المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصطفى صادق الرافعي



Sheba Queen
13 May 2005, 12:40 AM
نشأته

ولد "مصطفى صادق الرافعي" على ضفاف النيل في قرية (بهتيم) إحدى قرى مدينة القليوبية بمصر في يناير عام 1880م لأبوين سوريَّين؛ حيث يتصل نسب أسرة والده بعمر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهم- في نسب طويل من أهل الفضل والكرامة والفقه في الدين.. وقد وفد من آل الرافعي إلى مصر طائفة كبيرة اشتغلوا في القضاء على مذهب الإمام الأعظم "أبي حنيفة النعمان"، حتى آل الأمر إلى أن اجتمع منهم في وقت واحدٍ أربعون قاضيًا في مختلف المحاكم المصرية، وأوشكت وظائف القضاء أن تكون حِكرًا عليهم، وقد تنبه اللورد "كرومر" لذلك، وأثبتها في بعض تقارير إلى وزارة الخارجية البريطانية.


أما والد "الرافعي" الشيخ "عبد الرزاق سعيد الرافعي"، فكان رئيسًا للمحاكم الشرعية في كثير من الأقاليم المصرية، وقد استقر به المقام رئيسًا لمحكمة طنطا الشرعية، وهناك كانت إقامته حتى وفاته، وفيها درج "مصطفى صادق" وإخوته لا يعرفون غيرها، ولا يبغون عنها حولاً.


أما والدته فهي من أسرة الطوخي، وتُدعى "أسماء"، وأصلها من حلب.. سكن أبوها الشيخ "الطوخي" في مصر قبل أن يتصل نسبهم بآل الرافعي، وهي أسرة اشتهر أفرادها بالاشتغال بالتجارة وضروبها، وإلى هذه الأسرة المورقة الفروع ينتمي "مصطفى صادق"، وفي فنائها درج، وعلى الثقافة السائدة لأسرة أهل العلم نشأ؛ فاستمع من أبيه أول ما استمع إلى تعاليم الدين، وجمع القرآن حفظًا وهو دون العاشرة، فلم يدخل المدرسة إلا بعدما جاوز العاشرة بسنة أو اثنتين، وفي السنة التي نال فيها الرافعي الشهادة الابتدائية وسنه يومئذٍ 17 عامًا أصابه مرض (التيفوئيد) فما نجا منه إلا وقد ترك في أعصابه أثرًا ووقرًا في أذنيه لم يزل يعاني منه حتى فقد حاسة السمع وهو لم يجاوز الثلاثين بعد، وكانت بوادر هذه العلة هي التي صرفته عن إتمام تعليمه بعد الابتدائية، فانقطع إلى مدرسته التي أنشأها لنفسه وأعد برامجها بنفسه؛ فكان هو المعلم والتلميذ، فأكبَّ على مكتبة والده الحافلة التي تجمع نوادر كتب الفقه والدين والعربية؛ فاستوعبها وراح يطلب المزيد، وكانت علته سببًا باعد بينه وبين مخالطة الناس، فكانت مكتبته هي دنياه التي يعيشها وناسها ناسه، وجوها جوه، وأهلها صحبته وخلانه وسُمّاره، وقد ظل على دأبه في القراءة والاطلاع إلى آخر يوم في عمره، يقرأ كل يوم 8 ساعات لا يكل ولا يمل كأنه في التعليم شادٍ لا يرى أنه وصل إلى غاية.

بدأ "الرافعي" حياته الأدبية شاعرًا، وكان لا يتجاوز التاسعة عشرة من عمره، وأخذ ينشر شعره ومقالاته في المجلات التي كانت تصدر آنذاك، وقد أخرج الجزء الأول من ديوانه سنة 1900م، ثم تلاه الجزآن الثاني والثالث، ومن هنا دخل "الرافعي" إلى مجال الشهرة الأدبية؛ إذ تبنى نشر شعره الشيخ "ناصيف البازجي" في مجلة (الضياء) سنة 1903م.


ثم أخرج "الرافعي" بعد ذلك ديوان (النظرات) سنة 1908م، ثم كتب في تاريخ آداب العرب وإعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وأضاف إلى العربية فنًا جديدًا من فنون النثر لم يسبقه إليه أحد، وهو فن الرسالة الأدبية وذلك من خلال كتبه الثلاثة "رسائل الأحزان" و"السحاب الأحمر" و"أوراق الورد"، ومن الإنتاج المتميز للرافعي كتاباه: "تحت راية القرآن"، و"وحي القلم"


على الرغم من أن "الرافعي" درس اللغة الفرنسية في المدرسة الابتدائية إلا أنها لم تجد عليه إلا قليلاً، بل أخذ "الرافعي" ينمي ثقافته بعصاميته كما ذكرنا سابقًا، وقد وضع كتب التراث أساسًا ومحورًا لها بالإضافة إلى بعض القراءات المترجمة، لكن ظل التراث نبعًا ثريًّا ينهل منه حتى إنه استطاع بفضل الله أن يكتب "تاريخ آداب العرب" من وحي ذاكرته التي جمع فيها شتات قراءاته.


