(الهزبر)
25 Jul 2005, 10:03 AM
نـــصُّ الفتـــــوى:
[سؤال: هناك كثير من الشباب المسلم المستقيم – يعني الملتزم – يسأل عما ترون في الجهاد؛ كثير منهم متحمسون للجهاد، فهم في حيرة مما يسمعون من آراء متضاربة حول ((عدم وجوب أو فرضية الجهاد)) بشكل أفراد أو بشكل مجموعات إسلامية، إلا إذا تحقق سلطان مسلم يحكم فيهم بشرع الله عز وجل أو يقيم شرع الله بدولة إسلامية، فبعضهم كذلك يُعتدُّ برأيهم عند كثير من الناس، وأنتم تعرفون أمثال هؤلاء. كذلك من إخواننا من أهل السلف من يختلفون مع بعض إخوانهم وأساتذتهم السلفيين في هذا الموضوع، فهنا العكس؛ يَجوز الجهاد لمن توفرت له القدرة دون أن يكون هناك عوائق للوالدين أو التزامات ...إلى آخره، فهم في حيرة ويطلبون رأيكم في هذا الأمر لأنَّهم يحبونكم في الله ويستأنسون برأيكم؟
أجاب الشيخ الألبانـــــي رحمه الله تعالى:
بالنسبة للجهاد يا أخي في هذا الزمان وقبل هذا الزمان فهو فرض عين؛ لأنَّ المشكلة الآن ليست هي مشكلة البوسنة والهرسك؛ التي أثارت من جديد عواطف الشباب المسلم، فهنا بجوارنا اليهود قد احتلوا فلسطين، ولم تتحرك أي دولة من الدول الإسلامية لتقوم بواجب مجاهدتهم وإخراجهم!!، ورميهم في البحر كما كان يقول بعض وأحد رؤساء إحدى الدول العربية!!
المقصود: أنَّ الجهاد هو فرض عين؛ لأنَّ كثيراً من البلاد الإسلامية قد احتلت قديماً وحديثاً من بعض الكفار، ومثل هذا الاحتلال لا يخفى على فرد من أفراد المسلمين يهتم بشؤون المسلمين فضلاً عن الجماعات الإسلامية أو الأحزاب الإسلامية أو الدول الإسلامية.
ولكنَّ الجهاد له أركانه وله شروطه؛ فنحن نعتقد معشر المسلمين جميعاً: أنَّ الجهاد الواجب هو إنَّما يجب على المسلمين الذين يتعاونون جميعاً على القيام بما فرض الله عز وجل عليهم من جهاد الكفار وإخراجهم من البلاد الإسلامية التي احتلوها.
ولسنا بحاجة الآن لنسوق الأدلة من الكتاب والسنة، فهذه مسألة لا خلاف فيها بين العلماء، أنَّ الجهاد فرض عين إذا ما احتل طرف من أطراف البلاد الإسلامية، فكيف والمحتل منها أطراف كثيرة جداً؟! ولكن – مع الأسف – أُريد أن أقول: إنَّ هذا الجهاد الذي هو فرض، وفرض عين لا يستطيع الأفراد – كما جاء في السؤال – أن يقيموا به!!، بل ولا بعض الجماعات الإسلامية أو الأحزاب الأسلامية!!؛ لأنَّ هذا الجهاد وبخاصة في زماننا هذا الذي تعددت فيه وسائل القتال لا تستطيع هذه الأحزاب أو هذه الجماعات فضلاً عن الأفراد أن يقوموا بهذا الجهاد العيني!!، وإنَّما هذا الواجب على الدول؛ والدول الإسلامية التي تملك من العتاد والقوة ووسائل الحرب الحديثة ما لو أنَّها اجتمعت وأخلصت لهذا الجهاد لقامت بالواجب العيني، ولكنَّ مع الأسف الشديد هذه الدول لا تحرك ساكناً لتقوم بواجب هذا الجهاد، وقد تَكِلُ أمر هذا الجهاد إلى بعض الجماعات والأحزاب، وهي لا تستطيع أن تفعل شيئاً لإيقاف أعتداء الكافر المعتدي على بعض البلاد الإسلامية، والواقع يشهد أنَّ أي جماعة مسلمة تقوم إما بمقاتلة المعتدي كما وقع في الأفغان مثلاً، أو بالخروج على الحاكم الذي ظهر كُفره كما وقع في الجزائر مثلاً.
