رفقا بالقوارير
22 Mar 2005, 06:09 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الله أكبر
( اللهم اغفر له وارحمه ، وعافه واعف عنه ، وأكرم نُزله ، ووسع مُدخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه
من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
وأبدله دار خيـراً من داره ..
وأهلاً خيـراً من أهله ..
وزوجاً خيـراً من زوجه .. )
بالضبط عند هذه النقطه من الدعاء ، كثيراً ما أسرح بذهني بعيداً عن صفّ المصلين الذي اقف فيه لأتذكر ذلــكـ الشـاب ...
لم أره منذ مدة ، ربما أكثر من عشر سنوات.
كان آخر لقاء لنا على مقاعد الدراسة ، وبعدها فرقتنا مشاغل الحياة وسنين دراسة أخرى طويلة .
ثم انقطعت عني اخباره ، حيث أنه خرج ليواصل دراسته الجامعيه خارج البـلاد.
كان صاحب عقل مُتقد ، وذهن صاف ، فأتم دراسته بتفوق ثم عاد ليعمل في إحدى المؤسسات المعروفة.
سمعت بعودة صاحبنا .. فذهبت إلى مكان عمله لأراه ، عّلنا نجددّ عهوداً ماضية ، ولأعرف أخباره . وعندما التقت الوجوه ابتسم كل منا لصاحبه ابتسامه عريضة ;
وكان عٍناقً وضحٍـكـ ..
ثم قلت له :
لقد نحفت يا عبدالله !
فقال لي مازحاً
وماذا كنت من قبل حتى أنحف أكثر ؟!
ثم ضحكنا .
هوَ عبدالله الذي أعرف ، بروحه المرحهة وابتسامته العريضة ، ونظارتهٍ السميكه التي تُطلَ من خلالها عيناه الذكيتان .
قلت له مداعباً :
ألم تتزوج بعد أيها العجوز ؟
فردّ عليّ :
بل أبشرك أني قد عقدت على بنت الحلال ، وأنا على وشك أن أنتهي من تأثيث الشقه ، ولم يبق سوى تركيب المكيفات وبعض الكماليات الآخرى ، لزوم الفرح كما تعرف !
ففرحت وباركـت له وأنا أقول :
لا تنس أن تدعونا لوليمة عرسك إذن .
ثم إنني أخذت منه موعداً على أن يزورني في بيتي حتى نجلس سوياً ويعرف كلٌ منا أخبار صاحبه ، وأعطاني رقم هاتفه .
حصلت ظروف طارئة منعتني من رؤية عبدالله في الموعد المحدد ، فكلمته بالهاتف لنؤجل موعدنا إلى وقت آخر ، فرحب بذلكـ. وكانت ظروف عمله هو الآخر غير مواتية ، فكانت تستلزم أن يسافر بسيارته من منطقة إلى منطقة أخرى بين الفينة والآخرى .
وفي أحد الأيام عنّت له سفرة إلى إحدى المناطق القريبة ، فلَملمَ حاجياته وانطلق بسيارته.
كنّا قد انتهينا للتو من صلاة المغرب ، فسندت ظهري إلى المتّكأ وأنا أردّد الأذكار ، وبقيت على تلكـ الحال برهة من الزمن ; ثم أحسست بهاتفي المحمول يهتز داخل جيب الثوب.
أخرجته ونظرت إلى المتصل فإذا هو أحد الأصحاب ممن لم أرهم منذ فترة.
رفعت الهاتف إلى أذني مسلماً على صاحبي ، فسلم ورحبّ بي على عجل على غير العادة ، ثم قال بنبرةٍ جادّة
تعرف الأخ عبدالله ؟!
انقبض قلبي وأنا أقول
خيـراً إن شاء الله ، ماذا أصابه ؟!!
الأخ توفي اليوم ...
... كـيــــــــــــــــــــف ؟!!!!
أقول توفي الأخ في حادث ...
حادث سيارة ، وسيُصَلى عليه اليوم بعد العشاء في الجامع ..
اغلقت الهاتف وقد انعقد لساني من فرط المفاجأه ، لم أكن مصدقاً ولم أستطع أن أصدق ; ولذا فقد عزمت أن أخرج فوراً وأتأكد من الأمر بنفسي.
زحامٌ شديد عند الجامع ، وأناسٌ من جنسيات مختلفه ، وكثير من زملاء عبدالله في العمل موجودون هنا.
وقفّ أبو عبدالله يستقبل جموع المعزين وهوَ يحاول أن يخفي اضطراباً وألماً دفيناً. جائت ( مايقولُ النّاس ) أنها جثةَ عبدالله محمولةَ على الأكتاف.