وهذا ما أشار إليه الأستاذ "سعد العريان" في مقدمة كتابه (حياة الرافعي): "وهممت أن أسأل "الرافعي"، ولكني لم أفعل، وهممت أن أعرفه بنفسي فلم أبلغ، ثم عزوت ذلك إلى ذاكرة "الرافعي" وسرعة حفظه فقلت متفرقات قد عرفها في سنين متباعدة فوعتها حافظة واعية، وكان مستحيلاً عليه أن يجمعه، لو لم تُجمع له الذاكرة من ذات نفسها".


وهكذا وصل "الرافعي" بعمق ثقافته في التراث إلى أن يكتب كتابًا من ذاكرته، يقع في ثلاثة مجلدات، وما هو إلا توفيق الله له؛ أعانه على أن يبعث أروع الأدب في هذه الأمة من جديد.


ويتضح هذا من خلال قوله لأحدهم: "وما أرى أحدًا يفلح في الكتابة والتأليف إلا إذا حكم على نفسه حكمًا نافذًا بالأشغال الشاقة الأدبية، كما تحكم المحاكم بالأشغال الشاقة البدنية، فاحكم على نفسك بالأشغال الشاقة سنتين أو ثلاثًا في سجن الجاحظ أو أدب أبي العلاء المعرى أو غيرهما".


ومن هنا نلمس كيف كان "الرافعي" حريصًا على أن تكون كتب التراث في مقدمة ثقافة الدارسين للغة والآداب؛ حتى يرتكز الأديب على ركن أصيل وتراث زاخر يحميه من كل الأفكار الوافدة التي قد تعصف به وتجعل منه لسانًا للعجمة، كما حدث مع الكثرة ممن انسلخوا من تراثهم وحاولوا أن ينالوا من هذه اللغة ومن أصالتها، وقد وقف "الرفعي" لأصحاب هذه الدعوات بالمرصاد، وقامت بينه وبينهم معارك أدبية، خاضها "الرافعي" مدافعًا عن العربية والإسلام دفاع المستميت.


سمات أدب الرافعي:

نستطيع أن نبين أهم السمات والملامح التي تميز بها أدب "الرافعي" كما يلي:


أولاً: الأصالة الإسلامية:
من أولى السمات وأبرزها وأوضحها في آداب "الرافعي" السمة الإسلامية، وهي تتضح منذ نشأته وحتى مماته.. فبيته الذي نشأ فيه غرس فيه الروح الإسلامية، وظل ناشئًا معها محاطًا بها في كل أطوار حياته، ونرى السمة الإسلامية في نقده وثقافته، وفي إبداعه؛ وهو ما يدل على أنه كان يبغي وجه ربه في كتاباته، ومن هنا علَّق على نشيده "ربنا إياك ندعو" فقال: إني أعلق أملاً كبيرًا على غرس هذه المعاني في نفوس النشء المسلم، فالرجل لم يكتب لشهرة ولا لمال ولا لمنصب؛ وإنما كان الإسلام هو دافعه وموجهه.


ثانيًا: أصالة المعاني والألفاظ:
إن من يقرأ أدب "الرافعي" ويتمعن في سمو معانيه ودقة ألفاظه يقول: إن هذا الرجل لم يعشْ في القرن العشرين؛ وإنما عاش معاصرًا للجاحظ وابن المقفع وبديع الزمان، والدليل على ذلك أنه ما وُجد أديب معاصر له قارب أسلوبه أو لغته أو فنه، وكان هذا دافعًا لوجود أعداء كثيرين له، بل لقد عاداه الكثير من أدباء عصره حيًّا وميتًا، ولم يذهب واحد من خصومه معزيًا أهله في وفاته، إلا رجل واحد كتب برقية إلى ولده؛ هو الدكتور "طه حسين".


ثالثًا: القوة في الحق:
القوة في الحق سمة بارزة في أدب "الرافعي" وفي كتاباته، فبرغم أن "العقاد" قال عنه يومًا: "إنه ليتفتق لهذا الكاتب من أساليب البيان ما يتفتق مثله لكاتب من كتاب العربية في صدر أيامها"، إلا أن هذا لم يُغفر للعقاد أن يتناوله "الرافعي" بنقد شديد فيما بعد؛ حرصًا منه على فكرته، كما أننا لم نجد في كتاباته مداهنة لأحد ولا خوفًا من أحد، لقد كان العقاد كاتب الوفد الأول، إلا أن "الرافعي" لم يهبه، وكان "عبدالله عفيفي" شاعر الملك، إلا أنه لم يسلم من قلم "الرافعي"، هذه أبرز سمة في أدب "الرافعي" وهي تكفيه.


النقد عند الرافعي:
كانت بدايات النقد عند "الرافعي" بعض المقالات التي كان ينشرها في المجلات والجرائد التي كانت تنتشر في عصره، ومن أشهرها: مقال نشره في الجريدة، يحمل فيه على الجامعة وأساتذتها ومنهج الأدب فيها.


- من أبرز نقده (تحت راية القران) و(على السفود)، وقد انتقد "طه حسين" ومنهجه كتاب (الشعر الجاهلي) في كتابه الأول، بينما انتقد العقاد في كتابه الثاني.


