أبوالزبير
29 Mar 2005, 02:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
التفكر
الحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
قد أمر الله سبحانه بالتفكر والتدبر في كتابه العزيز وأثنى على المتفكرين بقوله (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً ) آل عمران 191
وقال : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الرعد 3
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله ) رواه البيهقي .
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : تفكر ساعة خير من قيام ليلة .
وقال وهب بن منبه: ما طالت فكرة امرئ إلا فهم وما فهم إلا علم وما علم إلا عمل
وقال بشر الحافى : لوتفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه
وقال الفر بابي في قوله تعالى : ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) الأعرف 146
قال : أمنع قلوبهم التفكر في أمري .
وكان داود الطائي على سطح في ليلة قمراء فتفكر في ملكوت السموات والأرض فوقع في دار جار له فوثب عريانا وبيده السيف فلما رآه قال : يا داود ما الذي ألقاك ؟ قال : ما شعرت بذلك .
وقال : يوسف بن أسباط: أن الدنيا لم تخلق لينظر إليها بل لينظر بها إلى الآخرة.
وقال سفيان من شدة تفكره يبول الدم .
وقال أبو بكر الكتاني: روعة عند انتباهه من غفلة وانقطاع في حظ نفساني وارتعاد من خوف قطيعة أفضل من عبادة الثقلين .
بيان مجاري الفكر وثمراته
اعلم أن الفكر قد يجري في أمر يتعلق بالدين وقد يجري أمر يتعلق بغيره وإنما غرضنا ما يتعلق بالدين وشرح ذلك يطول فلينظر الإنسان في أربعة أنواع : الطاعات والمعاصي والصفات المهلكات والصفات المنجيات .
فلا تغفل عن نفسك ولا عن صفاتك المباعدة عن الله والمقربة إليه وينبغي لكل من يريد أن تكون له جريد ويثبت فيها جملة الصفات والمهلكات وجملة الصفات المنجيات وجملة المعاصي والطاعات ويعرض ذلك على نفسه كل يوم .
ويكفيه من المهلكات النظر في عشرة فإنه أن سلم منها سلم من غيرها وهي: البخل والكبر والعجب والرياء والحسد وشدة الغضب وشره الطعام وشره الو قاع وحب المال وحب الجاه.
ومن المنجيات عشرة: الندم على الذنوب والصبر على الابتلاء والرضا بالقضاء الشكر على النعماء واعتدال الخوف والرياء والزهد في الدنيا والإخلاص في الأعمال وحسن الخلق مع الخلق وحب الله تعالى والخشوع
فهذه عشرون خصلة عشرة مذمومة وعشرة محمودة فمتى كفي من المذمومات واحدة خط في جريدته وترك الفكر فيها وشكر الله تعالى على كفايته إياها وليعلم أن ذلك لم يتم إلا بتوفيق الله تعالى وعونه ثم يقبل على التسعة الباقية وهكذا يفعل حتى يخط على الجميع وكذلك يطالب نفسه بالاتصاف بالصفات المنجيات فإذا اتصف بواحدة منها كالتوبة والندم مثلاً خط عليه واشتغل بالباقي وهذا يحتاج إليه المريد المشمر .
فأما أكثر الناس من المعدودين في الصالحين فينبغي أن يثبتوا في جرائدهم المعاصي الظاهرة كأكل الشبهات وإطلاق اللسان بالغيبة والنميمة والمراء والثناء على النفس والإفراط في موالاة الأولياء ومعاداة الأعداء والمداهنة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن أكثر من يعد نفسه من وجوه الصالحين لا ينفك عن جملة من هذه المعاصي في جوارحه وما لم تطهر الجوارح من الآثام لا يمكن الاشتغال بعمارة القلب وتطهيره
وكل فريق من الناس يغلب علبهم نوع من هذه الأمور فينبغي أن يكون تفقدهم لها وتفكرهم فيها مثاله العالم الورع فإنه لا يخلو في غلب الأمور من إظهار نفسه بالعلم وطلب الشهرة وانتصار الصيت إما بالتدريس أو بالوعظ ومن فعل ذلك فقد تصدى لفتنة عظيمة لا ينجو منها إلا الصد يقون وربما ينتهي العلم بأهل العلم إلى أن يتغايروا كما يتغاير النساء وكل ذلك م رسوخ الصفات المهلكات في سر القلب التي يظن العالم النجاة منها وهو مغرور فيها .
