المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الـبـال تـوك PALTALK ( حديـثُ الأصـدقـاءِ ) ...



مهند الخالدي
13 Jan 2004, 07:07 AM
<div align="center"><img src='http://www.arab3.com/gold/images/Jan03/mohammed_a_1bismillah.gif' border='0' alt='user posted image' /></div>

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذا موضوع قيم للشيخ عبد الله زقيل وفقه الله :

<span style='color:crimson'>الحمد لله وبعد ؛
فإن من نعم الله علينا أن سخر لنا سبل الدعوة إلى الله بوسائل تغني عن قطع المسافات الطويلة للذهاب والتنقل ، وقد جعلت هذه السبل العالم قريةً صغيرةً يمكن أن تقرب البعيد . وقد يكون مصداقا لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم .

‏عَنْ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ،‏ عَنْ النَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏قَالَ :‏ ‏يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ ، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ ، وَيُلْقَى ‏‏الشُّحُّ ،‏ ‏وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛‏ ‏أَيُّمَ هُوَ ؟ قَالَ : الْقَتْلُ الْقَتْلُ . رواه البخاري (1036 ، 7121) .

واختلف أهل العلم في معنى " تقارب الزمان " في الحديث على أقوال :
1 – أن المراد قرب يوم القيامة ، وحكاه القرطبي في التذكرة ( ص 645 ) ، والنووي في المنهاج (16/221) . وضعف هذا القول الكرماني فقال : " هذا كلام مهمل لا طائل تحته " .

قال الحافظ ابن حجر في الرد على الكرماني في الفتح (13/16) : ليس كما قال ، بل معناه قرب الزمان العام من الزمان الخاص وهو يوم القيامة , وعند قربه يقع ما ذكر من الأمور المنكرة .ا.هـ.

2 – أن المراد تقارب أحوال الناس في الشر والفساد والجهل ، وهو اختيار الطحاوي ، ذكره القرطبي والحافظ ابن حجر ، وجنح الحافظ أنه لا يناسب ما ذُكر معه من الحديث .

3 – أن المراد استلذاذ العيش عند خروج المهدي ، ذكره الخطابي في غريب الحديث (1/94) .

4 – أن الحديث محمول على ظاهره ويقع ذلك عند طلوع الشمس من مغربها ، ذكره مرعي بن يوسف نقلا عن أهل الحديث .

5 – أن المراد ما هو حاصل من تقارب ، وقطع المسافات البعيدة في الزمن القصير برا وبحرا وجوا . وهو قول محمد رشيد رضا في تفسير المنار (9/485) ، ووصفه بأنه أظهر من كل ما قالوه ، وأليق بكونه إخبارا عن غيب لا مجال فيه للرأي ، ووهم الأقوال الأخرى .

وذهب إليه الشيخ حمود التويجري – رحمه الله – في " إتحاف الجماعة " (1/497 – 498) .

والقطع من الشيخ محمد رشيد رضا أن رأيه هو الرأي الصحيح فيه نظر .

ولا مانع من أن يكون مراد النبي جميع الأقوال السابقة . والله أعلم .

نعود إلى موضوعنا ، وفي الآونة الأخيرة ظهرت وسيلة دعوية عظيمة النفع للدعاة إلى الله ألا وهي الشبكة العنكبوتية [ الإنترنت ] ، وحقيقة الأمر أن الشبكة العنكبوتية [ الإنترنت ] نعمة عظيمة من نعم الله التي لا تعد ولا تحصى للدعوة إلى الله .

ومما في الشبكة العنكبوتية [ الإنترنت ] برنامج صوتي وكتابي وصوري يقال له : بال توك PALTALK ، ولعلنا نترجم البرنامج باللغة العربية فنقول : " حديث الصديق " أو " حديث الأصدقاء " . وقد ظهر هذا البرنامج في الآونة الأخيرة ونفع الله بهذا البرنامج في مجال الدعوة إلى الله الكثير الكثير ، وهذا لا يعني أن البرنامج لم يستغله أهل الفسق والمجون في نشر فسادهم ، بل حتى أهل الكفر والضلال استخدموه في نشر كفرهم وبدعهم .

وفي هذا الموضوع أريد أن أقف معه وقفة شرعية ، وقفة تجلي كثيرا من الأمور في ثنايا هذا البحث الذي أسأل الله أن يكون فيه النفع ، وأسأل الله التوفيق والسداد .

<span style='color:blue'><div align="center">- حقيقةٌ لا بد من ذكرها :</div></span>

وقبل الدخول في الموضوع أريد أن أبين حقيقة لا بد من معرفتها ألا وهي أن مثل هذه المستجدات في المجال الإعلامي سلاح ذو حدين ، إذ يمكن أن يستخدم في الخير ، وفي الشر ، وهذا البرنامج منها . فالسعيد من سخره في الخير ، والخاسر على عكسه .

<span style='color:blue'><div align="center">- ما هو برنامجُ " حديث الأصدقاء " PALTALK ؟</div></span>

أكتفي بوضع رابط موقع " أبو نواف " للتعريف ببرنامج " حديث الأصدقاء " ، فقد فصل تفصليا وافيا بخصوص هذا البرنامج .
http://www.palarab.com/paltalk.html

<span style='color:blue'><div align="center">- آدابُ المحادثةِ في برنامجِ " حديث الأصدقاء " :</div></span>

لو أردنا أن نُخَرِّج برنامج " حديث الأصدقاء " من ناحية شرعية لوجدنا أنه يدخل تحت باب آداب المحادثة ، لأنه في حقيقته برنامج محادثة بين أشخاص في مكان واحد وهو ما يسمى بالغرفة . ولنقف على هذه الآداب من خلال واقع برنامج " حديث الأصدقاء " .

- الأدبُ الأولُ :
هذا الأدب قد يكون له علاقة بآداب المجالس أيضا ألا وهو تحية الإسلام وهي " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " ، فإذا دخل المستخدم للبرنامج إلى غرفة من غرف " حديث الأصدقاء " ، وخاصة غرف أهل السنة فأول ما يبتدأ به حال الدخول السلام ، سواء كان كتابة أو عن طريق الصوت .

هذا الأدب الجميل يورث المحبة بين المؤمنين ، وتركه دليل على الجفاء والغلظة ، وذلك مما يورث البغضاء والنفرة .

‏عَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏قَالَ :‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ . رواه مسلم (54)، وأبو داود (5193) ، وابن ماجه (68) ، وأحمد (2/391) ، والبخاري في الأدب المفرد (980) .

والغرفة عند دخولها قد يكون فيها أخلاط من المسلمين والمشركين والنصارى وغير ذلك فلا بأس بالسلام عليهم ويكون السلام للمسلمين منهم ودليل ذلك :
‏عَنْ ‏عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ‏‏أَنَّ ‏‏أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏‏أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ ‏قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ ‏، ‏وَأُسَامَةُ ‏‏وَرَاءَهُ يَعُودُ ‏‏سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ‏ ‏فِي ‏بَنِي حَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ‏‏قَبْلَ وَقْعَةِ ‏‏بَدْرٍ ‏‏فَسَارَا حَتَّى مَرَّا بِمَجْلِسٍ فِيهِ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ ،‏ ‏وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ ‏‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ‏فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ‏ ‏وَالْيَهُودِ ،‏ ‏وَفِي الْمُسْلِمِينَ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ‏ ‏فَلَمَّا ‏غَشِيَتْ ‏‏الْمَجْلِسَ‏ عَجَاجَةُ ‏‏ الدَّابَّةِ ‏خَمَّرَ ‏‏ابْنُ أُبَيٍّ ‏ ‏أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ وَقَالَ : لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا ، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏عَلَيْهِمْ ... الحديث . رواه البخاري (6207) ، ومسلم (1798) .