فهذا الواقع المؤسف يدل على: أنَّ الجهاد الفردي أو الحزبي لا يُثمر الثمرة المرجوة من فريضة الجهاد، الثمرة هذه هي: أن تكون كلمة الله هي العليا.
فإذاً نحن نعتقد أنَّ الجهاد لا يمكن إلا أن يكون: تحت راية إسلامية أولاً، وتحت جماعة مسلمة متكتلة من مختلف البلاد الإسلامية وليس من بلد واحد أو اقليم واحد، يضاف إلى ذلك أنَّه لابدَّ من تقوى الله عز وجل بالإبتعاد عما نهى الله عنه من الأمور المعروفة لدى المسلمين كآفَّة علماً، ولكنَّها بعيدة عن تطبيقها مع الأسف عملياً.
وقد ذكرنا – وأختصر الكلام أيضاً ما استطعت – أكثر من مرَّة أنَّ ما حلَّ في المسلمين اليوم من هذا الذل والهوان الذي لا يعرفه التاريخ الإسلامي إنَّما سببه أنَّ المسلمين تخلَّوا بتطبيق آية واحدة على الأقل، ألا وهي قوله تبارك وتعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}، ومما لاشكَّ فيه أنَّ نصر المسلمين لله عز وجل؛ إنَّما يراد به: نصر أحكام شريعته، وجعلها حقيقة واقعة، وهذا – مع الأسف الشديد – ليس متحقق في الحكومات ولا في الأفراد.
فالحكومات أكثرها لا تحكم بما أنزل الله عزَّ وجل، ومن كان منها لايزال فيها بقية من حكم بما أنزل الله، فليس فيها حتى الآن من أعلن الجهاد في سبيل الله عز وجل!!
ولذلك فالأفراد والشعوب ضعيفة؛ مادام أنَّ أي حكومة إسلامية لم ترفع راية الجهاد في سبيل الله عز وجل المستلزم لمقاتلة الذين يلونهم من الكفار، وليس الذين هم بعيدون عنه كل البعد، فالمسلمون بدولهم وبأحزابهم وبجماعاتهم وأفرادهم، إذا لم يقوموا بجهاد الكفار الذين هم بجانبهم وقريباً من ديارهم، فهم لن يستطيعوا أن يجاهدوا من كان بعيداً عنهم، مثل: مثلاً إرتيريا، والصومال، والبوسنة والهرسك.
لهذا فنحن نُذكِّر الآن: بأنَّ على الشباب المسلم أفراداً وجماعات وأحزاباً أن ينشروا الوعي الإسلامي الصحيح في الشعوب أولاً، ثم في الحكام ثانياً؛ وهو أن يحكم هؤلاء جميعاً بما أمر الله عز وجل.
فعلى الحكام أن يحكموا بما أنزل الله عز وجل وبما أمر، والأفراد أيضاً أن يحكموا بما أنزل الله عز وجل وبما أمر، أنا أشعر اليوم: أنَّ كثيراً من الأفراد والجماعات والأحزاب يُلقون المسؤولية على الحكام فقط، بينما في اعتقادي جازماً: أنَّ المسؤولية تقع على هؤلاء الأفراد والجماعات والأحزاب كما تقع على الحكومات!!، ذلك لأنَّ الحكومات ما نبعت إلا من أرض هؤلاء المسلمين، هؤلاء المسلمون هم الذين خاطبهم الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بحديثين اثنين:
أحدهما: قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد: سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى: ترجعوا إلى دينكم)) .
والحديث الآخر: قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ((ستتداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يارسول الله؟ قال: لا بل أنتم يومئذ كثير!!، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله الرهبة من صدور عدوكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يارسول الله؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت)).
وهذه المخالفات التي ذكرها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في هذا الحديث: هي الآن – مع الأسف – في كل المجتمعات الإسلامية واقعة، فهي من المصائب الجلية التي استلزمت نزول هذا الذل في المسلمين حتى ران على قلوبهم؛ حكومات كما قلنا وجماعات وأفراد. الحكومات التي لا تحكم بما أنزل الله، ولئن كان فيها من تحكم بما أنزل الله فأول ظاهرة لا تدل على أنَّها لا تحكم بما أنزل الله: أنَّها لم تعلن الجهاد في سبيل الله عز وجل!!