ومن أحسن من نفسه هذه الصفات فالواجب عليه الانفراد والعزلة وطلب الخمول والمدافعة للفتاوى فقد كان الصحابة يتدافعون الفتاوى وكل منهم يود لو أن أخاه كفاه وعند هذا ينبغي أن يتقي شياطين الإنس فإنهم قد يقولون : هذا بسبب لا ندراس العلم فليقل لهم : فليكن فكر العالم في التفطن لخفايا هذه الصفات من قلبه وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله ) فالتفكر في ذاته سبحانه ممنوع منه وذلك أن العقول تتحير في ذلك فإنه أعظم من أن تمثله العقول بالتفكر أو تتوهمه القلوب بالتصوير : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) الشورى 10
فأما التفكر في مخلوقات الله تعالى فقد ورد القرآن بالحث على ذلك كقوله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) آل عمران 190
ومن آيات الله تعالى الإنسان المخلوق من نطفة فليتفكر الإنسان في نفسه فإن في خلقه من العجائب الدالة على عظمة الله تعالى وما تنقضي الأعمار في الوقوف على عشر عشره وهو غافل عن ذلك قد أمره الله تعالى بالتدبر في نفسه فقال : ( وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) الذاريات 21
ومن آياته الجواهر المودعة في الجبال والمعادن من الذهب والفضة ونحوها كذلك النفط والكبريت والقار وغيرها مت آياته البحار العظيمة العميقة المكتنفة لأقطار الأرض التي هي قطع من البحر الأعظم المحيط بجميع الأرض ولو جمع المكسوف من الأرض من البراري والجبال لكان بالإضافة إلى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم وفي البحر عجائب أضعاف ما نشاهد في البر
وانظر كيف خلق اللؤلؤ ودوره في صدفة تحت الماء وانظر كيف أنبت المرجان في صم عجائب الصخور السفن تحت الماء وكذلك ما عداه من العنبر وأصناف ما يقذفه البحر وانظر إلى عجائب السفن كيف أمسكها الله تعالى على وجه الماء وسيرها في البحار تسوقها الرياح وأعجب من ذلك الماء فأمسكها الله تعالى على وجه الماء وسيرها في البحار تسوقها الرياح وأعجب من ذلك الماء فإنه حياة كل ما على الأرض من حيوان ونبات فلو احتاج العبد إلى شربة ماء لبذل جميع خزائن الدنيا في تحصيلها لو ملك ذلك ثم إذا شربها ومنع خروجها لبذل جميع خزائن الأرض في إخراجها فلا يغفل العبد عن هذه النعمة
ومن آياته الهواء وهو جسم لطيف لا يرى بالعين ثم انظر إلى شدته قوته وانظر إلى عجائب الجو وما يظهر فيه من الغيوم والرعد والبرق والمطر والثلج والشهب والصواعق وغبر ذلك من العجائب وانظر إلى السماء وعظمها وكواكبها وشمسها وقمرها وما فيها كوكب إلا ولله تعالى فيه حكمة في لونه وشكله وموضعه وانظر إلى إيلاج الليل في النهار والنهار في الليل وانظر مسير الشمس كيف اختلف في الصيف والشتاء والربيع والخريف .
وقد قيل إن الشمس مثل الأرض مائة ونفيا وستين مرة وإن أصغر كوكب في السماء مثل الأرض ثمان مرات فإذا كان هذا كوكب واحد فانظر إلى كثرة الكواكب وإلى السماء التي فيها الكواكب وإلى إحاطة عينك بذلك مع صغرها والعجب منك أنك تدخل بيت غني مزخرفاً مموها بالذهب فلا ينقطع تعجبك منه ولا تزال تذكرة وأنت تنظر إلى هذا البيت العظيم ولا تتفكر في بناء خالقك فلقد نسيت نفسك وربك واشتغلت ببطنك وفرجك فما مثلك في غفلتك إلا كمثل نملة تخرج من بيتها الذي حفرته في حائط قصر الملك فتلقى أختها فتتحدث معها في حديث بيتها وكيف بنته وما جمعت فيه لا تذكر قصر الملك ولا من فيه فهكذا أنت في غفلتك فما تعرف من السماء إلا ما تعرفه النملة من سقف بيتك .
فهذا بيان معاقد الجمل التي يجول فيها فكر المتفكرين والأعمار تقصر والعلوم تقل عن الإحاطة ببعض المخلوقات إلا أنك كلما استكثرت من معرفة عجائب المصنوعات كانت معرفتك بجلال الصانع أتم فتفكر فيما أشرنا إليه فمن نظر في هذه الأشياء من حيث إنها فعل الله وصنعه واستفاد في المعرفة بجلال الله تعالى وعظمته ومن قصر النظر تعوذ عليها من حيث تأثير بعضها في بعضها من حيث ارتباطها بمسبب الأسباب شقي نعوذ بالله من مزلة أقدم الجهال ومن الركون إلى أسباب الضلال
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
********************************
ملاحظة : هذا الموضوع لفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان ، عضو هيئة كبار العلماء حفظه الله ورعاه ونفع الله بعلمه .