صليّنا على عبدالله ، ولكنني لم أزل غير متيقن تماماً بأنه قد رحل ;
ربما كان في غيبوبة وظنّوه ميتــاً !!!
هذا يَحُصل ، أليس كذلكـ ؟!
انطلقتُ أسابق الريح بسيارتي إلى المقبرة ، أريد أن أرى عبدالله قبل أن يُدفن ;
هل مات فعلاً ؟!
وضعوه على الأرض ملفوفاً بكفنه ، اقتربت منه وأخذت أتفحّصُه وأتسائل هل من بداخل الكيس هو عبدالله حقاً ؟!
وأخذ دماغي يثور بالأسئلة . .
ولكن يا عبدالله لقد تخَرّجت من الجامعة لتّوك ، ولا يزالُ أمامك الكثير من الأعمال لتقوم بها !
نجاحاتً كثيرة تنتظر منك أن تحققها ..
وفتاة أحـلامـك هناكَ نتظرك ..
والشقة التي أكملت تأثيثها ..
والمكيّفات ..
و .. و .. موعِِدُنا !!
هل تسمعني يا عبدالله ؟
هذه المرة الأولى التي أجيءُ فيها المقبرة ليلاً.
مصابيح إنارةٍ هنا وهناك ، بعضها يرسل شعاعاً قوياً متوهجاً ، وبعضها يرسل شعاعاً كئيباً باهتاً.
بالنسبه للميت ، ليس هناك فرق بين الليل والنهار ، فالحفرة مظلمة في كل وقت إلا من نُوّرَ عليه قبـره.
هاهو عبدالله تحتمله الأيادي ثم يُنـزَل في قبره .
بدأوا يهيلون عليه التـراب ..
الأيادي مغبّرة ، والأعناق مشرئبّة ، والعيون دامعة.
وأخذت أرمُقه ..
هل سيتحرك ؟ هل سيتحرر من كفنه وينفض التراب عنه وينتهر مَن حوله : كـُـفّـــو عن هذا !!
لم يحصل شيء من ذلكـ ..
واستمر الترام يعلو ويتراكم حتى استوت معالم القبر مع ما حولها من الأرض .
إذن ..
فقد مات عبدالله
ها أنذا أمسح رقم هاتف صاحبي من مفكرة الأرقام ، فقد صار لغيره ، و لكنني لم أجرؤ على مسح اسمه ، وابقيته لأسترجع أشلاءً من ذكراه .
لقد كانت المرة الوحيدة التي التقيت فيها عبدالله بعد عودته من الخارج هي تلـك المرة عندما زرته في مقر عمله ، ولم تدم تلكـ الزيارة سوى بضع دقائق.
ولكنّه علــمّـــني شيئاً مهمّاً بموته ..
وهوَ أن كونَ الإنسان مشغولاً جداً ، وعندهُ الكثير من الإلتزامات والمواعيد ، وورائه كثيرٌ من الناس الذين ينتظرون لقائه .. أو ينتظرُ هو لقائهم ،
لا فــــــــــــــــرق!!
كُلّ ذلك لن يجعلَ هادم اللذات يتردّد ثانيةَ واحدة في أن يضرب ضربته من دونما موعد ولا إستئذان .
والآن أيها القراء الأفاضل ، هلاّ ردّدتم معي ..
( اللهم اغفر له وارحمه ... و .. و .. و ..
وأبدله داراً خيراً من داره ...
وأهلاً خيـراً من أهله ...
وزوجاً خيـراً من زوجه ..... )
دُعــَـــــــــــــــــــاء
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيـرنا
واجعل الجنة هيا دارنا
اللهم اختم بالصالحـات أعمـالنا وأبائنا وأمهاتنا وجميع المسلمين
اللهم ارحم ضعفنا
اللهم ارحمنا عند موتنا ، وعند تكفيننا ، وعند وضعنا في حفرة القبر
اللهم ارحمنا وثبتنا عند الحسـاب
اللهم نور علينا قبورنا واجعلها روضة من رياض الجنه ولا تجعلها حفرةً من حفر النار
اللهم ارحمنا يوم العرض عليك ، واجعل خيـر أيامـنا يوم نلقاك يا عزيز يا غفور
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم
وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
اللهم آمين
وان شاء الله الجميع يتعظ من هالقصه .. ويبدأ بالعمل ليوم الحساب
ليوم مثل يوم عبدالله وغيره الكثير الذين فقدناهم دون ان تمر الموعظه من فقدناهم
وأنه سيكون لنا يوماً مثل يومهم
وبالله التوفيق
منقوله للعبره
أختكم في الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الله أكبر
( اللهم اغفر له وارحمه ، وعافه واعف عنه ، وأكرم نُزله ، ووسع مُدخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه
من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
وأبدله دار خيـراً من داره ..