وإذا كان هذا الزمان ليس هو الزمن الذي يجب فيه الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد احتلت كثير من بلادنا، فمتى سيكون هذا الجهاد واجباً؟! لكنَّ المصيبة – وهذه مشكلة المشاكل – أنَّه ليس عندنا من يستطيع، لماذا؟، لأنَّنا منغمسون في المعاصي، ومنغمسون في الخلافات الحزبية(!!) والدولية، ونحن نعلم أنَّ من أسباب الضعف والهزيمة: أن يختلف المسلمون بعضهم مع بعض.
وقد وقعنا قريباً في تجربة مؤسفة جداً ألا وهي: الجهاد الأفغاني، حيث أنَّنا كنَّا نأمل أن تكون عاقبته نصراً للمسلمين، وبشائر قوية لوضع النواة لدولةٍ أسلاميةٍ وإذا العاقبة والنتيجة تنعكس، بسبب: أنَّ البشائر الأولى التي ظهرت من الانتصار على العدو اللدود ألا وهم الشيوعون قد أضمحلت حينما بدأت الفرقة بين الأحزاب التي لم يمنعهم إسلامهم الذي يدينون به من أن يتفرقوا إلى سبعت أحزاب وربنا عز وجل يقول:{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ. مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}، إذاً من أراد أن يجاهد: فعليه أن يتخذ أسباب الجهاد أولاً، وأسباب أكتساب النصر ثانياً، وهذا وذاك غير متحقق مع الأسف في هذا الزمان، والله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}، إذاً نحن ندعو إلى: اهتمام الأفراد والجماعات والأحزاب فضلاً عن الحكومات الإسلامية بنشر الإسلام الصحيح المصَفَّى من كل دخيل فيه مع مرِّ الزمان، وتربية المسلمين على هذا الإسلام الصحيح، يوم تبدأ هذه البشائر وتتجلَّى في هذه الساحة الإسلامية الواسعة، يومئذ تبدأ بشائر الإستعداد للقيام بالفرض العيني من الجهاد.
هؤلاء الأفراد المتحمسون(!!) الذين يذهبون إلى كثير من البلاد المغزوة من الكفَّار كالبوسنة والهرسك مثلاً: ماهي الأسلحة التي معهم؟! من هم القوَّاد؟! من هم الرؤوس الذين يستطيعون أن ينظمونهم وأن يجعلوهم يقاتلون تحت إمرةٍ واحدةٍ؟! لو قامت راية واحدة كما وقع في أفغانستان لكانت الثمرة كما رأينا في أفغانستان!!
إذاً قال تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، أين هذا الإعداد؟! ومن الذي يستطيع أن يقوم بهذا الإعداد؟!، الأفراد؟! لا، الحكومات؟! نعم، الحكومات نستطيع أن نقول بأنَّهم يقومون بشيء من الإعداد يأخذونه من أعدائهم!!!، فلو أنَّ هناك قتالاً وجهاداً قام بين المسلمين وبين الكفَّار فهؤلاء المسلمون سوف لا يستطيعون أن يتابعوا إمداد جيوشهم بالأسلحة اللازمة لهم إلا شراءً من أعدائهم!!!، وهل يكون نصر وجهاد بشراء الأسلحة من أعداء المسلمين؟! هذا أمر مستحيل!!؛ لذلك هذا الإعداد المأمور به في هذه الآية: لم تقم به حتى الدول الإسلامية، لأنَّ شراء الدول الإسلامية لأسلحة مدمرة يكون من أعدائهم ومن خصومهم!!؛ وقد يكون هناك بعض الدسائس التي قد تفسد عليهم أسلحتهم إذا ما أرادوا استعمالها ضد عدوهم الكافر.