قال الإمام النووي في المنهاج (12/157) : ‏فِيهِ : جَوَاز الِابْتِدَاء بِالسَّلَامِ عَلَى قَوْم فِيهِمْ مُسْلِمُونَ وَكُفَّار , وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ .ا.هـ.

وإذا رد واحد ممن في الغرفة السلام عليك فهذا يكفي . وقد يدخل بعض أهل البدع فيكتبون أو يقولون : السلام على من اتبع الهدى . وهذه التحية لا تقال إلا للكفار ، وهم يعتقدون كفر أهل السنة .

- الأدبُ الثاني :
قال تعالى : " وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا " [ البقرة : 83 ]
تذكر أخي الداخل على غرف " حديث الأصدقاء " هذه الآية .
يقول الإمام القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن " (2/13) : وَهَذَا كُلّه حَضّ عَلَى مَكَارِم الْأَخْلَاق , فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَكُون قَوْله لِلنَّاسِ لَيِّنًا وَوَجْهه مُنْبَسِطًا طَلْقًا مَعَ الْبَرّ وَالْفَاجِر , وَالسُّنِّيّ وَالْمُبْتَدِع , مِنْ غَيْر مُدَاهَنَة , وَمِنْ غَيْر أَنْ يَتَكَلَّم مَعَهُ بِكَلَامٍ يَظُنّ أَنَّهُ يُرْضِي مَذْهَبه ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لِمُوسَى وَهَارُون : " فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا " [ طَه : 44 ] . فَالْقَائِل لَيْسَ بِأَفْضَل مِنْ مُوسَى وَهَارُون , وَالْفَاجِر لَيْسَ بِأَخْبَث مِنْ فِرْعَوْن , وَقَدْ أَمَرَهُمَا اللَّه تَعَالَى بِاللِّينِ مَعَهُ . وَقَالَ طَلْحَة بْن عُمَر : قُلْت لِعَطَاءٍ إِنَّك رَجُل يَجْتَمِع عِنْدك نَاس ذَوُو أَهْوَاء مُخْتَلِفَة , وَأَنَا رَجُل فِيَّ حِدَّة فَأَقُول لَهُمْ بَعْض الْقَوْل الْغَلِيظ , فَقَالَ : لَا تَفْعَل &#33; يَقُول اللَّه تَعَالَى : " وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا " . فَدَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَكَيْف بِالْحَنِيفِيِّ .ا.هـ.

فإذا أردت أن تتكلم فليكن القول حسنا جميلا ، وهو الأصل في التخاطب بين الناس .

وتذكر أن الكلمة الطيبة تُتقى بها النار كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .

‏ عَنْ ‏عَدِيٌّ ‏‏سَمِعْتُ النَّبِيَّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏يَقُولُ : اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ . رواه البخاري (6023) ، ومسلم (2/704) .

وتذكر أيضا هذه الآية : " وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا " [ الإسراء : 53 ] .

قال ابن كثير : يَأْمُر تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْده وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُر عِبَاد اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا فِي مُخَاطَبَاتهمْ وَمُحَاوَرَاتهمْ الْكَلَام الْأَحْسَن وَالْكَلِمَة الطَّيِّبَة فَإِنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ نَزَغَ الشَّيْطَان بَيْنهمْ وَأَخْرَجَ الْكَلَام إِلَى الْفِعَال وَوَقَعَ الشَّرّ وَالْمُخَاصَمَة وَالْمُقَاتَلَة ...ا.هـ.

لا تنسى هذا الأصل في التخاطب ، ولكن قد تحتاج إلى استعمال الكلمات اللاذعة والتي تكون في مقام الطبيب مع المريض ، ولا تكون ديدنا ودينا لك بل تتجه إليها عند الضرورات الملحة ، وبعد انتهاء الضرورة ترجع إلى أصلك السابق .

وإليك الأدلة :
يوسف عليه السلام قال لإخوانه : " فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ " [ يوسف : 60 ] .
وسليمان عليه السلام يقول : " مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ . لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ " [ النمل : 20 – 21 ] .

‏عَنْ ‏‏ابْنِ شِهَابٍ ‏قَالَ : أَخْبَرَنِي ‏‏سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ‏أَنَّ ‏‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ‏‏قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏يَقُولُ :‏ ‏لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا . ‏قَالَ : فَقَالَ ‏‏بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ :‏‏ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ . قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ‏عَبْدُ اللَّهِ ‏‏فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَقَالَ : أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ، ‏وَتَقُولُ : وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ . رواه مسلم (1/327) .

قال الحافظ في الفتح (2/406) : وَأُخِذَ مِنْ إِنْكَار عَبْد اللَّه عَلَى وَلَده تَأْدِيب الْمُعْتَرِض عَلَى السُّنَن بِرَأْيِهِ .ا.هـ.

وقد يدخل إلى الغرفة ممن يدعون محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويشتم ، ويلعن الصحابة ، أو العلماء ، أو طلبة العلم فما هو الواجب عليك في هذه الحالة ؟؟

هل ترد عليه بالمثل ؟؟
نقول : اسمع ماذا يقول ربك .
قال تعالى : " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ " [ المؤمنون : 1 – 3 ] .
و قَالَ تَعَالَى" وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا " [ الفرقان : 72 ] .
وقال تعالى : " وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ " [ القصص : 55 ] .
قال ابن كثير : وَقَوْله تَعَالَى : " وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْو أَعْرَضُوا عَنْهُ" أَيْ لَا يُخَالِطُونَ أَهْله وَلَا يُعَاشِرُونَهُمْ بَلْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا " " وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالنَا وَلَكُمْ أَعْمَالكُمْ سَلَام عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ " أَيْ إِذَا سَفِهَ عَلَيْهِمْ سَفِيه وَكَلَّمَهُمْ بِمَا لَا يَلِيق بِهِمْ الْجَوَاب عَنْهُ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَلَمْ يُقَابِلُوهُ بِمِثْلِهِ مِنْ الْكَلَام الْقَبِيح وَلَا يَصْدُر عَنْهُمْ إِلَّا كَلَام طَيِّب وَلِهَذَا قَالَ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ قَالُوا :" لَنَا أَعْمَالنَا وَلَكُمْ أَعْمَالكُمْ سَلَام عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ " أَيْ لَا نُرِيد طَرِيق الْجَاهِلِينَ وَلَا نُحِبّهَا .ا.هـ.

واحذر من اللعن ، ولا تعود لسانك كثرة اللعن ، واستمع ماذا يقول نبيك في اللعن .

