتداء في الدعاء (الدعاء على عموم الكفار بالهلاك والاستئصال).
ويدل لهذا :اولا : ان الرسول عليه الصلاة والسلام لم يثبت انه دعا على عموم الكفار وانما دعا على قبائل أو أشخاص بأعيانهم ، بل لما جاءه ملك الجبال وعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال : لا، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً.
بل انه لما دعا على بعضهم بأسمائهم نزل قوله تعالى (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم ) .
وقد روى مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال قيل يا رسول الله ادع على المشركين قال (( إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة)).
ثانياً: أن هذا يخالف مقتضى حكمة الله من بقاء الكفار الى يوم القيامة ، بل ان الساعة لا تقوم الا على شرار الخلق، وأيضا سيترتب على هذا تعيطل باب الولاء والبراء ، وباب الجهاد .
ثالثاً:أنه ليس للمسلم أن يدعو بالإستئصال على من أمره الله بأن يبرهم ويقسط إليهم كما قال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ).
بل كيف يستقيم أن يدعو المسلم على زوجته الكتابية بالهلاك مع أن الله تعالى قد أذن له في نكاحها ، وامتن عليهما بقوله تعالى (وجعل بينكم مودة ورحمة ) ؟ أم كيف يستقيم أن يدعو الولد المسلم على والديه بالهلاك ان كانوا كافرين ، والله جل وعلا يقول عنهما(وصاحبهما في الدنيا معروفاً) .فإن الدعاء على عموم الكفار يشملهما ، فهل هذه هي المصاحبة بالمعروف ؟
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرح كتاب التوحيد عند : باب قوله تعالى ( أيشركون مالايخلق شيئا وهم يخلقون ).: أما الدعاء بالهلاك لعموم الكفار، فإنه محل نظر، ولهذا لم يدع النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بالهلاك، بل قال:"اللهم! عليك بهم، اللهم! اجعلها عليهم سنين كسني يوسف"،وهذا دعاء عليهم بالتضييق، والتضييق قد يكون من مصلحة الظالم بحيث يرجع إلى الله عن ظلمه. فالمهم أن الدعاء بالهلاك لجميع الكفار عندي تردد فيه .
وقال ابن تيمية: 8/336 : ودعاء نوح على أهل الأرض بالهلاك كان بعد أن أعلمه الله أنه لايؤمن من قومك إلا من قد آمن .
وقال الشيخ الفوزان : : المشروع في القنوت وغيره الدعاء على المعتدين من الكفار على المسلمين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قنت يدعو على الكفار خص المعتدين منهم ولم يدع على جميعهم فقال: اللهم العن فلاناً وفلاناً والقبيلة الفلانية ولم يعمم الكفار.( مجلة الدعوة العدد1869ـ 16 رمضان.)
وقد أفتت اللجنة الدائمة 24/275 : مانصه :
وقول الكاتب : (اللهم عليك بالكفار والمشركين واليهود ،اللهم لا تبق أحداً منهم في الوجود ، اللهم أفنهم فناءك عادا وثمود ). والدعاء بفناء كل الكفار اعتداء في الدعاء ؛ لأن الله قدر وجودهم وبقاءهم لحكمة ، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .ا.هـ .
وقال معالي الشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الاسلامية :
"هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة في دعائهم على الكفار أن يكون دعاءً خاصاً على المعتدي, على الظالم، على من حارب الإسلام وأهله، كما في دعاء عمر في القنوت: اللهم عليك بكفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن دينك ويقاتلون أولياءك، .(رواه البيهقي في السنن2/210)
أما الدعاء على اليهود والنصارى جميعاً با لاستئصال ، فإنه لا يجوز شرعاً. وهو من الاعتداء في الدعاء ؛ وذلك لأن الله جل وعلا أخبرنا أن اليهود والنصارى سيبقون إلى زمن خروج المسيح الدجال فإذا دعا أحد بأن يستأصلهم الله جل وعلا الآن قبل نزول المسيح الدجال فهو إعتراضٌ على ما أجرى الله حكمته وقدره الكوني ببقائهم إلى آخر الزمان؛ ولهذا لم يؤثر عن أحد من السلف ولا من أئمة الإسلام أنه دعا بهذا الدعاء العام على اليهود والنصارى وإنما يدعو بالدعاء الخاص لمن قاتل، لمن حارب ، لمن آذى المؤمنين ونحو ذلك"ا.هـ
فانظر أيها الأخ الكريم الى أدعية الرسول عليه الصلاة والسلام كيف كانت جامعة لخير الدنيا
والآخرة وانظر قبل ذلك الى أدعية القرآن العظيمة ثم انظر الى ماأحدثه كثير من الأئمة ـ هداهم الله
ـ من الأدعية الطويلة والوقوف الطويل يتغنى بالدعاء ، ويتكلف السجع، ويرفع الصوت ، وقد سئم
الناس طول الانتظار فقد أعياهم التعب وطول القيام حتى إن بعضهم يهِمُّ بالانصراف أكثر من مرة ،
ألا يخشى هؤلاء ان يدخلوا تحت حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (ياأيها الناس ان منكم
منفرين ) متفق عليه .
وانك لتعجب عندما ترى بعد هذا كله التسجيلات الاسلامية والمؤسسات الاعلامية والشركات الانتاجية كيف تتسابق وتتهافت على تسجيل هذه الأدعية وتتفنن في اخراجها لذلك القاريء وتخرجها في اصدارات خاصة (دعاء الختمة لفلان ..أو جزء تبارك و عم مع الدعاء....) وهكذا، فإلى الله المشتكى .
http://www.sahab.net/sahab/images/bullet2.gif محمد بن أحمد الفيفي / الرياض28/8/1426هـ
عضو الدعوة بوزارة الشؤون الاسلامية .
منقول للفائدة