وأهلاً خيـراً من أهله ..
وزوجاً خيـراً من زوجه .. )
بالضبط عند هذه النقطه من الدعاء ، كثيراً ما أسرح بذهني بعيداً عن صفّ المصلين الذي اقف فيه لأتذكر ذلــكـ الشـاب ...
لم أره منذ مدة ، ربما أكثر من عشر سنوات.
كان آخر لقاء لنا على مقاعد الدراسة ، وبعدها فرقتنا مشاغل الحياة وسنين دراسة أخرى طويلة .
ثم انقطعت عني اخباره ، حيث أنه خرج ليواصل دراسته الجامعيه خارج البـلاد.
كان صاحب عقل مُتقد ، وذهن صاف ، فأتم دراسته بتفوق ثم عاد ليعمل في إحدى المؤسسات المعروفة.
سمعت بعودة صاحبنا .. فذهبت إلى مكان عمله لأراه ، عّلنا نجددّ عهوداً ماضية ، ولأعرف أخباره . وعندما التقت الوجوه ابتسم كل منا لصاحبه ابتسامه عريضة ;
وكان عٍناقً وضحٍـكـ ..
ثم قلت له :
لقد نحفت يا عبدالله !
فقال لي مازحاً
وماذا كنت من قبل حتى أنحف أكثر ؟!
ثم ضحكنا .
هوَ عبدالله الذي أعرف ، بروحه المرحهة وابتسامته العريضة ، ونظارتهٍ السميكه التي تُطلَ من خلالها عيناه الذكيتان .
قلت له مداعباً :
ألم تتزوج بعد أيها العجوز ؟
فردّ عليّ :
بل أبشرك أني قد عقدت على بنت الحلال ، وأنا على وشك أن أنتهي من تأثيث الشقه ، ولم يبق سوى تركيب المكيفات وبعض الكماليات الآخرى ، لزوم الفرح كما تعرف !
ففرحت وباركـت له وأنا أقول :
لا تنس أن تدعونا لوليمة عرسك إذن .
ثم إنني أخذت منه موعداً على أن يزورني في بيتي حتى نجلس سوياً ويعرف كلٌ منا أخبار صاحبه ، وأعطاني رقم هاتفه .
حصلت ظروف طارئة منعتني من رؤية عبدالله في الموعد المحدد ، فكلمته بالهاتف لنؤجل موعدنا إلى وقت آخر ، فرحب بذلكـ. وكانت ظروف عمله هو الآخر غير مواتية ، فكانت تستلزم أن يسافر بسيارته من منطقة إلى منطقة أخرى بين الفينة والآخرى .
وفي أحد الأيام عنّت له سفرة إلى إحدى المناطق القريبة ، فلَملمَ حاجياته وانطلق بسيارته.
كنّا قد انتهينا للتو من صلاة المغرب ، فسندت ظهري إلى المتّكأ وأنا أردّد الأذكار ، وبقيت على تلكـ الحال برهة من الزمن ; ثم أحسست بهاتفي المحمول يهتز داخل جيب الثوب.
أخرجته ونظرت إلى المتصل فإذا هو أحد الأصحاب ممن لم أرهم منذ فترة.
رفعت الهاتف إلى أذني مسلماً على صاحبي ، فسلم ورحبّ بي على عجل على غير العادة ، ثم قال بنبرةٍ جادّة
تعرف الأخ عبدالله ؟!
انقبض قلبي وأنا أقول
خيـراً إن شاء الله ، ماذا أصابه ؟!!
الأخ توفي اليوم ...
... كـيــــــــــــــــــــف ؟!!!!
أقول توفي الأخ في حادث ...
حادث سيارة ، وسيُصَلى عليه اليوم بعد العشاء في الجامع ..
اغلقت الهاتف وقد انعقد لساني من فرط المفاجأه ، لم أكن مصدقاً ولم أستطع أن أصدق ; ولذا فقد عزمت أن أخرج فوراً وأتأكد من الأمر بنفسي.
زحامٌ شديد عند الجامع ، وأناسٌ من جنسيات مختلفه ، وكثير من زملاء عبدالله في العمل موجودون هنا.
وقفّ أبو عبدالله يستقبل جموع المعزين وهوَ يحاول أن يخفي اضطراباً وألماً دفيناً. جائت ( مايقولُ النّاس ) أنها جثةَ عبدالله محمولةَ على الأكتاف.