- كان "الرافعي" ينتقد المعاني والألفاظ من ناحية مستوى تأليفها والابتكار فيها، وينقد التكرار القبيح في الألفاظ والمعاني، كما كان ينقد اضطراب القوافي وثقل الألفاظ.


- كان "الرافعي" عنيفًا على "طه حسين"، كما كان عنيفًا على "العقاد"، وأخذ عليه بعض العبارات القاسية التي كتبها للعقاد في كتابه (على السفود)، التي كان من الأولى أن يسمو قلم "الرافعي" عنها وعن الخوض فيها، ولنقترب أكثر من منهجه في النقد ونقول: كانت للرافعي غيرة واعتداد بالنفس عُرفت من خلال نقده اللاذع، وكان فيه حرص على اللغة من جهة الحرص على الدين، وكان يؤمن بذلك، فكان بذلك ناقدًا حاد اللسان يغار على أدبه منها كما يغار على عرضه، فكان يضرب كل مَن تطاول عليه، ولا يخشى في الله لومه لائم".


فهو يقول في مقدمة كتابه (تحت راية القرآن)- مبينًا منهجه-: "إننا في هذا الكتاب نعمل على إسقاط فكرة خطرة، وإذ هي قامت اليوم بفلان الذي نعرفه، فقد تكون غدًا فيمن لا نعرفه ونحن نرد على هذا".


"الرافعي" بهذه الكلمات الموجزة قد حدد منهجه في النقد ببساطة ووضوح، فهل هناك منهج نقدي أرقى من هذا المنهج؟!
نخلص إلى أن النقد عند "الرافعي" افترض أصالة الفكرة واللغة عن المبدع والسير حسب الأصول النقدية الصحيحة التي تزرع القاريء عند النقد.. والرافعي في كل هذا إنما ينقد من خلال السمة الإسلامية التي تسيطر عليه.

معارك الرافعي الأدبية


لقد عاش "الرافعي" في عصر كثر فيه أدعياء التجديد ونبذ القديم، بل وقف الرافعي وحده في الميدان مدافعًا، لا يستند إلا على ربه، وما وهبه من علم، فكان يبارز الكثير منهم في ساحة الصحف والمجلات والمطبوعات برغم أنه كان يعيش في (طنطا) بعيدًا عن أضواء الصحافة والمجلات الكثيرة التي كان يسيطر عليها أمثال هؤلاء، فكان يعتمد على مرتبه البسيط الذي كان يتقاضاه من المحكمة الأهلية، التي كان يعمل بها؛ لذلك نجده لم ينافق ولم يراءِ في معاركه، لأن ضميره ودينه يفرضان عليه خوض هذه المعارك.


ومن هنا كانت المعارك التي خاضها "الرافعي" مع "طه حسين" و"العقاد"، و"سلامة موسى" و"زكي مبارك" و"عبد الله عفيفي"، وإن كانت معاركه مع العقاد أشهر هذه المعارك، إلا أن معظمها كانت من منطلق إيمانه بمنهجه وطريقته في الإبداع والنقد، والاحتماء بالتراث العربي الأصيل.. كما أسس الرافعي بتلك المعارك منهجه النقدي من خلال أبرز كتبه، وهي: (تحت راية القرآن)، و(على السفور).


أما أبرز معارك الرافعي العلمية، التي يتعين الإشارة إليها بشيء من التفصيل بعد أن أهال عليها الزمن تراب النسيان، بل إن الكثيرين اليوم لا يحيطون بتفاصيلها.. وبخاصة ما كان بينه وبين كل من الأديبين الراحلين الدكتور "طه حسين" والأستاذ "عباس محمود العقاد" على التوالي.


* معركة "الرافعي" مع "طه حسين":
بدأت المعركة حينما أصدر الرافعي كتابه (تاريخ آداب العرب)، وانتقده "طه حسين"، الذي كان لا يزال طالب علم في ذلك الحين في عام 1912م بمقال نشره بالجريدة، مبديًا أنه لم يفهم من هذا الكتاب حرفًا واحدًا.


وأسرها الرافعي في نفسه، وإن كان "طه حسين" قد عاد بعد ذلك عام 1926م فقال عن ذات الكتاب: إن "الرافعي" قد فطن في كتابه لما يمكن أن يكون عليه تأثير القصص وانتحال الشعر عند القدماء، كما فطن لأشياء أخرى قيمة"!


وبدأت المعركة في الاحتدام حينما أصدر الرافعي كتابه (رسائل الأحزان) واستقبله "طه حسين" بتقديم شديد، انتهى فيه للقول: "إن كل جملة من هذا الكتاب تبعث في نفسي شعورًا مؤلمًا"!
ورد عليه "الرافعي" بجريدة "السياسي "ساخرًا بقوله: "لقد كتبت رسائل الأحزان في ستة وعشرين يومًا، فاكتب أنت مثلها في ستة وعشرين شهرًا، وأنت فارغ لهذا العمل، وأنا مشغول بأعمال كثيرة لا تدع لي من النشاط ولا من الوقت إلا قليلاً .. هأنذا أتحداك أن تأتي بمثلها أو بفصل من مثلها".