‏عَنْ ‏‏زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ‏‏أَنَّ ‏‏عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ‏ ‏بَعَثَ إِلَى ‏‏أُمِّ الدَّرْدَاءِ ‏‏بِأَنْجَادٍ ‏‏مِنْ عِنْدِهِ فَلَمَّا أَنْ كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ قَامَ ‏‏عَبْدُ الْمَلِكِ ‏مِنْ اللَّيْلِ فَدَعَا خَادِمَهُ فَكَأَنَّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ فَلَعَنَهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ ‏‏قَالَتْ لَهُ ‏‏أُمُّ الدَّرْدَاءِ : ‏‏سَمِعْتُكَ اللَّيْلَةَ لَعَنْتَ خَادِمَكَ حِينَ دَعَوْتَهُ ‏‏فَقَالَتْ سَمِعْتُ ‏‏أَبَا الدَّرْدَاءِ ‏يَقُولُا :‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ : ‏لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . رواه مسلم (2598) .

بِأَنْجَادٍ : وَهُوَ مَتَاع الْبَيْت الَّذِي يُزَيِّنهُ مِنْ فُرُش وَنَمَارِق وَسُتُور .

قال النووي : ‏قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ شُفَعَاء وَلَا شُهَدَاء ) ‏فَمَعْنَاهُ لَا يَشْفَعُونَ يَوْم الْقِيَامَة حِين يُشَفَّع الْمُؤْمِنُونَ فِي إِخْوَانهمْ الَّذِينَ اِسْتَوْجَبُوا النَّار , ( وَلَا شُهَدَاء ) فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال :
أَصَحّهَا وَأَشْهَرهَا : لَا يَكُونُونَ شُهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة عَلَى الْأُمَم بِتَبْلِيغِ رُسُلهمْ إِلَيْهِمْ الرِّسَالَات .
وَالثَّانِي : لَا يَكُونُونَ شُهَدَاء فِي الدُّنْيَا أَيْ لَا تُقْبَل شَهَادَتهمْ لِفِسْقِهِمْ .
وَالثَّالِث : لَا يُرْزَقُونَ الشَّهَادَة وَهِيَ الْقَتْل فِي سَبِيل اللَّه .

وَإِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُون لَعَّانًا , وَلَا يَكُون اللَّعَّانُونَ شُفَعَاء بِصِيغَةِ التَّكْثِير , وَلَمْ يَقُلْ : لَاعِنًا وَاللَّاعِنُونَ لِأَنَّ هَذَا الذَّمّ فِي الْحَدِيث إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ كَثُرَ مِنْهُ اللَّعْن , لَا لِمَرَّةٍ وَنَحْوهَا , وَلِأَنَّهُ يَخْرُج مِنْهُ أَيْضًا اللَّعْن الْمُبَاح , وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ الشَّرْع بِهِ , وَهُوَ لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ , لَعَنَ اللَّه الْيَهُود وَالنَّصَارَى , لَعَنَ اللَّه الْوَاصِلَة وَالْوَاشِمَة , وَشَارِب الْخَمْر وَآكِل الرِّبَا وَمُوكِله وَكَاتِبه وَشَاهِدَيْهِ , وَالْمُصَوِّرِينَ , وَمَنْ اِنْتَمَى إِلَى غَيْر أَبِيهِ , وَتَوَلَّى غَيْر مَوَالِيه , وَغَيَّرَ مَنَار الْأَرْض , وَغَيْرهمْ مِمَّنْ هُوَ مَشْهُور فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة .ا.هـ.

- الأدبُ الثالثُ:
لاشك أن المتكلم لابد للسامعين الإصغاء له ، ومن خلال الدخول على غرف " حديث الأصدقاء " عايشنا أمرا على العكس ، فلا نجد من يصغي للمتكلم إلا ما ندر ، ونرى أن المتكلم يتكلم ، والكتابة لا تنقطع على الجزء الذي ينشغل فيه المستمعون .

فهذا أدب ينبغي مراعاته في هذا البرنامج من قِبل المشرفين عليها في غرف أهل السنة ، والحث عليه ، بل قد تكون هناك محاضرة ، والكثير ممن في الغرفة لا يلقي لها بالا مما قد يؤثر على المحاضر من جهتين :
1 – عدم التحمس للمحاضرة عندما يرى المحاضر كثرة الكتابة ، والانشغال بها من المستمعين .
2 – ينشغل المحاضر بالكتابة ، فتشتت أفكاره ، بل قد ينشغل بالرد على ما يكتب .

فمن الأدب حسن الإصغاء لمن يتحدث ، والإقبال عليه ، وإبداء الأنس بحديثه .

وهذا حوار بين الرب جل وعلا وبين إبليس ، ففي هذا الحوار يستمع الرب – جل وعلا – إلى أعدى الأعداء إبليس ، والحوار تكرر في عدة مواطن من كتاب الله .

قال تعالى : " قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ . قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ . قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ . قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ . قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ" [ الأعراف : 11 – 18 ] .

وإليك هذا الحوار بين النبي صلى الله عليه والصحابي الجليل ضمام بن ثعلبة ، وكيف كان النبي صلى الله ينصت ، ويجيب ، ويعطي الفرصة لإبداء آرائه ؟
عَنْ ‏أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ‏‏يَقُولُ :‏ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : أَيُّكُمْ ‏ ‏مُحَمَّدٌ ‏، ‏وَالنَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏مُتَّكِئٌ بَيْنَ ‏‏ظَهْرَانَيْهِمْ ‏‏فَقُلْنَا :‏ ‏هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ . فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : يَا ‏ابْنَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ .‏ ‏فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏قَدْ أَجَبْتُكَ . فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا ‏‏تَجِدْ ‏عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ فَقَالَ : سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ . فَقَالَ : أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ أَاللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ . فَقَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ . قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَاللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ . قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ . قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَاللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنْ السَّنَةِ . قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ . قَالَ : أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَاللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا . فَقَالَ النَّبِيُّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: ‏اللَّهُمَّ نَعَمْ . فَقَالَ الرَّجُلُ : آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي ، وَأَنَا ‏ ‏ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ ‏أَخُو ‏ ‏بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ . أخرجه البخاري (63) .

- الأدبُ الـرابـعُ :
خفض الصوت عند التحدث في برنامج : حديث الأصدقاء " أمر مطلوب ، وأدب إسلامي حثت عليه الشريعة . قال تعالى : " وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ " [ لقمان : 19 ]

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي : فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة ، لما اختص بذلك الحمار ، الذي قد علمت خسته وبلادته .

وقد كان هذا الأمر معهوداً حتى عند أهل الكفر .

قال أمية بن خلف وكان كافراً لسعد بن معاذ لما رفع سعد صوته على أبي جهل : لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم سيد أهل الوادي . أخرجه البخاري (3950) .

وأقصد برفع الصوت رفعه بحيث يكون فوق مستوى صوت الإنسان العادي الذي ليس فيه صياح ، ولا تكلف . أما إن كان بسبب مشاكل تقنية بسبب البرنامج فهذا لا أقصده .

أما رفع الصوت للموعظة والتذكير فهذا أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم .

- الأدبُ الـخـامـسُ :
لا شك أن غرف " حديث الأصدقاء " هي لتبادل الكلام من عدة أطراف ، ويتخلل الحوار فيها أسئلة سواء كانت شرعية أو غير شرعية ، وطرح السؤال له أدب لا بد من مراعاته حال طرحه .

