أبوالزبير
29 May 2005, 11:47 PM
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد
التقصير في أدب الحوار
فالناس كثيرا ما يحتاجون إلى الحوار , ليصلوا من خلاله إلى نتيجة ما , سواء في المسائل العلمية , أو غيرها من الأمور التي تتفاوت في فهمها مدارك العقول .
والحوار المنهجي مفيد في إيصال الفكرة للآخرين , ومفيد في تدريب المحاور نفسه , إذ يرتقي بطريقته في التفكير والأداء , ويربه على كبح جماحه , وضبط نفسه ولسانه , ويقوي لديه ملكة المحاكمة والتفكير المتزن , مما يجعله مقبولاً بدرجة أكبر .
ثم أن الناس يصلون من خلال الحوار المنضبط إلى قناعات معينة , وتصورات صحيحه .
كما أنه سبب لاتساع آفاقهم , وتفتح مداركهم , ولهذا عني القرآن به عناية بالغة , فهو الطريق الأمثل للإقناع الذي ينبع من الأعماق .
إلا أن المتأمل في حوارات الناس يلحظ تقصيراً كبيراً في هذا الجانب .
وقبل الدخول في ذكر جوانب التقصير في أدب الحوار – يحسن أن يُفَرَّقَ بين الحوار ولجدال تفريقاً يوضح مدلول كل منهما .
فهما يلتقيان في أنهما حديث أو مناقشة بين طرفين , لكنهما يفترقان بعد ذلك .
أما الجدال فهو على الأغلب اللددُ في الخصومة وما يتصل بذلك , ولكن في إطار التخاصم بالكلام , فالجدال , والمجادلة , والجدل كل ذلك ينحو منحى الخصومة ولو بمعنى العناد بالرأي , والتعصب له .
هذا وستتضح معالمه في الفقرة التالية .
وأما الحوار والمحاورة فهو مراجعة الحديث , ومداولة الكلام بين طرفين , ينتقل من الأول إلى الثاني , ثم يعود إلى الأول وهكذا , دون أن يكون بين هذين الطرفين ما يدل بالضرورة على وجوب الخصومة .
وأما الآن فإلى ذكر بعض الجوانب التي يُقصَّر فيها في أدب الحوار .
1- قلة الإخلاص :
وذلك بأن يدخل المرء في حوار لا يريد به وجه الله , ولا الوصول من خلاله إلى معرفة الحق .
وإنما يريد أن يظهر براعته , ويبرز مقدرته , ويبز أقرانه , وينتزع إعجاب الحاضرين .
قال الرافعي – رحمه الله - : " متى ما وقع الخلاف بين اثنين , وكانت النية صادقة مخلصة – لم يكن اختلافهما إلا من تَنَوَّعِ الرأي , وانتهيا إلى الاتفاق بغلبة أقوى الرأيين , ما من ذلك بُدٌٌّ "
وعن أحمد بن خالد الخلال قال : " سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول : ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ " .
وعن الحسين الكرابيسي يقول : سمعت الشافعي يقول : ما ناظرت أحداً قط إلا أحببت أن يُوفَّق , ويُسدَّدَ , ويُعان , ويكون عليه رعايةُ من الله وحفظ .
وما ناظرت أحداً إلا ولم أُبالِ بَيَّن الله الحق على لساني أو لسانه .
2 – الدخول في النيات :
وذلك بإلصاق التهم بالمحاور , وحمل كلامه على أسوأ المحامل , وأخذه بلازم قوله دون أن يلتزمه , أو أن يقول له : أنت لم تُرِد بما قلت وجه الله , أو نحو ذلك .
فهذا مما يفسد جوَّ الحوار , ويفقده مصداقيته وفائدته , ويخرجه إلى المهاترة والمسابَّة .
فيجمل بالمرء أن يحسن الظن بمن يحاوره , وأن لا يدخل في نيته , وأن يحمل كلامه على أحسن المحامل ما وجد إلى ذلك سبيلاً .
3 – الغضب :
فكثير من المحاورين إذا أبدا وجهة نظر قابله للأخذ والرد ثم عارضه صاحبه ولم يوافقه عليها – غضب لذلك أشد الغضب .
وهذا لا يحسن بالمحاور , بل يحسن به أن يضبط نفسه , وألا يحمل الناس على ما يراه صواباً .
4 – الهجر والصرم :
فكثيراً ما تفسد ذاتُ البن بين المتحاورين عند الاختلاف في وجهات النظر .
حتى إن ذلك لَيَحدثُ بين الزملاء والأصدقاء , فلربما أودى الخلاف بالصداقة , وذهب بالمودة والمحبة .