واشتدت المعركة وزادت عنفًا حينما أصدر الدكتور "طه حسين" كتابه "الشعر الجاهلي"، وأحدث الضجة المعروفة، وانبرى "الرافعي" يندد بما جاء بهذا الكتاب وفنده فصلاً فصلاً، حتى اجتمع له من ذلك كله كتاب أطلق عليه عنوان (تحت راية القرآن)، الذي كان حديث الناس في تلك الفترة (عام 1926م).


* معركة الرافعي مع العقاد:
بدأت حينما اتهم "العقادُ" "الرافعي"َّ بأنه واضع رسالة الزعيم "سعد زغلول" في تقريظ كتاب الرافعي (إعجاز القرآن) بقوله إن قول "سعد زغلول" عن الكتاب إنه (تنزيل من التنزيل أو قبس من نور الذكر الحكيم) ليروج الكتاب بين القراء .. هذه العبارة من اختراع الرافعي وليست من يراع الزعيم "سعد زغلول"!


ويدافع الرافعي عن هذا الاتهام بقوله للمرحوم محمد سعيد العريان: "وهل تظن أن قوة في الأرض تستطيع أن تسخر سعدًا لقبول ما قال، لولا أن هذا اعتقاده".


وأرجع "الرافعي" السبب في اتهام "العقاد" له إلى أن العقاد كان هو كاتب الوفد الأول، وأن سعدًا كان قد أطلق عليه لقب (جبار القلم)، ولا يقبل "العقاد" منافسًا له في حب "سعد" وإيثاره له.


وقد أخذت المعركة طابعها العنيف حينما شن "العقاد" حملة شعواء عليه في كتابه (الديوان) سنة 1921م، وتناول العقاد فيه أدب "الرافعي" بحملة شعواء جرده فيها من كل ميزة .. وشمر "الرافعي" عن ساعده على إثرها وتناول العقاد بسلسلة من المقالات تحت عنوان (على السفود) بأسلوب حاد كان أقرب إلى الهجاء منه إلى النقد الموضوعي الجاد.. والسفود في اللغة هو الحديدة التى يُشوى بها اللحم، ويسميها العامة السيخ كما يقول "الرافعي" في شرح العنوان.


وبعد أن هدات الخصومة بينهما بسنوات نشر المرحوم "الزيات" صاحب "الرسالة" رأي "الرافعي" الحقيقي في العقاد الذي يشتمل على استنكار الرافعي نفسه للأسلوب الناري الذي اتبعه وفاءً إلى التسامح بعد بضعة عشر عامًا من خمود المعركة على حد تعبير الأستاذ كمال النجمي.


فقد قال "الزيات" للرافعي وهو يحاوره: ياصاحب (تاريخ آداب العرب) .. هل تستطيع أن تجرد نفسك من ملابسات الخصومة وتجمل لنا رأيك الخالص في العقاد"؟
فأجاب الرافعي: "أقول الحق، أمَّا العقاد أحترمه وأكرهه لأنه شديد الاعتداد بنفسه قليل الإنصاف لغيره، ولعله أعلم الناس بمكاني في الأدب .. وأحترمه لأنه أديب قد استمسك آداة الأدب وباحث قد استكمل عدة البحث فصَّير عمره على القراءة والكتابة فلا ينفك كتاب وقلم".


حينما اطلع "العقاد" في الرسالة على ما تقدم من رأي "الرافعي"، وفي أدبه رد على ذلك بعد رحيل "الرافعي" عن عالمنا بثلاث سنوات بقوله: "إني كتبت عن "الرافعي" مرات أن له أسلوبًا جزلاً، وأن له من بلاغة الإنشاء ما يسلكه في الطبقة الأولى من كتاب العربية المنشئين".


أما المعركة الثالثة في الأهمية فهي تلك التي قال فيها بعضهم: إن كلام العرب في باب (الحكم) أن عبارة (القتل أنفي للقتل) أبلغ من الآية القرآنية: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ البقرة: 179)؛ إذ لم ينم "الرافعي" ليلته، بعد أن لفت الأستاذ الكبير "محمود محمد شاكر" برسالة بتوقيع م.م.ش نظره إلى هذا الأمر بقوله: "ففي عنقك أمانة المسلمين جميعًا، لتكتبن في الرد على هذه الكلمة الكافرة لإظهار وجه الإعجاز في الآية الكريمة، وأين يكون موقع الكلمة الجاهلية منها"؟
واستطاع الرافعي ببلاغته أن يقوض هذا الزعم من أساسه بمقالاته: (كلمة مؤمنة في رد كلمة كافرة)، التي عدَّد فيها وجوه الإعجاز في الآية الكريمة: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 179).




يعد الأديب مصطفى صادق الرافعي في الطليعة من الكتاب والأدباء الذين أثروا بفكرهم وإبداعهم الحياة الأدبية والفكرية في مصر والعالم العربي في النصف الأول من القرن العشرين.

وهو يمثل مع الرائدين العملاقين "عباس العقاد، ود. طه حسين" الريادة الحضارية في النهوض بالعقلية العربية في العصر الحديث، وإعادتها إلى دائرة الضوء المتوهجة التي انتشرت أشعتها.. وعمت أرجاء الأرض في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية.