لهذا قلت، وأُنهي كلامي وجوابي عن هذا السؤال:
إنَّ الله عز وجل حينما قال:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} هذا الخطاب لأصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ثم هو موجه لعامة المسلمين بالتالي بعموم النص؛ ولكن هذا الخطاب وجِّه إلى الصحابة بعد أن رُبُّو تربيةً إسلاميةً صحيحةً حتى تمكنوا من أن يقوموا بتنفيذ مثل هذا الخطاب؛ ألا وهو: إعداد القوة المادية، بعد أن قاموا بإعداد القوة المعنوية بنفوسهم أو في نفوسهم؛ بسبب تربية نبيهم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إيَّاهم، والتاريخ يعيد نفسه.
فلابُدَّ من تربية شعبٍ من الشعوب الإسلامية ليتمكن هذا الشعب من القيام بإعداد العدَّة المادية، ونحن اليوم لا نجد شعباً قام بهذا الواجب الذي نُعبِّر نحن عنه بكلمتين: (التصفية والتربية)، نجد أفراداً مبعثرين هنا وهناك!!؛ أمَّا أن تكون هناك جماعةً، وعلى هذه الجماعة أمير بويع من المسلمين كآفةً، ورفع راية الجهاد لمجاهدة الأعداء هذا لم يحصل بعدُ!!
ولذلك فنحن ندعو: إلى إيجاد هذه المقدمة للجهاد المُقَدَّس، أمَّا الإنطلاق وراء عواطف لم يتحقق في أهلها رُبَّما الجهاد المعنوي؛ وهو فهم الإسلام فهماً صحيحاً وتطبيقه تطبيقاً جماعيّاً، وأن يكون عليهم بعد ذلك أمير وهو الذي يأمرهم أن يُعِدّوا ما استطاعوا من سلاحٍ ومن قوَّةٍ، فيوم يوجد مثل هذا: يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، والله ينصر من يشاء، هذا ما عندي جواباً لهذا السؤال] انتهى جواب الشيخ الألباني رحمه الله تعالى عن السؤال الذي طُرِح إليه في شريط بعنوان (فرضية الجهاد)، رقم الشريط (720).
وبهذه ينتهي ما أردنا بيانه نصحاً لعموم المسلمين، واستجابةً لبعض الأخوة الأحباب، ودفعاً لتلبيس أهل الأهواء والتحريف، والله الموفِق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك
نقلته بتصرف من الساحات
[سؤال: هناك كثير من الشباب المسلم المستقيم – يعني الملتزم – يسأل عما ترون في الجهاد؛ كثير منهم متحمسون للجهاد، فهم في حيرة مما يسمعون من آراء متضاربة حول ((عدم وجوب أو فرضية الجهاد)) بشكل أفراد أو بشكل مجموعات إسلامية، إلا إذا تحقق سلطان مسلم يحكم فيهم بشرع الله عز وجل أو يقيم شرع الله بدولة إسلامية، فبعضهم كذلك يُعتدُّ برأيهم عند كثير من الناس، وأنتم تعرفون أمثال هؤلاء. كذلك من إخواننا من أهل السلف من يختلفون مع بعض إخوانهم وأساتذتهم السلفيين في هذا الموضوع، فهنا العكس؛ يَجوز الجهاد لمن توفرت له القدرة دون أن يكون هناك عوائق للوالدين أو التزامات ...إلى آخره، فهم في حيرة ويطلبون رأيكم في هذا الأمر لأنَّهم يحبونكم في الله ويستأنسون برأيكم؟
أجاب الشيخ الألبانـــــي رحمه الله تعالى:
بالنسبة للجهاد يا أخي في هذا الزمان وقبل هذا الزمان فهو فرض عين؛ لأنَّ المشكلة الآن ليست هي مشكلة البوسنة والهرسك؛ التي أثارت من جديد عواطف الشباب المسلم، فهنا بجوارنا اليهود قد احتلوا فلسطين، ولم تتحرك أي دولة من الدول الإسلامية لتقوم بواجب مجاهدتهم وإخراجهم!!، ورميهم في البحر كما كان يقول بعض وأحد رؤساء إحدى الدول العربية!!
المقصود: أنَّ الجهاد هو فرض عين؛ لأنَّ كثيراً من البلاد الإسلامية قد احتلت قديماً وحديثاً من بعض الكفار، ومثل هذا الاحتلال لا يخفى على فرد من أفراد المسلمين يهتم بشؤون المسلمين فضلاً عن الجماعات الإسلامية أو الأحزاب الإسلامية أو الدول الإسلامية.