أن المحاورة والمناقشة تؤثر – في غالب الأحيان – على القلوب , وتكدر الخواطر , فتذكر ذلك جيداً وأنت تحاور , وتذكر قول الشاعر :
واختلافُ الرأيِ لا يُفسِدُ للودَّ قَضِيَّة
وقول الآخر :
في الرأي تضطغن العقول وليس تضطغن الصدور
فليست المشكلة أن نختلف , وإنما هي ألا نعرف كيف نختلف , وليس الحل بألا نختلف أبداً , فهذا غير ممكن ولا متصور , وإنما هو ألا نصعد الخلاف , وألا نسعى إلى إذكائه , وأن نعرف كيف نختلف كما نعرف كيف نتفق , كما كان الصحابة – رضي الله عنهم – فهم خير الناس حال الوفاق , وحال الخلاف .
فمع أن الخلاف وقع بينهم في العديد من المسائل إلا أن قلوبهم كانت متوادَّةً , متحابة , متقاربة , متآلفة .
بل لقد كانوا مثالاً يحتذى , ونهجاً يقتفى حتى في حال الفتنة والقتال , فبرغم ما حصل بينهم من قتال وفتنة إلا أن منار العدل والتقوى كان قائماً فيهم , فلم يُكفَّر بعضهم بعضاً , ولم يُدَّع بعضهم بعضاً و بل كانوا يثنون على بعض ويَتَرَحَّمون على بعض .
5 - إغفال الجوانب العاطفية :
فالجوانب العاطفية لها دور كبير في المحاورة وغيرها , فكثير من المحاورين يغفل هذا الجانب ولا يأبه به .
وهذا خلل يحسن بالمُحَاوِر أن يتجنبه , ففي بعض الأحيان قد لا ينفع المنطق والبرهان , وإنما يجدي التودد والإحسان .
فحينئذٍ ألق عصا المنطق والبيان , واحمل راية الشفقة والحنان , حينها تَخَطِب الودَّ , وتستولي على الأمد .
فكثيراً ما تبدأ المناقشة أو المحاورة , وروح العداوة تسيطر على أحد الطرفين .
فإذا ما دفع الآخر بالتي هي أحسن انقلبت العداوة إلى مودة , والبغضة والوحشة إلى محبة وألفة .
فحري بالمحاور أن يكسب صاحبه , وأن يخطب ودَّه في كل مناسبة تسنح له , فيثني عليه إذا أجاد , ويسلم له إذا أصاب , ويرده إلى الصواب بلطف إذا هو أخطأ , ويذكر مزاياه في حضوره وغيبته , ويبادر بالهدية والزيارة إذا أحس نفرة منه .
وهذه الأمور ليس بالسهل تحصيلها , ولا ليس بمقدور كل إنسان أن ينالها ، بل تحتاج إلى توفيق , وتدريب , وصبر , وشجاعة .
( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصلت35
وللحديث بقية إنشاء الله
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
ووفق الله الجميع
التقصير في أدب الحوار
فالناس كثيرا ما يحتاجون إلى الحوار , ليصلوا من خلاله إلى نتيجة ما , سواء في المسائل العلمية , أو غيرها من الأمور التي تتفاوت في فهمها مدارك العقول .
والحوار المنهجي مفيد في إيصال الفكرة للآخرين , ومفيد في تدريب المحاور نفسه , إذ يرتقي بطريقته في التفكير والأداء , ويربه على كبح جماحه , وضبط نفسه ولسانه , ويقوي لديه ملكة المحاكمة والتفكير المتزن , مما يجعله مقبولاً بدرجة أكبر .
ثم أن الناس يصلون من خلال الحوار المنضبط إلى قناعات معينة , وتصورات صحيحه .
كما أنه سبب لاتساع آفاقهم , وتفتح مداركهم , ولهذا عني القرآن به عناية بالغة , فهو الطريق الأمثل للإقناع الذي ينبع من الأعماق .
إلا أن المتأمل في حوارات الناس يلحظ تقصيراً كبيراً في هذا الجانب .
وقبل الدخول في ذكر جوانب التقصير في أدب الحوار – يحسن أن يُفَرَّقَ بين الحوار ولجدال تفريقاً يوضح مدلول كل منهما .
فهما يلتقيان في أنهما حديث أو مناقشة بين طرفين , لكنهما يفترقان بعد ذلك .
أما الجدال فهو على الأغلب اللددُ في الخصومة وما يتصل بذلك , ولكن في إطار التخاصم بالكلام , فالجدال , والمجادلة , والجدل كل ذلك ينحو منحى الخصومة ولو بمعنى العناد بالرأي , والتعصب له .
هذا وستتضح معالمه في الفقرة التالية .
وأما الحوار والمحاورة فهو مراجعة الحديث , ومداولة الكلام بين طرفين , ينتقل من الأول إلى الثاني , ثم يعود إلى الأول وهكذا , دون أن يكون بين هذين الطرفين ما يدل بالضرورة على وجوب الخصومة .
وأما الآن فإلى ذكر بعض الجوانب التي يُقصَّر فيها في أدب الحوار .
1- قلة الإخلاص :
وذلك بأن يدخل المرء في حوار لا يريد به وجه الله , ولا الوصول من خلاله إلى معرفة الحق .
وإنما يريد أن يظهر براعته , ويبرز مقدرته , ويبز أقرانه , وينتزع إعجاب الحاضرين .