ولكل من هؤلاء الثلاثة منهجه في التفكير، وطريقته في الأسلوب، وأثره فيمن حوله، ولكل منهم شيعته.. ومريدوه، ودوره الكبير في الحركة الثقافية، والحياة الأدبية في مصر والعالم العربي في العصر الحديث.

وكان "الرافعي" أشدهم ارتباطاً بالتراث العربي، وأكثرهم دراية واقتناعاً به، وهو ينفرد بملكة إبداعية ابتكارية في صياغة الأساليب، مع ارتباط شعوري صادق بكل مقومات التاريخ الإسلامي، وبالمصدرين الرئيسين للدين الإسلامي وهما "القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف".

وكتابه "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية".. يظل منارة مضيئة تموج أشعتها الهادية في كل زمان ومكان، تهدي العقول الحائرة، وتقوي العزائم الفاترة، وتدفع عن حياض الدين غزوات المغيرين، وشبهات الملحدين، ومؤامرات المنافقين.

ويعلل الشيخ حسنين حسن مخلوف - رحمه الله- "شدة الرافعي في نقده، وقوة شكيمته في خصومته العلمية والنقدية.. وعدم استسلامه في معاركه النقدية حينما قال أحد القراء عن الرافعي: "إنه ناقد صعب" فأجاب الشيخ مخلوف قائلاً: لشعوره بالتمكن من مادة اللغة العربية وثقته بنفسه، وفهمه لأسرار البيان العربي شعراً ونثراً، ولدراسة أدوات الأدب العربي لتكون صناعة القلم سليمة لديه.

ثم لا يكتب رأياً إلا إذا امتحنه على آداب القرآن الكريم، وأصول الإسلام فما وافقها فهو رأيه، وما خالفها فهو بريء منه.
يتبع >>>>>>

Sheba Queen
13 May 2005, 12:43 AM
إنتاجه الأدبي والفكري


استطاع "الرافعي" خلال فترة حياته الأدبية التي تربو على خمس وثلاثين سنة إنتاج مجموعة كبيرة ومهمة من الدواوين، والكتب أصبحت علامات مميزة في تاريخ الأدب العربي.


(1) دواوينه الشعرية:

كان الرافعي شاعرًا مطبوعًا بدأ قرض الشعر وهو في العشرين، وطبع الجزء الأول من ديوانه في عام 1903م، وهو بعد لم يتجاوز الثالثة والعشرين، وقد قدّم له بمقدمة بارعة فصّل فيها معنى الشعر وفنونه ومذاهبه وأوليته، وتألق نجم الرافعي الشاعر بعد الجزء الأول واستطاع بغير عناء أن يلفت نظر أدباء عصره، واستمر على دأبه فأصدر الجزأين الثاني والثالث من ديوانه، وبعد فترة أصدر ديوان (النظرات)، ولقى "الرافعي" حفاوة بالغة من علماء العربية وأدبائها قلّ نظيرها، حتى كتب إليه الإمام "محمد عبده" قائلاً: "أسأل الله أن يجعل للحق من لسانك سيفًا يمحق الباطل، وأن يقيمك في الآواخر مقام حسان في الأوائل".


(2) كتبه النثرية:
قلّ اهتمام "الرافعي" بالشعر عما كان في مبتدئه؛ وذلك لأن القوالب الشعرية تضيق عن شعوره الذي يعبر عن خلجات نفسه وخطرات قلبه ووحي وجدانه ووثبات فكره، فنزع إلى النثر محاولاً إعادة الجملة القرآنية إلى مكانها مما يكتب الكتاب والنشء والأدباء، أيقن أن عليه رسالة يؤديها إلى أدباء جيله، وأن له غاية هو عليها أقدر، فجعل هدفه الذي يسعى إليه أن يكون لهذا الدين حارسًا يدفع عنه أسباب الزيغ والفتنة والضلال، وينفخ في هذه اللغة روحًا من روحه، يردّها إلى مكانها، ويرد عنها، فلا يجترئ عليها مجترئ، ولا ينال منها نائل، ولا يتندر بها ساخر إلا انبرى له يبدد أوهامه ويكشف دخيلته، فكتب مجموعة من الكتب تعبر عن هذه الأغراض عُدت من عيون الأدب في مطلع هذا القرن، وأهمها:


1- تحت راية القرآن:
المعركة بين القديم والجديد: وهو كتاب وقفه- كما يقول- على تبيان غلطات المجددين، الذين يريدون بأغراضهم وأهوائهم أن يبتلوا الناس في دينهم وأخلاقهم ولغتهم، وهو في الأصل مجموعة مقالات كان ينشرها في الصحف في أعقاب خلافه مع "طه حسين"، الذي احتل رده على كتاب "في الشعر الجاهلي" معظم صفحات الكتاب.


2- وحي القلم:
وهو مجموعة من مقالاته النقدية والإنشائية المستوحاة من الحياة الاجتماعية المعاصرة، والقصص، والتاريخ الإسلامي المتناثرة في العديد من المجلات المصرية المشهورة في مطلع القرن الماضي، مثل: الرسالة، والمؤيد والبلاغ والمقتطف والسياسة وغيرها.
3- تاريخ آداب العرب: وهو كتاب في ثلاثة أجزاء؛ الأول: في أبواب الأدب، والرواية، والرواة، والشواهد الشعرية، والثاني: في إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وأما الثالث: فقد انتقل "الرافعي" إلى رحمة ربه قبل أن يرى النور؛ فتولى تلميذه "محمد سعيد العريان" إخراجه، غير أنه ناقص عن المنهج الذي خطه الرافعي له في مقدمة الجزء الأول.