ولكنَّ الجهاد له أركانه وله شروطه؛ فنحن نعتقد معشر المسلمين جميعاً: أنَّ الجهاد الواجب هو إنَّما يجب على المسلمين الذين يتعاونون جميعاً على القيام بما فرض الله عز وجل عليهم من جهاد الكفار وإخراجهم من البلاد الإسلامية التي احتلوها.
ولسنا بحاجة الآن لنسوق الأدلة من الكتاب والسنة، فهذه مسألة لا خلاف فيها بين العلماء، أنَّ الجهاد فرض عين إذا ما احتل طرف من أطراف البلاد الإسلامية، فكيف والمحتل منها أطراف كثيرة جداً؟! ولكن – مع الأسف – أُريد أن أقول: إنَّ هذا الجهاد الذي هو فرض، وفرض عين لا يستطيع الأفراد – كما جاء في السؤال – أن يقيموا به!!، بل ولا بعض الجماعات الإسلامية أو الأحزاب الأسلامية!!؛ لأنَّ هذا الجهاد وبخاصة في زماننا هذا الذي تعددت فيه وسائل القتال لا تستطيع هذه الأحزاب أو هذه الجماعات فضلاً عن الأفراد أن يقوموا بهذا الجهاد العيني!!، وإنَّما هذا الواجب على الدول؛ والدول الإسلامية التي تملك من العتاد والقوة ووسائل الحرب الحديثة ما لو أنَّها اجتمعت وأخلصت لهذا الجهاد لقامت بالواجب العيني، ولكنَّ مع الأسف الشديد هذه الدول لا تحرك ساكناً لتقوم بواجب هذا الجهاد، وقد تَكِلُ أمر هذا الجهاد إلى بعض الجماعات والأحزاب، وهي لا تستطيع أن تفعل شيئاً لإيقاف أعتداء الكافر المعتدي على بعض البلاد الإسلامية، والواقع يشهد أنَّ أي جماعة مسلمة تقوم إما بمقاتلة المعتدي كما وقع في الأفغان مثلاً، أو بالخروج على الحاكم الذي ظهر كُفره كما وقع في الجزائر مثلاً.
فهذا الواقع المؤسف يدل على: أنَّ الجهاد الفردي أو الحزبي لا يُثمر الثمرة المرجوة من فريضة الجهاد، الثمرة هذه هي: أن تكون كلمة الله هي العليا.
فإذاً نحن نعتقد أنَّ الجهاد لا يمكن إلا أن يكون: تحت راية إسلامية أولاً، وتحت جماعة مسلمة متكتلة من مختلف البلاد الإسلامية وليس من بلد واحد أو اقليم واحد، يضاف إلى ذلك أنَّه لابدَّ من تقوى الله عز وجل بالإبتعاد عما نهى الله عنه من الأمور المعروفة لدى المسلمين كآفَّة علماً، ولكنَّها بعيدة عن تطبيقها مع الأسف عملياً.
وقد ذكرنا – وأختصر الكلام أيضاً ما استطعت – أكثر من مرَّة أنَّ ما حلَّ في المسلمين اليوم من هذا الذل والهوان الذي لا يعرفه التاريخ الإسلامي إنَّما سببه أنَّ المسلمين تخلَّوا بتطبيق آية واحدة على الأقل، ألا وهي قوله تبارك وتعالى: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}، ومما لاشكَّ فيه أنَّ نصر المسلمين لله عز وجل؛ إنَّما يراد به: نصر أحكام شريعته، وجعلها حقيقة واقعة، وهذا – مع الأسف الشديد – ليس متحقق في الحكومات ولا في الأفراد.
فالحكومات أكثرها لا تحكم بما أنزل الله عزَّ وجل، ومن كان منها لايزال فيها بقية من حكم بما أنزل الله، فليس فيها حتى الآن من أعلن الجهاد في سبيل الله عز وجل!!