وقد جاء في الحديث الذي حكم بنكارته الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف في " تبيض الصحيفة (2/57) : " حسن السؤال نصف العلم " . وإنما صح من كلام سليمان بن موسى أنه قال : " حسن المسألة نصف العلم " .

وإليك أخي الداخل على غرف " حديث الأصدقاء " بعضا من الآداب التي ينبغي مراعاتها عند طرحك للسؤال :
1 – التقدمة بين يدي السؤال لا سيما إن كان السؤال محرجا أو دقيقا أو ستتلوه أسئلة أخرى .
فهذا ضمام بن ثعلبة يقدم بمقدمة قبل أن يلقي سؤاله فيقول : ‏إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا ‏ ‏تَجِدْ ‏عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ .
قال الحافظ في الفتح : وَظَهَرَ عَقْل ضِمَام فِي تَقْدِيمه الِاعْتِذَار بَيْن يَدَيْ مَسْأَلَته لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَصِل إِلَى مَقْصُوده إِلَّا بِتِلْكَ الْمُخَاطَبَة .ا.هـ.
وأم سليم قدمت بمقدمة قبل أن تسأل ‏فَقَالَتْ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ ... " . رواه البخاري (282) ، ومسلم (32) ، وابن ماجه (600) ، وأحمد (6/92) .

2 – اختيار الصيغة المناسبة ، وإيضاح السؤال ، فلا يكون السؤال قبيحا ، أو ركيكا ، أو غير مفهوم .
فالسائل عن حكم ماء البحر سأل النبي صلى الله عليه وسلم سؤالا واضحا فقال : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا ، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ ؟ ... "
رواه أبو داود (83) ، والترمذي (66) ، والنسائي (1/50) ، وابن ماجه (386) . قال الترمذي : حديث حسن صحيح .

3 – الابتعاد عن الحالات التي يكون فيها السؤال منهيا عنه أو مذموما وهي كما يلي :
أولاً : السؤال عما سكت عنه الشرع ولم يبينه . وهذا النهي خاص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانيا : السؤال فيما لا فائدة فيه ، ولا حاجة إليه مثل : السؤال عن ابني آدم .

فـائـدة : قال أحمد شاكر في عمدة التفسير (3/123) : أما أنهما ابنا آدم لصلبه فهو القول الثبت الصحيح الذي يدل عليه سياق الآيات ، مؤيدا بالسنة الصحيحة ، كما سيأتي ، وأما تسميتهما – قابيل وهابيل – فإنما هو من نقل العلماء عن أهل الكتاب ، لم يرد به القرآن ، ولا جاء في سنة ثابتة فيما نعلم ، فلا علينا أن لا نجزم ولا نرجحه . وإنما هو قول قيل .ا.هـ.

ثالثاً : إذا كان السؤال لا تمس الحاجة إليه وهو يزري بالسائل مثل : شخص فعل معصية قديمة ، ثم يأتي يسأل عنها بعد توبته .

رابعا : السؤال على وجه العبث ، أو السخرية ، أو الاستهزاء .

خامسا : كثرة السؤال في المسائل التي لم تقع .

قَالَ ‏‏أَنَسٌ :‏ ‏كُنَّا نُهِينَا فِي الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏عَنْ شَيْءٍ ‏. رواه مسلم (1/41) ، والترمذي (619) .

سادسا : السؤال عما أخفاه الله عن الناس لحكمة ، مثل : السؤال عن القدر ، وهل الإنسان مخير أو مسير ، والسؤال عن الروح . وإليك هذه القصة تبين تعامل السلف مع مثل هذه الأسئلة .

قال حَبيب : كنا جلوسا عند زياد ، فأتاه كتاب من بعض الملوك ، فمد مَدَّة – أي بَلَّ قلمه من الحِبر بلَّة – فكتب فيه ، ثم طَبَع الكتاب ونَفَّذ به مع الرسول . فقال زياد : أتدرون عما سأل صاحب هذا الكتاب ؟ سأل عن كفَّتّي ميزان الأعمال يوم القيامة ، أمن ذهب هي أم وَرِق ؟ فكتبت إليه : حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مِنْ حُسْن إِسْلَام الْمَرْء تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيه " . وستَرِدُ فتَعلم . حكاه القاضي عياض في " ترتيب المدارك " (3/120) .

سابعا : السؤال لإحراج المسئول ، أو اختباره أمام الناس .

ثامنا : السؤال للرياء والسمعة وإظهار العلم .

تاسعا : السؤال لإحداث الفتنة مثل : سؤال واصل بن عطاء للحسن البصري .

- الأدبُ الـسـادسُ :
احذر أخي المستخدم لبرنامج " حديث الأصدقاء " من الاستخفاف ، وعدم مقاطعة المتحدث ولو كنت تعرف باقي كلامه .

قال ابن جريج عن عطاء : إن الرجل ليحدِّثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه ، وقد سمعته قبل أن يولد . سير أعلام النبلاء (5/86) .

- الأدبُ الـسـابـعُ :
من خلال هذا البرنامج نستطيع أن نطبق أدباً نبوياً عظيماً ألا وهو أدب النصيحة ، فقد يقع الخطأ من أحد الفضلاء في الغرفة فما الواجب على من كان في الغرفة ؟؟

إن كان مضافا عندك فما عليك إلا أن ترسل له على الخاص (PRIVET) ، وقبل أن تنصح قدم بين يدي نصيحتك كلاما تذكر فيه محاسن الرجل ، ثم قدم نصيحتك فهذا يكون أدعى لتهيئة المشاعر لقبول القول ، والعمل بالنصيحة الموجهة .

تقول مثلا : يا هذا عهدناك تفهم ، ونعرف عنك الفضل والذكاء ولكنك في هذا الأمر ابتعدت شيئا ما عن الصواب . أو تقول : عفا الله عنك لم صنعت كذا ؟؟؟

ولولا خشية الإطالة لذكرت جملة من آداب النصيحة .

وأكتفي بهذه الآداب ، ولعله تأتي آداب أخرى لا حقا فتضاف .

- حكم الدخول إلى الغرف التي تنشر الكفر والبدع :

لا شك أن برنامج " حديث الأصدقاء " ليس خاصا بأهل الاستقامة والصلاح فقط ، بل هو بحر من الأديان والمذاهب والفرق الضالة والكفرية ، فيدخل من ليس له معرفة بمثل هذا البرنامج فيرى العشرات من الغرف ، وقد يقع أحدهم في غرفة من هذه الغرف ، ويستمع لما يطرح فيها من سب النبي صلى الله عليه وسلم إن كان في غرفة للنصارى ، وسب الصحابة إن كان في غرفة للرافضة . وتأخذه الحمية للدفاع عن النبي صلى الله عليه وصحابته ، فلا يعطى فرصة بل قد يطرد مباشرة ، ثم يأتي إلى غرف أهل السنة ويشكو حاله مع تلك الغرف .

فما هو الموقف الشرعي لهذا الداخل إلى هذه الغرف ؟؟
جاءت النصوص بالمنع من الجلوس والاستماع لما يطرح في مثل هذه الغرف وإليك أخي المسلم ما جاء في هذا الباب :

قال تعالى : " وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا " [ النساء : 140 ] .