4- حديث القمر:
هو ثاني كتبه النثرية، وقد أنشأه بعد عودته من رحلة إلى لبنان عام 1912م، عرف فيها شاعرة من شاعرات لبنان (مي زيادة)، وكان بين قلبيهما حديث طويل، فلما عاد من رحلته أراد أن يقول، فكان "حديث القمر".


5- كتاب المساكين:
وهو كتاب قدّم له بمقدمة بليغة في معنى الفقر والإحسان والتعاطف الإنساني، وهو فصول شتى ليس له وحدة تربطها سوى أنها صور من الآلام الإنسانية الكثيرة الألوان المتعددة الظلال. وقد أسند الكلام فيه إلى الشيخ "علي"، الذي يصفه "الرافعي" بأنه: "الجبل الباذخ الأشم في هذه الإنسانية التي يتخبطها الفقر بأذاه"، وقد لقي هذا الكتاب احتفالاً كبيرًا من أهل الأدب، حتى قال عنه "أحمد زكي" باشا: "لقد جعلت لنا شكسبير كما للإنجليز شكسبير وهيجو كما للفرنسيين هيجو وجوته كما للألمان جوته".


6- رسائل الأحزان:
من روائع الرافعي الثلاثة، التي هي نفحات الحب التي تملكت قلبه وإشراقات روحه، وقد كانت لوعة القطيعة ومرارتها أوحت إليه برسائل الأحزان التي يقول فيها: "هي رسائل الأحزان، لا لأنها من الحزن جاءت، ولكن لأنها إلى الأحزان انتهت، ثم لأنها من لسان كان سلمًا يترجم عن قلب كان حربًا؛ ثم لأن هذا التاريخ الغزلي كان ينبع كالحياة، وكان كالحياة ماضيًا إلى قبر".


7- السحاب الأحمر:
وقد جاء بعد رسائل الأحزان، وهو يتمحور حول فلسفة البغض، وطيش القلب، ولؤم المرأة.


8- أوراق الورد رسائله ورسائلها:
وهو طائفة من خواطر النفس المنثورة في فلسفة الحب والجمال، أنشأه "الرافعي" ليصف حالةً من حالاته، ويثبت تاريخًا من تاريخه.. كانت رسائل يناجي بها محبوبته في خلوته، ويتحدث بها إلى نفسه، أو يبعث بها إلى خيالها في غفوة المنى، ويترسل بها إلى طيفها في جلوة الأحلام.


9- على السَّفُّود:
وهو كتاب لم يكتب عليه اسم "الرافعي"؛ وإنما رمز إليه بعبارة إمام من أئمة الأدب العربي، وهو عبارة عن مجموعة مقالات في نقد بعض نتاج العقاد الأدبي


وبالرغم ن كل معارك الرافعي إلا أنه كان مهتما بأولاده فمواقف الرافعي من أطفاله وسعادته بهم تترقرق صادقة في أشعاره ومقطوعاته الكثيرة، التي تجعله واحداً من أكثر شعراء العربية المحدثين غناء للأطفال والطفولة وأعذبهم، فهذا هو قلب الرافعي يفيض أبوةً وحناناً ورقةً، يوم تملأ عليه بيته ابنته البكر "وهيبة" فيشدوا مغرداً:

ولي ابنة هي معنى النفس في نظري

وحكمة الفكر والوحي الذي أجد
كــــأنَّ قلبي يراعٌ مـــــــــلَّ من يـــده

فحُسـنها لي من نور السماء يدُ

لا يصبح البيت روضاً للذين به

ما لم يكن فيه هذا الطائر الغـرد


وما يكاد طائر الرافعي الغرد (ابنته وهيبة)، يخطو خطوات في روضه، ويشدو بكلمة "بابا" فيسمع منها الرافعي أعذب الألحان، حتَّى يهتف محتفلاً بإكمالها لعامين من عمرها:

طفلتي في العمر مرَّت

من سنيها باثنتين

ليستا فيما غدت تعقل

... إلا ضحكـــتين

... جئتها يومــاً فألقـ

يت عليــها قبلتين

وأمالت عنـــــقاً آلمــ

تُهُ من غمــــزتين

فمضت غضبي وقالت:"باي يا بابا باي يابابا".
وأصبحت كلمة "باي يابابا" أعذب ما سمعه الرافعي من شعر ولحن، وأصبحت الكلمة السحرية التي تذهب عنه وتبعده عن الهموم.