ولذلك فالأفراد والشعوب ضعيفة؛ مادام أنَّ أي حكومة إسلامية لم ترفع راية الجهاد في سبيل الله عز وجل المستلزم لمقاتلة الذين يلونهم من الكفار، وليس الذين هم بعيدون عنه كل البعد، فالمسلمون بدولهم وبأحزابهم وبجماعاتهم وأفرادهم، إذا لم يقوموا بجهاد الكفار الذين هم بجانبهم وقريباً من ديارهم، فهم لن يستطيعوا أن يجاهدوا من كان بعيداً عنهم، مثل: مثلاً إرتيريا، والصومال، والبوسنة والهرسك.
لهذا فنحن نُذكِّر الآن: بأنَّ على الشباب المسلم أفراداً وجماعات وأحزاباً أن ينشروا الوعي الإسلامي الصحيح في الشعوب أولاً، ثم في الحكام ثانياً؛ وهو أن يحكم هؤلاء جميعاً بما أمر الله عز وجل.
فعلى الحكام أن يحكموا بما أنزل الله عز وجل وبما أمر، والأفراد أيضاً أن يحكموا بما أنزل الله عز وجل وبما أمر، أنا أشعر اليوم: أنَّ كثيراً من الأفراد والجماعات والأحزاب يُلقون المسؤولية على الحكام فقط، بينما في اعتقادي جازماً: أنَّ المسؤولية تقع على هؤلاء الأفراد والجماعات والأحزاب كما تقع على الحكومات!!، ذلك لأنَّ الحكومات ما نبعت إلا من أرض هؤلاء المسلمين، هؤلاء المسلمون هم الذين خاطبهم الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بحديثين اثنين:
أحدهما: قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد: سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى: ترجعوا إلى دينكم)) .
والحديث الآخر: قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ((ستتداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يارسول الله؟ قال: لا بل أنتم يومئذ كثير!!، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله الرهبة من صدور عدوكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يارسول الله؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت)).
وهذه المخالفات التي ذكرها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في هذا الحديث: هي الآن – مع الأسف – في كل المجتمعات الإسلامية واقعة، فهي من المصائب الجلية التي استلزمت نزول هذا الذل في المسلمين حتى ران على قلوبهم؛ حكومات كما قلنا وجماعات وأفراد. الحكومات التي لا تحكم بما أنزل الله، ولئن كان فيها من تحكم بما أنزل الله فأول ظاهرة لا تدل على أنَّها لا تحكم بما أنزل الله: أنَّها لم تعلن الجهاد في سبيل الله عز وجل!!
وإذا كان هذا الزمان ليس هو الزمن الذي يجب فيه الجهاد في سبيل الله عز وجل وقد احتلت كثير من بلادنا، فمتى سيكون هذا الجهاد واجباً؟! لكنَّ المصيبة – وهذه مشكلة المشاكل – أنَّه ليس عندنا من يستطيع، لماذا؟، لأنَّنا منغمسون في المعاصي، ومنغمسون في الخلافات الحزبية(!!) والدولية، ونحن نعلم أنَّ من أسباب الضعف والهزيمة: أن يختلف المسلمون بعضهم مع بعض.
وقد وقعنا قريباً في تجربة مؤسفة جداً ألا وهي: الجهاد الأفغاني، حيث أنَّنا كنَّا نأمل أن تكون عاقبته نصراً للمسلمين، وبشائر قوية لوضع النواة لدولةٍ أسلاميةٍ وإذا العاقبة والنتيجة تنعكس، بسبب: أنَّ البشائر الأولى التي ظهرت من الانتصار على العدو اللدود ألا وهم الشيوعون قد أضمحلت حينما بدأت الفرقة بين الأحزاب التي لم يمنعهم إسلامهم الذي يدينون به من أن يتفرقوا إلى سبعت أحزاب وربنا عز وجل يقول:{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ. مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}، إذاً من أراد أن يجاهد: فعليه أن يتخذ أسباب الجهاد أولاً، وأسباب أكتساب النصر ثانياً، وهذا وذاك غير متحقق مع الأسف في هذا الزمان، والله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}، إذاً نحن ندعو إلى: اهتمام الأفراد والجماعات والأحزاب فضلاً عن الحكومات الإسلامية بنشر الإسلام الصحيح المصَفَّى من كل دخيل فيه مع مرِّ الزمان، وتربية المسلمين على هذا الإسلام الصحيح، يوم تبدأ هذه البشائر وتتجلَّى في هذه الساحة الإسلامية الواسعة، يومئذ تبدأ بشائر الإستعداد للقيام بالفرض العيني من الجهاد.