قال الرافعي – رحمه الله - : " متى ما وقع الخلاف بين اثنين , وكانت النية صادقة مخلصة – لم يكن اختلافهما إلا من تَنَوَّعِ الرأي , وانتهيا إلى الاتفاق بغلبة أقوى الرأيين , ما من ذلك بُدٌٌّ "
وعن أحمد بن خالد الخلال قال : " سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول : ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ " .
وعن الحسين الكرابيسي يقول : سمعت الشافعي يقول : ما ناظرت أحداً قط إلا أحببت أن يُوفَّق , ويُسدَّدَ , ويُعان , ويكون عليه رعايةُ من الله وحفظ .
وما ناظرت أحداً إلا ولم أُبالِ بَيَّن الله الحق على لساني أو لسانه .
2 – الدخول في النيات :
وذلك بإلصاق التهم بالمحاور , وحمل كلامه على أسوأ المحامل , وأخذه بلازم قوله دون أن يلتزمه , أو أن يقول له : أنت لم تُرِد بما قلت وجه الله , أو نحو ذلك .
فهذا مما يفسد جوَّ الحوار , ويفقده مصداقيته وفائدته , ويخرجه إلى المهاترة والمسابَّة .
فيجمل بالمرء أن يحسن الظن بمن يحاوره , وأن لا يدخل في نيته , وأن يحمل كلامه على أحسن المحامل ما وجد إلى ذلك سبيلاً .
3 – الغضب :
فكثير من المحاورين إذا أبدا وجهة نظر قابله للأخذ والرد ثم عارضه صاحبه ولم يوافقه عليها – غضب لذلك أشد الغضب .
وهذا لا يحسن بالمحاور , بل يحسن به أن يضبط نفسه , وألا يحمل الناس على ما يراه صواباً .
4 – الهجر والصرم :
فكثيراً ما تفسد ذاتُ البن بين المتحاورين عند الاختلاف في وجهات النظر .
حتى إن ذلك لَيَحدثُ بين الزملاء والأصدقاء , فلربما أودى الخلاف بالصداقة , وذهب بالمودة والمحبة .
أن المحاورة والمناقشة تؤثر – في غالب الأحيان – على القلوب , وتكدر الخواطر , فتذكر ذلك جيداً وأنت تحاور , وتذكر قول الشاعر :
واختلافُ الرأيِ لا يُفسِدُ للودَّ قَضِيَّة
وقول الآخر :
في الرأي تضطغن العقول وليس تضطغن الصدور
فليست المشكلة أن نختلف , وإنما هي ألا نعرف كيف نختلف , وليس الحل بألا نختلف أبداً , فهذا غير ممكن ولا متصور , وإنما هو ألا نصعد الخلاف , وألا نسعى إلى إذكائه , وأن نعرف كيف نختلف كما نعرف كيف نتفق , كما كان الصحابة – رضي الله عنهم – فهم خير الناس حال الوفاق , وحال الخلاف .
فمع أن الخلاف وقع بينهم في العديد من المسائل إلا أن قلوبهم كانت متوادَّةً , متحابة , متقاربة , متآلفة .
بل لقد كانوا مثالاً يحتذى , ونهجاً يقتفى حتى في حال الفتنة والقتال , فبرغم ما حصل بينهم من قتال وفتنة إلا أن منار العدل والتقوى كان قائماً فيهم , فلم يُكفَّر بعضهم بعضاً , ولم يُدَّع بعضهم بعضاً و بل كانوا يثنون على بعض ويَتَرَحَّمون على بعض .
5 - إغفال الجوانب العاطفية :
فالجوانب العاطفية لها دور كبير في المحاورة وغيرها , فكثير من المحاورين يغفل هذا الجانب ولا يأبه به .
وهذا خلل يحسن بالمُحَاوِر أن يتجنبه , ففي بعض الأحيان قد لا ينفع المنطق والبرهان , وإنما يجدي التودد والإحسان .
فحينئذٍ ألق عصا المنطق والبيان , واحمل راية الشفقة والحنان , حينها تَخَطِب الودَّ , وتستولي على الأمد .
فكثيراً ما تبدأ المناقشة أو المحاورة , وروح العداوة تسيطر على أحد الطرفين .
فإذا ما دفع الآخر بالتي هي أحسن انقلبت العداوة إلى مودة , والبغضة والوحشة إلى محبة وألفة .
فحري بالمحاور أن يكسب صاحبه , وأن يخطب ودَّه في كل مناسبة تسنح له , فيثني عليه إذا أجاد , ويسلم له إذا أصاب , ويرده إلى الصواب بلطف إذا هو أخطأ , ويذكر مزاياه في حضوره وغيبته , ويبادر بالهدية والزيارة إذا أحس نفرة منه .
وهذه الأمور ليس بالسهل تحصيلها , ولا ليس بمقدور كل إنسان أن ينالها ، بل تحتاج إلى توفيق , وتدريب , وصبر , وشجاعة .
( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصلت35
وللحديث بقية إنشاء الله
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
ووفق الله الجميع