قال الإمام الطبري عند تفسير هذه الآية : وَفِي هَذِهِ الْآيَة الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى النَّهْي عَنْ مُجَالَسَة أَهْل الْبَاطِل مِنْ كُلّ نَوْع مِنْ الْمُبْتَدِعَة وَالْفَسَقَة عِنْد خَوْضهمْ فِي بَاطِلهمْ . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ جَمَاعَة مِنْ الْأُمَّة الْمَاضِيَة يَقُولُونَ تَأَوُّلًا مِنْهُمْ هَذِهِ الْآيَة , إِنَّهُ مُرَاد بِهَا النَّهْي عَنْ مُشَاهَدَة كُلّ بَاطِل عِنْد خَوْض أَهْله فِيهِ .ا.هـ.

وقال القرطبي : فَدَلَّ بِهَذَا عَلَى وُجُوب اِجْتِنَاب أَصْحَاب الْمَعَاصِي إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ مُنْكَر ; لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجْتَنِبْهُمْ فَقَدْ رَضِيَ فِعْلهمْ , وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْر ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلهمْ " . فَكُلّ مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِس مَعْصِيَة وَلَمْ يُنْكِر عَلَيْهِمْ يَكُون مَعَهُمْ فِي الْوِزْر سَوَاء , وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْكِر عَلَيْهِمْ إِذَا تَكَلَّمُوا بِالْمَعْصِيَةِ وَعَمِلُوا بِهَا ; فَإِنْ لَمْ يَقْدِر عَلَى النَّكِير عَلَيْهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُوم عَنْهُمْ حَتَّى لَا يَكُون مِنْ أَهْل هَذِهِ الْآيَة . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَخَذَ قَوْمًا يَشْرَبُونَ الْخَمْر , فَقِيلَ لَهُ عَنْ أَحَد الْحَاضِرِينَ : إِنَّهُ صَائِم , فَحَمَلَ عَلَيْهِ الْأَدَب وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة " إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلهمْ " أَيْ إِنَّ الرِّضَا بِالْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَة ; وَلِهَذَا يُؤَاخَذ الْفَاعِل وَالرَّاضِي بِعُقُوبَةِ الْمَعَاصِي حَتَّى يَهْلِكُوا بِأَجْمَعِهِمْ . وَهَذِهِ الْمُمَاثَلَة لَيْسَتْ فِي جَمِيع الصِّفَات , وَلَكِنَّهُ إِلْزَام شُبِّهَ بِحُكْمِ الظَّاهِر مِنْ الْمُقَارَنَة ; كَمَا قَالَ : فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَإِذَا ثَبَتَ تَجَنَّبَ أَصْحَاب الْمَعَاصِي كَمَا بَيَّنَّا فَتَجَنُّب أَهْل الْبِدَع وَالْأَهْوَاء أَوْلَى .ا.هـ.

وقال ابن كثير : أَيْ إِنَّكُمْ إِذَا اِرْتَكَبْتُمْ النَّهْي بَعْد وُصُوله إِلَيْكُمْ ، وَرَضِيتُمْ بِالْجُلُوسِ مَعَهُمْ فِي الْمَكَان الَّذِي يُكْفَر فِيهِ بِآيَاتِ اللَّه ، وَيُسْتَهْزَأ وَيُنْتَقَص بِهَا ، وَأَقْرَرْتُمُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ شَارَكْتُمُوهُمْ فِي الَّذِي هُمْ فِيهِ فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلهمْ " فِي الْمَأْثَم .ا.هـ.

وقال تعالى : " وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " [ الأنعام : 68 ] .

وقد ذكر القرطبي عند تفسير هذه الآية كلاما نفيسا نحتاجه في هذا المقام الذي نحن بصدده فقال :

فِي هَذِهِ الْآيَة رَدّ مِنْ كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَئِمَّة الَّذِينَ هُمْ حُجَج وَأَتْبَاعهمْ لَهُمْ أَنْ يُخَالِطُوا الْفَاسِقِينَ وَيُصَوِّبُوا آرَاءَهُمْ تَقِيَّة . وَذَكَرَ الطَّبَرِيّ عَنْ أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا تُجَالِسُوا أَهْل الْخُصُومَات , فَإِنَّهُمْ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَات اللَّه . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ مُجَالَسَة أَهْل الْكَبَائِر لَا تَحِلّ . قَالَ اِبْن خُوَيْز مِنْدَاد : مَنْ خَاضَ فِي آيَات اللَّه تُرِكَتْ مُجَالَسَته وَهُجِرَ , مُؤْمِنًا كَانَ أَوْ كَافِرًا . قَالَ : وَكَذَلِكَ مَنَعَ أَصْحَابنَا الدُّخُول إِلَى أَرْض الْعَدُوّ وَدُخُول كَنَائِسهمْ وَالْبِيَع , وَمَجَالِس الْكُفَّار وَأَهْل الْبِدَع , وَأَلَّا تُعْتَقَد مَوَدَّتهمْ وَلَا يُسْمَع كَلَامهمْ وَلَا مُنَاظَرَتهمْ .ا.هـ.

وقال الإمام الشوكاني عند تفسير هذه الآية :
وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتمسح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله ، ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله ، ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة ، وبدعهم الفاسدة ، فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه ، فأقل الأحوال أن يترك مجالستهم ، وذلك يسير غير عسير . وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة .

ويكون حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر .

وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر ، وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه وبلغت إليه طاقتنا ، ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها ، علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرمات ، ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة ، فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من الباطل بأوضح ما كان ، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه ، فيعمل ذلك مدة عمره ، ويلقى الله به معتقدا أنه من الحق وهو من أبطل الباطل وأنكر المنكر .ا.هـ.

فهاتان الآيتان نص واضح في النهي عن الجلوس والاستماع في غرف أهل الكفر وغرف المبتدعة .

وهناك أمرٌ انتشر في بعض غرف أهل السنة وغرف الرافضة ألا وهو مناظرة أهل البدع بشكل غريب عجيب وبحضور العامة مع الأسف ، ولنا وقفة مع هذه المسألة بشيء من التفصيل .

<span style='color:blue'><div align="center">- هـدي السلف في مناظرة أهل البدع : </div></span>

لقد وضع أهل السنة والجماعة قواعدا وضوابطا في مجادلة أهل البدع ومناظرتهم ، وقبل ذلك لابد لنا من معرفة سمات أهل البدع .

سـمـات أهل البدع :
1- الـفـرقـة :
قال تعالى : " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " . [آل عمران : 105] .
وجمهور المفسرين على حمل هذه الآية على اليهود والنصارى ، وقال بعضهم أنها في المبتدعة من هذه الأمة .
قال القرطبي : " يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي قَوْل جُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ الْمُبْتَدِعَة مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة . وَقَالَ أَبُو أُمَامَة : هُمْ الْحَرُورِيَّة ; وَتَلَا الْآيَة .ا.هـ.

2- اتـبـاعُ الـهـوى :
قال تعالى : " أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا " . [ الفرقان : 43 ] .
وقال تعالى : " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " [ الجاثية : 23 ] .

3 - اتـبـاع الـمـتـشـابـه :
قال تعالى : " ... فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ " . [ آل عمران : 7 ] .

