صناع الحياة
05 Jun 2005, 12:28 AM
البيع الرابح
د. عائض القرني
عقد مكتوب ، وميثاق موقع ، وسلعة تعرض ، ومهج تباع .
المشتري : هو الله جل جلاله ، ( ومن أصدق من الله قيلاً ) ومن أوفى من الله ؟
الباعة : هم المؤمنون رواد بدر وأحد ، وتلك المواقف المأثورة والمشاهد المذكورة.
والسلعة : جنة علرضها السموات والأرض ، من دخلها لا يهرم ، ولا يندم ، ولا يبلى شبابه ، ولا تذبل ثيابه .
والثمن : مهج المصلين ، طارت من الصدور على رؤوس السيوف ، وتناثرت من الأحشاء على صدور الرماح ، فهل سمعت بيعاً كهذا البيع أوفى ، وأغلى ، وأجمل ، وأكمل ، وأشرق ، وألطف ؟!!
أمضاه أحمد عن أبطال أمته والله أنزله عهـداً وميثاقـاً
الأموال ، والأنفس ، والأعراض ، والجماجم ، والدماء كلها لمن خلقها ، وإنما هي عندنا عارية ، وصاحب العارية أحق بها ، ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) .
ليس لنا شيء ، ولا معنا وعندنا شيء ، فالعطاء ، والهبة ، والمنح ، والأيادي من الله عز وجل ، خلق ، ورزق ، وعافى ، وستر ، ولطف ، وتكفل .
من بخل بمهجته في سبيل الله ، خرجت منه غضباً ، وسالت رخيصة ، وذهبت ذليلة :
نفوس تذوق الموت قتلاً ولا ترى سوى القتل للمجد المبجل مكسباً
==================================================
الثبات على الحق
د. عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الله وآله وصحبه، وبعد..
فإن الله عز وجل يثّبت أولياؤه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فترى المؤمن على حالة واحدة من الصدق في أقواله وأفعاله وأحواله لا يكذب إذا حدث ولا يخلف إذا وعد ولا يفجر إذا خاصم، لا يظهر تواضعاً وفي قلبه كبر ولا يتصنع بالتقوى ونفسه فاجرة، ولا يراقب الناس فإذا خلا بنفسه عصى ربه، ومن أسباب الثبات لزوم الطاعة واجتناب المعصية ومصاحبة الصالحين وهجر العصاة، والتزود بالنوافل من صلاة وصيام وقيام وذكر مع تدبر القرآن والتفكر في خلق الله وقصر الأمل وإخلاص العمل وصحة التوكل فيا مسلماً عرف ربه وأحبَّ رسوله وقرأ كتابه ألزم الطريق الذي سار عليه السلف واحذر من مضلات الفتن ودواعي الشهوات وأسباب الشبهات فإن القلب يتقلب ومن زاغ أزاغ الله قلبه، فجاهد أخي نفسك الأمّارة بالسوء فإن الأيام قصيرة وقد اقترب الرحيل ودنا الموت وحانت الوفاة وليس لك والله هنا قرار وإنما القرار هناك إما في جنة أو نار.
فقف مع نفسك وقفة صادقة وحاسبها على اللفظة واللحظة فإنك إن تركتها أوردتك موارد الهلاك فخسرت الدنيا والآخرة، فهيّا تهيأ للسفر الطويل بزاد من التقوى، وحافظ على تكبيرة الإحرام مع الجماعة والزم مصحفك كل يوم ساعة، وكن من أهل الطاعة، وتصور انتهاء العالم وقيام الساعة، وابك على ما سلف منك وتأسف على ما قدمت من ذنوب وانقش على لوح قلبك قوله صلى الله عليه وسلم: "كف عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك"، واطلب العلم النافع الموروث عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم، عسى الله أن يحشرك في زمرة الأنبياء وأن يجمعك بالعلماء ويصطفيك مع الأولياء، ثبتنا الله وإياكم وغفر لنا ولكم وجمعنا بكم في جنته مع صفوته من خلقه في جنات ونهر في معقد صدق عند مليك مقتدر
================================================== =======
الحاســـــــد
د. عائض القرني
لو قدمت له حذاءه، وأحضرت له طعامه، وناولته شرابه، وألبسته ثوبه، وهيأت له وضوءه، وفرشت له بساطه، وكنست له بيته، فإنك لا تزال عدوه أبداً، لأن سبب العداوة لا زال فيك، وهو فضلك أو علمك أو أدبك أو مالك أو منصبك، فكيف تطلب الصلح معه وأنت لم تتب من مواهبك ؟! والحاسد ينظر متى تتعثر، ويتحرى متى تسقط، ويتمنى متى تهوي.