وأصبح صوت ابنته "وهيبة" عنده أعظم وأجمل من كل ما تهبه له الدنيا، وبالفعل كأنَّ الرافعي ـ رحمه الله ـ قرأ ظهر الغيب، فقد كان صوت ابنته "وهيبة" آخر صوت للطفولة سمعه الرافعي في حياته، فقد أصابه الصمم بعد ذلك، وظلَّ صوت "وهيبة" يرن في أذنه كلما نظر إلى طفلٍ أمامه:

لو أتتني كل بشــــرى

مـلء أنحــــاء البـــــلاد

لو أتاني السعـــد يوماً

هاتفاً باســــــمي ينـادي

لو ســــــعى بالمـــدح

والتمجيد لي كل العــباد

أو شـدا في كــل أرض

بقريـــــــضي كــــل شادٍ

لم يكن أحــلى بسمـعى

كل ذا مـن: "باي يابابا"

نعمة كالبلبل استعـــلى

عـــــــلى الورد فغـــــنى

قد غدا يذهب في الدنيا

العـــــنا لفظــــك عــــــنَّا

وأرى الشعــــــر فنوناً

صــرت لي منهـــــن فنَّا
حكمة ما مثلها الحكمة

عــــــندي "بــــاي يا بابا"
وقد تعاهد الرافعي كل أولاده من بنين وبنات بهذه الأغاريد يربيهم بها ويغرس بها فيهم القيم والذوق والأخلاق والدين، وعلى حد تعبير الأستاذ "مصطفى البدري" في مقدمة "الأغاريد" ـ "يظهر فيها مبلغ السمو النفسي في الأداء عند شاعرنا الرافعي، الذي عاش لأبنائه أباً كريماً، ومربياً فاضلاً، ومعلماً داعياً، ينشدهم ما يجول بأفئدتهم من نداء العواطف وهتاف الخواطر وتعلق بالشعارات الاعتقادية، وكأنما يستجيب لما يتشوقون إليه من فضل وكرم، يُزهي بهم على الأقران:

فهو يسجل تاريخ ميلاد "وهيبة" بالشعر حين يهتف بفرح:

يا عروس الشعر أهلاً

ثم أهـــــلاً بالنجـــيبة

يوم مــــيلادك عيــــــد
القلب يا بنتي الحــبيبة
قلــــت في تاريخـــــه:

زيّنت بيتي "يا وهيبة"

وحين توافيه ابنته "خديجة" يغرِّد لها الرافعي مدللاً ومعلماً ومربياً بموشحة تقول:

ندى الورود على فُلُك

كسفت الورد والفـلا

ومن غصنك مـن ظلك

كسفت الغصن والظلا
فمــا أحـــــلاك في دلّك

ومــــن علَّمتــــك الدلا

وكــــلّ الحـــق في كُلّك

فربي يحفـــــظ الكــــلا

فمن فضلك، ومن فضلك

أرينا المـرأة الفضـــلى
ويجلس الرافعي يداعب ولده "سامي" ويهزه في الأرجوحة في أنشودة يتفق لحنها ووزنها مع حركتها التي تدعوه للنوم:

أنعم بها أرجوحة يا ســامي

تنام فيـــــها أهـــــنأ المــــنام

في قطعة من روضة الأيـام
يأوي إليها طائــــر الأحـــــلام

في وكري النهار والظــــلام

على غصون العمــــر النوامي

أزهارها ما زلن في الأكمام

قامت على ذاك الغدير الطامي

في شاطئ المستقـبل البسَّام
كأنَّها خــــــواطــــر الأحـــــلام

ويبتهل الرافعي ألا يكون ولده ضعيفاً خواراً، بل شجاعاً مقداماً، لا يهزه الثناء ولا صلف الظلمة، ويتخيَّل الرافعي أنَّ الأرجوحة تهتز فخراً "بالفتى المقدام" إلى أن يقول مفتخراً بنسب الأسرة، الذي ينتهي إلى عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه:

يا سـامياً وأنت في الأقـوام

من "رافعي" الحكمة في الأنام

من عـترة الخليفـــة الإمـام

مـــن "عمر" المعـــزّ للإســلام

إنَّ جميـــع السـادة العــظام

أهـــل العُلى والهــــمم الجســـام

ومـــن أضـاؤوا أفـق الدوام

لم يُولــدوا أكـــــبر في المقــــام

منك ولا في العقل والأجسام

فلا تكــن أصغــــرهم يا ســـاميّ
وقد حقق الله أمنية الرافعي في ابنه سامي، الذي حصل على الدكتوراه، وكان وراء عملية التصنيع الزراعي في مصر والعراق والشام والمغرب بإخلاص وصدق، وهو الذي رعى أول مزرعة مثالية في "بهتيم" مسقط رأس والده، ثمَّ أصبح خبيراً عالمياً في تخصصه قبل وفاته، رحم الله الوالد والولد.