‏عَنْ ‏عَائِشَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏‏قَالَتْ :‏ ‏تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏هَذِهِ الْآيَةَ : " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ " . ‏قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ . رواه البخاري (4547) ، ومسلم (2665) ، وأبو داود (4598) ، والترمذي (2994) ، وابن ماجه (47) .

4 - مـعـارضـة الـسـنـة بـالـقـرآن :
قال الإمام البربهاري في شرح السنة (ص51) : إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار ، أو يرد الآثار ، أو يريد غير الآثار فاتهمه على الإسلام ، ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع .

5 - بـغـض أهـل الأثـر :
نقل الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص300) عن أحمد بن سنان القطان قال : ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث .

6 - إطـلاق الألـقـاب على أهـل الـسـنـة :
قال أبو حاتم الرازي :
علامة أهل البدع : الوقيعة في أهل الأثر .
وعلامة الزنادقة : تسميتهم أهل الأثر حشوية ، يريدون بذلك إبطال الآثار .
وعلامة القدرية : تسميتهم أهل السنة مجبرة .
وعلامة الجهمية : تسميتهم أهل السنة مشبهة .
وعلامة الرافضة : تسميتهم أهل الأثر نابتة ، وناصبة .
قلت : وكل ذلك عصبية ، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث .
رواه الصابوني في عقيدة أهل الحديث (ص304-305) .

وبعد ذكر هذه السمات نأتي على مسألة مناظرة أهل البدع .

إن قول الله تعالى : " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ " (آل عمران :7) أصل في تميز أهل السنة والجماعة عن غيرهم من أهل البدع والأهواء من جهة إتباعهم للمحكم وعدم خوضهم في المتشابه .

قال ابن كثير في تفسيره (2/10) : " فأما الذين في قلوبهم زيغ " أي : ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل " فيتبعون ما تشابه منه " أي : إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها ، لاحتمال لفظه لما يصرفونه ، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه ، لأنه دامغ لهم وحجة عليهم .ا.هـ.

وعَنْ ‏عَائِشَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏‏قَالَتْ :‏ ‏تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏هَذِهِ الْآيَةَ : " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ " . ‏قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ . رواه البخاري (4547) ، ومسلم (2665) ، وأبو داود (4598) ، والترمذي (2994) ، وابن ماجه (47) .

قال الإمام النووي في شرح مسلم (16/218) :
وفي هذا الحديث التحذير من مخالطة أهل الزيغ وأهل البدع ، ومن يتبع المشكلات للفتنة ، فأما من سأل عما أشكل عليه منها للاسترشاد وتلطف في ذلك فلا بأس عليه وجوابه واجب ، وأما الأول فلا يجاب بل يزجر ويعزر كما عزر عمر بن الخطاب رضي الله عنه صَبِيغ بن عِسْل حين كان يتبع المتشابه .ا.هـ.

وقصة صَبيغ بن عِسل من القصص العظيمة التي تبين كيف كان سلف هذه الأمة يعالجون أصحاب الشبه والتعنت ، وسأذكر القصة لما فيها من العبرة ، ولأنها داخلة فيما نحن بصدده من الكلام عن أهل البدع والأهواء .

روى اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/701 رقم 1136) بإسناده أن السايب بن يزيد أتى عمر بن الخطاب فقيل : يا أمير المؤمنين إنا لقينا رجلا يسأل عن تأويل القرآن ؟ فقال عمر : اللهم مكني منه . قال فبينما عمر ذات يوم جالسا يغدي الناس إذ جاء عليه ثياب وعمامة فتغدا حتى إذا فرغ قال : يا أمير المؤمنين " والذاريات ذروا . فالحاملات وقرا " . فقال عمر : أنت هو ؟ فقام إليه وحسر عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته فقال : والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا – يعني من الخوارج فإن سيماهم التحالق – لضربت رأسك البسوه ثيابا واحملوه على قتب ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلاده ثم ليقم خطيبا ثم يقول : إن صبيغا ابتغى العلم فاخطأه فلم يزل وصبيغا في قومه حتى هلك وكان سيد قومه .

قال المحقق : رجاله ثقات رجال الشيخين ما عدا شيخ المؤلف وشيخه فهما ثقتان وجدا بعد الشيخين .ا.هـ.

والقصة لها روايات كثيرة ولكني أكتفي بهذه الرواية .

وقد بوب اللالكائي لهذا الأثر وغيره " سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين في مجانبة أهل القدر وسائر أهل الأهواء " .

وقال الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص236) :
وروى يزيد بن هارون في مجلسه حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله في الرؤية ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم تنظرون إلى ربكم كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر . فقال له رجل في مجلسه : يا أبا خالد ما معنى هذا الحديث ؟ فغضب وحرد وقال : ما أشبهك بصَبيغ وما أحوجك إلى مثل ما فعل به ويلك ومن يدري كيف هذا ومن يجوز له أن يجاوز هذا القول الذي جاء به الحديث ، أو يتكلم فيه بشيء من تلقاء نفسه إلا من سفه نفسه واستخف بدينه ؟ إذا سمعتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوه ولا تبتدعوا فيه فإنكم إن اتبعتموه ولم تماروا فيه سلمتم وإن لم تفعلوا هلكتم .

أما ما ورد عن السلف في عدم مجادلة أهل البدع فهو كثير جدا ، وقد اخترت بعضا منها فمن ذلك :

عن أبي قِلابة رحمه الله أنه قال : لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم .

وعن أيوب السختياني قال : قال لي أبوقلابة : يا أيوب ، احفظ عني أربعا : لا تقولون في القرآن رأيك ، وإياك والقدر ، وإذا ذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأمسك ، ولا تمكن أصحاب الأهواء من سمعك .

وعن الفضيل بن عياض قال : لا تجادلوا أهل الخصومات فإنهم يخوضون في آيات الله .

وعن حنبل بن إسحاق قال : كتب رجل إلى أبي عبد الله ( يعني الإمام أحمد ) كتابا يستأذنه فيه أن يضع كتابا يشرح فيه الرد على أهل البدع وأن يحضر مع أهل الكلام فيناظرهم ، ويحتج عليهم ، فكتب إليه أبو عبد الله : بسم الله الرحمن الرحيم أحسن الله عاقبتك ، ودفع عنك كل مكروه ومحذور ، الذي كنا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم : أنهم كانوا يكرهون الكلام ، والجلوس مع أهل الزيغ ، وإنما الأمور في التسليم ، والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم ، فإنهم يلبسون عليك ولا هم يرجعون فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم .

وهذا كلام نفيس للإمام اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/19) نحتاجه في هذه الأزمان يقول :
فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة ، ولم يكن قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة ، يموتون من الغيظ كمدا ودردا ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلا ، حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقا ، وصاروا إلى هلاك الإسلام دليلا ، حتى كثرت بينهم المشاجرات ، وظهرت دعوتهم بالمناظرة ، وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة حتى تقابلت الشبه في الحجج ، وبلغوا من التدقيق في اللجج فصاروا أقرانا وأخدانا ، وعلى المداهنة خلانا وإخوانا ، بعد أن كانوا في الله أعداء وأضدادا وفي الهجرة في الله أعوانا يكفرونهم في وجوههم عيانا ، ويلعنونهم جهارا ، وشتان ما بين المنزلتين وهيهات ما بين المقامين .ا.هـ.