التفكر
الحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
قد أمر الله سبحانه بالتفكر والتدبر في كتابه العزيز وأثنى على المتفكرين بقوله (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً ) آل عمران 191
وقال : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الرعد 3
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله ) رواه البيهقي .
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : تفكر ساعة خير من قيام ليلة .
وقال وهب بن منبه: ما طالت فكرة امرئ إلا فهم وما فهم إلا علم وما علم إلا عمل
وقال بشر الحافى : لوتفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه
وقال الفر بابي في قوله تعالى : ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) الأعرف 146
قال : أمنع قلوبهم التفكر في أمري .
وكان داود الطائي على سطح في ليلة قمراء فتفكر في ملكوت السموات والأرض فوقع في دار جار له فوثب عريانا وبيده السيف فلما رآه قال : يا داود ما الذي ألقاك ؟ قال : ما شعرت بذلك .
وقال : يوسف بن أسباط: أن الدنيا لم تخلق لينظر إليها بل لينظر بها إلى الآخرة.
وقال سفيان من شدة تفكره يبول الدم .
وقال أبو بكر الكتاني: روعة عند انتباهه من غفلة وانقطاع في حظ نفساني وارتعاد من خوف قطيعة أفضل من عبادة الثقلين .
بيان مجاري الفكر وثمراته
اعلم أن الفكر قد يجري في أمر يتعلق بالدين وقد يجري أمر يتعلق بغيره وإنما غرضنا ما يتعلق بالدين وشرح ذلك يطول فلينظر الإنسان في أربعة أنواع : الطاعات والمعاصي والصفات المهلكات والصفات المنجيات .
فلا تغفل عن نفسك ولا عن صفاتك المباعدة عن الله والمقربة إليه وينبغي لكل من يريد أن تكون له جريد ويثبت فيها جملة الصفات والمهلكات وجملة الصفات المنجيات وجملة المعاصي والطاعات ويعرض ذلك على نفسه كل يوم .
ويكفيه من المهلكات النظر في عشرة فإنه أن سلم منها سلم من غيرها وهي: البخل والكبر والعجب والرياء والحسد وشدة الغضب وشره الطعام وشره الو قاع وحب المال وحب الجاه.
ومن المنجيات عشرة: الندم على الذنوب والصبر على الابتلاء والرضا بالقضاء الشكر على النعماء واعتدال الخوف والرياء والزهد في الدنيا والإخلاص في الأعمال وحسن الخلق مع الخلق وحب الله تعالى والخشوع
فهذه عشرون خصلة عشرة مذمومة وعشرة محمودة فمتى كفي من المذمومات واحدة خط في جريدته وترك الفكر فيها وشكر الله تعالى على كفايته إياها وليعلم أن ذلك لم يتم إلا بتوفيق الله تعالى وعونه ثم يقبل على التسعة الباقية وهكذا يفعل حتى يخط على الجميع وكذلك يطالب نفسه بالاتصاف بالصفات المنجيات فإذا اتصف بواحدة منها كالتوبة والندم مثلاً خط عليه واشتغل بالباقي وهذا يحتاج إليه المريد المشمر .
فأما أكثر الناس من المعدودين في الصالحين فينبغي أن يثبتوا في جرائدهم المعاصي الظاهرة كأكل الشبهات وإطلاق اللسان بالغيبة والنميمة والمراء والثناء على النفس والإفراط في موالاة الأولياء ومعاداة الأعداء والمداهنة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن أكثر من يعد نفسه من وجوه الصالحين لا ينفك عن جملة من هذه المعاصي في جوارحه وما لم تطهر الجوارح من الآثام لا يمكن الاشتغال بعمارة القلب وتطهيره
وكل فريق من الناس يغلب علبهم نوع من هذه الأمور فينبغي أن يكون تفقدهم لها وتفكرهم فيها مثاله العالم الورع فإنه لا يخلو في غلب الأمور من إظهار نفسه بالعلم وطلب الشهرة وانتصار الصيت إما بالتدريس أو بالوعظ ومن فعل ذلك فقد تصدى لفتنة عظيمة لا ينجو منها إلا الصد يقون وربما ينتهي العلم بأهل العلم إلى أن يتغايروا كما يتغاير النساء وكل ذلك م رسوخ الصفات المهلكات في سر القلب التي يظن العالم النجاة منها وهو مغرور فيها .