أحسن أيامه يوم تمرض، أجمل لياليه يوم تفتقر، وأسعد ساعاته يوم تنكب، وأحب وقت لديه يوم يراك مهموماً مغموماً حزيناً منكسراً، وأتعس لحظة عنده إذا اغتنيت، وأفظع خبر عنده إذا علوت، وأشد كارثة لديه إذا ارتقيت، ضحكك بكاء له، وعيدك مأتم له، ونجاحك فشل لديه، ينسى كل شيء عنك إلا الهفوات، ويغفل عن كل أمر فيك إلا الزلات، خطأك الصغير عنده أكبر من جبل أحد، وذنبك الحقير لديه أثقل من ثهلان، لو كنتَ أفصح من سحبان، فأنت عنده أعيى من باقل، ولو كنت أسخى من حاتم فأنت لديه أبخل من مادر، ولو كنت أعقل من الشافعي فهو يراك أحمق من هبنقة، الذي يمدحك عنده كذاب، والذي يثني عليك لديه منافق، والذي يذب عنك في مجلسه ثقيل حقير، يصدق من يسبك، ويحب من يبغضك، ويقرب من يعاديك، ويساعد من يكرهك ويجافيك، الأبيض في عينك سواد عنده، والنهار في نظرك ليل في نظره، لا تجعله حكماً بينك وبين الآخرين فيحكم عليك قبل سماع الدعوى وحضور البينة، ولا تطلعه على سرك فأكبر همّه أن يذاع ويشاع، ويحفظ عليك الزلة ليوم الحاجة، ويسجل عليك الغلطة ليوم الفاقة، لا حيلة فيه إلا العزلة عنه، والفرار منه، والاختفاء عن نظره، والبعد عن بيته، والانزواء عن مكانه.
أنت الذي أمرضه وأسقمه، أنت الذي أسهره وأضناه، أنت الذي جلب له همّه، وحزنه، وتعبه، ووصبه، وهو الظالم في صورة مظلوم، لكن يكفيك ما هو فيه من غصص، وما يعايشه من آلام، وما يعالجه من أحزان، وما يذوقه من ويلات.
أبدو فيسجد مَنْ بالسوء يذكرني
كذاك قد كنت في أهلي وفي وطني
محسَّدُ الفضل مكذوبٌ على أثري
فلا أعاتبه صفحاً وإهوانا
إن النفيس غريبٌ حيثما كانا
أُغتاب سراً ويُثني فيَّ إعلانا
وأخيراً:
دع الحاسدً فيما هو فيه من بلاء عظيم، وادعُ له، وتغافل عنه؛ فالتغافل من صفات العقلاء، وقديماً قالت العرب: الشرف التغافل، وقال شاعرها:
ليس الغبيُّ بسيدٍ في قومه لكن سيــد قومه المتغابـي
د. عائض القرني
عقد مكتوب ، وميثاق موقع ، وسلعة تعرض ، ومهج تباع .
المشتري : هو الله جل جلاله ، ( ومن أصدق من الله قيلاً ) ومن أوفى من الله ؟
الباعة : هم المؤمنون رواد بدر وأحد ، وتلك المواقف المأثورة والمشاهد المذكورة.
والسلعة : جنة علرضها السموات والأرض ، من دخلها لا يهرم ، ولا يندم ، ولا يبلى شبابه ، ولا تذبل ثيابه .
والثمن : مهج المصلين ، طارت من الصدور على رؤوس السيوف ، وتناثرت من الأحشاء على صدور الرماح ، فهل سمعت بيعاً كهذا البيع أوفى ، وأغلى ، وأجمل ، وأكمل ، وأشرق ، وألطف ؟!!
أمضاه أحمد عن أبطال أمته والله أنزله عهـداً وميثاقـاً
الأموال ، والأنفس ، والأعراض ، والجماجم ، والدماء كلها لمن خلقها ، وإنما هي عندنا عارية ، وصاحب العارية أحق بها ، ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) .
ليس لنا شيء ، ولا معنا وعندنا شيء ، فالعطاء ، والهبة ، والمنح ، والأيادي من الله عز وجل ، خلق ، ورزق ، وعافى ، وستر ، ولطف ، وتكفل .
من بخل بمهجته في سبيل الله ، خرجت منه غضباً ، وسالت رخيصة ، وذهبت ذليلة :
نفوس تذوق الموت قتلاً ولا ترى سوى القتل للمجد المبجل مكسباً
==================================================
الثبات على الحق
د. عائض القرني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الله وآله وصحبه، وبعد..
فإن الله عز وجل يثّبت أولياؤه بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فترى المؤمن على حالة واحدة من الصدق في أقواله وأفعاله وأحواله لا يكذب إذا حدث ولا يخلف إذا وعد ولا يفجر إذا خاصم، لا يظهر تواضعاً وفي قلبه كبر ولا يتصنع بالتقوى ونفسه فاجرة، ولا يراقب الناس فإذا خلا بنفسه عصى ربه، ومن أسباب الثبات لزوم الطاعة واجتناب المعصية ومصاحبة الصالحين وهجر العصاة، والتزود بالنوافل من صلاة وصيام وقيام وذكر مع تدبر القرآن والتفكر في خلق الله وقصر الأمل وإخلاص العمل وصحة التوكل فيا مسلماً عرف ربه وأحبَّ رسوله وقرأ كتابه ألزم الطريق الذي سار عليه السلف واحذر من مضلات الفتن ودواعي الشهوات وأسباب الشبهات فإن القلب يتقلب ومن زاغ أزاغ الله قلبه، فجاهد أخي نفسك الأمّارة بالسوء فإن الأيام قصيرة وقد اقترب الرحيل ودنا الموت وحانت الوفاة وليس لك والله هنا قرار وإنما القرار هناك إما في جنة أو نار.