هؤلاء الأفراد المتحمسون(!!) الذين يذهبون إلى كثير من البلاد المغزوة من الكفَّار كالبوسنة والهرسك مثلاً: ماهي الأسلحة التي معهم؟! من هم القوَّاد؟! من هم الرؤوس الذين يستطيعون أن ينظمونهم وأن يجعلوهم يقاتلون تحت إمرةٍ واحدةٍ؟! لو قامت راية واحدة كما وقع في أفغانستان لكانت الثمرة كما رأينا في أفغانستان!!
إذاً قال تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، أين هذا الإعداد؟! ومن الذي يستطيع أن يقوم بهذا الإعداد؟!، الأفراد؟! لا، الحكومات؟! نعم، الحكومات نستطيع أن نقول بأنَّهم يقومون بشيء من الإعداد يأخذونه من أعدائهم!!!، فلو أنَّ هناك قتالاً وجهاداً قام بين المسلمين وبين الكفَّار فهؤلاء المسلمون سوف لا يستطيعون أن يتابعوا إمداد جيوشهم بالأسلحة اللازمة لهم إلا شراءً من أعدائهم!!!، وهل يكون نصر وجهاد بشراء الأسلحة من أعداء المسلمين؟! هذا أمر مستحيل!!؛ لذلك هذا الإعداد المأمور به في هذه الآية: لم تقم به حتى الدول الإسلامية، لأنَّ شراء الدول الإسلامية لأسلحة مدمرة يكون من أعدائهم ومن خصومهم!!؛ وقد يكون هناك بعض الدسائس التي قد تفسد عليهم أسلحتهم إذا ما أرادوا استعمالها ضد عدوهم الكافر.
لهذا قلت، وأُنهي كلامي وجوابي عن هذا السؤال:
إنَّ الله عز وجل حينما قال:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} هذا الخطاب لأصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ثم هو موجه لعامة المسلمين بالتالي بعموم النص؛ ولكن هذا الخطاب وجِّه إلى الصحابة بعد أن رُبُّو تربيةً إسلاميةً صحيحةً حتى تمكنوا من أن يقوموا بتنفيذ مثل هذا الخطاب؛ ألا وهو: إعداد القوة المادية، بعد أن قاموا بإعداد القوة المعنوية بنفوسهم أو في نفوسهم؛ بسبب تربية نبيهم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إيَّاهم، والتاريخ يعيد نفسه.
فلابُدَّ من تربية شعبٍ من الشعوب الإسلامية ليتمكن هذا الشعب من القيام بإعداد العدَّة المادية، ونحن اليوم لا نجد شعباً قام بهذا الواجب الذي نُعبِّر نحن عنه بكلمتين: (التصفية والتربية)، نجد أفراداً مبعثرين هنا وهناك!!؛ أمَّا أن تكون هناك جماعةً، وعلى هذه الجماعة أمير بويع من المسلمين كآفةً، ورفع راية الجهاد لمجاهدة الأعداء هذا لم يحصل بعدُ!!
ولذلك فنحن ندعو: إلى إيجاد هذه المقدمة للجهاد المُقَدَّس، أمَّا الإنطلاق وراء عواطف لم يتحقق في أهلها رُبَّما الجهاد المعنوي؛ وهو فهم الإسلام فهماً صحيحاً وتطبيقه تطبيقاً جماعيّاً، وأن يكون عليهم بعد ذلك أمير وهو الذي يأمرهم أن يُعِدّوا ما استطاعوا من سلاحٍ ومن قوَّةٍ، فيوم يوجد مثل هذا: يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، والله ينصر من يشاء، هذا ما عندي جواباً لهذا السؤال] انتهى جواب الشيخ الألباني رحمه الله تعالى عن السؤال الذي طُرِح إليه في شريط بعنوان (فرضية الجهاد)، رقم الشريط (720).
وبهذه ينتهي ما أردنا بيانه نصحاً لعموم المسلمين، واستجابةً لبعض الأخوة الأحباب، ودفعاً لتلبيس أهل الأهواء والتحريف، والله الموفِق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك
نقلته بتصرف من الساحات