صليّنا على عبدالله ، ولكنني لم أزل غير متيقن تماماً بأنه قد رحل ;
ربما كان في غيبوبة وظنّوه ميتــاً !!!
هذا يَحُصل ، أليس كذلكـ ؟!
انطلقتُ أسابق الريح بسيارتي إلى المقبرة ، أريد أن أرى عبدالله قبل أن يُدفن ;
هل مات فعلاً ؟!
وضعوه على الأرض ملفوفاً بكفنه ، اقتربت منه وأخذت أتفحّصُه وأتسائل هل من بداخل الكيس هو عبدالله حقاً ؟!
وأخذ دماغي يثور بالأسئلة . .
ولكن يا عبدالله لقد تخَرّجت من الجامعة لتّوك ، ولا يزالُ أمامك الكثير من الأعمال لتقوم بها !
نجاحاتً كثيرة تنتظر منك أن تحققها ..
وفتاة أحـلامـك هناكَ نتظرك ..
والشقة التي أكملت تأثيثها ..
والمكيّفات ..
و .. و .. موعِِدُنا !!
هل تسمعني يا عبدالله ؟
هذه المرة الأولى التي أجيءُ فيها المقبرة ليلاً.
مصابيح إنارةٍ هنا وهناك ، بعضها يرسل شعاعاً قوياً متوهجاً ، وبعضها يرسل شعاعاً كئيباً باهتاً.
بالنسبه للميت ، ليس هناك فرق بين الليل والنهار ، فالحفرة مظلمة في كل وقت إلا من نُوّرَ عليه قبـره.
هاهو عبدالله تحتمله الأيادي ثم يُنـزَل في قبره .
بدأوا يهيلون عليه التـراب ..
الأيادي مغبّرة ، والأعناق مشرئبّة ، والعيون دامعة.
وأخذت أرمُقه ..
هل سيتحرك ؟ هل سيتحرر من كفنه وينفض التراب عنه وينتهر مَن حوله : كـُـفّـــو عن هذا !!
لم يحصل شيء من ذلكـ ..
واستمر الترام يعلو ويتراكم حتى استوت معالم القبر مع ما حولها من الأرض .
إذن ..
فقد مات عبدالله
ها أنذا أمسح رقم هاتف صاحبي من مفكرة الأرقام ، فقد صار لغيره ، و لكنني لم أجرؤ على مسح اسمه ، وابقيته لأسترجع أشلاءً من ذكراه .
لقد كانت المرة الوحيدة التي التقيت فيها عبدالله بعد عودته من الخارج هي تلـك المرة عندما زرته في مقر عمله ، ولم تدم تلكـ الزيارة سوى بضع دقائق.
ولكنّه علــمّـــني شيئاً مهمّاً بموته ..
وهوَ أن كونَ الإنسان مشغولاً جداً ، وعندهُ الكثير من الإلتزامات والمواعيد ، وورائه كثيرٌ من الناس الذين ينتظرون لقائه .. أو ينتظرُ هو لقائهم ،
لا فــــــــــــــــرق!!
كُلّ ذلك لن يجعلَ هادم اللذات يتردّد ثانيةَ واحدة في أن يضرب ضربته من دونما موعد ولا إستئذان .
والآن أيها القراء الأفاضل ، هلاّ ردّدتم معي ..
( اللهم اغفر له وارحمه ... و .. و .. و ..
وأبدله داراً خيراً من داره ...
وأهلاً خيـراً من أهله ...
وزوجاً خيـراً من زوجه ..... )
دُعــَـــــــــــــــــــاء
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيـرنا
واجعل الجنة هيا دارنا
اللهم اختم بالصالحـات أعمـالنا وأبائنا وأمهاتنا وجميع المسلمين
اللهم ارحم ضعفنا
اللهم ارحمنا عند موتنا ، وعند تكفيننا ، وعند وضعنا في حفرة القبر
اللهم ارحمنا وثبتنا عند الحسـاب
اللهم نور علينا قبورنا واجعلها روضة من رياض الجنه ولا تجعلها حفرةً من حفر النار
اللهم ارحمنا يوم العرض عليك ، واجعل خيـر أيامـنا يوم نلقاك يا عزيز يا غفور
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم
وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
اللهم آمين
وان شاء الله الجميع يتعظ من هالقصه .. ويبدأ بالعمل ليوم الحساب
ليوم مثل يوم عبدالله وغيره الكثير الذين فقدناهم دون ان تمر الموعظه من فقدناهم
وأنه سيكون لنا يوماً مثل يومهم
وبالله التوفيق
منقوله للعبره
أختكم في الله