فقف مع نفسك وقفة صادقة وحاسبها على اللفظة واللحظة فإنك إن تركتها أوردتك موارد الهلاك فخسرت الدنيا والآخرة، فهيّا تهيأ للسفر الطويل بزاد من التقوى، وحافظ على تكبيرة الإحرام مع الجماعة والزم مصحفك كل يوم ساعة، وكن من أهل الطاعة، وتصور انتهاء العالم وقيام الساعة، وابك على ما سلف منك وتأسف على ما قدمت من ذنوب وانقش على لوح قلبك قوله صلى الله عليه وسلم: "كف عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك"، واطلب العلم النافع الموروث عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم، عسى الله أن يحشرك في زمرة الأنبياء وأن يجمعك بالعلماء ويصطفيك مع الأولياء، ثبتنا الله وإياكم وغفر لنا ولكم وجمعنا بكم في جنته مع صفوته من خلقه في جنات ونهر في معقد صدق عند مليك مقتدر
================================================== =======
الحاســـــــد
د. عائض القرني
لو قدمت له حذاءه، وأحضرت له طعامه، وناولته شرابه، وألبسته ثوبه، وهيأت له وضوءه، وفرشت له بساطه، وكنست له بيته، فإنك لا تزال عدوه أبداً، لأن سبب العداوة لا زال فيك، وهو فضلك أو علمك أو أدبك أو مالك أو منصبك، فكيف تطلب الصلح معه وأنت لم تتب من مواهبك ؟! والحاسد ينظر متى تتعثر، ويتحرى متى تسقط، ويتمنى متى تهوي.
أحسن أيامه يوم تمرض، أجمل لياليه يوم تفتقر، وأسعد ساعاته يوم تنكب، وأحب وقت لديه يوم يراك مهموماً مغموماً حزيناً منكسراً، وأتعس لحظة عنده إذا اغتنيت، وأفظع خبر عنده إذا علوت، وأشد كارثة لديه إذا ارتقيت، ضحكك بكاء له، وعيدك مأتم له، ونجاحك فشل لديه، ينسى كل شيء عنك إلا الهفوات، ويغفل عن كل أمر فيك إلا الزلات، خطأك الصغير عنده أكبر من جبل أحد، وذنبك الحقير لديه أثقل من ثهلان، لو كنتَ أفصح من سحبان، فأنت عنده أعيى من باقل، ولو كنت أسخى من حاتم فأنت لديه أبخل من مادر، ولو كنت أعقل من الشافعي فهو يراك أحمق من هبنقة، الذي يمدحك عنده كذاب، والذي يثني عليك لديه منافق، والذي يذب عنك في مجلسه ثقيل حقير، يصدق من يسبك، ويحب من يبغضك، ويقرب من يعاديك، ويساعد من يكرهك ويجافيك، الأبيض في عينك سواد عنده، والنهار في نظرك ليل في نظره، لا تجعله حكماً بينك وبين الآخرين فيحكم عليك قبل سماع الدعوى وحضور البينة، ولا تطلعه على سرك فأكبر همّه أن يذاع ويشاع، ويحفظ عليك الزلة ليوم الحاجة، ويسجل عليك الغلطة ليوم الفاقة، لا حيلة فيه إلا العزلة عنه، والفرار منه، والاختفاء عن نظره، والبعد عن بيته، والانزواء عن مكانه.
أنت الذي أمرضه وأسقمه، أنت الذي أسهره وأضناه، أنت الذي جلب له همّه، وحزنه، وتعبه، ووصبه، وهو الظالم في صورة مظلوم، لكن يكفيك ما هو فيه من غصص، وما يعايشه من آلام، وما يعالجه من أحزان، وما يذوقه من ويلات.
أبدو فيسجد مَنْ بالسوء يذكرني
كذاك قد كنت في أهلي وفي وطني
محسَّدُ الفضل مكذوبٌ على أثري
فلا أعاتبه صفحاً وإهوانا
إن النفيس غريبٌ حيثما كانا
أُغتاب سراً ويُثني فيَّ إعلانا
وأخيراً:
دع الحاسدً فيما هو فيه من بلاء عظيم، وادعُ له، وتغافل عنه؛ فالتغافل من صفات العقلاء، وقديماً قالت العرب: الشرف التغافل، وقال شاعرها:
ليس الغبيُّ بسيدٍ في قومه لكن سيــد قومه المتغابـي