ونظم الرافعي ـ يرحمه الله ـ العديد من الأناشيد المدرسية المثبت معظمها في دواوينه المنسية، وكانت معظم هذه الأناشيد استجابة لطلبات خاصة من المدرسين، أو من أولاده الذين يتابع تحصيلهم للدروس يوماً بيوم، فقد كتب نشيده "بنت النيل" لابنته "زينب" الأثيرة لديه ـ لتفوقها الدائم على أقرانها ـ لتلحنه لها موجهة الأنشطة بالمدرسة الثانوية، وقد ألقى النشيد في الحفل السنوي للمدرسة، وكان مطلعها:

وادينا وادينا

كصفو الندى

يهدينا يهدينا

طباع الهدى
وينشد الرافعي في حب مصر، ويفديها بأعز ما لديه، وهو أمر ينفي تهم الذين يظلمونه بعدم الولاء لمصر، بسبب أصله الشامي، فقد ولد الرافعي ومات في مصر، ولم ينظر إليها إلا أنَّها محط أنظار العرب وفي سواد عيون المسلمين:

نرضيك نرضيك

يا مصر المنى

نفديك.. نفــديك

أيا أمَّـــــــــــنا
ويؤكد الرافعي في جميع أناشيده التعليمية والتربوية على الصلة الحميمة بين العلم والخلق والدين:

بالعلم والثبات

وبالهدى والدين

وكل آتٍ آت

يا ربنا آمــــــين

وفي نشيد رائع بعنوان "ليلة الساهر على الطفل المريض" ينشد الرافعي بحنان فيَّاض للطفولة والأسرة والأبوة، ومطلعها:

يا ليلة عطل فيها المدار

ظلامها فحم وفي القـــلب نار

وشهبها طائرة كالشرار

ويحي متى يطفيك نهر النهار
ويمضي النشيد يتحدَّث عن الطفل عند النوم والأحلام حتى يصل إلى مرحلة الدرس والعبرة فيقارن الطفل بالكبار:

يا مضني الطفــــل بآلامـه

ولم يزل في مهـد أحلامه

تُعد ذا الطفـــــــل لأيامـــه
أم هذه تذكـــــرة للكـــــبار
ويتجلَّى الرافعي ذائباً في الطفولة، محتشداً بكل مشاعر الأبوة التي امتلأ بها قلب الشاعر، وينشد قصيدة "ندى الورد" التي يعتقد الأستاذ "مصطفى البدري" أنَّه كتبها في ابنته "زينب" الأثيرة لديه، ويقول فيها:

ألا يا حـبة الحــــــــــب

ويا إنســــــانـة الأنـــــس

وروح القلب في القـلب

ومعنى النفسفي النفـس

وثغر اللؤلؤ الرطـــــب
ولحظ الماس في الشمس

يعيش الحسن في شكلك

فما أحـــــلى، وما أحــــلى
ولا ينسى الرافعي الشاعر المربي، صاحب راية القرآن، أن يغرس الدرس الأخلاقي، ويعلي القيم المعنوية على القيم المادية، ويرى الجمال الحقيقي في عمل الإنسان وخلقه قبل أي شيء آخر، وأن يزن الأشياء بميزان الإسلام، ويرى الإنسان والكون والحياة من ذلك التصور:

فكــــوني دائماً حُسـناً

بأعمـــالك في الـناس

ومن أخلاقك الحُســنى

أضيء ضوء نبــراس

على الألماس ما أثني

كهذا النور في الماس

ومن فضلك من فضلك

أرينا المرأة الفُضــلى
وكثيراً ما يجعل الرافعي من أناشيد هدهدة الأطفال وسيلةً تربوية لغرس حبّ الوطن في قلوب الأطفال. وكتب نشيداً من هذا الضرب لابنه عبدالرحمن يقول فيه:

أنت ابن مصر وابني

وسعدها وسعـــدي

أبنيــــك حـــــين أبني

تفي لها بوعــــدي

أبنيك من ضمـــــيري

فلتعطها ضمـــيرك

ولتحيا يا صغـــــيري

حتى ترى صغيرك
وقد حقق الله أمنية الرافعي في ولده عبدالرحمن الذي كبر وأصبح من حماة الوطن.

وكان الرافعي بفراسة المؤمن قد توسم في ابنه ذلك فدعاه بقوله:

أنت دمي فصُنه

للدفـع عــــن بلادك

أكرمه لا تخنه

واجعله من أمجادك
ولكن هذه الأمنية الأخيرة لم تتحقق، فقد توفى الرافعي قبل أن يرى أولاد عبدالرحمن الذي كان وقتها يدرس بالكلية الحربية. ولكن عين الرافعي قرت وهو إلى جوار ربه حين أصبح عبدالرحمن واحداً من الضباط الأحرار الذين قادوا ثورة مصر سنة 1952م وتصدَّر مواجهة العدوان الثلاثي في شرق القاهرة والسويس سنة 1956م وأثمر فيه غرس والده وأثر تربيته القرآنية فيه.

فيروي لنا الأستاذ "مصطفى البدري" أنَّ عبدالرحمن الرافعي صدع بالحق في وجه عبدالناصر واختلف معه وتركه، فليس ابن الرافعي الذي تربى أولاده تحت راية القرآن بالذي يقبل بالدنيا عن دينه ونفسه.

المشكاه
13 May 2005, 01:58 AM
Sheba Queen
كتب الله اجرك على هذه المقتطفات الرائعة
يسمو بنا ابداعك ليحلق بنا نحو نجوم الادب الاصيل
كتب الله اجرك ورفع الله قدرك

أسير
13 May 2005, 03:08 PM
جزاك الله خير على الموضع

الجميله

ولاتحرمنا من مشاركات الرائعه

أخوك المخلص

أسير

:rose:

Sheba Queen
16 May 2005, 03:40 AM
المشكاة ، أسير ، بارك الله فيكما ونفعنا الله وإياكم فيما كتبنا وقرأنا .