هذه بعض أقوال السلف في النهي عن مناظرة أهل البدع .

وقد نقل لنا غير واحد من أهل العلم ومنهم الإمام ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " أن بعض السلف ناظروا أهل البدع ، وعقد بابا فقال : " إتيان المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة " (2/953 – 974) ، وقبل ذلك عقد بابا فقال : باب ما تكره فيه المناظرة والجدال والمراء " (2/928 – 952) .

قال ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " : وناظر علي رضي الله عنه الخوارج حتى انصرفوا ، وناظرهم ابن عاس أيضا بما لا مدفع فيه من الحجة نحو كلام علي .ا.هـ.

وأما مناظرة ابن عباس للخوارج فقد رواها الإمام أحمد (1/86 ، 342) ، ورجع بعد المناظرة ألفان من الخوارج .

وناظر عمر بن عبد العزيز غيلان الدمشقي القدري حتى انقطع ، إلا أنه عاد بعد موت عمر ، وذكر المناظرة اللالكائي في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " (4/789 – 793) .

وذكر اللالكائي أيضا في " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " (4/794 – 795 رقم 1330) مناظرة الأوزاعي مع قدري فحجه .

ونقل أبو نعيم في الحلية (9/115) مناظرة الشافعي حفص الفرد فغلبه .

وناظر الإمام أحمد الجهمية كما ذكر في كتابه " الرد على الزنادقة "

وناظر ابن تيمية لدجاجلة البطائحية الرفاعية كما في " مجموعة الرسائل والمسائل " (1/133 – 155) .

وبعد هذه النقولات قد يقول قائل : ما حكم المناظرات في مقابل هذا التعارض ؟

قال الإمام النووي في " الأذكار " ( ص 330) : "
واعلم أن الجدال قد يكون بحق ، وقد يكون بباطل قال الله : " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " [ العنكبوت : 46 ] ، وقال تعالى : " وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " [ النحل : 125 ] ، وقال تعالى : " مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا " [ غافر : 4 ] فإن كان الجدال للوقوف على الحق وتقريره كان محمودا ، وإن كان في مدافعة الحق ، أو كان جدالا بغير علم كان مذموما ، وعلى هذا التفصيل تنزل النصوص الواردة في إباحته وذمه " .ا.هـ.

وممن أطال النفس في بيان هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية في " درء تعارض العقل والنقل " (7/167) فقال :
" والمناظرة المحمودة نوعان والمذمومة نوعان . وذلك لأن المناظر إما أن يكون عالما بالحق ، وإما أن يكون طالبا له ، وإما أن لا يكون عالما به ولا طالبا له .

فهذا الثالث هو المذموم بلا ريب .

وأما الأولان فمن كان عالما بالحق فمناظرته المحمودة أن يبين لغيره الحجة التي تهديه إن كان مسترشدا طالبا للحق إذا تبين له ، أو يقطعه ويكف عدوانه إن كان معاندا غير متبع للحق إذا تبين له ، ويوقِّفَه ويُسلِّكه ويبعثه على النظر في أدلة الحق إن كان يظن أنه حق وقصده الحق .ا.هـ.

وقال في ذم المناظر إذا كان ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة (7/173) :
وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة ، وجواب الشبهة فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضل كما ينهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجا قويا من علوج الكفار فإن ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة .ا.هـ.

وقال عن المناظرة المنهي عنها (7/174) :
وقد ينهى عنها إذا كان المناظر معاندا يظهر له الحق فلا يقبله وهو السوفسطائي فإن الأمم كلهم متفقون على أن المناظرة إذا انتهت إلى مقدمات معروفة بينة بنفسها ضرورية وجحدها الخصم كان سوفسطائيا ، ولم يؤمر بمناظرته بعد ذلك ، بل إن كان فاسد العقل داووه ، وإن كان عاجزا عن معرفة الحق ولا مضرة فيه تركوه ، وإن كان مستحقا للعقاب عاقبوه مع القدرة : إما بالتعزير ، وإما بالقتل وغالب الخلق لا ينقادون للحق إلا بالقهر .ا.هـ.

ثم ختم بالخلاصة في موضوع المناظرات فقال : والمقصود أنهم نهوا عن المناظرة من لا يقوم بواجبها ، أو مع من لا يكون في مناظرته مصلحة راجحة ، أو فيها مفسدة راجحة ، فهذه أمور عارضة تختلف باختلاف الأحوال .

وأما جنس المناظرة بالحق فقد تكون واجبة تارة ، ومستحبة أخرى ، وفي الجملة جنس المناظرة والمجادلة فيها محمود ومذموم ، ومفسدة ومصلحة ، وحق وباطل .ا.هـ.

وممن فصل في مسألة مناظرة أهل البدع ، والتوفيق بين كلام وفعل السلف من حيث الذم أو المدح الشيخ الدكتور إبراهيم الرحيلي في كتابه " موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع " فقد عقد فصلا بعنوان : " موقف أهل السنة من مجادلة أهل البدع ومناظرتهم " (2/587 – 611) .

ونذكر خلاصة ما ذكره فقال (2/603) :
والمتحصل من كلام أهل العلم في المفارقة بين نوعي الجدال المحمود والمذموم : أن المجادلة المحمودة : هي ما كانت لإثبات الحق ، أو دفع باطل ، أو للتعليم والاستيضاح فيما يشكل على الإنسان من المسائل .

وأن المجادلة المذمومة : هي ما كانت لرد الحق أو لنصرة الباطل ، أو كانت في ما نهى الله ورسوله عن المجادلة فيه كالمجادلة في المتشابه ، وفي الحق بعد ما تبين ، أو كانت لحظ النفس : كإظهار العلم ، والفطنة والذكاء مراءاة للناس وطلبا لثنائهم ، أو لغير ذلك من المقاصد المذمومة كالعناد والتعصب للرأي .

وفي الحقيقة إنه بعد تأمل النصوص وكلام السلف ، وأقوال أهل العلم في المفارقات بين المجادلة المحمودة ، والمجادلة المذمومة ، نجد أنها لا تخرج عن ثلاثة أمور :

فهي إما متعلقة بأصل النية ، وإما متعلقة بموضوع المجادلة ، وإما متعلقة بالمتجادلين ...ا.هـ.

وفصل في الثلاثة أمور التي ذكرها ، فمن شاء فليرجع إليها .

وأما ما يحصل في برنامج " حديث الأصدقاء " من مناظرات فعليه الملحوظات التالية :
- أولاً :
مناظرة من لا يعرف من هو ؟ فيأتي أحد أهل السنة ويناظر شخصا باسم مستعار لا يعرف ، والذي نقل من حال السلف في مناظراتهم لبعض أهل البدع أنهم أناس معرفون بأعيانهم .