ومن أحسن من نفسه هذه الصفات فالواجب عليه الانفراد والعزلة وطلب الخمول والمدافعة للفتاوى فقد كان الصحابة يتدافعون الفتاوى وكل منهم يود لو أن أخاه كفاه وعند هذا ينبغي أن يتقي شياطين الإنس فإنهم قد يقولون : هذا بسبب لا ندراس العلم فليقل لهم : فليكن فكر العالم في التفطن لخفايا هذه الصفات من قلبه وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله ) فالتفكر في ذاته سبحانه ممنوع منه وذلك أن العقول تتحير في ذلك فإنه أعظم من أن تمثله العقول بالتفكر أو تتوهمه القلوب بالتصوير : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) الشورى 10
فأما التفكر في مخلوقات الله تعالى فقد ورد القرآن بالحث على ذلك كقوله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) آل عمران 190
ومن آيات الله تعالى الإنسان المخلوق من نطفة فليتفكر الإنسان في نفسه فإن في خلقه من العجائب الدالة على عظمة الله تعالى وما تنقضي الأعمار في الوقوف على عشر عشره وهو غافل عن ذلك قد أمره الله تعالى بالتدبر في نفسه فقال : ( وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) الذاريات 21
ومن آياته الجواهر المودعة في الجبال والمعادن من الذهب والفضة ونحوها كذلك النفط والكبريت والقار وغيرها مت آياته البحار العظيمة العميقة المكتنفة لأقطار الأرض التي هي قطع من البحر الأعظم المحيط بجميع الأرض ولو جمع المكسوف من الأرض من البراري والجبال لكان بالإضافة إلى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم وفي البحر عجائب أضعاف ما نشاهد في البر
وانظر كيف خلق اللؤلؤ ودوره في صدفة تحت الماء وانظر كيف أنبت المرجان في صم عجائب الصخور السفن تحت الماء وكذلك ما عداه من العنبر وأصناف ما يقذفه البحر وانظر إلى عجائب السفن كيف أمسكها الله تعالى على وجه الماء وسيرها في البحار تسوقها الرياح وأعجب من ذلك الماء فأمسكها الله تعالى على وجه الماء وسيرها في البحار تسوقها الرياح وأعجب من ذلك الماء فإنه حياة كل ما على الأرض من حيوان ونبات فلو احتاج العبد إلى شربة ماء لبذل جميع خزائن الدنيا في تحصيلها لو ملك ذلك ثم إذا شربها ومنع خروجها لبذل جميع خزائن الأرض في إخراجها فلا يغفل العبد عن هذه النعمة
ومن آياته الهواء وهو جسم لطيف لا يرى بالعين ثم انظر إلى شدته قوته وانظر إلى عجائب الجو وما يظهر فيه من الغيوم والرعد والبرق والمطر والثلج والشهب والصواعق وغبر ذلك من العجائب وانظر إلى السماء وعظمها وكواكبها وشمسها وقمرها وما فيها كوكب إلا ولله تعالى فيه حكمة في لونه وشكله وموضعه وانظر إلى إيلاج الليل في النهار والنهار في الليل وانظر مسير الشمس كيف اختلف في الصيف والشتاء والربيع والخريف .
وقد قيل إن الشمس مثل الأرض مائة ونفيا وستين مرة وإن أصغر كوكب في السماء مثل الأرض ثمان مرات فإذا كان هذا كوكب واحد فانظر إلى كثرة الكواكب وإلى السماء التي فيها الكواكب وإلى إحاطة عينك بذلك مع صغرها والعجب منك أنك تدخل بيت غني مزخرفاً مموها بالذهب فلا ينقطع تعجبك منه ولا تزال تذكرة وأنت تنظر إلى هذا البيت العظيم ولا تتفكر في بناء خالقك فلقد نسيت نفسك وربك واشتغلت ببطنك وفرجك فما مثلك في غفلتك إلا كمثل نملة تخرج من بيتها الذي حفرته في حائط قصر الملك فتلقى أختها فتتحدث معها في حديث بيتها وكيف بنته وما جمعت فيه لا تذكر قصر الملك ولا من فيه فهكذا أنت في غفلتك فما تعرف من السماء إلا ما تعرفه النملة من سقف بيتك .
فهذا بيان معاقد الجمل التي يجول فيها فكر المتفكرين والأعمار تقصر والعلوم تقل عن الإحاطة ببعض المخلوقات إلا أنك كلما استكثرت من معرفة عجائب المصنوعات كانت معرفتك بجلال الصانع أتم فتفكر فيما أشرنا إليه فمن نظر في هذه الأشياء من حيث إنها فعل الله وصنعه واستفاد في المعرفة بجلال الله تعالى وعظمته ومن قصر النظر تعوذ عليها من حيث تأثير بعضها في بعضها من حيث ارتباطها بمسبب الأسباب شقي نعوذ بالله من مزلة أقدم الجهال ومن الركون إلى أسباب الضلال
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
********************************
ملاحظة : هذا الموضوع لفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان ، عضو هيئة كبار العلماء حفظه الله ورعاه ونفع الله بعلمه .