المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف تكون داعية إلى الله تعالى ( 9 )



أبو أماسي
15 Jan 2004, 09:57 AM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، ونعود لاستكمال الموضوع المتعلق بالدعوة إلى الله تعالى ، وعنوان هذا المقال :

*** أخلاق الدعاة ***

ولكني في هذا المجلس سأذكر لكم كلام أحد العلماء المعتبرين والذين لهم السبق في مجال الدعوة إلى الله تعالى ، والذي استفدت من كتاباته في هذا الباب وهو سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى حيث يقول ـ رحمه الله ـ :

أما أخلاق الدعاة وصفاتهم التي ينبغي أن يكونوا عليها، فقد أوضحها الله جل وعلا في آيات كثيرة، في أماكن متعددة من كتابه الكريم منها:

أولاً : الإخلاص:

فيجب على الداعية أن يكون مخلصاً لله عز وجل، لا يريد رياءً ولا سمعةً ، ولا ثناءَ الناس ولا حمدَهم، إنما يدعو إلى الله يريد وجهه عز وجل، كما قال سبحانه: (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ )) [سورة يوسف: 108]، وقال عز وجل: (( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ )) [سورة فصلت: 33].

فعليك أن تخلص لله عز وجل، هذا أهم الأخلاق، هذا أعظم الصفات أن تكون في دعوتك تريد وجه الله والدار الآخرة.

ثانيا: أن تكون على بينه في دعوتك :

- أي: على علم - لا تكن جاهلا بما تدعو إليه: (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ )) [سورة يوسف: 108].

فلا بد من العلم، فالعلم فريضة، فإياك أن تدعو على جهالة، وإياك أن تتكلم فيما لا تعلم، فالجاهل يَهدم ولا يبني، ويُفسد ولا يُصلح، فاتق الله يا عبد الله، إياك أن تقول على الله بغير علم ، لا تدعو إلى شيءٍ إلا بعد العلمِ به، والبصيرة بما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا بد من بصيرةٍ وهي العلم، فعلى طالب العلم وعلى الداعية أن يتبصر فيما يدعو إليه، وأن ينظر فيما يدعو إليه ودليلِه، فإن ظهر له الحق وعرفه دعا إلى ذلك، سواءٌ كان ذلك فعلاً أو تركاً، فيدعو إلى الفعل إذا كان طاعةً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ويدعو إلى ترك ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم على بينةٍ وبصيرةٍ .

ثالثا: أن تكون حليماً :

في دعوتك، رفيقاً فيها، متحملاً صبوراً، كما فعل الرُسُلُ عليهم الصلاة والسلام، إياك والعجلة، إياك والعنف والشدة، عليك بالصبر، عليك بالحلم، عليك بالرفق في دعوتك، وقد سبق لك بعض الدليل على ذلك، كقوله جل وعلا : (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) [سورة النحل: 125]، وقوله سبحانه : (( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ )) الآية [سورة آل عمران: 159]، وقوله جل وعلا في قصة موسى وهارون عليهما السلام : (( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى )) [سورة طه: 44]

وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ) خرّجه مسلم في الصحيح.

فعليك يا عبد الله ، أن ترفق في دعوتك، ولا تشق على الناس، ولا تنفرهم من الدين، ولا تنفرهم بغلظتك ولا بجهلك، ولا بأسلوبك العنيف المؤذي الضار، عليك أن تكون حليماً صبوراً، سلس القياد ، لين الكلام ، طيب الكلام ؛ حتى تؤثِّر في قلب أخيك، وحتى تؤثر في قلب المدعو، وحتى يأنس لدعوتك ويلين لها، ويتأثر بها، ويثني عليك بها، ويشكرك عليها، أما العنف فهو منفر لا مقرب، ومفرق لا جامع.

ومن الأخلاق والأوصاف التي ينبغي - بل يجب - أن يكون عليها الداعية:

رابعاً : العمل بدعوته :

وأن يكون قدوةً صالحة فيما يدعو إليه، ليس ممن يدعو إلى شيء ثم يتركه، أو ينهى عنه ثم يرتكبه، هذه حال الخاسرين، نعوذ بالله من ذلك.

أما المؤمنون الرابحون فهم دعاة الحق يعملون به وينشطون فيه ويسارعون إليه، ويبتعدون عما ينهون عنه، قال الله جل وعلا : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ )) [سورة الصف: 2 ، 3]، وقال سبحانه موبخا اليهود على أمرهم الناس بالبر ونسيان أنفسهم : (( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ )) [سورة البقرة: 44].

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع عليه أهل النار فيقولون له يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه هذه حال من دعا إلى الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم خالف قولَه فعلُه وفعلَه قولُه، نعوذ بالله من ذلك.

فمن أهم الأخلاق ومن أعظمها في حق الداعية: أن يعمل بما يدعو إليه، وأن ينتهي عما ينهى عنه، وأن يكون ذا خلق فاضل، وسيرة حميدة، وصبر ومصابرة، وإخلاص في دعوته، واجتهاد فيما يوصل الخير إلى الناس، وفيما يبعدهم من الباطل، ومع ذلك يدعو لهم بالهداية، هذا من الأخلاق الفاضلة، أن يدعو لهم بالهداية ويقول للمدعو: هداك الله، وفقك الله لقبول الحق، أعانك الله على قبول الحق، تدعوه وترشده وتصبر على الأذى، ومع ذلك تدعو له بالهداية، قال النبي عليه الصلاة والسلام لما قيل عن (دوس): إنهم عصوا، قال: ( اللهم اهدِ دوساً وائتِ بهم ) تدعو له بالهداية والتوفيق لقبول الحق، وتصبر وتصابر في ذلك، ولا تقنط ولا تيأس، ولا تقل إلا خيراً، لا تعنِّف ولا تقل كلاماً سيئاً يُنفر من الحق، ولكن من ظلم وتعدى له شأن آخر، كما قال الله جل وعلا : (( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ )) [سورة العنكبوت: 46].

فالظالم الذي يقابل الدعوة بالشر والعناد والأذى له حكم آخر، في الإمكان تأديبه على ذلك بالسجن أو غيره، ويكون تأديبه على ذلك على حسب مراتب الظلم، لكن ما دام كافّاً عن الأذى فعليك أن تصبر عليه، وتحتسب، وتجادله بالتي هي أحسن، وتصفح عما يتعلق بشخصك من بعض الأذى، كما صبر الرُسُلُ عليهم السلام وأتباعهم بإحسان.

وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً لحسن الدعوة إليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يمنحنا جميعاً الفقه في دينه، والثبات عليه، ويجعلنا من الهداة المهتدين، والصالحين المصلحين، إنه جل وعلا جواد كريم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. 

انتهت ، وفيها والله كفاية ، وإلى الحلقة القادمة ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،،،

منهاج القاصدين
15 Jan 2004, 04:45 PM
اثابك الله اخي ابو اماسي على هذه السلسله الطيبه المباركه ،،

جعلها الله في موازين حسناتك يوم تلقاه .

أبو بدر 1
15 Jan 2004, 05:46 PM
(( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ )) بارك الله فيك أخي وجزاك الله خيراً .