- ثـانـيـاً :
طريقة بعض المناظرين من أهل السنة في التعرض لكل من طلب المناظرة ، وهذه طريقة ذمها السلف فهذا الإمام اللالكائي يقول : فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة ، ولم يكن قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة ، يموتون من الغيظ كمدا ودردا ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلا ، حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقا ، وصاروا إلى هلاك الإسلام دليلا ، حتى كثرت بينهم المشاجرات ، وظهرت دعوتهم بالمناظرة ، وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة حتى تقابلت الشبه في الحجج ، وبلغوا من التدقيق في اللجج فصاروا أقرانا وأخدانا ، وعلى المداهنة خلانا وإخوانا ، بعد أن كانوا في الله أعداء وأضدادا وفي الهجرة في الله أعوانا يكفرونهم في وجوههم عيانا ، ويلعنونهم جهارا ، وشتان ما بين المنزلتين وهيهات ما بين المقامين .ا.هـ.

ولا يكاد عجبي ينقضي من طريقة بعض من يشار إليه بالبنان في برنامج " حديث الأصدقاء " لا هم له إلا أن يناظر فقط ، فإذا دخل استقبله العامة ، وهذا - والله - نخشى عليه من مثل هذا الاستقبال الذي قد يكون قاصمة الظهر ، نسأل الله أن يحمينا وإياهم من مثل هذه المذابح .

- ثـالـثـاً :
تجرأ بعض أهل السنة من العامة بعد إقامة مثل هذه المناظرات في برنامج " حديث الأصدقاء " ممن ليس لديهم علم شرعي ، أو على الأقل ليس عنده ما يرد به على أهل البدع شبههم التي يلقونها في غرف أهل السنة . وهذه والله جرأة عظيمة أن يناظر أمثال هؤلاء ويظنون أنهم يصلحون وهم إلى الإفساد أقرب ولا شك .

قال شيخ الإسلام في " درء تعارض العقل والنقل " (7/173) في حق أمثال هؤلاء : وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة ، وجواب الشبهة فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضل كما ينهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجا قويا من علوج الكفار فإن ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة .ا.هـ.

- رابـعـاً :
إن في مناظرة المبتدعة الذين يدخلون بأسماء مستعارة رفعا من شأنهم ، وهم نكرات لا يعرفون ، فلماذا نعطي لهم الفرصة في ذلك ؟

- خـامـسـاً :
من خلال متابعة هذه المناظرات لم نسمع عن أحد من هؤلاء المبتدعة أنه رجع إلى الطريق الحق ، بل يصر على رأيه ، وينافح عن معتقده الفاسد وفي أمثال هؤلاء يقول شيخ الإسلام في " درء تعارض العقل والنقل "(7/174) : وقد ينهى عنها إذا كان المناظر معاندا يظهر له الحق فلا يقبله وهو السوفسطائي فإن الأمم كلهم متفقون على أن المناظرة إذا انتهت إلى مقدمات معروفة بينة بنفسها ضرورية وجحدها الخصم كان سوفسطائيا ، ولم يؤمر بمناظرته بعد ذلك ، بل إن كان فاسد العقل داووه ، وإن كان عاجزا عن معرفة الحق ولا مضرة فيه تركوه ، وإن كان مستحقا للعقاب عاقبوه مع القدرة : إما بالتعزير ، وإما بالقتل وغالب الخلق لا ينقادون للحق إلا بالقهر .ا.هـ.

والسوفسطائي : هو من جحد حقا معلوما وموه ذلك بباطل فهو مسفسط في هذا الموضع ، وإن كان مقرا بأمور أخرى .

والعجيب أن بعض المبتدعة يُناظر أكثر من مرة ولا تجد منه إلا العناد والاستكبار على رأيه ، والأدهى أن تقام مناظرة مرة في غرفة أهل السنة ، ومرة في غرفة المبتدعة ، والله المستعان .

أما من جاء لطلب الحق - وهذا يعرف بالقرائن من حاله - فإنه يؤخذ ويعطى معه حتى يرجع إلى الجادة وإلى الفطرة التي فطره الله عليها .

- سـادسـا :
تطور الحال ببعض أهل السنة وأصبحوا يباهلون هؤلاء المبتدعة ، ولا أدري كيف تكون مباهلة مع أسماء مستعارة ؟&#33;&#33;&#33;

فينبغي على أهل السنة أن لا ينجروا وراء مثل هذه الأمور من غير رجوعٍ إلى العلماء وطلبة العلم ، ونخشى أن يتوسع الأمر وتصبح القضية فوضى ، فالحذر الحذر .

- سـابـعـاً :
طريقة بيان ما عند القوم من ضلالات ، وكفريات هي من الطرق البديلة لهذه المناظرات التي تجرى أمام العامة ، وفضح معتقداتهم مما يحدث الشك عند عوامهم ، وهي طريقة مجربة نافعة والحمد لله .

فما المانع من قيام بعض المطلعين على كتب القوم أن يقوموا بعقد الدروس والمحاضرات لمثل هذا الأمر ؟ إلى جانب قيام محاضرات أخرى في معتقد أهل السنة والجماعة ، وعلى سبيل المثال :
- عقيدة أهل السنة والجماعة في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
- عقيدة أهل السنة في علي بن أبي طالب .

وغير ذلك من الموضوعات التي يجتمع فيه نقض معتقدات القوم ، وبين تأصيل اعتقاد أهل السنة .

وختاما : أعلم أن هذا الطرح قد لا يعجب البعض من إخواننا ممن نحبهم في الله ، ولكن هذا ما ندين الله به ، ولعل كلامي هذا يعرض على بعض العلماء وطلبة العلم لكي يصححوني إذا كان فيه خطأ . وأسأل الله السداد والتوفيق .

<div align="center">كتبه
عَـبْـد الـلَّـه زُقَـيْـل
zugailam@islamway.net</div>
</span>

uwLw71
13 Jan 2004, 11:52 PM
<span style='color:darkblue'><div align="center">مهند الخالدي موضوع قيم كتب الله لك الاجر

وجزاك الله خير الجزاء ورزقك ما تتمنى

ولكن بصراحة اخي عيوني زغللت من طول

المقال :blink: بس مقال رائع بصراحة</div></span>

مهند الخالدي
14 Jan 2004, 06:56 AM
<span style='color:crimson'>■ بارك الله فيك أخي إحساس نعم مقال رائع ومميز وشامل جزى الله خيراً الشيخ عبد الله على ما بذل فيه من جهد ،،،

</span>

منهاج القاصدين
14 Jan 2004, 08:08 PM
بارك الله فيك اخي مهند ،،

البالتوك هذا وسيله عظيمه لو استخدم في الدعوه ،،

فمثلا اذا القى احد المشائخ او الدعاه درسا او محاضره ،،

يتابعه العشراات من الناس من جميع انحااء العالم فسبحان الله الذي سخر لنا هذه الوسيله العظيمه ،،

التى مكنت الكثيرين من متابعة المشائخ والاستفسار عن الدين اوطلب النصيحه او الفتاوي ،،

الحاج زاهر
14 Jan 2004, 08:40 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أخي الكريم / مهند الخالدي
على هذا المقال الذي إستغرق مني أكثر من ربع ساعة لقرأته والحقيقة تقال إنه مقال جد ممتاز ويعتبر شامل من جميع النواحي الأدب الدعوة لله الإسلوب الطيب
فبارك الله فيك على نقلك لمثل هذا الموضوع فالدال على الخير كفاعله
كثر الله من أمثالك

وفقنا الله لما فيه الخير والصلاح والفلاح